بسم الله الرحمن الرحيم حسرات ...

بسم الله الرحمن الرحيم

حسرات المجرمين والظالمين يوم القيامة

الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا معبود بحقٍّ سواه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله بلغ الدجى بكماله وأنار الكون بجماله حسنت جميع خصاله صلوا عليه وآله، اللهم صلِّ وسلِّم على عبدك ورسولك النبي الأمين وعلى آله وصحبه وسلِّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 102].
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور مُحدثاتها وكل مُحدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، دعونا في هذه اللحظات الإيمانية نعيش وإياكم مع كتاب الله عز وجل وهو يستعرض لنا حال المُجرمين والظالمين والمُتكبرين هناك في عرصات القيامة، إذا وقفوا بين يدي الله عز وجل، أولئك المُجرمون الظالمون المُتكبرون الذين ظلموا وتكبروا وتغطرسوا في هذه الدنيا الفانية، في هذه الدنيا الحقيرة، ونسوا أنهم سيلاقون جزاءهم، ونسوا أن هناك آخرة، وأن هناك حسرة، وأن هناك ندم، فالله عز وجل أنذرهم، وأخبرهم بأن هناك يوماً عظيماً يتحسَّر فيه المُتحسِّرون، يومًا يندم فيه المُفرِّطون، يومًا ما يندم فيه المُجرمون، يومًا يندم فيه المُتكبرون؛ قال الله عز وجل وهو يأمر نبيه عليه الصلاة والسلام على إنذار المُجرمين والعُصَاة والمُتكبرين، قال سبحانه: "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39]
أنذرهم يا رسول الله، خوفهم بيوم الحسرة، لعلهم يعودون، لعلهم يرجعون.
ما أعظمه من يوم، إنه يوم الحسرة للمجرمين والظالمين، فعن أبي سعيد الخدري-رضي الله عنه- قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت، وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار – يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : "وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ" [مريم: 39] وأشار بيده إلى الدنيا . متفق عليه
هذا هو يوم الحسرة على المجرمين، خلود فلا موت، المُجرِمون الذين أعلَنوا الحرب على الله عز وجل، الذين آذَوا أولياء الله عز وجل وتعدَّوا وظلَموا وتكبَّروا ونسوا أنهم سيلاقون جزائهم في الدنيا والآخرة، ونسوا أن الدنيا فانية وأنها لن تدوم لأحد.
عباد الله، استمعوا إلى كلام الله وهو يصور لنا حال المُجرِبين المُتكبرين يوم القيامة، أولئك الذين سخروا قوتهم وما يملكون لظلم العباد لسفك الدماء لانتهاك الأعراض، كيف يكون حالهم هناك بين يدي الله؟! قال الله تعالى:
"وَلَوْ تَرَىٰ إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ * وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَٰكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ" [السجدة: 12-13-14].
ناكسو رءوسهم ؛ أي من الندم والخزي والحزن والذل والغم، الرفعة هناك للمؤمنين، الرفعة هناك للصابرين، الرفعة هناك للمجاهدين للمؤمنين للصادقين، للتائبين، للمصلين، للراكعين ،للساجدين.
ما أعظم هذه الآيات!! فيها تسلية وراحة للمؤمنين، يا إخواني: الله لا يظلم أحدا، الله لا يغفل، الله لا يهمل، بل يمهل جل جلاله سبحانه "فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِيْنَكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ".
عباد الله، أتباع المجرمين وأتباع الظالمين الذين كانوا ينفذون الأوامر في الدنيا لقتل المؤمنين، والصالحين، لإيذاء المؤمنين، للقتل والتدمير، يوم القيامة كل واحد منهم يتبرأ من الآخر، قال الله عز وجل: ". وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ (165) إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ (166) وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا ۗ كَذَٰلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ ۖ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ"
[البقرة: 165-166-167].
