التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة • في الذّكرى العاشرة لغزوة (١١ سبتمبر) المباركة، نشرت ...

التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة

• في الذّكرى العاشرة لغزوة (١١ سبتمبر) المباركة، نشرت جريدة (نيويورك تايمز) الأمريكيّة تقديراتٍ إحصائيةً للخسائر الأمريكيّة جرّاء هذه الغزوة وتبعاتها في عشر سنواتٍ، هذه التّقديرات جاءت صادمةً، بسبب ارتفاع الأرقام المطروحة كتكاليف لهذه العمليّة، والتي قدّر الأمريكان أنها كلّفت المجاهدين أقلّ من ٥٠٠ ألف دولار بالمجمل، في حين قدّر باحثوهم الاقتصاديّون تكاليفها على اقتصادهم الكلّي بحوالي 3.3 ترليون دولار، أي ٧ مليون دولار مقابل كلّ دولار دفعه المجاهدون.

المميّز في التّقرير أنّ التّكاليف المباشرة لضربات سبتمبر (المتمثّلة بقيمة برجي التّجارة والمباني المحيطة بهما التي تعرّضت للتّدمير أو الأذى، والخسائر في التّجهيزات والمعدّات والدّمار الذي تعرّضت له البنى التّحتيّة، والتّكاليف الصّحيّة للمصابين، وتنظيف آثار الدّمار وغيرها) قُدّرت فقط بحوالي ٥٥ مليار دولار، ما يعادل (1.6%) فقط من إجمالي الخسائر فقط، في حين كانت التّكاليف الكبرى موزّعة على تعزيز الأمن الدّاخلي، والحروب الخارجية التي دخلها (جورج بوش) في خراسان والعراق، والتّبعات المتوقّعة لهذه الحروب من تعويضات وتكاليف الرّعاية الصّحيّة لجرحاها.

ويمكننا إدراك أهميّة هذه الأرقام إذا عرفنا أنّ هذا المبلغ المقدّر للخسائر الإجمالية (3.3 ترليون دولار) يعادل تقريباً كلّ نفقات الولايات المتحدة في عامي (١٤٢٢ و١٤٢٣) بما فيها من إنفاق على الجيش والأمن والتّعليم والنّقل والصّحة والأبحاث والتّطوير.

هذا النّموذج من تقدير الخسائر المحتملة من العمليّات الجهاديّة في عمق أرض العدوّ يقدّم بوضوح أسلوباً لتقدير آثار هذه العمليّات على العدوّ على المديَيْن المتوسّط والبعيد فضلاً عن المدى القريب، والتّأثير المباشر المتمثّل بخسائر العمليّات نفسها على العدوّ بشريّاً وماديّاً.

وقد ضربنا سابقاً بعمليّات الدّولة الإسلاميّة في تونس -مؤخّراً- مثالاً على هذا النّوع من التّأثيرات، وركّزنا فيها على السّياحة بسبب مكانتها الهامّة في الاقتصاد التّونسيّ وتأثيرها الكبير بذلك على حكومة الطّاغوت في تونس.

وكما تبيّن من تأثيرات عمليّات (١١ سبتمبر) فالخسائر متوسّطة وبعيدة المدى لتلك العمليّات فاقت الآثار المباشرة بـ ٩٨ ضعفاً تقريباً، وهذه التّأثيرات ستصيب كلّ بلدٍ يتعرّض لعملٍ أمنيٍّ، لكن يختلف حجم التّأثيرات ومداها بحسب حجم العمليّات ونكايتها واستمراريّتها، وبحسب طبيعة وشدّة استجابة النّظام فيه، وبحسب إمكانيات المهاجمين وقدرتهم على امتصاص صدمة الانتقام منهم، والاستمرار في توجيه ضربات متتابعة لعدوّهم.

ومن خلال استقراء تاريخ العمليّات الجهاديّة ذات الطّابع الأمنيّ، يمكننا معرفة الكثير عن آثار هذه العمليّات على الدّول المستهدفة ومنها:

التأثيرات المباشرة (خلال شهر من العمل)؛ وتتمثل بالخسائر البشريّة والماديّة التي تصيب العدوّ فور تنفيذ الهجوم، فالقتلى والمصابون من تأثير الهجوم أو من الاشتباكات التي تعقبه، والدّمار الحاصل في المباني والسّيارات والأجهزة وغيرها والتّخريب في شبكات الهاتف والكهرباء والماء والطّرق، كلّها تندرج في هذا الإطار.

