{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ} ▫️لا بد للعبد من فتنة يعقبها الفرج من الله، أو يُقبض ...

منذ 2024-08-28
{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}

▫️لا بد للعبد من فتنة يعقبها الفرج من الله، أو يُقبض عليها صابرا محتسبا فيرفعه بها مولاه، وهذه هي حقيقة الدنيا دار امتحان واختبار، قبل الرحيل والمقر في دار القرار، ولم يكن لأحد أن يُرفع دون أن يُفتن، ولا أن يُمكَّن قبل أن يُبتلى سنة الله في الأولين والآخرين.

▫️وما عُرف صدق العزم يوما باللسان، بل هو بالجوارح ليُثبت ما قيل ووقر في الجَنان، أما مجرد القول بغير عمل؛ فمذموم منقوص بل هو من علامات النفاق كما قال الله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}، وقال: {يَقُولُونَ بِأَفْوَاهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ}، ومن الناس من يعمل ويمتثل حال الرخاء والدعة، ووقت الشدة يرجع القهقرى قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}، أو إذا لاقى أذية في سبيل الله تراجع وفر حتى إذا جاء النصر عاد يُذكَّر بما خلا ومضى من حاله الأول، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ}.

▫️وأما طريق الصالحين فلا بد فيه من فتنة ثم تمكين قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَّا إِنَّ نَصْرَ الله قَرِيبٌ}، وما كل ذلك إلا {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ}، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}، {وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ}.


افتتاحية النبأ العدد 455
الخميس 4 صفر 1446هـ
◽️{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}


▫️إذن، قد تصاب خيل المسير بكبوة في ميادين الجهاد والدعوة، وقد ينال صرحَ المؤمنين ما يناله، في مدار الفتنة والتمحيص قبيل التمكين، لكن سرعان ما تكمل الخيل مسيرها، ويكتمل الصرح ويشمخ البنيان، ولنا في سيرة النبي وصحابته الأسوة والقدوة، ولنا في الهجرة خير مثال، فخروج الرسول ﷺ من مكة إلى المدينة مع صاحبه الصديق متخفيا متسترا، وفكره يجول في مكة يسأل عن أحوالها ومن بقي فيها من أصحابه، تلاحقهم وتلاحقه الركاب والعيون، حتى لحقه أغلب الأصحاب، زادهم ما وقر في القلوب من الإيمان والتقوى؛ وهما العدة والزاد الأنفع، فكان في هجرته ﷺ وصحابته الصبر على الأذى والتعذيب وفراق الأهل وفقدان البيت والمال وغيرها من صنوف العذاب، ومع ذلك لم ييأس الصحابة مما أصابهم وما ضعفوا وما استكانوا، بل شيَّدوا بقيادة النبي ﷺ أعظم دولة عرفها التاريخ، بنوها على جماجمهم وسقوها دماءهم بعد أن أقاموا أصولها وقواعدها على التوحيد الخالص.

▫️وفي سيرتهﷺ القبسُ للمتأسي، إذ كان منارا لعلو الهمة لا يفتر ويقول: (لوددت أنّي أغزو في سبيل الله، فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو، فأقتل)، صادق العزيمة إذ قال: (لأقاتلنّهم على أمري هذا حتّى تنفرد سالفتي)، متوكلا على الله لم ييأس من رَوحه، يُطمئن من حوله بقوله: (والله ليتمّنّ هذا الأمر)، ثم ما لبث أن أعطى للتاريخ نوره الأسطع وعبيره الأزكى، في أكمل السير وأنفع الأثر على الإطلاق.


افتتاحية النبأ العدد 455
الخميس 4 صفر 1446هـ
{وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ}


▫️وهو ما رأيناه في حال الدولة الإسلامية بعدما عتت عليها بوائق الدهر، واشتدت عليها الحملة الصليبية الرافضية في العراق، وانقلبت فصائل الصحوات من قتال العدو إلى القتال معه، حتى اضطر المجاهدون للانحياز من أغلب المناطق وخلت منهم المدن، لكن لم تخلُ قلوبهم من اليقين بالله، فقد احتووه واحتواهم قبل الصحاري والقفار، ولم ييأسوا من روح الله، وما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما هي إلا سنوات حتى أعادوا ترتيب صفوفهم ولملموا شتاتهم، وأعادوا الكرة على عدوهم فكانت أمضى وأشد من ذي قبل، حتى أثمرت هذه المحنة دولة إسلامية سرعان ما غدت دولة خلافة على منهاج النبوة قامت وعلى التوحيد استقامت، بعد سنوات من التمحيص والأذى وتكالب الأعداء.

▫️وإلى زماننا هذا الذي نعيش فيه كل يوم وقائع السيرة النبوية محنة ومنحة، ونحيا فصولها على الأرض في الولايات والساحات، وما زالت عجلة الجهاد تدور، وما زالت حرب الاستنزاف ضد قوى الكفر العالمي مستمرة لا تتوقف، حتى إذا ما حانت الفرصة وتهيأت أسبابها، وجد الكفار أمامهم ما كانوا يحذرون، فالأصل ثابت والحمد لله، والبناء والارتقاء متواصل وإن تأثر أو تعثر أو تأخر أحيانا، والمحن تصقل النفس وتزيد البأس، وتنمي الخبرة والمراس، والصفوف تصفو والقلوب تزداد تعلُّقا بخالقها سبحانه، والجند لا تيأس من روح الله؛ فرَجه ورحمته {إنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}.

افتتاحية النبأ العدد 455
الخميس 4 صفر 1446هـ

6682761216a48

  • 0
  • 0
  • 19

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً