ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين • سجلت سنة 422 هـ انتهاء حكم الدولة الأموية في الأندلس وبداية ...

ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين

• سجلت سنة 422 هـ انتهاء حكم الدولة الأموية في الأندلس وبداية مرحلة تاريخية جديدة عرفت بـ "ملوك الطوائف"، كان أهم سبب لهذا التحول، تعيين هشام الأموي سلطانا على الأندلس، قبل أن يتم السابعة من عمره، كما تشير بعض المصادر التاريخية، فتسلط عليه الحُجّاب والوزراء، أبرزهم المنصور بن أبي عامر الذي حكم باسم الأمويين بمساعدة أم هشام (صبح)، وتمكن من تحويل مقاليد الحكم إليه وإلى أولاده من بعده، مكوناً الدولة العامرية التي لم تعمر هي الأخرى طويلا، وعلى أنقاض الدولة الأموية وامتدادها العامري في الأندلس، قامت دويلات ضعيفة عرف عهدها بعهد "ملوك الطوائف"، تجاوز عددها اثنتين وعشرين دويلة، كان عهدها من أكثر عهود المسلمين في الأندلس تفككا وضعفا، تميز بردّة كثير من ملوك الطوائف لمظاهرتهم الصليبيين على الطوائف المسلمة الأخرى، وكذا دفع معظم ملوك الطوائف جزية مالية ضخمة للصليبي ملك قشتالة ألفونسو السادس، بعد أن كان الصليبيون هم من يدفع الجزية للمسلمين لأكثر من قرن.

الاستعانة بالكفار على المسلمين

في النصف الثاني من القرن الخامس الهجري دخل ملوك الطوائف في حروب داخلية طاحنة فيما بينهم متغافلين عن عدوهم الصليبي في الشمال، بل لم يتورع بعضهم عن التحالف مع الدول الصليبية والاستعانة بها لقتال إخوانهم وأحيانا إعانتها بالمال والجند لقتال طائفة مسلمة أخرى، وأن يحصل على مساندتها العسكرية مقابل دفع الجزية، فنشبت حرب بين طائفة طليطلة وطائفة قرطبة، شارك فيها أمراء طليطلة وقرطبة وإشبيلية، استمر هذا الصراع سنوات، بلغ أوجه بتحالف المأمون بن ذي النون أمير طليطلة مع الصليبي فرناندو الأول ملك ليون وقشتالة، فاستولى المأمون على بلنسية بدعم صليبي، ثم سيطر المعتمد بن عباد أمير طائفة إشبيلية على مدن مرسية وأريولة ومدن أخرى، عقد ابن عباد بعدها حلفا مع الصليبي ألفونسو السادس ملك قشتالة، على أن يؤازر ألفونسو ابن عباد بالجنود النصارى في قتاله أمراء الطوائف الآخرين، في حين يدفع ابن عباد الجزية لملك قشتالة، فاستطاع ألفونسو بعد اتفاقاته مع ملوك الطوائف ومساعدتهم له من الاستيلاء على طليطلة (عاصمة القوط الغربيين قبل الفتح الإسلامي) في سنة 478 هـ، وفقد بذلك المسلمون طليطلة إلى الأبد بعد أن حكمها المسلمون ثلاثمائة واثنين وسبعين عاماً، واتخذها ملك قشتالة عاصمة لدولته الصليبية.

الصليبيون لا يكتفون بالجزية والخضوع

كان سقوط طليطلة بيد الصليبيين بمثابة آخر مسمار دُق في نعش التحالف بين ألفونسو وابن عباد أمير إشبيلية، كون ألفونسو لم يقنع بطليطلة فحسب كما هو في الاتفاق، بل احتل جميع الأراضي الواقعة على ضفتي نهر تاجة، وعلى قلاع مجريط (مدريد حاليا) وماردة وبطليوس، فجزع ابن عباد، وكتب إليه كتاباً يحذره فيه ألّا يتعدى في حروبه التوسعية طليطلة، إلا أن ألفونسو لم يهتم بكلام ابن عباد، وقرر مواصلة توغلاته في بلاد المسلمين، وأضحت طائفة سرقسطة مهددة بمصير كمصير طليطلة، حينها علم معظم ملوك الطوائف أن لا ملجأ من ألفونسو إلا بالاستنجاد بالمرابطين في المغرب الإسلامي.

رعي الجمال خير من رعي الخنازير

أرسل المتوكل بن الأفطس أمير بطليوس يطلب العون والمدد من السلطان يوسف بن تاشفين لإنقاذ الأندلس، عقد أهل الأندلس بعدها اجتماعا عاما ضم أمراءها وعلماءها وأعيانها وتجارها، وعندما تخوّف أغلب ملوك الطوائف من دخول المرابطين للأندلس خشية إزالة المرابطين لعروشهم الفاسدة، فقال لهم عبارته الشهيرة: "تالله إني لأؤثر رعي الجمال لسلطان مراكش على أن أغدو تابعا لملك النصارى أدفع له الجزية، إنّ رعي الجمال خير من رعي الخنازير!".

فكتب ابن عباد رسالة إلى أمير دولة المرابطين في المغرب الإسلامي يوسف بن تاشفين جاء فيها: "إلى حضرة الإمام أمير المسلمين، إنا نحن العرب في هذه الأندلس، قد تلفت قبائلنا وتفرق جمعنا، وتوالى علينا هذا العدو المجرم اللعين أذفنش (ألفونسو)، أسر المسلمين وأخذ البلاد والقلاع والحصون، وقد ساءت الأحوال وانقطعت الآمال، وأنت أيدّك الله ملك المغرب، استنصرتُ بالله ثم بك، واستغثت بحرمكم، لتجوزوا لجهاد هذا العدو الكافر، والسلام على حضرتكم السامية، ورحمة الله تعالى وبركاته"، ولما وصل الكتاب لابن تاشفين أكرم حامليها، ثم استشار قادته وأمراءه، فأشاروا عليه بالسير إلى الأندلس لحمايتها من الوقوع في يد الصليبيين.

وبالفعل، استجاب الأمير يوسف بن تاشفين -رحمه الله- لنصيحه قادته ومستشاريه، وعبر البحر بسبعة آلاف من خيرة مقاتليه، فكانت معركة الزلاقة التي نصر الله فيها أهل التوحيد من جيش المرابطين على جيش الصليبيين في العام 479 هـ.

• المصدر: صحيفة النبأ – العدد 17
السنة السابعة - الثلاثاء 29 ربيع الآخر 1437 هـ

من التاريخ:
ملوك الطوائف يستغيثون بابن تاشفين