والتّأثيرات على المدى القريب (حتى سنة من العمل)؛ مثل تكاليف الاستنفار الأمنيّ، وتكاليف معالجة المصابين، وتكاليف انقطاع الضحايا عن العمل، وهرب السّيّاح، وإغلاق الأسواق والمعامل والمدارس، وهبوط أسواق الأسهم، وفرض حالة الطّوارئ، وقد شاهدنا هذه الظواهر بُعيد العمليّات الأخيرة لجنود الخلافة، فعمليّة إسقاط الطّائرة الرّوسيّة في سيناء، أدّت لهروب أكثر من ١٠٠ ألف سائحٍ روسيٍّ من مصر، فخسرت السّياحة في مصر من جراء ذلك أكثر من مليار دولار، وتحمّلت روسيا تكاليف نقلهم الباهظة، وكذلك تعرّض اقتصاد حكومة الطّاغوت في تونس لخسارة فادحة تقدر بأكثر من ٢ مليار دولار من انهيار السّياحة بعد العمليّات المباركة في ساحل (سوسة) و(متحف باردو)، وكذلك فإن الاقتصاد الفرنسي سيتكلّف خسائر بمليارات الدّولارات حيث تساهم السّياحة بأكثر من ٧% من إجمالي ناتجها القوميّ، ويزورها أكبر عددٍ من السّواح في العالم، حيث قدّروا في العام الفائت فقط بـ ٨٣ مليون سائح، خاصّة أنّ العمليّات الأخيرة جرت قُبيل بدء موسم العطلات الموافق لأعياد النّصارى ورأس السّنة الرّوميّة.

وكذلك تؤدّي حالة القلق إلى هروب المستثمرين ورؤوس الأموال إلى مناطق أكثر أمناً، وخاصّة في حال استمرار حالة الخوف وانعدام الأمن، باستمرار العمليّات الجهاديّة، بدليل تراجع أسواق الأسهم والسّندات في الأيّام الأولى لكلّ عمليّة ثم تعود لتعويض خسائرها رويداً رويداً بل وتحقيق أرباحٍ في حال عدم استمرار العمليّات، وهذا ما حدث بعد كلٍّ من عمليّات أبراج نيويورك وقطارات مدريد ومحطّات قطار الأنفاق في لندن.

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 9
مقال:
التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة



التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة

• التّأثيرات على المدى المتوسّط (حتى خمس سنوات)؛ بتعزيز الإجراءات الأمنيّة عن طريق زيادة عدد رجال الأمن وتحسين تجهيزاتهم وتسليحهم، وضبط الحدود وزيادة الرّقابة والتّجهيزات على المعابر الحدوديّة والمطارات، الأمر الذي يقتضي تحويل جزءٍ كبيرٍ من دخل النّظام لصالح الجيش والقوى الأمنيّة وأجهزة المخابرات، وبالتّالي خفض الإنفاق على الخدمات، وزيادته لدعم الاقتصاد، ما يعني زيادة النّفقات، وانخفاض الإيرادات التي غالبها من الضّرائب بسبب تراجع الاقتصاد، وبالتّالي ظهور العجز في الميزانيّة، وهذا ما شاهدناه في أمريكا سابقاً، وفي فرنسا بعد العمليّات الأخيرة، فالمميّز في العمليّات الأخيرة أنّها جاءت بعد ١٠ شهور تقريباً من عملية استهداف (صحيفة شارلي إيبدو)، وبالتّالي اكتسبت تأثيراً مضاعفاً بأن أجبرت الحكومة الصّليبيّة على اتّخاذ إجراءات متوسّطة المدى تقوم على تعزيز أجهزة أمنهم بحوالي ١٠٠٠٠ عنصرٍ جديدٍ، وتعزيز أنظمة الرّقابة على الحدود، وتقليص سياسة الحدود المفتوحة مع دول الاتّحاد الأوروبيّ، وكذلك زيادة مشاركتها في التّحالف الصّليبيّ بإرسال حاملة الطّائرات (شارل ديغول)، ما يعني بالمحصلة تكاليف بمليارات الدّولارات خلال السّنوات القادمة.

التأثيرات على المدى البعيد (حتى عشر سنوات) باستنزاف موارد النّظام على الجيش والأمن وهي من القطاعات المستهلكة التي لا تعود بأرباح على الاقتصاد إلّا في حالاتٍ خاصّةٍ (كالتّصنيع، وتأجير الجنود للأمم المتّحدة)، ومع ضعف الاقتصاد النّاجم عن تراجع الدّعم الحكوميّ، سيقع النّظام في العجز الماليّ، ما سيدفعه إلى فرض المزيد من الضّرائب على النّاس، أو الاقتراض الخارجيّ بفوائدَ عاليةٍ، ما سيزيد من أعبائه الماليّة المستقبليّة باقتطاع جزءٍ هامٍّ من ميزانيّته السّنويّة لصالح سداد الدّيون، وبالتّالي زيادة الضّغط على حياة النّاس بتقليل الإنفاق على الخدمات والاقتصاد، أو بفرض ضرائب عليهم، أو بكليهما، وهذا الأمر له أهميّة خاصّة في الدّول الغربيّة ذات النّظم الدّيموقراطيّة، فهذا النّظام الشّركي الذي يقوم على جعل تشريع القوانين في يد زمرةٍ من الأشخاص، وذلك بناء على انتخاب النّاس لهم، يجعل ممّن بيدهم السّلطة وتشريع القوانين رهناً لإرادة من يوصلهم إلى مراكز القرار، وبالتّالي يخضعون إمّا لإرادة النّاخبين، أو لإرادة أصحاب الأموال الذين يدعمونهم في عمليّة جذب النّاخبين وخداعهم، ففي حين يلجأ الجمهوريّون في أمريكا -مثلاً- إلى إرضاء الشّركات الكبرى ورؤوس الأموال المستفيدة من الحرب كما فعل (جورج بوش الابن) طيلة سنوات حكمه التي قضاها في "الحرب على الإرهاب"، يتّجه الحزب الدّيموقراطيّ إلى إرضاء عوامّ النّاس المتضايقين من اتجاه الإنفاق الحكوميّ بعيداً عمّا يهمّ حياتهم اليوميّة، فالرّئيس الأمريكيّ الحاليّ (باراك أوباما) كان من أهمّ أسباب انتخاب الأمريكيين له وهزيمته للجمهوريّين مشروعه الانتخابي الذي ركّز فيه على إنهاء حرب العراق، والذي كان يتّفق مع استطلاعات الرّأي التي بيّنت حينها رغبة معظم الأمريكيّين في ذلك بعد الخسائر الكبيرة التي مسّت حياتهم اليوميّة من خلال توجيه قسمٍ كبيرٍ من نفقات حكومتهم إلى تغطية تكاليفها المتزايدة. وكان من أهم النتائج طويلة الأمد أيضاً العجز الأمريكيّ والغربيّ الظاهر عن الدّخول في أيّ معركة بريّة في بلاد المسلمين، وهو ما استفادت منه دولة الخلافة اليوم، حيث لم يتمكن التّحالف الصّليبيّ الدّوليّ من تحقيق نجاحٍ كبيرٍ على الأرض رغم شنّه أكثر من ٨٥٠٠ غارةٍ جويّةٍ ضدّها، بالإضافة إلى التّغييرات الهائلة في الاستراتيجيّة الأمريكيّة حيال أراضي المسلمين.

فإذا نظرنا لهذه النّتائج المتحقّقة، أدركنا أهمية إدراج الأهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة الأمد في إطار التخطيط للعمليّات الأمنيّة التي تنفذها دولة الخلافة، فضلاً عن الأهداف المباشرة المتوقّعة منها، ولنا في عمل الدّولة في الموصل خير مثال، حيث ساهم استمرار العمل الأمنيّ فيها لعقد من الزّمان تقريباً، إلى سقوطها في أيام قليلة، فكلّ عبوة انفجرت، وكلّ رصاصة كاتم انطلقت، وكلّ استشهاديّ وانغماسيّ، كان لهم سهمٌ في السّقوط السّريع لها عند تطبيق خطّة الفتح.

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 9
مقال:
التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة