رموز .. أم أوثان • وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي ...
رموز .. أم أوثان
• وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي لإقامة الدين وتطبيق الشريعة، قد حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد الله الصالحين، لعلمه بالشريعة، أو حسن جهاده أو لصبره على ما لقيه من البلاء من الطواغيت أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في كتاباته أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس، والزيادة في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا، برفع صورهم وتلقيبهم بألقاب التعظيم المبالغ فيها وجعل كلامهم وأحكامهم فوق كلام الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يدّعون أن كلامهم مبني عليهما، بل وإطلاق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها للأجيال المتعاقبة في هذه الأحزاب على أنها الصراط المستقيم، والسبيل القويم لتحصيل رضا رب العالمين، وبتنا نسمع تسمية هؤلاء الأشخاص «رموزاً» لهذه الحركة أو تلك، وصرنا نرى الاستنكار لأي نقد لهؤلاء «الرموز» بدرجة تفوق الاستنكار على من يطعن في دين الله وشعائره، حتى لكأن هؤلاء «الرموز» من الأحياء والأموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة، فمن ينتقص من قدرهم أو يرد كلامهم، فهو الذي يريد أن ينقض عرى الإسلام.
وصرنا نرى من حال هؤلاء «الرموز» المعبودين، أن لكل حزب «رمزا» أو مجموعة من «الرموز»، كما كان لكل قبيلة من قبائل الجاهليين وثن أو مجموعة من الأوثان، وكل حزب يسعى جهده لتعظيم «رموزه» في أعين الناس، وهو يرى أنه سيزيد من أتباعه بمقدار ما يزيد من تعظيم الناس «لرموز» حزبه وتنظيمه، لذلك يكثرون من إضفاء الألقاب والأوصاف لهؤلاء «الرموز»، والاستدلال بأفعالهم على كل ما يريدون اتخاذه من قرارات، فيكفيهم لذلك أن شيخهم أو رأسهم قد فعل ذلك أو أقره أو أمر به، ليكون مباحا أو واجبا، دون النظر فيما يُحتج به من الأدلة الشرعية، بل وبات الحال أن يتنازع الناس على هذا «الرمز» أو ذاك وكل منهم يزعم أنه الوارث لإرثه، والمتبع لسنته، والسائر على نهجه، والأمين على رسالته، فوصل الأمر ببعضهم إلى «بابيّة» معاصرة، شبيهة بما لدى الرافضة والباطنية -أخزاهم الله تعالى- الذين يقدسون بعض شيوخهم وعلمائهم بزعم أنهم الأبواب إلى أئمتهم من آل البيت الذين يزعمون أنهم أحياء بعد موتهم يتواصلون مع الناس عن طريق هؤلاء الأبواب، وذلك بأن يعلن بعض أفراد هذه الأحزاب أن الوصي على منهج «الرمز» والحامي للحزب أو التنظيم أو الفصيل من الانحراف عن منهجه.
إن ارتباط الحزب أو التنظيم أو الفصيل بشخصيات «الرموز» وحرصه على الاستقواء بهم إنما هو سمة عامة لأهل الضلال، لأن المسلم يعلم أن الكتاب والسنة هما الركن الشديد الذي يُلجأ إليه في إثبات صحة دعواه، فمن أعياه من أهل الضلال إيجاد الدليل الشرعي لجأ إلى الاستدلال البدعي على «صحة» منهجه، كما تفعل الأحزاب الضالة اليوم باستنادها في إثبات «صحة» منهجها بالمشاهير من «رموزها»، الذين لو بحثنا في حقائقهم لوجدنا أن منهم المبتدع الضال، بل منهم من تلبس بردّة صريحة، أو تستدل على «صحة» منهجها بحجم تضحيات السابقين من أفرادها، وعدد من قتل وسجن منهم، أو بعدد أتباعها وحجم انتشار أفكارها، وكل هذه الأمور لا تغني من الحق شيئا.
فالمسلم يقيس «الرموز» بمقياس الدين، ولا يقيس دينه على مقياس «الرموز»، ويعرف قدر «الرموز» بمقدار اتباعهم للحق، لا أن يبحث عن الحق في أقوال «الرموز» وأفعالهم، ويسعى لأن يكون عبدا لله -عز وجل- لا عبدا للحزب والتنظيم و«رموزهم»، وتابعا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا لمنهج الفصيل والحركة.
لقد كثرت «الرموز» اليوم، وباتت أكثر من أوثان المشركين في الجاهلية، وكلٌ من الناس يدعو إلى «رمزه» كما كان الجاهليون يدعون الناس لعبادة أوثانهم، فكل الأحزاب أو التنظيمات صارت «رموزا»، وقادة ورؤوس كل منها «رموز»، وكتبها ومناهجها «رموز»، فإلى أيّ منها يميل المسلم، وبأيها يرتبط، وأيها يتبع؟
سيجيب الجميع: ما وافق منها الكتاب والسنة.
إذن فلنتبع الكتاب والسنة، ولندع «الرموز».
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان
• وإننا نجد اليوم أن أفراد كثير من التنظيمات والفصائل والأحزاب التي تزعم السعي لإقامة الدين وتطبيق الشريعة، قد حذوا حذو من قبلهم في تعظيم من يرونه من عباد الله الصالحين، لعلمه بالشريعة، أو حسن جهاده أو لصبره على ما لقيه من البلاء من الطواغيت أو لفصاحة خطابه وحسن التعبير في كتاباته أو حتى لمجرد شهرته وشيوع اسمه بين الناس، والزيادة في توقيرهم عن الحد الجائز شرعا، برفع صورهم وتلقيبهم بألقاب التعظيم المبالغ فيها وجعل كلامهم وأحكامهم فوق كلام الله ورسوله، صلى الله عليه وسلم، وإن كانوا يدّعون أن كلامهم مبني عليهما، بل وإطلاق مسمى «المنهج» على أقوالهم وأفعالهم وأحكامهم، وتدوين هذه «المناهج» وتدريسها للأجيال المتعاقبة في هذه الأحزاب على أنها الصراط المستقيم، والسبيل القويم لتحصيل رضا رب العالمين، وبتنا نسمع تسمية هؤلاء الأشخاص «رموزاً» لهذه الحركة أو تلك، وصرنا نرى الاستنكار لأي نقد لهؤلاء «الرموز» بدرجة تفوق الاستنكار على من يطعن في دين الله وشعائره، حتى لكأن هؤلاء «الرموز» من الأحياء والأموات حلّوا عند أولئك الضالين مكان الكتاب والسنة، فمن ينتقص من قدرهم أو يرد كلامهم، فهو الذي يريد أن ينقض عرى الإسلام.
وصرنا نرى من حال هؤلاء «الرموز» المعبودين، أن لكل حزب «رمزا» أو مجموعة من «الرموز»، كما كان لكل قبيلة من قبائل الجاهليين وثن أو مجموعة من الأوثان، وكل حزب يسعى جهده لتعظيم «رموزه» في أعين الناس، وهو يرى أنه سيزيد من أتباعه بمقدار ما يزيد من تعظيم الناس «لرموز» حزبه وتنظيمه، لذلك يكثرون من إضفاء الألقاب والأوصاف لهؤلاء «الرموز»، والاستدلال بأفعالهم على كل ما يريدون اتخاذه من قرارات، فيكفيهم لذلك أن شيخهم أو رأسهم قد فعل ذلك أو أقره أو أمر به، ليكون مباحا أو واجبا، دون النظر فيما يُحتج به من الأدلة الشرعية، بل وبات الحال أن يتنازع الناس على هذا «الرمز» أو ذاك وكل منهم يزعم أنه الوارث لإرثه، والمتبع لسنته، والسائر على نهجه، والأمين على رسالته، فوصل الأمر ببعضهم إلى «بابيّة» معاصرة، شبيهة بما لدى الرافضة والباطنية -أخزاهم الله تعالى- الذين يقدسون بعض شيوخهم وعلمائهم بزعم أنهم الأبواب إلى أئمتهم من آل البيت الذين يزعمون أنهم أحياء بعد موتهم يتواصلون مع الناس عن طريق هؤلاء الأبواب، وذلك بأن يعلن بعض أفراد هذه الأحزاب أن الوصي على منهج «الرمز» والحامي للحزب أو التنظيم أو الفصيل من الانحراف عن منهجه.
إن ارتباط الحزب أو التنظيم أو الفصيل بشخصيات «الرموز» وحرصه على الاستقواء بهم إنما هو سمة عامة لأهل الضلال، لأن المسلم يعلم أن الكتاب والسنة هما الركن الشديد الذي يُلجأ إليه في إثبات صحة دعواه، فمن أعياه من أهل الضلال إيجاد الدليل الشرعي لجأ إلى الاستدلال البدعي على «صحة» منهجه، كما تفعل الأحزاب الضالة اليوم باستنادها في إثبات «صحة» منهجها بالمشاهير من «رموزها»، الذين لو بحثنا في حقائقهم لوجدنا أن منهم المبتدع الضال، بل منهم من تلبس بردّة صريحة، أو تستدل على «صحة» منهجها بحجم تضحيات السابقين من أفرادها، وعدد من قتل وسجن منهم، أو بعدد أتباعها وحجم انتشار أفكارها، وكل هذه الأمور لا تغني من الحق شيئا.
فالمسلم يقيس «الرموز» بمقياس الدين، ولا يقيس دينه على مقياس «الرموز»، ويعرف قدر «الرموز» بمقدار اتباعهم للحق، لا أن يبحث عن الحق في أقوال «الرموز» وأفعالهم، ويسعى لأن يكون عبدا لله -عز وجل- لا عبدا للحزب والتنظيم و«رموزهم»، وتابعا لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا لمنهج الفصيل والحركة.
لقد كثرت «الرموز» اليوم، وباتت أكثر من أوثان المشركين في الجاهلية، وكلٌ من الناس يدعو إلى «رمزه» كما كان الجاهليون يدعون الناس لعبادة أوثانهم، فكل الأحزاب أو التنظيمات صارت «رموزا»، وقادة ورؤوس كل منها «رموز»، وكتبها ومناهجها «رموز»، فإلى أيّ منها يميل المسلم، وبأيها يرتبط، وأيها يتبع؟
سيجيب الجميع: ما وافق منها الكتاب والسنة.
إذن فلنتبع الكتاب والسنة، ولندع «الرموز».
◽ المصدر: صحيفة النبأ – العدد 25
السنة السابعة - الثلاثاء 26 جمادى الآخرة 1437 هـ
مقتطف من مقال:
رموز .. أم أوثان