أبو حذيفة المغربيّ خاض معركته على جبهتين؛ عائلته والمرتدّين... وانتصر! • مجاهد نحسبه من جيل لم ...

منذ 2024-09-26
أبو حذيفة المغربيّ خاض معركته على جبهتين؛ عائلته والمرتدّين... وانتصر!

• مجاهد نحسبه من جيل لم نألفه منذ مئات السّنين، جيل أولئك الذين نشروا الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها، بعدما تخلّوا عن الدّنيا وزخرفها وزينتها، وهجروا أهليهم في طريقٍ ربّانيٍّ له قواعد لا بدّ لكلّ سالكٍ أنْ يدركها، فقد قضى الله -جلّ وعلا- أنْ تكون العبادة خالصةً له في هذا الطّريق، وأنْ يكون الأمر كلّه له، تعالى جدّه، لا ينازعُ سلطانه، الجنان ثوابه، والجحيم عقابه، فسبحانه!

أبو حذيفة المغربيّ، ذو الأربعة وعشرين عاماً، أدرك دقّة هذه القاعدة وعظمتها، فقرّر أنْ يسلك طريقاً لا يردّه عنه خوف أمٍ، أو خشية أبٍ، أو رجفة عشيرٍ، خصوصاً أنّه نشأ في كنف عائلةٍ يجمعها رباط أسريّ من نوعٍ فريدٍ، فلا يقوى فرد من العائلة على مغادرة أسوار العائلة لأيّام، لكنّ أبا حذيفة ليس كغيره، فكان أوّل تمرّده هو خروجه عن عرف البيت، وكسره لقاعدة أهله، فتمكّن من إقناع الأمّ والأب أن يعيناه على البحث عن مستقبل في مكانٍ آخر، ورغم أنّ الأمّ هي من كانت تعارض بشدّة أن يبتعد عنها فلذة كبدها، لكن حرصها على مستقبل الابن، الذي سهرت عليه لأيامٍ وليالٍ، جعلها تخضع لمتطلّبات الحياة، فتتخلّى عن عاطفة أمومتها، كما كانت ترى الأمر، فأن يخرج ابنها من دفء حضنها، إلى مدينة أخرى ويغيب عنها لأسبوع، فذاك من الصِعاب، بل هو المحال، فكيف بها وهي ستفارقه لأسابيع وأشهر وربما لسنين، لكنّه الإصرار من أبي حذيفة الذي جعلها توافق على مغادرة الطّائر لعشّه.

خضعت الأمّ، بعدما أدركت أنّها لن تقدر على الوقوف بوجه تلك الإرادة الحديدية لأبي حذيفة إلى ما لا نهاية له، فالفراق كان لا بدّ أنْ يكون في يوم من الأيّام، وهي تعلم أنها كانت تؤخّره، ولن تكون قادرة على منعه، بل وزادت عليه أنْ جهّزت الأمّ بنفسها نفقات السّفر، بعدما تخلّت عن أعزّ ما تملك من أشياء ثمينةٍ، وقبل ذلك رضيت بما كانت تعدّه من المستحيل، ذلك الذي يسمى (الفراق)، الذي يجنّ جنونها لهوله كلّما تذكرته، وخطر لها ببال.

خرج أبو حذيفة، بعدما قطع تذكرة السّفر إلى حيث ما يراه كثير من شباب اليوم حلم كلّ شابٍّ، اتّجه إلى (الخليج)، فكانت وجهته (قطر)، التي راح يزاول فيها أعمالاً حرّة.

مضت الأيّام، ومرّت الأشهر، وتعدّدت السّنين، وعين الأم ترقب الطّريق، لعلّ الغائب يعود، ولعل غربة الحبيب تنتهي، فيطلّ عليها من خلف باب طال إيصاده.

آنذاك كان أبو حذيفة يفكّر فعلاً بالرّحيل، ولكن ليس للعودة إلى بلده، بل لتحقيق حلمٍ كان يراوده منذ أمدٍ بعيدٍ، حلمٌ كان أهمّ عنده حتّى من أحضان أمّه، أو عناق أبيه، أو لقائه لأخته وأخيه، حلم الهجرة إلى أرض يحكمها شرع الله، وتقام على أديم أرضها حدود الرحمن، ويأمن فيها المؤمن على نفسه، ومرابع وسهول وجبال وأودية لا يخاف فيها المسلم إلا الله، والذئب على غنمه، فكان القرار الذي اتّخذه هو الهجرة إلى دولة الإسلام، أرض الخلافة، حلم كلّ مسلمٍ.

حينما أخذ يعدّ للهجرة تعرّض محل إقامته وسكناه لحريقٍ، فخسر كل حاجياته، بينها أمواله وأوراقه، ولم يخرج سوى بما يرتديه من ملابس العمل.

خشي أبو حذيفة لحظتها أنّ الله يريد اختبار صدقه إنْ كان سيثبت ويصرّ على سلك هذا الطّريق، أم أنه سيخضع للظروف العصيبة والعراقيل المتعدّدة، لكن كيف له ألّا يواصل السّير وهو يعرف صحة المنهج؟ بعدما هداه الله لفهم واقع الحال الذي ما عاد خافياً إلا على أعمى بصر وبصيرة، فازداد تمسّكاً أكثر من ذي قبل بالفكرة، وأجهد نفسه للحصول على ما يحتاجه ليكمل مهمة الهجرة والسّير على طريق الجهاد، فأوهم الجميع أنّه ذاهبٌ إلى بلده (المغرب)، لكنه غيّر وجهته لتكون دولة الإسلام هي قبلته.


• مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 10
(قصة شهيد)

66827433edad6

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً