حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة: وقفات شرعية مع غزوة باريس • الوقفة السّادسة: مشروعيّة إحداث التفجير ...
حُ ـ ـ / ـماة الشَّريـ؏ـة:
وقفات شرعية مع غزوة باريس
• الوقفة السّادسة: مشروعيّة إحداث التفجير والتخريب والتّدمير في فرنسا.
باعتبار أنّ فرنسا هي دار كفرٍ وحربٍ؛ فمعنى ذلك أنّه يجوز التّدمير فيها والتّخريب والتّفجير، وهو من الجهاد في سبيل الله، ويستحسن التّركيز على تخريب ما يضرّ باقتصادهم، كما فعل النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - حين حارب يهود بني النّضير، حيث قطع نخيلهم وحرّقه، كما روى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمرَ رضي الله عنهما، قال: "حرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة"، فنزلت: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) [الحشر: ٥]، وهذا نصّ صريح في جواز التّخريب والتّدمير في بلاد الكفر الحربيّة.
• الوقفة السّابعة: غزوات باريس هي السّبيل لردع الكفّار.
إنّ كفّ بأس الكافرين وصدّهم وردع عدوانهم عن المسلمين لا يكون إلّا بمثل هذه الغزوات في عقر ديارهم، لما لها من أثرٍ عظيمٍ من ناحية الإضرار باقتصادهم، وسفك دمائهم وإلقاء الرّعب في قلوبهم، فحينها يحسبون ألف حسابٍ لأيّ هجومٍ لهم على المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 6
مقال:
وقفات شرعية مع غزوة باريس
السنة السابعة - السبت 9 صفر 1437 ه
وقفات شرعية مع غزوة باريس
• الوقفة الرابعة: بطلان مصطلح "المدنيين".
وقد روّج بعض المفتونين شبهة أنّ القتلى من المدنيّين وأنّ هؤلاء لا يجوز قتلهم! وللردّ على هؤلاء نقول: ليس في شرعنا مصطلح (مدنيّ لا يجوز قتله)، و(عسكريّ يجوز قتله)، فهذا تقسيم محدثٌ وهو بدعةٌ قبيحةٌ منكرةٌ، وقد ذكرنا نصوص الكتاب والسّنة الدّالّة على جواز قتل الكفّار الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهدٌ، وذكرنا الإجماع على ذلك، ولا فرق في ذلك بين ما سُمّي مدنياً وما سُمّي عسكرياً، ومن فرَّق وأفتى بعدم جواز قتل الكفّار "المدنيّين" فعليه بالدّليل من الكتاب والسّنّة، وإلّا فهو يكذب على الشّريعة ويفتري على النّصوص.
• الوقفة الخامسة: بيان أنّ شعب فرنسا رجالاً ونساءً هو شعبٌ محاربٌ للإسلام.
وقد أشاع بعض المفتونين والمنافقين أنّ حكومة فرنسا هي التي تحارب الإسلام وأمّا شعبها من النّصارى واليهود ونحوهم فليسوا في حالة حرب، وأنهم مسالمون فلا يجوز قتلهم! وللردّ على هؤلاء نقول: بل إنّ شعب فرنسا سواء كانوا من أعيانهم أو عسكرهم أو عوامّهم هم قومٌ محاربون للإسلام والمسلمين، ولا نستثني إلّا المسلمين منهم، الذين لم يوالوا حكومة فرنسا أو يقترفوا مكفّرا، فهؤلاء لا يجوز تقصّدهم بالقتل. ومن ناحية النّساء والصّبيان فلا شكّ أنّ النّصوص من الكتاب والسّنّة جاءت بتحريم تقصّد قتلهم ابتداءً؛ إلا أنّه يجوز قتلهم تبعاً لا قصداً، وذلك كمثل الإغارة على الكفّار مع صعوبة التّمييز بين الرجال والنّساء والذّراريّ، فيجوز حينها قتلهم تبعاً لا قصداً، ويدلّ على ذلك حديث الصَّعْب بن جَثَّامة - رضي الله عنه - حيث قال: مرّ بي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالأبواء أو بِوَدّانَ، وسُئل عن أهل الدّار يبيَّتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريّهم قال: "هم منهم"، [متفق عليه].
فأقرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يصيب النّساء والذّريّة من قتل وجرح في البيات، قال الإمام أحمد بن حنبل: (لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلّا بالبيات) [مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود: ٣١٨]. كما أنه يجوز تقصّد قتلهم إذا كان لهم مشاركة في الحرب على المسلمين، سواءٌ كانت هذه المشاركة بالنّفس أو بالمال أو الرّأي، كما هو الحال بما يُسمّى "استطلاعات الرأي"، أو انتخاب الزعماء الذين يحاربون الإسلام والمسلمين، ويشهد لذلك إقرار النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - قتل دُرَيْدَ بن الصِّمَّةِ وكان عمره يزيد عن مئة عام، لأنه كان ذا رأي في الحرب على المسلمين، وكذا إقرار النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لقتل المرأة التي كانت تشتمه، قال الإمام النّوويّ في قتل النّساء والذريّة: (فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون) [شرح النووي على مسلم: ١٢/٤٨].
وإن شعب فرنسا من الرّجال والنّساء لهم مشاركة في الحرب على الإسلام والمسلمين، وذلك بانتخابهم لتلك الحكومات المحاربة للمسلمين، وبتأييدهم للحرب على المسلمين في العراق والشام وخراسان وكلّ مكان، قال الإمام ابن القيم: (وكان هديه - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه إذا صالح قوماً فنقض بعضهم عهده وصلحه وأقرّهم الباقون ورضوا به غزا الجميع، وجعلهم كلّهم ناقضين، كما فعل بقريظة والنّضير وبني قينقاع، وكما فعل في أهل مكّة) [زاد المعاد: ٣/١٢٣].
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 6
مقال:
وقفات شرعية مع غزوة باريس
السنة السابعة - السبت 9 صفر 1437 ه
يريدون وجهه
• (لمّا أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله عزّ وجلّ أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتهوي إلى قناديل من ذهب في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب شربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم، قالوا: ياليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلّا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عزّ وجلّ: أنا أبلّغهم عنكم، فأنزلَ اللهُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ..} الآية). [أبو داود]، هكذا واسى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين من قبل، وهي مواساة وبشارة لأتباعهم من بعد.
فبعيدا عن أعين "الكاميرات" وبريق الشاشات، لكن تحت عين الله تعالى وسمعه وبصره سبحانه، تجري معارك مستمرة بين ثلة من كماة الإسلام، مقابل جيوش من القوات الأمريكية والرافضية يقاتلون كتفا بكتف ضد أحفاد الصحابة وبقيّة السلف، معارك لا تستهوي الغثاء ولا تضج بها وسومهم، مع أنها تحوز أوسمة السماء من الله القائل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}.
في العراق حيث التوحيد غضًّا طريًّا لم تلوّثه مدارس "الإسلاميين" المنحرفة ومناهجهم المحرّفة، توحيد عركته المحنة وصفّته المفاصلة وصقلته الصحراء وحرسه الجهاد، فلم يشبْهُ انحراف ولم يفسده ترف، بيئة إيمانية جهادية كبيئة الرعيل الأول صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين تربوا في صحراء الجزيرة وتقلبوا في حرها وقرّها حتى خرجوا منها قادة فاتحين ملكوا حواضر العالم وعواصم الأمم.
ولا يختلف الوضع كثيرا في بوادي الشام عما هو في بوادي العراق، حيث يتقاسم المجاهدون الظروف والحتوف.
على الأرض، يحرص التحالف الصليبي ومعه زبانية إيران، على تكثيف الضربات لمواقع الدولة الإسلامية في العراق، في سياسة أمريكية واضحة خشية أن يؤدي انشغالهم بالصراع اليهودي الرافضي المؤقت إلى إيجاد فسحة للمجاهدين يعززون فيها نشاطهم ويفاجئون فيها عدوهم، وخلافا للمعهود وتخطّيا للدور الروسي، طارت أمريكا تقصف بنفسها مواقع المجاهدين في بادية الشام لنفس السبب، علها تؤخّر الركب أو تعيقه، بعد أن فشلت في إيقافه أو حرف مساره، وكذبت يوم زعمت القضاء عليه.
هذه المعارك لا تطبل لها وسائل الدجال ولا يثني عليها نشطاؤه ولا يحتفي بها دعاته، لأنها معارك لا تكفلها الشرائع الدولية ولا قوانين البشر الوضعية، أبطالها يريدون وجهه سبحانه لا سواه، يسيرون على صراطه ويتبعون سبيله، يستعينون به وحده ويتوكلون عليه، فهو كافيهم وناصرهم.
في حسابات كل الأرضيين لا فائدة ولا جدوى من هذه المعارك، لكن في حسابات المؤمنين الربيّين المتعلقين بربهم، يرون فيها مخاضا لقادسية ويرموك جديدة بإذن الله تعالى، فكل الفاتحين من قبل عبروا هذه المخاضة، وما متقحم لهذه المخاضة بخاسر.
بين بوادي وتلال العراق والشام، يعيش المجاهدون وقائع الأنفال والتوبة والأحزاب، يجاهدون ويقاتلون في سبيل الله طاعة له، ليس اضطرارا ولا ارتهانا لمحاور جاهلية، بل حبا وامتثالا كما أمرهم ربهم: {حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، كل الذين كفروا بلا استثناء.
لقد علم جنود الخلافة أن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه هي طريق الوصول، وفيها القتل والجراح والبأساء والضراء كما أخبر ربنا سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا..}، ولكن بدونها لا نصر ولا ظفر، ولا مكة ولا قدس، ولا شريعة ولا سيادة، فهي الطريق الوحيدة للنصر والتمكين، ورغم ما أصابهم فيها لم يتولوا أو يتراجعوا، ولم يولّوا وجوههم قبَل الشرق أو الغرب، ولم يركنوا إلى الذين ظلموا، فلم يتقربوا لطاغوت أو يتزلفوا لمرتد، وحاشاهم، ولم يسمحوا لأنفسهم تحت ضغط الواقع والشدة أن يبدّلوا أو يغيّروا، كما لم يسمحوا لأنفسهم في الرخاء أن يفرّطوا أو يتهاونوا، فلازموا التوحيد في الشدة والرخاء ومضوا على الجهاد في العسر واليسر، فثبتوا بذلك على الطريقة المحمدية توحيدا وجهادا، صبرا ومصابرة ومرابطة.
تظهر في معاركهم ملامح التجرد والاحتساب لله، بعيدا عن الأضواء غرباء تلفح وجوههم رياح الغربة، قدوتهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، الصديق والفاروق وعثمان وعلي وعمار وبلال ومصعب وطلحة وأنس والبراء، لم يلطخوا نواياهم ولم يدنسوا مقاصدهم بغايات الجاهلية ونماذجها.
▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 467
الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ
وقفات شرعية مع غزوة باريس
• الوقفة السّادسة: مشروعيّة إحداث التفجير والتخريب والتّدمير في فرنسا.
باعتبار أنّ فرنسا هي دار كفرٍ وحربٍ؛ فمعنى ذلك أنّه يجوز التّدمير فيها والتّخريب والتّفجير، وهو من الجهاد في سبيل الله، ويستحسن التّركيز على تخريب ما يضرّ باقتصادهم، كما فعل النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - حين حارب يهود بني النّضير، حيث قطع نخيلهم وحرّقه، كما روى البخاريّ ومسلم في صحيحيهما عن ابن عمرَ رضي الله عنهما، قال: "حرّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم نخل بني النّضير وقطع، وهي البويرة"، فنزلت: (مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَىٰ أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) [الحشر: ٥]، وهذا نصّ صريح في جواز التّخريب والتّدمير في بلاد الكفر الحربيّة.
• الوقفة السّابعة: غزوات باريس هي السّبيل لردع الكفّار.
إنّ كفّ بأس الكافرين وصدّهم وردع عدوانهم عن المسلمين لا يكون إلّا بمثل هذه الغزوات في عقر ديارهم، لما لها من أثرٍ عظيمٍ من ناحية الإضرار باقتصادهم، وسفك دمائهم وإلقاء الرّعب في قلوبهم، فحينها يحسبون ألف حسابٍ لأيّ هجومٍ لهم على المسلمين، والحمد لله رب العالمين.
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 6
مقال:
وقفات شرعية مع غزوة باريس
السنة السابعة - السبت 9 صفر 1437 ه
وقفات شرعية مع غزوة باريس
• الوقفة الرابعة: بطلان مصطلح "المدنيين".
وقد روّج بعض المفتونين شبهة أنّ القتلى من المدنيّين وأنّ هؤلاء لا يجوز قتلهم! وللردّ على هؤلاء نقول: ليس في شرعنا مصطلح (مدنيّ لا يجوز قتله)، و(عسكريّ يجوز قتله)، فهذا تقسيم محدثٌ وهو بدعةٌ قبيحةٌ منكرةٌ، وقد ذكرنا نصوص الكتاب والسّنة الدّالّة على جواز قتل الكفّار الذين ليس بينهم وبين المسلمين عهدٌ، وذكرنا الإجماع على ذلك، ولا فرق في ذلك بين ما سُمّي مدنياً وما سُمّي عسكرياً، ومن فرَّق وأفتى بعدم جواز قتل الكفّار "المدنيّين" فعليه بالدّليل من الكتاب والسّنّة، وإلّا فهو يكذب على الشّريعة ويفتري على النّصوص.
