معركة الجماعة والفصائل (4) فوضى الفصائل المسلّحة في الشام لم يكن للقتال ضدّ النّظام النّصيريّ ...
معركة الجماعة والفصائل (4) فوضى الفصائل المسلّحة في الشام
لم يكن للقتال ضدّ النّظام النّصيريّ خطّة مسبقة أو استراتيجيّة موضوعة، وإنّما تصاعد تحت تأثير ردّ فعل الأهالي على هجمات النّظام في محاولته إخماد الثّورة التي خرجت ضدّه، فبعد المجازر التي ارتكبها ضدّ المتظاهرين في مناطق مختلفة من البلاد، صار النّظام يقوم بحملات مداهمة على الأحياء والقرى لاعتقال النّاشطين والمتظاهرين، ومنذ الأيّام الأولى وجد المتظاهرون القليل من السّلاح الخفيف، وخاصّة في المناطق ذات البعد العشائري، والمناطق الحدوديّة التي ينشط فيها المهرّبون، حيث بدأ الأهالي شيئاً فشيئاً يتصدّون للحملات الأمنيّة ببنادق الصيد وقليل من بنادق الكلاشنكوف، حتى وصل الأمر ببعض المناطق أن هوجمت حواجز النّظام ونقاطه الأمنيّة من قبل مجموعات من الشبّان المسلّحين الذين كانوا يرافقون المظاهرات لحمايتها من هجمات محتملة من أجهزة أمن النظام النّصيريّ، بل وبلغت هذه الهجمات حدّ إسقاط بعض القرى والبلدات البعيدة، وإخراج عناصر النظام منها، كلّ هذا تمّ دون أن تكون هناك تنظيمات حقيقيّة أو فصائل مسلّحة، بل اتّخذت تلك العمليّات العسكريّة شكلاً متطوّراً من عمل "التنسيقيّات" والمتظاهرين، حيث كانت المظاهرات هي الهدف الذي يسعون إلى الحفاظ عليه، في ظل انخداعهم بشعارات "السّلميّة" وتجربتَي "الثورة التونسيّة" و"الثورة المصريّة"، في حين كانت التّجربة اللّيبيّة التي لم تحسم حينئذ أمراً بعيداً عن تصوّراتهم.
تبلور العمل المسلّح ضد النّظام النّصيريّ شيئاً فشيئاً تحت تأثير عوامل متعدّدة أهمّها:
1- التطوّر الطبيعي للعمل المسلّح:
مع اشتداد ضربات النظام المتمثّلة بالهجوم على المظاهرات وساحات الاعتصام، وحملات المداهمة على الأحياء والقرى لاعتقال المتظاهرين، وازدياد أعداد المطلوبين أمنيّاً للنظام، بات التوجّه إلى حمل السّلاح يزداد وضوحاً، وبالتالي زادت الحاجة لتوفّر السّلاح، وتوفير الحدّ الأدنى من التنظيم للمقاتلين، فظهرت المجاميع في القرى والبلدات، وداخل أحياء بعض المدن، دون أن تكون لها أسماء أو هياكل حقيقيّة، وتزعَّمها في الغالب من استطاع تأمين بعض قطع السّلاح والذّخيرة، فاشتراها من ماله الخاص أو بأموال مجموعة من الأهالي، أو من تبرّعات التّجار والأثرياء، وهكذا ظهرت هذه "الكتائب الثّوريّة"، إلى جانب "تنسيقيّات الثّورة"، وظهر مصطلح "الثوّار" ليزاحم "المتظاهرين" على تصدّر المشهد الإعلاميّ.
2- ظاهرة المنشقّين عن جيش النظام وأجهزته الأمنيّة:
وقد بدأت هذه الظاهرة بشكلٍ فرديٍّ تطوّرت شيئاً فشيئاً إلى انشقاقات بالمئات من قبل العناصر الرّافضين للقتال في صفّ النّظام ضد الأهالي، أو الخائفين على أنفسهم من القتل في الاشتباكات. ومع تزايد أعداد المنشقّين بدأ ظهور الفصائل المسلّحة بشكلها البدائي، وأطلقت كلٌّ منها على نفسها اسم كتيبة، وأعلن كثير منها انضمامه إلى "الجيش الحر" الذي كان كياناً إعلاميّاً، أنشأه بعض الجنود المنشقّين، وجعلوا من العميد المنشق (رياض الأسعد) قائداً له، نظراً لرتبته، وتكاثرت الكتائب شيئاً فشيئاً، وكلّ من دخل هذا المشروع كان يؤمّل نفسه بأن تزداد الانشقاقات في جيش النّظام النّصيريّ حتى يصبح "الجيش الحر" مكافئاً لما تبقّى من الجيش النّصيريّ أو يحلّ محلّه، وكذلك يؤمّل نفسه بقوافل المساعدات العسكريّة، والجسور الجويّة، ودعم طائرات التّحالف الصّليبيّ، وكلّ ذلكم متوقف -بظنّهم- على تشكّل "الجيش الحر" واستلامه قيادة العمل المسلّح ضد النّظام النصيريّ، وهذا التحوّل الفكري نتج -وبلا شك- عن تطوّرات الأحداث في ليبيا، حيث تولّى طواغيت دول الخليج وطائرات التحالف الصليبيّ دعم "الثوار" وتوجيههم في حربهم على القذافي حتى تمكّنوا من إسقاطه.
عُيّن الضبّاط والعناصر المنشقون من جيش النظام، قادة للكتائب والفصائل التي كان لبعضها أسماء ترتبط بالإسلام، وتمّ اعتبارهم أبطالاً، دون أن يفكّر أحد في نوع التّغير الذي طرأ على هؤلاء، فلا هم تابوا من عقيدة البعث، ولا هم أعلنوا البراءة من النّظام النصيري وعقائده، بل ولا هم غيروا لباسهم العسكري الذي انشقوا به عن جيش النظام، وظلوا يفاخرون بالرّتب العسكريّة التي حصلوا عليها مكافأةً لخدمتهم في جيش الطاغوت.
مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5
مقال:
معركة الجماعة والفصائل (4)
فوضى الفصائل المسلّحة في الشام
معركة الجماعة والفصائل (4) فوضى الفصائل المسلّحة في الشام
3- إفراج النّظام النّصيريّ عن المئات من معتقلي سجن صيدنايا:
بعد عام من انطلاق المظاهرات ضدّه، أقدم النّظام النّصيريّ وفي خطوة مفاجئة على إطلاق سراح المئات من معتقلي صيدنايا، وكان ممن أُطلق سراحهم سجناء منتمون إلى المذاهب والتيّارات والأحزاب التي تصنّف على أنّها "إسلاميّة"، من "الإخوان المسلمين" و"السروريّة" و"السلفيّين" و"التحريريّين" و"الجهاديّين" وغيرهم.
كان في الإعلان عن إطلاق سراح هذه الدفعة الكبيرة من المعتقلين ذوي الأحكام القاسية غاية إعلاميّة في إظهار أنَّ النّظام يبدي ليونة تجاه مطالب الثّائرين عليه، ولكن حامت فيما بعد الكثير من الظّنون والمزاعم حول الغاية الحقيقيّة للنّظام من هذا "العفو"، خاصّة بسبب نوع من سيطلق سراحهم، فهم أولاً "إسلاميّون" وبالتّالي ممارستهم للعمل ضدّه خارج السّجن سيكون على هذا الأساس، ما سيحرم "الثّوار" من الأغطية العلمانيّة والسّلميّة التي تدثّروا بها أمام الغرب وطواغيت العرب، وهم ثانياً ممّن جرّب الخروج على النّظام وتحدّيه، وذلك في أحداث سجن صيدنايا حيث سيطر السجناء على السّجن لمدة 9 أشهر تقريباً نتيجة عصيانهم وانتفاضتهم داخل جدران السّجن، رغم أن معظمهم رفضوها أو دخلوا فيها كارهين بحكم استهداف النّظام لجميع المساجين، ومنع قادة الانتفاضة للسّجناء لاحقاً من الخروج من الزنازين وتسليم أنفسهم للنّظام، وبالتالي فإن إمكانية دخولهم إلى صفّ المسلّحين أمر شبه مؤكّد، وتسلّمهم قيادة العمل أمر محتمل بحكم أعمارهم وتجاربهم وسمعتهم التي اكتسبوها من سجنهم ومن كونهم معارضين للنّظام.