وحينئذ يتمنى التابعون أن يرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا من متبوعيهم، ويتركوا الشرك بالله، ويقبلوا على إخلاص العمل لله، وهيهات, فات الأمر، وليس الوقت وقت إمهال وإنظار، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقا وغيظا على المتبوعين لما تبرأوا منهم والذنب ذنبهم.
ما أعظم كلام الله!! هذا هو حال المجرمين والظالمين، وحال أتباعهم يوم الحسرة والندامة، يوم القيامة يوم الحسرة والندامة؛ يوم القيامة يتحاجون فيما بينهم، المستكبرون والضعفاء، كل واحد يلوم الآخر "وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِّنَ النَّارِ* قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ" [غافر: 47-48]، نحن اتبعناكم، فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله؟ فيكون الرد من المتكبرين والمجرمين، "إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ"، الكل في جهنم، لا أحد ينفع أحد، قال تعالى: "وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۚ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ ۖ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ * وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ ۖ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي ۖ فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنفُسَكُم ۖ مَّا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُم بِمُصْرِخِيَّ ۖ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ ۗ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"[ابراهيم: 21-22].
يقف الشيطان خطيبا، يقف الشيطان أمام اتباعه، الشيطان المجرم الأكبر يقف أمام أتباعه يتبرأ منهم، ويقول لهم: لا تلوموني، أنا لا أستطيع أن أعمل لكم شيئا، لوموا أنفسكم، أنا الآن لا أستطيع إنقاذكم، ولا تستطيعون إنقاذي، فيقولون له: ما المخرج لنا ولك؟ فيقول: تبرأت من جعلكم لي شريكا مع الله فلست شريكا لله ولا تجب طاعتي، فيأتيه الجواب من الله" إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" نهاية الظالمين أليمة، وخزي عظيم.
ما أعظم كلام الله!! يا إخواني، هذا تنبيه لنا، تنبيه للمؤمنين، تنبيه حتى للمجرمين ليرجعوا إلى الله، تنبيه لأتباع الشيطان ليحذروا من وساوس الشياطين.
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيه بعده.
إخوة الإيمان، المجرمون والظالمون واتباعهم، يوم القيامة يندمون، ويتحسرون لانهم وقفوا مع زعماء الإجرام، والظلم، يندمون، لأنهم آثروا الصحبة الفاسدة والمجرمة على الصحبة الصالحة والطيبة والمؤمنة، لكن لا ينفع الندم ولا تنفع الحسرة؛ قال الله تعالى: "وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا" [الفرقان: 27-28-29].
ولذلك إخواني بعد هذا الندم والحسرة إذا بالصحف تتطاير، وإذا بالظالمين وأتباعهم ينظرون إلى صحائفهم يوم القيامة فيظنون انهم فائزون، يظنون انهم من أهل الجنة، يظنون أنهم من أهل الفردوس الأعلى، ونسوا أنهم تكبروا وقتلوا وشردوا وظلموا وبطشوا، فينظرون إلى سجلاتهم، وصحائفهم فيرون المعاصي، والظلم، والاستكبار، يرون امامهم قتل الأطفال، قتل النساء، تدمير البيوت، انتهاك الاعراض، يرون كل شيء أمامهم، فيتحسرون ويندمون، لكن.. لا تنفع الحسرة ولا ينفع الندم، ولذلك قال الله تعالى: "وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَٰذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا ۚ وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ۗ وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا"[الكهف: 49]، فأبشروا يا أهل الصبر والإيمان، يا أهل غزة الصمود، فالله عز وجل لا يغفل عن ما يعمله اليهود وأعوانهم، فالله على كل شيء شهيد، وإمهالهم لحكمة أرادها الله، وكلما ازداد ظلمهم، ازدادت حسرتهم يوم القيامة، فنهايتهم قريبة بإذن الله تعالى، وإذا لم يجدوا نهايتهم في الدنيا، فالموعد يوم القيامة، يوم الخزي والحسرة والندامة، نسأل الله عز وجل بمنه وكرمه أن يوفقنا وإياكم لما يحب ويرضى...الدعاء.
صلوا وسلموا...