• الوقفة الخامسة: بيان أنّ شعب فرنسا رجالاً ونساءً هو شعبٌ محاربٌ للإسلام.
وقد أشاع بعض المفتونين والمنافقين أنّ حكومة فرنسا هي التي تحارب الإسلام وأمّا شعبها من النّصارى واليهود ونحوهم فليسوا في حالة حرب، وأنهم مسالمون فلا يجوز قتلهم! وللردّ على هؤلاء نقول: بل إنّ شعب فرنسا سواء كانوا من أعيانهم أو عسكرهم أو عوامّهم هم قومٌ محاربون للإسلام والمسلمين، ولا نستثني إلّا المسلمين منهم، الذين لم يوالوا حكومة فرنسا أو يقترفوا مكفّرا، فهؤلاء لا يجوز تقصّدهم بالقتل. ومن ناحية النّساء والصّبيان فلا شكّ أنّ النّصوص من الكتاب والسّنّة جاءت بتحريم تقصّد قتلهم ابتداءً؛ إلا أنّه يجوز قتلهم تبعاً لا قصداً، وذلك كمثل الإغارة على الكفّار مع صعوبة التّمييز بين الرجال والنّساء والذّراريّ، فيجوز حينها قتلهم تبعاً لا قصداً، ويدلّ على ذلك حديث الصَّعْب بن جَثَّامة - رضي الله عنه - حيث قال: مرّ بي النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بالأبواء أو بِوَدّانَ، وسُئل عن أهل الدّار يبيَّتون من المشركين، فيصاب من نسائهم وذراريّهم قال: "هم منهم"، [متفق عليه].
فأقرّ النبي صلّى الله عليه وسلّم ما يصيب النّساء والذّريّة من قتل وجرح في البيات، قال الإمام أحمد بن حنبل: (لا بأس بالبيات، وهل غزو الروم إلّا بالبيات) [مسائل الإمام أحمد رواية أبي داود: ٣١٨]. كما أنه يجوز تقصّد قتلهم إذا كان لهم مشاركة في الحرب على المسلمين، سواءٌ كانت هذه المشاركة بالنّفس أو بالمال أو الرّأي، كما هو الحال بما يُسمّى "استطلاعات الرأي"، أو انتخاب الزعماء الذين يحاربون الإسلام والمسلمين، ويشهد لذلك إقرار النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم - قتل دُرَيْدَ بن الصِّمَّةِ وكان عمره يزيد عن مئة عام، لأنه كان ذا رأي في الحرب على المسلمين، وكذا إقرار النبي - صلّى الله عليه وسلّم - لقتل المرأة التي كانت تشتمه، قال الإمام النّوويّ في قتل النّساء والذريّة: (فإن قاتلوا قال جماهير العلماء يقتلون) [شرح النووي على مسلم: ١٢/٤٨].
وإن شعب فرنسا من الرّجال والنّساء لهم مشاركة في الحرب على الإسلام والمسلمين، وذلك بانتخابهم لتلك الحكومات المحاربة للمسلمين، وبتأييدهم للحرب على المسلمين في العراق والشام وخراسان وكلّ مكان، قال الإمام ابن القيم: (وكان هديه - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه إذا صالح قوماً فنقض بعضهم عهده وصلحه وأقرّهم الباقون ورضوا به غزا الجميع، وجعلهم كلّهم ناقضين، كما فعل بقريظة والنّضير وبني قينقاع، وكما فعل في أهل مكّة) [زاد المعاد: ٣/١٢٣].
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 6
مقال:
وقفات شرعية مع غزوة باريس
السنة السابعة - السبت 9 صفر 1437 ه
يريدون وجهه
• (لمّا أصيب إخوانكم بأحد، جعل الله عزّ وجلّ أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتهوي إلى قناديل من ذهب في ظلّ العرش، فلمّا وجدوا طيب شربهم ومأكلهم وحسن منقلبهم، قالوا: ياليت إخواننا يعلمون بما صنع الله لنا، لئلّا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال الله عزّ وجلّ: أنا أبلّغهم عنكم، فأنزلَ اللهُ: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ..} الآية). [أبو داود]، هكذا واسى النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- المؤمنين من قبل، وهي مواساة وبشارة لأتباعهم من بعد.
فبعيدا عن أعين "الكاميرات" وبريق الشاشات، لكن تحت عين الله تعالى وسمعه وبصره سبحانه، تجري معارك مستمرة بين ثلة من كماة الإسلام، مقابل جيوش من القوات الأمريكية والرافضية يقاتلون كتفا بكتف ضد أحفاد الصحابة وبقيّة السلف، معارك لا تستهوي الغثاء ولا تضج بها وسومهم، مع أنها تحوز أوسمة السماء من الله القائل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}.
في العراق حيث التوحيد غضًّا طريًّا لم تلوّثه مدارس "الإسلاميين" المنحرفة ومناهجهم المحرّفة، توحيد عركته المحنة وصفّته المفاصلة وصقلته الصحراء وحرسه الجهاد، فلم يشبْهُ انحراف ولم يفسده ترف، بيئة إيمانية جهادية كبيئة الرعيل الأول صحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- الذين تربوا في صحراء الجزيرة وتقلبوا في حرها وقرّها حتى خرجوا منها قادة فاتحين ملكوا حواضر العالم وعواصم الأمم.
ولا يختلف الوضع كثيرا في بوادي الشام عما هو في بوادي العراق، حيث يتقاسم المجاهدون الظروف والحتوف.
على الأرض، يحرص التحالف الصليبي ومعه زبانية إيران، على تكثيف الضربات لمواقع الدولة الإسلامية في العراق، في سياسة أمريكية واضحة خشية أن يؤدي انشغالهم بالصراع اليهودي الرافضي المؤقت إلى إيجاد فسحة للمجاهدين يعززون فيها نشاطهم ويفاجئون فيها عدوهم، وخلافا للمعهود وتخطّيا للدور الروسي، طارت أمريكا تقصف بنفسها مواقع المجاهدين في بادية الشام لنفس السبب، علها تؤخّر الركب أو تعيقه، بعد أن فشلت في إيقافه أو حرف مساره، وكذبت يوم زعمت القضاء عليه.
هذه المعارك لا تطبل لها وسائل الدجال ولا يثني عليها نشطاؤه ولا يحتفي بها دعاته، لأنها معارك لا تكفلها الشرائع الدولية ولا قوانين البشر الوضعية، أبطالها يريدون وجهه سبحانه لا سواه، يسيرون على صراطه ويتبعون سبيله، يستعينون به وحده ويتوكلون عليه، فهو كافيهم وناصرهم.
في حسابات كل الأرضيين لا فائدة ولا جدوى من هذه المعارك، لكن في حسابات المؤمنين الربيّين المتعلقين بربهم، يرون فيها مخاضا لقادسية ويرموك جديدة بإذن الله تعالى، فكل الفاتحين من قبل عبروا هذه المخاضة، وما متقحم لهذه المخاضة بخاسر.
بين بوادي وتلال العراق والشام، يعيش المجاهدون وقائع الأنفال والتوبة والأحزاب، يجاهدون ويقاتلون في سبيل الله طاعة له، ليس اضطرارا ولا ارتهانا لمحاور جاهلية، بل حبا وامتثالا كما أمرهم ربهم: {حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، لتكون كلمة الله هي العليا، وكلمة الذين كفروا هي السفلى، كل الذين كفروا بلا استثناء.
لقد علم جنود الخلافة أن طريق الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه هي طريق الوصول، وفيها القتل والجراح والبأساء والضراء كما أخبر ربنا سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا..}، ولكن بدونها لا نصر ولا ظفر، ولا مكة ولا قدس، ولا شريعة ولا سيادة، فهي الطريق الوحيدة للنصر والتمكين، ورغم ما أصابهم فيها لم يتولوا أو يتراجعوا، ولم يولّوا وجوههم قبَل الشرق أو الغرب، ولم يركنوا إلى الذين ظلموا، فلم يتقربوا لطاغوت أو يتزلفوا لمرتد، وحاشاهم، ولم يسمحوا لأنفسهم تحت ضغط الواقع والشدة أن يبدّلوا أو يغيّروا، كما لم يسمحوا لأنفسهم في الرخاء أن يفرّطوا أو يتهاونوا، فلازموا التوحيد في الشدة والرخاء ومضوا على الجهاد في العسر واليسر، فثبتوا بذلك على الطريقة المحمدية توحيدا وجهادا، صبرا ومصابرة ومرابطة.
تظهر في معاركهم ملامح التجرد والاحتساب لله، بعيدا عن الأضواء غرباء تلفح وجوههم رياح الغربة، قدوتهم محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحابته، الصديق والفاروق وعثمان وعلي وعمار وبلال ومصعب وطلحة وأنس والبراء، لم يلطخوا نواياهم ولم يدنسوا مقاصدهم بغايات الجاهلية ونماذجها.
▫ المصدر: مقتطف من افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 467
الخميس 28 ربيع الآخر 1446 هـ