الجزيرة الأسيرة • مع كل موسم جديد من مواسم "هيئة الترفيه" السلولية الجاهلية، يشتد غضب الناس على ...

الجزيرة الأسيرة

• مع كل موسم جديد من مواسم "هيئة الترفيه" السلولية الجاهلية، يشتد غضب الناس على الاحتفالات الساقطة التي يتصدرها طغمة من فُسّاق العالم، دخلوا بلاد الحرمين بفتاوى من أجازوا وشرعنوا وأصّلوا لولاة أمورهم استجلاب النصارى واليهود إلى جزيرة العرب مهبط الوحي ومأرز الإسلام.

وللمفارقة، فإن المَعلم الأقذر في هذه المواسم الجاهلية، يقبع في حي (حطين) في الرياض وكأنها رسالة ما للحالمين بتحرير بيت القدس، أن سبيل تحريرها لا يكتمل إلا بتحرير الجزيرة الأسيرة منطلق الفتوحات الإسلامية.

مآرب ومشارب الغاضبين، تنوعت بين غاضب لمحارم الله تعالى وبلده الحرام، وغاضب لمآرب أخرى سياسية وحزبية، وفرق كبير بين من يوظّف الحَرم لينتصر لنفسه وحزبه!، وبين من ينتصر حقا للحَرم.

وآخرون منافقون يرون في الحدث فرصة لانتقاص دعوة التوحيد ومنهج السلف، فيطعنون في منهاج النبوة انتقاصا من حكام السعودية ومشايخهم، فهل حكام السعودية ومشايخهم وهيئاتهم يمثلون دعوة التوحيد ومنهج السلف؟!

وفريق راح يقلل من خطورة الأمر، بحجة أن المعصية في بلاد الحرمين وغيرها واحدة، وهذا صحيح خلا مكة والمدينة؛ لكنه ليس مبررا للتقليل من خطورة ما يجري من جهتين؛ الجهة الأولى: الاستخفاف بمكانة بلاد الحرمين في الإسلام وتبديد هيبتها وقدسيتها في قلوب المسلمين وهو هدف رئيس لهذه المواسم الجاهلية، ومن جهة ثانية: تكرار هذه المواسم الساقطة وما يجره ذلك من استمراء الجرم وتقبّله والتسليم به وصولا إلى التعايش معه!

ومن الأغاليط المتصلة بذلك، تفسير ما يجري على أنّ الغاية منه -فقط- إلهاء أهل الجزيرة عن سياسات ابن سلمان ومشاريعه في المنطقة، وهذا تقزيم للجرم وفهم منقوص للواقع، بل إنّ ما يجري غاية في حد ذاته، وهل هناك خطر أكبر من سلخ المسلم عن عقيدته وأخلاقه، وتدنيس مقدساته، وجلب عدوه إلى عقر داره؟! إنها حرب ممنهجة على بلاد الوحي، تهدف إلى "علمنتها" وإفساد أهلها وضرب قدسيتها.

وكما في كل مرة، توجهت سهام الغاضبين نحو تفاصيل الحفلات الهابطة أو نحو "هيئة الترفيه" الكافرة الساقطة على أفضل الأحوال، لكن سهام الغضب هذه لم توجه بشكل كاف إلى صدور "هيئة كبار العلماء!" الذين هم سدنة الطاغوت وغطاؤه الشرعي؛ ولا حتى إلى جنود الطاغوت وأوتاده حراس الشرك وحماة الرذيلة.

ولا شك أن شريحة من بلاد الحرمين يتملكهم الأسى والقهر على ما يرونه من مظاهر الفساد العريض في البلاد، لكنهم لا يقدرون على إعلاء صوتهم بالإنكار لهذا المنكر، خشية الأسر والقتل الذي يلوح به نظام آل سلول، وهو ما يحتم عليهم سلوك الطريق الوحيد الذي يمكّنهم من ذلك وهو الجهاد، إذ إنه لم يعد هناك سبيل لإنكار هذا المنكر إلا بوجود قوة تحمي الدعوة، ولا قوة للمؤمن بغير الجهاد.

وإن من الحِكم الإلهية في اختيار الجزيرة العربية مهدا للدين؛ أميّتها، وبالتالي خلوها من فلسفات وأفكار الأمم المحيطة بها كالروم والمجوس والبوذيين، ولذلك لم تأت دعوة التوحيد من "تبادل الثقافات" ولا "تنوع الحضارات"، بل جاءت من الوحي الإلهي، بينما يتنافس طواغيت الجزيرة اليوم على "الانفتاح" على كل "الحضارات" و "الثقافات" الجاهلية ونقلها إلى أرض الجزيرة لمزاحمة الوحي!!، بغية إفساد العقائد والأخلاق، فجمعوا بين شرين كبيرين، الأول: جلب الصليبيين واليهود! والثاني جلب عاداتهم وموروثاتهم الساقطة المصادمة لميراث النبوة!

واليوم ينفق طواغيت آل سلول مئات الملايين في الصد عن سبيل الله عبر التعاقد مع الساقطين والساقطات لإشاعة الفاحشة وإحياء الرذيلة وقتل الفضيلة وإماتة الحياء، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ}.

ولأن سنن الله لا تحابي، فإن حالة الأمن التي يتفاخر بها أنصار الطاغوت في الجزيرة ويعيّرون بها غيرهم من البلاد، لن تدوم، والجرأة على حرمات الله والمبارزة بالفواحش والمجاهرة بالمعاصي والفسق إيذان بقرب القلاقل وبداية النهاية لقوله تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}، وهو عين ما يجري في بلاد الحرمين من تسلط حكامها ومترفيها وأكابر مجرميها إيذانا بقرب هلاكهم ودمارهم بإذن الله.

ولقد توعد الله تعالى من يحبون إشاعة الفاحشة بين المؤمنين بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، وتأمل كيف أن الله تعالى علّق العقوبة والعذاب على مجرد محبة إذاعة الفاحشة وأخبارها، فكيف بمن يخطط ويجتهد وينفق الملايين لجلبها وتذليل أسبابها وتهيئة الأرض لها، وهو ما يفعله آل سلول بإظهار وإشاعة الفاحشة ونقلها واستيرادها من بلادها، بل كيف بما هو أعظم من كل الفواحش والكبائر وهو الشرك بالله والردة عن دينه بارتكاب نواقض الإيمان؟!، وهو ما تلبس به طواغيت آل سلول قديما وحديثا، ومنه على سبيل المثال لا الحصر: الموالاة لليهود والنصارى.

وهنا نقطة منهجية مهمة، فإن من يغضب لعقد حفل ماجن في بلاد الحرمين، ولا يغضب لعقد اجتماع للتحالف الصليبي في نفس البلاد، لديه مشكلة عقدية كبيرة، فإن آل سلول ما تجرأوا على عقد هذه الحفلات الساقطة العلنية إلا بعد سنوات من عقد التحالفات الجاهلية مع اليهود والنصارى، فهم جهة التخطيط وآل سلول جهة التنفيذ! فمن تغضبه السهرات ولا تهتز له شعرة أمام الشرك الذي استشرى في بلاد الحرمين حتى قبل عهد ابن سلمان، ومن يغضب لجلب الفاجرات ولم يغضب لجلب النصارى وجيوشهم ومستشاريهم من قبل، ومن تستفزه البغي الفاجرة ولا يستفزه الشيخ الذي أفتى بأنها ذمّية مستأمنة! وأوصى العساكر بحمايتها! من كان هذا حاله فليراجع عقيدته فإنه على خطر.

إن بلاد الجزيرة بحاجة ماسة إلى بدر جديدة، يفرّق الله بها بين الحق والباطل، ويُقتل فيها أئمة الكفر ويبرز فيها أئمة التوحيد وحملة رايته، إنها بحاجة ماسة لخروج المخلصين فيها من المرحلة المكية التي طالت، والارتقاء إلى المرحلة المدنية التي صبغت بالجهاد والقتال ضد دهاقنة الكفر وطواغيت الجزيرة.

أما جنود الخلافة في الولايات والمعسكرات، فلسان حال كل واحد منهم، بأننا لن نترك بلاد الوحي ومسقط رأس النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ومدرج صحابته الكرام؛ لهؤلاء الكفرة الفجرة، إنّها الأرض التي ولد ونشأ فيها نبيّ الهدى، وسار فيها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وسائر الأصحاب، ولن نبيع ميراثهم، ولن نفرط في أمجادهم، ولن نخون وصيّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب).


▫ المصدر: افتتاحية النبأ
صحيفة النبأ الأسبوعية العدد 470
الخميس 19 جمادى الأولى 1446 هـ