رغم أنّ هذه الظّنون يمكن ردّها بأنّ النظام أفرج في الوقت نفسه عن المئات من العلمانيين، من المرتدين المنتمين إلى حركات "المجتمع المدني"، ومرتدي PKK والحركة الشعبية لتحرير كردستان، ومن مرتدي البعث اليميني، بالإضافة إلى الكثير من المحكومين بقضايا التهريب، والتجسس وغيرها، وكان الجامع بين كل المفرج عنهم أنّهم كانوا قد أنهوا ثلاثة أرباع مدّة حكمهم.
وفعلاً خرج هؤلاء من السّجون على دفعات، ومع تصاعد العمل المسلّح ضدّ النّظام بدأ الشباب يتجمّعون حول قسم من هؤلاء المفرج عنهم، بحكم الصّداقة أو القرابة أو الجوار، بحكم الثقة والانجذاب إلى السّمعة الكبيرة التي نالها معتقلو صيدنايا من انتفاضتهم، وشكّل هؤلاء كتائب مستقلّة فكانوا قادتها، أو انضمّوا إلى كتائب وفصائل موجودة، ليشغلوا فيها مناصب قياديّة، وقد كان لبعض منهم والذين أطلق عليهم فيما بعد لقب "مجموعة صيدنايا" دورٌ كبيرٌ في زيادة تمزّق السّاحة وتكاثر الفصائل واستحكام العداوات بينها، وفضلاً عن انتماءاتهم المختلفة، فإن أحداث السجن الطويلة العصيبة، جعلتهم ينقسمون إلى مجموعات وتيّارات، وزرعت بينهم من الخلافات والعداوات ما أوصلهم أحياناً إلى تهديد بعضهم بالقتل، فلا مجال للتلاقي بينهم خارج السّجن.
4- دخول المهاجرين:
وبسبب الكمّ الكبير لهؤلاء المهاجرين، فقد دخل قسم منهم في الكتائب والفصائل الموجودة في السّاحة، وخاصّة ذات الصبغة "الإسلاميّة"، في حين اعتزل القسم الأكبر منهم هذه الفصائل مشكّلين بذلك العشرات من الكتائب والفصائل المستقلّة ذات الرايات الإسلاميّة، والتي أُسّس معظمها على أسس إقليمية، بل على أساس الدول التي جاؤوا منها، أو على أساس اللغة بالنسبة للمهاجرين العجم، وإن دخل فيها الكثير من الأنصار لاحقاً، وتركّزت هذه الظاهرة على وجه الخصوص في منطقة الشمال (حلب وإدلب والساحل).
وتحت تأثير هذه العوامل امتلأت ساحة الشام بالفصائل المتباينة، المختلفة عن بعضها شكلاً وحجماً ومنهجاً وتبعيّةً، حتى إنّ عدد هذه الفصائل بلغ بحسب بعض الإحصائيات أكثر من 2000 فصيل، ربما اشترك العشرات منها أحياناً بالاسم نفسه دون أن يكون بينها أي ارتباط، أمّا الألقاب فكانت عجيبة، فأعطت الفصائل لأنفسها ألقاب الألوية والجيوش والفرق رغم قلة عدد عناصر معظمها إلى حد يجعل المقارنة بين اسم الفصيل وحقيقة واقعه أمراً مثيراً للسخرية.
وفي ظل هذه الفوضى الكبيرة كان ينبغي على مجاهدي الدّولة الإسلاميّة أن يشقّوا طريقهم، ويحقّقوا الأهداف التي أوفدوا من أجلها إلى ساحة الشام.
مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5
مقال:
معركة الجماعة والفصائل (4)
فوضى الفصائل المسلّحة في الشام
لم يكن للقتال ضدّ النّظام النّصيريّ خطّة مسبقة أو استراتيجيّة موضوعة، وإنّما تصاعد تحت تأثير ردّ فعل الأهالي على هجمات النّظام في محاولته إخماد الثّورة التي خرجت ضدّه، فبعد المجازر التي ارتكبها ضدّ المتظاهرين في مناطق مختلفة من البلاد، صار النّظام يقوم بحملات مداهمة على الأحياء والقرى لاعتقال النّاشطين والمتظاهرين، ومنذ الأيّام الأولى وجد المتظاهرون القليل من السّلاح الخفيف، وخاصّة في المناطق ذات البعد العشائري، والمناطق الحدوديّة التي ينشط فيها المهرّبون، حيث بدأ الأهالي شيئاً فشيئاً يتصدّون للحملات الأمنيّة ببنادق الصيد وقليل من بنادق الكلاشنكوف، حتى وصل الأمر ببعض المناطق أن هوجمت حواجز النّظام ونقاطه الأمنيّة من قبل مجموعات من الشبّان المسلّحين الذين كانوا يرافقون المظاهرات لحمايتها من هجمات محتملة من أجهزة أمن النظام النّصيريّ، بل وبلغت هذه الهجمات حدّ إسقاط بعض القرى والبلدات البعيدة، وإخراج عناصر النظام منها، كلّ هذا تمّ دون أن تكون هناك تنظيمات حقيقيّة أو فصائل مسلّحة، بل اتّخذت تلك العمليّات العسكريّة شكلاً متطوّراً من عمل "التنسيقيّات" والمتظاهرين، حيث كانت المظاهرات هي الهدف الذي يسعون إلى الحفاظ عليه، في ظل انخداعهم بشعارات "السّلميّة" وتجربتَي "الثورة التونسيّة" و"الثورة المصريّة"، في حين كانت التّجربة اللّيبيّة التي لم تحسم حينئذ أمراً بعيداً عن تصوّراتهم.
تبلور العمل المسلّح ضد النّظام النّصيريّ شيئاً فشيئاً تحت تأثير عوامل متعدّدة أهمّها:
1- التطوّر الطبيعي للعمل المسلّح:
مع اشتداد ضربات النظام المتمثّلة بالهجوم على المظاهرات وساحات الاعتصام، وحملات المداهمة على الأحياء والقرى لاعتقال المتظاهرين، وازدياد أعداد المطلوبين أمنيّاً للنظام، بات التوجّه إلى حمل السّلاح يزداد وضوحاً، وبالتالي زادت الحاجة لتوفّر السّلاح، وتوفير الحدّ الأدنى من التنظيم للمقاتلين، فظهرت المجاميع في القرى والبلدات، وداخل أحياء بعض المدن، دون أن تكون لها أسماء أو هياكل حقيقيّة، وتزعَّمها في الغالب من استطاع تأمين بعض قطع السّلاح والذّخيرة، فاشتراها من ماله الخاص أو بأموال مجموعة من الأهالي، أو من تبرّعات التّجار والأثرياء، وهكذا ظهرت هذه "الكتائب الثّوريّة"، إلى جانب "تنسيقيّات الثّورة"، وظهر مصطلح "الثوّار" ليزاحم "المتظاهرين" على تصدّر المشهد الإعلاميّ.
