رموز .. أم أوثان • إن من أهم صفات أهل الجاهلية في كل العصور أن تجد أن لكل قبيلة من القبائل أو ...
منذ 2024-12-18
رموز .. أم أوثان
• إن من أهم صفات أهل الجاهلية في كل العصور أن تجد أن لكل قبيلة من القبائل أو جماعة من الناس وثنا خاصا بها تتميز به عن غيرها من الجماعات، فتعظمه وتنتسب إليه من دون أوثان سواها، وتتفاخر به على أوثان أعدائها، وتصل بهم الحال أن يكون شعار الانتماء إلى هذه الجماعة من البشر تعظيم هذا الوثن من دون الله، عز وجل، فيكتسب كل من الوثن والجماعة من الآخر قوته وتعظيمه بين الناس، فإما أن يكون هذا الوثن معظما بين كم كبير من الجماعات، فتكتسب الجماعة التي تقوم على خدمته أو يرتبط بها ذكره الكثير من القوة والسلطة بذلك، أو تكون الجماعة من القوة بحيث تفرض تعظيم وتقديس وثنها على بقية الجماعات، وهو الغالب إذ إن تقديس هذا الوثن يحمل في جوانبه غالبا أهدافا سياسية بحيث يكون الخضوع له خضوعا للجماعة التي تزعم الارتباط به، والقيام بأمره، وحيازة الصنم الذي يمثله، وأسرار التخاطب المزعوم معه من قبل كهانها، ولذلك نجد أن ما من أمة من الأمم يزول ملكها إلا زالت مع الملك أوثانها واندثرت أصنامها ليعبد الجاهليون وثنا آخر يكون في الغالب وثن الأمة التي ورثت الغلبة والظفر.
وربما تكون قصة أبرهة الحبشي مع الكعبة خير مثال على ذلك، إذ بنى كنيسته في اليمن ليجذب العرب إلى تعظيمها وبالتالي إخضاعهم لسطوته، فلما رأى إعراضهم عنها وارتباطهم بالكعبة وما فيها من أوثان في ذلك الحين، جرد جيشا جرارا لهدمها وإزالة الأوثان التي فيها المنافسة لوثنه المعبود من دون الله تعالى.
وقد أرسل الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بالحق لينهى الناس عن عبادة كل تلك الأوثان ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، سبحانه، وفي دعوته إلى نبذ الشرك تستوي عبادة كل ما عبد من دون الله تعالى، سواءً كان نبيا مرسلا أم ملكا مقربا أم عبدا صالحا أم حاكما متجبرا أم كاهنا كذابا أم قانونا متبعا أم قبرا معظما أو شجرة أو صخرة متبركًا بهما أو شيطانا مخوفا وما شابه
وكما هي سنة الله سبحانه في الأمم التي خلت من قبل، فإن الناس لا يلبثون إذا طال عليهم الأمد أن يخلق عندهم التوحيد فيعودون إلى تجديد الشرك ونصب الطواغيت، وعبادتهم من دون الله تعالى، بل ودعوة الناس إلى عبادتها.
ومن أبرز صور شرك المشركين اتخاذهم من يرون فيهم الخير من العبّاد الزهّاد آلهة يبدؤون أولا بتصوير هؤلاء العبّاد كأصنام باعتبار صورهم تذكر الناس بعبادة الزهّاد لله تعالى وتثبت من يراها على الطريق الذي سلكوه ثم يتحول المعظّمين إلى أوثان تعبد من دون الله سبحانه، تطلب منهم الشفاعة ويذبح لهم وينذر لهم إلخ، وفي ظن المشركين أنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى، ويرفضون تسمية أفعالهم شركا بالله، كما في قولهم: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفىٰ}، وقولهم: {هٰؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}، ويدافعون عن معبوداتهم هذه أشد الدفاع ويرفضون كل من ينهاهم عنها، كما في قولهم: {لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}، بل ويتبعهم في ذلك من أتباعهم من ازدادوا كفرا بجعلهم اتباع الآباء وطاعتهم دينا ينهاهم عن طاعة الله عز وجل، كما قال الله تعالى فيهم: {وإذا قيل لهم تعالوا إلىٰ ما أنزل اللّه وإلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} وقد أبطل الله دعواهم تلك بقوله: {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون}، قال ابن العربي في تفسير هذه الآية: «قولهم: وجدنا عليه آباءنا، فنحن نقتدي بهم في أفعالهم، ونمتثل ما شاهدناه من أعمالهم ولم يثبت عندهم أن آباءهم بالهدى عاملون، وعن غير الحق معصومون، ونسوا أن الباطل جائز عليهم» [أحكام القرآن]
وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي لإقامة الدين وتطبيق الشريعة قد حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد الله الصالحين، لعلمه بالشريعة، أو حسن جهاده أو لصبره على ما لقيه من البلاء من الطواغيت أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في كتاباته أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس، والزيادة في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا برفع صورهم وتلقيبهم بألقاب التعظيم المبالغ فيها وجعل كلامهم وأحكامهم فوق كلام الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يدّعون أن كلامهم مبني عليهما، بل وإطلاق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها للأجيال المتعاقبة في هذه الأحزاب على أنها الصراط المستقيم والسبيل القويم لتحصيل رضا رب العالمين، وبتنا نسمع تسمية هؤلاء الأشخاص «رموزاً» لهذه الحركة أو تلك، وصرنا نرى الاستنكار لأي نقد لهؤلاء «الرموز» بدرجة تفوق الاستنكار على من يطعن في دين الله وشعائره، حتى لكأن هؤلاء «الرموز» من الأحياء والأموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة، فمن ينتقص من قدرهم أو يرد كلامهم فهو الذي يريد أن ينقض عرى الإسلام.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان
• إن من أهم صفات أهل الجاهلية في كل العصور أن تجد أن لكل قبيلة من القبائل أو جماعة من الناس وثنا خاصا بها تتميز به عن غيرها من الجماعات، فتعظمه وتنتسب إليه من دون أوثان سواها، وتتفاخر به على أوثان أعدائها، وتصل بهم الحال أن يكون شعار الانتماء إلى هذه الجماعة من البشر تعظيم هذا الوثن من دون الله، عز وجل، فيكتسب كل من الوثن والجماعة من الآخر قوته وتعظيمه بين الناس، فإما أن يكون هذا الوثن معظما بين كم كبير من الجماعات، فتكتسب الجماعة التي تقوم على خدمته أو يرتبط بها ذكره الكثير من القوة والسلطة بذلك، أو تكون الجماعة من القوة بحيث تفرض تعظيم وتقديس وثنها على بقية الجماعات، وهو الغالب إذ إن تقديس هذا الوثن يحمل في جوانبه غالبا أهدافا سياسية بحيث يكون الخضوع له خضوعا للجماعة التي تزعم الارتباط به، والقيام بأمره، وحيازة الصنم الذي يمثله، وأسرار التخاطب المزعوم معه من قبل كهانها، ولذلك نجد أن ما من أمة من الأمم يزول ملكها إلا زالت مع الملك أوثانها واندثرت أصنامها ليعبد الجاهليون وثنا آخر يكون في الغالب وثن الأمة التي ورثت الغلبة والظفر.
وربما تكون قصة أبرهة الحبشي مع الكعبة خير مثال على ذلك، إذ بنى كنيسته في اليمن ليجذب العرب إلى تعظيمها وبالتالي إخضاعهم لسطوته، فلما رأى إعراضهم عنها وارتباطهم بالكعبة وما فيها من أوثان في ذلك الحين، جرد جيشا جرارا لهدمها وإزالة الأوثان التي فيها المنافسة لوثنه المعبود من دون الله تعالى.
وقد أرسل الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بالحق لينهى الناس عن عبادة كل تلك الأوثان ويدعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، سبحانه، وفي دعوته إلى نبذ الشرك تستوي عبادة كل ما عبد من دون الله تعالى، سواءً كان نبيا مرسلا أم ملكا مقربا أم عبدا صالحا أم حاكما متجبرا أم كاهنا كذابا أم قانونا متبعا أم قبرا معظما أو شجرة أو صخرة متبركًا بهما أو شيطانا مخوفا وما شابه
وكما هي سنة الله سبحانه في الأمم التي خلت من قبل، فإن الناس لا يلبثون إذا طال عليهم الأمد أن يخلق عندهم التوحيد فيعودون إلى تجديد الشرك ونصب الطواغيت، وعبادتهم من دون الله تعالى، بل ودعوة الناس إلى عبادتها.
ومن أبرز صور شرك المشركين اتخاذهم من يرون فيهم الخير من العبّاد الزهّاد آلهة يبدؤون أولا بتصوير هؤلاء العبّاد كأصنام باعتبار صورهم تذكر الناس بعبادة الزهّاد لله تعالى وتثبت من يراها على الطريق الذي سلكوه ثم يتحول المعظّمين إلى أوثان تعبد من دون الله سبحانه، تطلب منهم الشفاعة ويذبح لهم وينذر لهم إلخ، وفي ظن المشركين أنهم يتقربون بذلك إلى الله تعالى، ويرفضون تسمية أفعالهم شركا بالله، كما في قولهم: {ما نعبدهم إلّا ليقرّبونا إلى اللّه زلفىٰ}، وقولهم: {هٰؤلاء شفعاؤنا عند اللّه}، ويدافعون عن معبوداتهم هذه أشد الدفاع ويرفضون كل من ينهاهم عنها، كما في قولهم: {لا تذرنّ آلهتكم ولا تذرنّ ودًّا ولا سواعًا ولا يغوث ويعوق ونسرًا}، بل ويتبعهم في ذلك من أتباعهم من ازدادوا كفرا بجعلهم اتباع الآباء وطاعتهم دينا ينهاهم عن طاعة الله عز وجل، كما قال الله تعالى فيهم: {وإذا قيل لهم تعالوا إلىٰ ما أنزل اللّه وإلى الرّسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا} وقد أبطل الله دعواهم تلك بقوله: {أولو كان آباؤهم لا يعلمون شيئًا ولا يهتدون}، قال ابن العربي في تفسير هذه الآية: «قولهم: وجدنا عليه آباءنا، فنحن نقتدي بهم في أفعالهم، ونمتثل ما شاهدناه من أعمالهم ولم يثبت عندهم أن آباءهم بالهدى عاملون، وعن غير الحق معصومون، ونسوا أن الباطل جائز عليهم» [أحكام القرآن]
وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي لإقامة الدين وتطبيق الشريعة قد حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد الله الصالحين، لعلمه بالشريعة، أو حسن جهاده أو لصبره على ما لقيه من البلاء من الطواغيت أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في كتاباته أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس، والزيادة في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا برفع صورهم وتلقيبهم بألقاب التعظيم المبالغ فيها وجعل كلامهم وأحكامهم فوق كلام الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يدّعون أن كلامهم مبني عليهما، بل وإطلاق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها للأجيال المتعاقبة في هذه الأحزاب على أنها الصراط المستقيم والسبيل القويم لتحصيل رضا رب العالمين، وبتنا نسمع تسمية هؤلاء الأشخاص «رموزاً» لهذه الحركة أو تلك، وصرنا نرى الاستنكار لأي نقد لهؤلاء «الرموز» بدرجة تفوق الاستنكار على من يطعن في دين الله وشعائره، حتى لكأن هؤلاء «الرموز» من الأحياء والأموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة، فمن ينتقص من قدرهم أو يرد كلامهم فهو الذي يريد أن ينقض عرى الإسلام.
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان