التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة • التّأثيرات على المدى المتوسّط (حتى خمس سنوات)؛ بتعزيز ...

التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة

• التّأثيرات على المدى المتوسّط (حتى خمس سنوات)؛ بتعزيز الإجراءات الأمنيّة عن طريق زيادة عدد رجال الأمن وتحسين تجهيزاتهم وتسليحهم، وضبط الحدود وزيادة الرّقابة والتّجهيزات على المعابر الحدوديّة والمطارات، الأمر الذي يقتضي تحويل جزءٍ كبيرٍ من دخل النّظام لصالح الجيش والقوى الأمنيّة وأجهزة المخابرات، وبالتّالي خفض الإنفاق على الخدمات، وزيادته لدعم الاقتصاد، ما يعني زيادة النّفقات، وانخفاض الإيرادات التي غالبها من الضّرائب بسبب تراجع الاقتصاد، وبالتّالي ظهور العجز في الميزانيّة، وهذا ما شاهدناه في أمريكا سابقاً، وفي فرنسا بعد العمليّات الأخيرة، فالمميّز في العمليّات الأخيرة أنّها جاءت بعد ١٠ شهور تقريباً من عملية استهداف (صحيفة شارلي إيبدو)، وبالتّالي اكتسبت تأثيراً مضاعفاً بأن أجبرت الحكومة الصّليبيّة على اتّخاذ إجراءات متوسّطة المدى تقوم على تعزيز أجهزة أمنهم بحوالي ١٠٠٠٠ عنصرٍ جديدٍ، وتعزيز أنظمة الرّقابة على الحدود، وتقليص سياسة الحدود المفتوحة مع دول الاتّحاد الأوروبيّ، وكذلك زيادة مشاركتها في التّحالف الصّليبيّ بإرسال حاملة الطّائرات (شارل ديغول)، ما يعني بالمحصلة تكاليف بمليارات الدّولارات خلال السّنوات القادمة.

التأثيرات على المدى البعيد (حتى عشر سنوات) باستنزاف موارد النّظام على الجيش والأمن وهي من القطاعات المستهلكة التي لا تعود بأرباح على الاقتصاد إلّا في حالاتٍ خاصّةٍ (كالتّصنيع، وتأجير الجنود للأمم المتّحدة)، ومع ضعف الاقتصاد النّاجم عن تراجع الدّعم الحكوميّ، سيقع النّظام في العجز الماليّ، ما سيدفعه إلى فرض المزيد من الضّرائب على النّاس، أو الاقتراض الخارجيّ بفوائدَ عاليةٍ، ما سيزيد من أعبائه الماليّة المستقبليّة باقتطاع جزءٍ هامٍّ من ميزانيّته السّنويّة لصالح سداد الدّيون، وبالتّالي زيادة الضّغط على حياة النّاس بتقليل الإنفاق على الخدمات والاقتصاد، أو بفرض ضرائب عليهم، أو بكليهما، وهذا الأمر له أهميّة خاصّة في الدّول الغربيّة ذات النّظم الدّيموقراطيّة، فهذا النّظام الشّركي الذي يقوم على جعل تشريع القوانين في يد زمرةٍ من الأشخاص، وذلك بناء على انتخاب النّاس لهم، يجعل ممّن بيدهم السّلطة وتشريع القوانين رهناً لإرادة من يوصلهم إلى مراكز القرار، وبالتّالي يخضعون إمّا لإرادة النّاخبين، أو لإرادة أصحاب الأموال الذين يدعمونهم في عمليّة جذب النّاخبين وخداعهم، ففي حين يلجأ الجمهوريّون في أمريكا -مثلاً- إلى إرضاء الشّركات الكبرى ورؤوس الأموال المستفيدة من الحرب كما فعل (جورج بوش الابن) طيلة سنوات حكمه التي قضاها في "الحرب على الإرهاب"، يتّجه الحزب الدّيموقراطيّ إلى إرضاء عوامّ النّاس المتضايقين من اتجاه الإنفاق الحكوميّ بعيداً عمّا يهمّ حياتهم اليوميّة، فالرّئيس الأمريكيّ الحاليّ (باراك أوباما) كان من أهمّ أسباب انتخاب الأمريكيين له وهزيمته للجمهوريّين مشروعه الانتخابي الذي ركّز فيه على إنهاء حرب العراق، والذي كان يتّفق مع استطلاعات الرّأي التي بيّنت حينها رغبة معظم الأمريكيّين في ذلك بعد الخسائر الكبيرة التي مسّت حياتهم اليوميّة من خلال توجيه قسمٍ كبيرٍ من نفقات حكومتهم إلى تغطية تكاليفها المتزايدة. وكان من أهم النتائج طويلة الأمد أيضاً العجز الأمريكيّ والغربيّ الظاهر عن الدّخول في أيّ معركة بريّة في بلاد المسلمين، وهو ما استفادت منه دولة الخلافة اليوم، حيث لم يتمكن التّحالف الصّليبيّ الدّوليّ من تحقيق نجاحٍ كبيرٍ على الأرض رغم شنّه أكثر من ٨٥٠٠ غارةٍ جويّةٍ ضدّها، بالإضافة إلى التّغييرات الهائلة في الاستراتيجيّة الأمريكيّة حيال أراضي المسلمين.

فإذا نظرنا لهذه النّتائج المتحقّقة، أدركنا أهمية إدراج الأهداف قريبة ومتوسطة وبعيدة الأمد في إطار التخطيط للعمليّات الأمنيّة التي تنفذها دولة الخلافة، فضلاً عن الأهداف المباشرة المتوقّعة منها، ولنا في عمل الدّولة في الموصل خير مثال، حيث ساهم استمرار العمل الأمنيّ فيها لعقد من الزّمان تقريباً، إلى سقوطها في أيام قليلة، فكلّ عبوة انفجرت، وكلّ رصاصة كاتم انطلقت، وكلّ استشهاديّ وانغماسيّ، كان لهم سهمٌ في السّقوط السّريع لها عند تطبيق خطّة الفتح.

• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 9
مقال:
التكاليف بعيدة المدى للعمليات الجهاديّة