2- ظاهرة المنشقّين عن جيش النظام وأجهزته الأمنيّة:
وقد بدأت هذه الظاهرة بشكلٍ فرديٍّ تطوّرت شيئاً فشيئاً إلى انشقاقات بالمئات من قبل العناصر الرّافضين للقتال في صفّ النّظام ضد الأهالي، أو الخائفين على أنفسهم من القتل في الاشتباكات. ومع تزايد أعداد المنشقّين بدأ ظهور الفصائل المسلّحة بشكلها البدائي، وأطلقت كلٌّ منها على نفسها اسم كتيبة، وأعلن كثير منها انضمامه إلى "الجيش الحر" الذي كان كياناً إعلاميّاً، أنشأه بعض الجنود المنشقّين، وجعلوا من العميد المنشق (رياض الأسعد) قائداً له، نظراً لرتبته، وتكاثرت الكتائب شيئاً فشيئاً، وكلّ من دخل هذا المشروع كان يؤمّل نفسه بأن تزداد الانشقاقات في جيش النّظام النّصيريّ حتى يصبح "الجيش الحر" مكافئاً لما تبقّى من الجيش النّصيريّ أو يحلّ محلّه، وكذلك يؤمّل نفسه بقوافل المساعدات العسكريّة، والجسور الجويّة، ودعم طائرات التّحالف الصّليبيّ، وكلّ ذلكم متوقف -بظنّهم- على تشكّل "الجيش الحر" واستلامه قيادة العمل المسلّح ضد النّظام النصيريّ، وهذا التحوّل الفكري نتج -وبلا شك- عن تطوّرات الأحداث في ليبيا، حيث تولّى طواغيت دول الخليج وطائرات التحالف الصليبيّ دعم "الثوار" وتوجيههم في حربهم على القذافي حتى تمكّنوا من إسقاطه.
عُيّن الضبّاط والعناصر المنشقون من جيش النظام، قادة للكتائب والفصائل التي كان لبعضها أسماء ترتبط بالإسلام، وتمّ اعتبارهم أبطالاً، دون أن يفكّر أحد في نوع التّغير الذي طرأ على هؤلاء، فلا هم تابوا من عقيدة البعث، ولا هم أعلنوا البراءة من النّظام النصيري وعقائده، بل ولا هم غيروا لباسهم العسكري الذي انشقوا به عن جيش النظام، وظلوا يفاخرون بالرّتب العسكريّة التي حصلوا عليها مكافأةً لخدمتهم في جيش الطاغوت.
مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5
مقال:
معركة الجماعة والفصائل (4)
فوضى الفصائل المسلّحة في الشام
معركة الجماعة والفصائل (4) فوضى الفصائل المسلّحة في الشام
3- إفراج النّظام النّصيريّ عن المئات من معتقلي سجن صيدنايا:
بعد عام من انطلاق المظاهرات ضدّه، أقدم النّظام النّصيريّ وفي خطوة مفاجئة على إطلاق سراح المئات من معتقلي صيدنايا، وكان ممن أُطلق سراحهم سجناء منتمون إلى المذاهب والتيّارات والأحزاب التي تصنّف على أنّها "إسلاميّة"، من "الإخوان المسلمين" و"السروريّة" و"السلفيّين" و"التحريريّين" و"الجهاديّين" وغيرهم.
كان في الإعلان عن إطلاق سراح هذه الدفعة الكبيرة من المعتقلين ذوي الأحكام القاسية غاية إعلاميّة في إظهار أنَّ النّظام يبدي ليونة تجاه مطالب الثّائرين عليه، ولكن حامت فيما بعد الكثير من الظّنون والمزاعم حول الغاية الحقيقيّة للنّظام من هذا "العفو"، خاصّة بسبب نوع من سيطلق سراحهم، فهم أولاً "إسلاميّون" وبالتّالي ممارستهم للعمل ضدّه خارج السّجن سيكون على هذا الأساس، ما سيحرم "الثّوار" من الأغطية العلمانيّة والسّلميّة التي تدثّروا بها أمام الغرب وطواغيت العرب، وهم ثانياً ممّن جرّب الخروج على النّظام وتحدّيه، وذلك في أحداث سجن صيدنايا حيث سيطر السجناء على السّجن لمدة 9 أشهر تقريباً نتيجة عصيانهم وانتفاضتهم داخل جدران السّجن، رغم أن معظمهم رفضوها أو دخلوا فيها كارهين بحكم استهداف النّظام لجميع المساجين، ومنع قادة الانتفاضة للسّجناء لاحقاً من الخروج من الزنازين وتسليم أنفسهم للنّظام، وبالتالي فإن إمكانية دخولهم إلى صفّ المسلّحين أمر شبه مؤكّد، وتسلّمهم قيادة العمل أمر محتمل بحكم أعمارهم وتجاربهم وسمعتهم التي اكتسبوها من سجنهم ومن كونهم معارضين للنّظام.
رغم أنّ هذه الظّنون يمكن ردّها بأنّ النظام أفرج في الوقت نفسه عن المئات من العلمانيين، من المرتدين المنتمين إلى حركات "المجتمع المدني"، ومرتدي PKK والحركة الشعبية لتحرير كردستان، ومن مرتدي البعث اليميني، بالإضافة إلى الكثير من المحكومين بقضايا التهريب، والتجسس وغيرها، وكان الجامع بين كل المفرج عنهم أنّهم كانوا قد أنهوا ثلاثة أرباع مدّة حكمهم.
وفعلاً خرج هؤلاء من السّجون على دفعات، ومع تصاعد العمل المسلّح ضدّ النّظام بدأ الشباب يتجمّعون حول قسم من هؤلاء المفرج عنهم، بحكم الصّداقة أو القرابة أو الجوار، بحكم الثقة والانجذاب إلى السّمعة الكبيرة التي نالها معتقلو صيدنايا من انتفاضتهم، وشكّل هؤلاء كتائب مستقلّة فكانوا قادتها، أو انضمّوا إلى كتائب وفصائل موجودة، ليشغلوا فيها مناصب قياديّة، وقد كان لبعض منهم والذين أطلق عليهم فيما بعد لقب "مجموعة صيدنايا" دورٌ كبيرٌ في زيادة تمزّق السّاحة وتكاثر الفصائل واستحكام العداوات بينها، وفضلاً عن انتماءاتهم المختلفة، فإن أحداث السجن الطويلة العصيبة، جعلتهم ينقسمون إلى مجموعات وتيّارات، وزرعت بينهم من الخلافات والعداوات ما أوصلهم أحياناً إلى تهديد بعضهم بالقتل، فلا مجال للتلاقي بينهم خارج السّجن.
4- دخول المهاجرين:
وبسبب الكمّ الكبير لهؤلاء المهاجرين، فقد دخل قسم منهم في الكتائب والفصائل الموجودة في السّاحة، وخاصّة ذات الصبغة "الإسلاميّة"، في حين اعتزل القسم الأكبر منهم هذه الفصائل مشكّلين بذلك العشرات من الكتائب والفصائل المستقلّة ذات الرايات الإسلاميّة، والتي أُسّس معظمها على أسس إقليمية، بل على أساس الدول التي جاؤوا منها، أو على أساس اللغة بالنسبة للمهاجرين العجم، وإن دخل فيها الكثير من الأنصار لاحقاً، وتركّزت هذه الظاهرة على وجه الخصوص في منطقة الشمال (حلب وإدلب والساحل).
وتحت تأثير هذه العوامل امتلأت ساحة الشام بالفصائل المتباينة، المختلفة عن بعضها شكلاً وحجماً ومنهجاً وتبعيّةً، حتى إنّ عدد هذه الفصائل بلغ بحسب بعض الإحصائيات أكثر من 2000 فصيل، ربما اشترك العشرات منها أحياناً بالاسم نفسه دون أن يكون بينها أي ارتباط، أمّا الألقاب فكانت عجيبة، فأعطت الفصائل لأنفسها ألقاب الألوية والجيوش والفرق رغم قلة عدد عناصر معظمها إلى حد يجعل المقارنة بين اسم الفصيل وحقيقة واقعه أمراً مثيراً للسخرية.
وفي ظل هذه الفوضى الكبيرة كان ينبغي على مجاهدي الدّولة الإسلاميّة أن يشقّوا طريقهم، ويحقّقوا الأهداف التي أوفدوا من أجلها إلى ساحة الشام.
مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 5
مقال:
معركة الجماعة والفصائل (4)
فوضى الفصائل المسلّحة في الشام