أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد • أما عن ولائه للدولة الإسلامية فإن من ...
منذ 2024-12-17
أبو مهند الشامي الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد
• أما عن ولائه للدولة الإسلامية فإن من يعرفه يعلم أنه منذ بيعته لأمير المؤمنين كان حريصا على كل ما كان من شأنه مصلحة الدولة، فمجرد أن بلغه الأمر بالهجرة حزم متاعه وجمع سلاح لوائه، لينطلق بمن تبعه من جنوده إلى دار الإسلام، وبمجرد وصوله سلّم كل أملاك اللواء إلى الدولة الإسلامية، ومنها مئات الآلاف من الدولارات كانت بحوزته مما غنمه في معاركه الطويلة، بالإضافة إلى 12 دبابة ومدرعة والكثير من السلاح والآليات، ثم عمل على إنهاء اسم (لواء داود) نهائيا ومعاقبة كل من بقي يستعمل هذا الاسم القديم أو ينسب أحدا ممن بايع أمير المؤمنين إليه، وذلك ليزرع في قلوب الجنود جميعا الانتماء للدولة الإسلامية، والطاعة لأمير المؤمنين.
كان صاحب تفكير عسكري مميز، يجهز لغزواته بشكل جيد، وتشهد له بذلك معاركه الكثيرة التي خاضها وفتح الله عليه فيها، قبل بيعته للدولة الإسلامية، ومنها معارك حاجز حميشو، وحاجز باب الهوى، وكلية الشؤون الإدارية، ومطار تفتناز، ومعسكر الشبيبة، وكلية الدفاع الجوي، وحاجز الجديدة، والسادكوب، والحواجز بين إدلب وأريحا، وغيرها.
وبعد بيعته لأمير المؤمنين وهجرته، قاد غزوات كبرى بالمقياس العسكري، وأهمها غزوة فتح تدمر، التي كانت واحدة من أكبر معارك جيش الخلافة على الإطلاق من حيث حشد القوات واتساع جبهة القتال، وكذلك معركة خناصر التي ظهرت فيها إمكاناته القيادية في أوضح صورها إذ أتاه الأمر بالتحضير للغزوة قبل موعدها بخمسة أيام فقط، ورغم ذلك مكنه الله من تجهيزها وحشد القوات والإمكانات اللازمة لها، وكان فيها الفتح المبين بفضل الله.
ورغم اهتمامه الشديد بالجبهات والجنود، فإنه تقبله الله لم يكن من النوع الذي يهمل باقي مفاصل الولاية ودواوينها، بل كان يكثر الجلوس مع أمراء المفاصل ويحثهم على مزيد من الجهد ويسعى في تأمين ما يحتاجونه لنجاح عملهم، لدرجة أن كلا منهم كان يشعر أن أبا مهند لا يهتم بغير مفصله، وكان من عادته إذا أراد الاجتماع بالإخوة لأمر هام أن يسير بهم في البادية مسافات بعيدة لينعزل عن كل ما قد يشغله عن أمر الاجتماع حتى يتم أمره، وكان معروفا عنه أنه يستشير إخوانه مجتمعين أو فرادى، فيطرح عليهم المشاكل ويطالبهم بطرح الحلول، حتى إذا استحسن رأيا عرضه على باقي إخوانه موضحا أنه رأي الأخ فلان، كي لا ينسب لنفسه ما ليس منه، وكي يرفع من شأن أخيه، ويزيد من ثقته بنفسه.
وإلى جانب ذلك كله كان -رحمه الله- صاحب عبادة، حبّب إليه قيام الليل بالصلاة، فيوقظ أهله في الثلث الأخير من الليل ويصلي بهم، وحبّب إليه البكور في العمل، فيبدأ كل أعماله بعد صلاة الفجر، ويعقد الكثير من اجتماعاته في هذا الوقت، ويحض إخوانه على التبكير في النوم، والبكور في العمل بحثا عن البركة.
وكان مما عُرف عنه إذا اشتدت المعارك، أن ينزوي في جانب عن إخوانه يدعو الله، ويمرغ وجهه في التراب، يستفتحه ويستنصره، ويبقى يكرر ذلك حتى يكتب الله لهم الفتح والنصر على عدوهم.
أما شجاعته فحدّث ولا حرج، فقد شهد إخوانه له أنه كان من أشجع الأمراء العسكريين في الدولة الإسلامية، وأنه كان قائدا ميدانيا يدير معاركه من ساحة المعركة بل من خطوطها الأمامية لا من مؤخرة الجيش أو قلبه، وشهد من عايشه في تدمر أنه كان إذا اشتد وطيس المعارك ذهب إلى الخط الأول وبقي مع المجاهدين هناك يثبت أقدامهم ويتقدم بهم، وكانت قاعدته الرئيسية في معاركه مع الجيش النصيري أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فلا يترك للعدو فرصة ليلتقط أنفاسه أو يحضر للهجوم عليه بشكل جيد، بل يكرر عليه الهجمات باستمرار وينوع عليه نقاط الهجوم فيبقيه في حالة استنفار دائم.
وكان حريصا على أن يستطلع مواقع العدو بنفسه، ويتقدم إلى آخر نقطة يمكنه الوصول إليها ليجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن العدو، حتى أنه في غزوة خناصر الأخيرة أصر على استطلاع مكان اقتحام إخوانه بنفسه، واقترب كثيرا من مواقع النظام النصيري على محيط طريق خناصر رغم معرفته بوجود ألغام في المنطقة، فانفجر عليه أحد الألغام وأصابه إصابة بليغة.
مرت أيام على الإصابة، إلا أن الله -تعالى- كتب أن تفارق روح أبي مهند جسده، بعد أن تلفظ بالشهادتين، وقد كان من آخر ما نطق به في دنياه أن قال لوالدته عندما رأى حزنها عليه في مرضه ولهفتها في الدعاء له بالشفاء في صلاتها: الملتقى الجنة بإذن الله.
إنه العبد الذي ألقى الدنيا وراء ظهره، عندما جاءته تخطب وده، وداس عليها وعلى شهواتها بقدميه الحديديتين، وأقبل يرجو ما عند الله تعالى، فنال ما تمنى، نحسبه كذلك.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقتطف من قصة شهيد:
أبو مهند الشامي
الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد
• أما عن ولائه للدولة الإسلامية فإن من يعرفه يعلم أنه منذ بيعته لأمير المؤمنين كان حريصا على كل ما كان من شأنه مصلحة الدولة، فمجرد أن بلغه الأمر بالهجرة حزم متاعه وجمع سلاح لوائه، لينطلق بمن تبعه من جنوده إلى دار الإسلام، وبمجرد وصوله سلّم كل أملاك اللواء إلى الدولة الإسلامية، ومنها مئات الآلاف من الدولارات كانت بحوزته مما غنمه في معاركه الطويلة، بالإضافة إلى 12 دبابة ومدرعة والكثير من السلاح والآليات، ثم عمل على إنهاء اسم (لواء داود) نهائيا ومعاقبة كل من بقي يستعمل هذا الاسم القديم أو ينسب أحدا ممن بايع أمير المؤمنين إليه، وذلك ليزرع في قلوب الجنود جميعا الانتماء للدولة الإسلامية، والطاعة لأمير المؤمنين.
كان صاحب تفكير عسكري مميز، يجهز لغزواته بشكل جيد، وتشهد له بذلك معاركه الكثيرة التي خاضها وفتح الله عليه فيها، قبل بيعته للدولة الإسلامية، ومنها معارك حاجز حميشو، وحاجز باب الهوى، وكلية الشؤون الإدارية، ومطار تفتناز، ومعسكر الشبيبة، وكلية الدفاع الجوي، وحاجز الجديدة، والسادكوب، والحواجز بين إدلب وأريحا، وغيرها.
وبعد بيعته لأمير المؤمنين وهجرته، قاد غزوات كبرى بالمقياس العسكري، وأهمها غزوة فتح تدمر، التي كانت واحدة من أكبر معارك جيش الخلافة على الإطلاق من حيث حشد القوات واتساع جبهة القتال، وكذلك معركة خناصر التي ظهرت فيها إمكاناته القيادية في أوضح صورها إذ أتاه الأمر بالتحضير للغزوة قبل موعدها بخمسة أيام فقط، ورغم ذلك مكنه الله من تجهيزها وحشد القوات والإمكانات اللازمة لها، وكان فيها الفتح المبين بفضل الله.
ورغم اهتمامه الشديد بالجبهات والجنود، فإنه تقبله الله لم يكن من النوع الذي يهمل باقي مفاصل الولاية ودواوينها، بل كان يكثر الجلوس مع أمراء المفاصل ويحثهم على مزيد من الجهد ويسعى في تأمين ما يحتاجونه لنجاح عملهم، لدرجة أن كلا منهم كان يشعر أن أبا مهند لا يهتم بغير مفصله، وكان من عادته إذا أراد الاجتماع بالإخوة لأمر هام أن يسير بهم في البادية مسافات بعيدة لينعزل عن كل ما قد يشغله عن أمر الاجتماع حتى يتم أمره، وكان معروفا عنه أنه يستشير إخوانه مجتمعين أو فرادى، فيطرح عليهم المشاكل ويطالبهم بطرح الحلول، حتى إذا استحسن رأيا عرضه على باقي إخوانه موضحا أنه رأي الأخ فلان، كي لا ينسب لنفسه ما ليس منه، وكي يرفع من شأن أخيه، ويزيد من ثقته بنفسه.
وإلى جانب ذلك كله كان -رحمه الله- صاحب عبادة، حبّب إليه قيام الليل بالصلاة، فيوقظ أهله في الثلث الأخير من الليل ويصلي بهم، وحبّب إليه البكور في العمل، فيبدأ كل أعماله بعد صلاة الفجر، ويعقد الكثير من اجتماعاته في هذا الوقت، ويحض إخوانه على التبكير في النوم، والبكور في العمل بحثا عن البركة.
وكان مما عُرف عنه إذا اشتدت المعارك، أن ينزوي في جانب عن إخوانه يدعو الله، ويمرغ وجهه في التراب، يستفتحه ويستنصره، ويبقى يكرر ذلك حتى يكتب الله لهم الفتح والنصر على عدوهم.
أما شجاعته فحدّث ولا حرج، فقد شهد إخوانه له أنه كان من أشجع الأمراء العسكريين في الدولة الإسلامية، وأنه كان قائدا ميدانيا يدير معاركه من ساحة المعركة بل من خطوطها الأمامية لا من مؤخرة الجيش أو قلبه، وشهد من عايشه في تدمر أنه كان إذا اشتد وطيس المعارك ذهب إلى الخط الأول وبقي مع المجاهدين هناك يثبت أقدامهم ويتقدم بهم، وكانت قاعدته الرئيسية في معاركه مع الجيش النصيري أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فلا يترك للعدو فرصة ليلتقط أنفاسه أو يحضر للهجوم عليه بشكل جيد، بل يكرر عليه الهجمات باستمرار وينوع عليه نقاط الهجوم فيبقيه في حالة استنفار دائم.
وكان حريصا على أن يستطلع مواقع العدو بنفسه، ويتقدم إلى آخر نقطة يمكنه الوصول إليها ليجمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن العدو، حتى أنه في غزوة خناصر الأخيرة أصر على استطلاع مكان اقتحام إخوانه بنفسه، واقترب كثيرا من مواقع النظام النصيري على محيط طريق خناصر رغم معرفته بوجود ألغام في المنطقة، فانفجر عليه أحد الألغام وأصابه إصابة بليغة.
مرت أيام على الإصابة، إلا أن الله -تعالى- كتب أن تفارق روح أبي مهند جسده، بعد أن تلفظ بالشهادتين، وقد كان من آخر ما نطق به في دنياه أن قال لوالدته عندما رأى حزنها عليه في مرضه ولهفتها في الدعاء له بالشفاء في صلاتها: الملتقى الجنة بإذن الله.
إنه العبد الذي ألقى الدنيا وراء ظهره، عندما جاءته تخطب وده، وداس عليها وعلى شهواتها بقدميه الحديديتين، وأقبل يرجو ما عند الله تعالى، فنال ما تمنى، نحسبه كذلك.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقتطف من قصة شهيد:
أبو مهند الشامي
الرجل الذي داس الفصائل بقدمين من حديد