معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا • كتب ألفونسو إلى ابن تاشفين يعلمه أن المعركة ...
منذ 13 ساعة
معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا
• كتب ألفونسو إلى ابن تاشفين يعلمه أن المعركة يوم الاثنين، إلا أن أمير المرابطين كان يقظا حذرا، عالما بمكر ألفونسو، فشدد الحراسة ونشر العيون وأبقى قواته في كامل جاهزيتها.
في ليلة الخميس، كان في جيش المسلمين الشيخ ابن رميلة رحمه الله، إمام من أئمة المالكية في قرطبة، ومع كبر سنه وعظم قدره ووافر علمه، إلا أنه كان ينافس الشباب على الصفوف الأولى، وفي منامه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "يا ابن رميلة، إنكم منصورون، وإنك ملاقينا"، فقام فرحا يبشر المسلمين، وحق له أن يفرح، فقد بشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحُسنيين، نصر لأمته، وشهادة له.
وبالفعل حدث ما كان يتوقعه أمير المرابطين، وغدر ألفونسو بجيش المسلمين وشن هجومه يوم الجمعة (12 من شهر رجب لعام 479 هـ)، وكان ابن تاشفين قد قسم جيشه إلى ثلاث فرق: فرقة الأندلسيين، معها فرقة المرابطين الأولى يقودها القائد داود بن عائشة، وفرقة المرابطين الثانية متخفية خلف التلال يقودها بنفسه.
اشتبكت جيوش الصليب مع الفرقتين العسكريتين (الأندلسية، والمرابطية الأولى)، حمل الصليبيون على الفرقة الأندلسية حتى أثقلت بالجراح، ففر شطر جنودها من هول المعركة، وأصيب ابن عباد، فلما علم ابن تاشفين أن جيش الصليب قد أُنهك وأخذ منه التعب مأخذه، كبَّر اللهَ بصوت جهوري، وكانت تكبيراته إيذانا ببدء خطته الالتفافية، وقسم فرقته إلى فوجين، فوج بقيادة (سير بن أبي بكر) مهمته مساندة الفرقتين المقاتلتين، وفوج يقوده بنفسه، ليلتف به على مؤخرة الجيش الصليبي ويقتحم معسكره، فأضرم فيه النيران، وقتل حراسه ومن كانوا يستريحون فيه، وأطبق الحصار على جيش الصليب.
أمر ابن تاشفين فرقة الانغماسيين البالغ عددها أربعة آلاف مقاتل بالترجل من خيولها، والانغماس في قلب الجيش الصليبي حيث ألفونسو، وتمكن انغماسي من الوصول إلى ألفونسو وطعنه بخنجر في فخذه، تخلخلت صفوف عباد الصليب وتزلزلت، فهرب ألفونسو إلى تلة قريبة من أرض المعركة، يرافقه خمسمائة فارس، وفي الليل تسلل ألفونسو بفلوله هاربا إلى طليطلة وسهام المجاهدين تطاردهم وترديهم صرعى، ولم يصل من الخمسمائة فارس إلا ثلاثون.
حضر العلماء والشيوخ والقضاة معركة الزلاقة وأبلوا فيها بلاء حسنا، فكان من بين الشهداء -كما نحسبهم- ابن رميلة القرطبي صاحب الرؤيا، وقاضي الدولة المرابطية أبو مروان عبد الملك المصمودي، لم يمنعهم كبر سنهم من المشاركة في القتال، ولم يتعذروا بحاجة الأمة إلى علمهم، ولا اكتفوا بالجهاد بألسنتهم، فلله درهم من علماء.
بقي جيش المسلمين أربعة أيام يجمع الغنائم لكثرتها، فقد ذكر صاحب (نفح الطيب): "وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام، حتى جُمعت الغنائم، واستؤذن في ذلك السلطان يوسف، فعف عنها، وآثر بها ملوك الأندلس، وعَرَّفهم أن مقصده الجهاد والأجر العظيم، وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم، فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه وأحبوه".
وقبل أن يترك ابن تاشفين أرض الأندلس عائدا إلى المغرب، أوصى ملوكها بتقوى الله ونبذ الفرقة، وإخلاص التوبة، وأن لا يضيعوا ثمرة النصر بمعاصيهم، وكان عمره يومها 79 عاما، لم يمنعه عمره ولا جاهه من الجهاد في سبيل الله، وتقدم الصفوف وطلب الحتوف، فلله دره من أمير.
سميت معركة الزلاقة بهذا الاسم لكثرة دماء الصليبيين التي أريقت فيها، حتى زلقت بسببها خيول المسلمين
سميت معركة الزلاقة بهذا الاسم، لكثرة دماء الصليبيين التي أريقت، فكانت تزلق بسببها حوافر خيول المسلمين، فجيش الصليب الذي خرج من طليطلة يناهز الثمانين ألفا، لم يرجع منه إلا ثلاثون فارسا أعيتهم الجراح، وصدمتهم قوة المسلمين وبأسهم.
نقش أمير المرابطين يوسف بن تاشفين -رحمه الله- اسمه قائدا مسلما، قاد معركة مفصلية في تاريخ الأمة، قدر الله أن تكون سببا في بقاء المسلمين في الأندلس قرونا، وإلا لكانت مأساة سقوط غرناطة (آخر إمارة إسلامية في الأندلس) في القرن العاشر الهجري حدثت قبل خمسة قرون، وكُتب اسم الزلاقة إلى جانب بدر وحنين ومؤتة والقادسية واليرموك وحطين واليمامة.
وقد كانت معركة الزلاقة مثالا حياً على نصر الله للجماعة المسلمة، وخذلانه للطوائف المتنازعة، كما كانت مثالاً حيّاً للأجيال، أن الصليبيين لا يمكنهم هزيمة المسلمين إن أصلحوا عقيدتهم، ونواياهم، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولم يتفرقوا.
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ
من التاريخ:
معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا
• كتب ألفونسو إلى ابن تاشفين يعلمه أن المعركة يوم الاثنين، إلا أن أمير المرابطين كان يقظا حذرا، عالما بمكر ألفونسو، فشدد الحراسة ونشر العيون وأبقى قواته في كامل جاهزيتها.
في ليلة الخميس، كان في جيش المسلمين الشيخ ابن رميلة رحمه الله، إمام من أئمة المالكية في قرطبة، ومع كبر سنه وعظم قدره ووافر علمه، إلا أنه كان ينافس الشباب على الصفوف الأولى، وفي منامه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول له: "يا ابن رميلة، إنكم منصورون، وإنك ملاقينا"، فقام فرحا يبشر المسلمين، وحق له أن يفرح، فقد بشره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالحُسنيين، نصر لأمته، وشهادة له.
وبالفعل حدث ما كان يتوقعه أمير المرابطين، وغدر ألفونسو بجيش المسلمين وشن هجومه يوم الجمعة (12 من شهر رجب لعام 479 هـ)، وكان ابن تاشفين قد قسم جيشه إلى ثلاث فرق: فرقة الأندلسيين، معها فرقة المرابطين الأولى يقودها القائد داود بن عائشة، وفرقة المرابطين الثانية متخفية خلف التلال يقودها بنفسه.
اشتبكت جيوش الصليب مع الفرقتين العسكريتين (الأندلسية، والمرابطية الأولى)، حمل الصليبيون على الفرقة الأندلسية حتى أثقلت بالجراح، ففر شطر جنودها من هول المعركة، وأصيب ابن عباد، فلما علم ابن تاشفين أن جيش الصليب قد أُنهك وأخذ منه التعب مأخذه، كبَّر اللهَ بصوت جهوري، وكانت تكبيراته إيذانا ببدء خطته الالتفافية، وقسم فرقته إلى فوجين، فوج بقيادة (سير بن أبي بكر) مهمته مساندة الفرقتين المقاتلتين، وفوج يقوده بنفسه، ليلتف به على مؤخرة الجيش الصليبي ويقتحم معسكره، فأضرم فيه النيران، وقتل حراسه ومن كانوا يستريحون فيه، وأطبق الحصار على جيش الصليب.
أمر ابن تاشفين فرقة الانغماسيين البالغ عددها أربعة آلاف مقاتل بالترجل من خيولها، والانغماس في قلب الجيش الصليبي حيث ألفونسو، وتمكن انغماسي من الوصول إلى ألفونسو وطعنه بخنجر في فخذه، تخلخلت صفوف عباد الصليب وتزلزلت، فهرب ألفونسو إلى تلة قريبة من أرض المعركة، يرافقه خمسمائة فارس، وفي الليل تسلل ألفونسو بفلوله هاربا إلى طليطلة وسهام المجاهدين تطاردهم وترديهم صرعى، ولم يصل من الخمسمائة فارس إلا ثلاثون.
حضر العلماء والشيوخ والقضاة معركة الزلاقة وأبلوا فيها بلاء حسنا، فكان من بين الشهداء -كما نحسبهم- ابن رميلة القرطبي صاحب الرؤيا، وقاضي الدولة المرابطية أبو مروان عبد الملك المصمودي، لم يمنعهم كبر سنهم من المشاركة في القتال، ولم يتعذروا بحاجة الأمة إلى علمهم، ولا اكتفوا بالجهاد بألسنتهم، فلله درهم من علماء.
بقي جيش المسلمين أربعة أيام يجمع الغنائم لكثرتها، فقد ذكر صاحب (نفح الطيب): "وأقامت العساكر بالموضع أربعة أيام، حتى جُمعت الغنائم، واستؤذن في ذلك السلطان يوسف، فعف عنها، وآثر بها ملوك الأندلس، وعَرَّفهم أن مقصده الجهاد والأجر العظيم، وما عند الله في ذلك من الثواب المقيم، فلما رأت ملوك الأندلس إيثار يوسف لهم بالغنائم استكرموه وأحبوه".
وقبل أن يترك ابن تاشفين أرض الأندلس عائدا إلى المغرب، أوصى ملوكها بتقوى الله ونبذ الفرقة، وإخلاص التوبة، وأن لا يضيعوا ثمرة النصر بمعاصيهم، وكان عمره يومها 79 عاما، لم يمنعه عمره ولا جاهه من الجهاد في سبيل الله، وتقدم الصفوف وطلب الحتوف، فلله دره من أمير.
سميت معركة الزلاقة بهذا الاسم لكثرة دماء الصليبيين التي أريقت فيها، حتى زلقت بسببها خيول المسلمين
سميت معركة الزلاقة بهذا الاسم، لكثرة دماء الصليبيين التي أريقت، فكانت تزلق بسببها حوافر خيول المسلمين، فجيش الصليب الذي خرج من طليطلة يناهز الثمانين ألفا، لم يرجع منه إلا ثلاثون فارسا أعيتهم الجراح، وصدمتهم قوة المسلمين وبأسهم.
نقش أمير المرابطين يوسف بن تاشفين -رحمه الله- اسمه قائدا مسلما، قاد معركة مفصلية في تاريخ الأمة، قدر الله أن تكون سببا في بقاء المسلمين في الأندلس قرونا، وإلا لكانت مأساة سقوط غرناطة (آخر إمارة إسلامية في الأندلس) في القرن العاشر الهجري حدثت قبل خمسة قرون، وكُتب اسم الزلاقة إلى جانب بدر وحنين ومؤتة والقادسية واليرموك وحطين واليمامة.
وقد كانت معركة الزلاقة مثالا حياً على نصر الله للجماعة المسلمة، وخذلانه للطوائف المتنازعة، كما كانت مثالاً حيّاً للأجيال، أن الصليبيين لا يمكنهم هزيمة المسلمين إن أصلحوا عقيدتهم، ونواياهم، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولم يتفرقوا.
• المصدر: مقتطف من صحيفة النبأ – العدد 18
السنة السابعة - الثلاثاء 7 جمادى الأولى 1437 هـ
من التاريخ:
معركة الزلاقة .. يوم كسر ابن تاشفين صلبان أوروبا