بسم الله الرحمن الرحيم عظمة الله وأثره في نفوسنا الخطبة الأولى: الحمد لله رب ...

بسم الله الرحمن الرحيم
عظمة الله وأثره في نفوسنا
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله ذي الملكوت والكبرياء والعظمة والجلال، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده ربي لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين.
﴿یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِۦ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [آل عمران ١٠٢]
أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة في الدين ضلالة أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات، آمين اللهم آمين.
أيها الأحباب الكرام في الله، في زمن طغت فيه الماديات، وكثرت فيه الملهيات، والشبه والشهوات، ما أحوجنا معاشر المسلمين أن نعيش مع عظمة الله جل جلاله، أن نعيش مع عظمة الخالق جل جلاله سبحانه من خلال كتابه جل جلاله سبحانه، وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، من خلال هذا الكتاب الكريم نتعرف على أسمائه وصفاته، فكلما تعرف المسلم على أسماء الله وصفاته كلما ازداد تعظيمه لله وتذلله بين يدي الله ، كلما تعرف المسلم على عظمة الخالق وعلى أسمائه وصفاته كلما عرف قيمة هذه الدنيا، كلما عرف عظمة الله عز وجل كلما صغرت أمامه هذه الدنيا بكبريائها بزخارفها، فمن خلال كتاب الله نتعرف على أسمائه وصفاته، يقول الله تعالى: ﴿هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَـٰلِمُ ٱلۡغَیۡبِ وَٱلشَّهَـٰدَةِۖ هُوَ ٱلرَّحۡمَـٰنُ ٱلرَّحِیمُ هُوَ ٱللَّهُ ٱلَّذِی لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ ٱلۡمَلِكُ ٱلۡقُدُّوسُ ٱلسَّلَـٰمُ ٱلۡمُؤۡمِنُ ٱلۡمُهَیۡمِنُ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡجَبَّارُ ٱلۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَـٰنَ ٱللَّهِ عَمَّا یُشۡرِكُونَ هُوَ ٱللَّهُ ٱلۡخَـٰلِقُ ٱلۡبَارِئُ ٱلۡمُصَوِّرُۖ لَهُ ٱلۡأَسۡمَاۤءُ ٱلۡحُسۡنَىٰۚ یُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَٱلۡأَرۡضِۖ وَهُوَ ٱلۡعَزِیزُ ٱلۡحَكِیمُ﴾[الحشر:22-23-24].
عباد الله، من خلال كتاب الله عز وجل نتعرف على عظمة الخالق جل جلاله سبحانه من خلال التفكر في آياته بالتفكر في مخلوقاته؛ لأن المسلم إذا جمع بين الذكر والتفكر ازداد تعظيمه لله، فإذا ما ازداد تعظيمه لله، ازداد خوفه منه جل جلاله سبحانه، وقد جاء عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي، فأتاه بلال يؤذنه بالصلاة، فرآه يبكي فقال: يا رسول الله، أتبكي وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر! فقال: يا بلال، أفلا أكون عبدا شكورا، ولقد أنزل الله علي الليلة آية: {إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب} ثم قال: ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها) رواه ابن حبان في "صحيحه". لاحظوا ذكر ثم بعد ذلك يأتي التفكر، ويتفكرون في خلق السماوات والأرض، فإذا ما اجتمع الذكر مع التفكر حدث تعظيم لله عز وجل فيقول {رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَك}، فإذا ما حدث تعظيم لله جاء بعده الخوف منه، لأن المسلم لا يخاف من الله إلا إذا عرف عظمة الله عز وجل، فيقول: {سُبْحانك فقِنا عذابَ النار}.
أيها الأحباب الكرام في الله، تعظيم الله عز وجل من خلال التفكر في أحوال الأمم السابقة، وما حصل للمجرمين والمتكبرين والظالمين، قال الله: ﴿وَثَمُودَا۟ فَمَاۤ أَبۡقَىٰ وَقَوۡمَ نُوحࣲ مِّن قَبۡلُۖ إِنَّهُمۡ كَانُوا۟ هُمۡ أَظۡلَمَ وَأَطۡغَى وَٱلۡمُؤۡتَفِكَةَ أَهۡوَى فَغَشَّىٰهَا مَا غَشَّىٰ فَبِأَیِّ ءَالَاۤءِ رَبِّكَ تَتَمَارَىٰ﴾ [النجم: 51-52-53-54-55] ﴿فَأَمَّا عَادࣱ فَٱسۡتَكۡبَرُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ بِغَیۡرِ ٱلۡحَقِّ وَقَالُوا۟ مَنۡ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةًۖ أَوَلَمۡ یَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ ٱلَّذِی خَلَقَهُمۡ هُوَ أَشَدُّ مِنۡهُمۡ قُوَّةࣰۖ وَكَانُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا یَجۡحَدُونَ﴾ [فصلت ١٥]، تعظيمنا لله عز وجل يكون بتعظيم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا ما عظمنا الله عظمنا رسوله عليه الصلاة والسلام ﴿لِّتُؤۡمِنُوا۟ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُۚ وَتُسَبِّحُوهُ بُكۡرَةࣰ وَأَصِیلًا﴾ [الفتح ٩]، يقول السعدي رحمه الله: أي: بسبب دعوة الرسول لكم، وتعليمه لكم ما ينفعكم، أرسلناه لتقوموا بالإيمان بالله ورسوله، المستلزم ذلك لطاعتهما في جميع الأمور.
﴿وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ﴾ أي: تعزروا الرسول ﷺ وتوقروه أي: تعظموه وتجلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم، ﴿وَتُسَبِّحُوهُ﴾ أي: تسبحوا لله ﴿بُكْرَةً وَأَصِيلًا﴾ أول النهار وآخره، فذكر الله في هذه الآية الحق المشترك بين الله وبين رسوله، وهو الإيمان بهما، والمختص بالرسول، وهو التعزير والتوقير، والمختص بالله، وهو التسبيح له والتقديس بصلاة أو غيرها.
تعظيم الله يكون بتعظيم كتابه، قال تعالى: ﴿لَوۡ أَنزَلۡنَا هَـٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلࣲ لَّرَأَیۡتَهُۥ خَـٰشِعࣰا مُّتَصَدِّعࣰا مِّنۡ خَشۡیَةِ ٱللَّهِۚ وَتِلۡكَ ٱلۡأَمۡثَـٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ یَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر ٢١].
الله ربي لا أريد سواه
هل في الوجود حقيقة إلاه
الشمس والبدر من أنوار حكمته
والبر والبحر فيض من عطاياه
الطير سبحه والوحش مجده
والموج كبره والحوت ناجاه
والنمل تحت الصخور الصمِّ قدسه
والنحل يهتف حمداً في خلاياه
والناس يعصونه جهراً فيسترهم
والعبد ينسى وربي ليس ينساه..
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه، فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.. إخواني الكرام أخيرًا كيف نعظم الله عز وجل في نفوسنا؟
نعظم الله عز وجل بإقامة العبودية الكاملة له جل جلاله، فالله عز وجل يستحق العبادة الكاملة جل جلاله سبحانه، إذاً تعظيم الله عز وجل يكون بكمال العبودية له والخضوع له، فهو الذي سخر كل شيء من أجلنا؛ قال تعالى: ﴿أَلَمۡ تَرَوۡا۟ أَنَّ ٱللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی ٱلۡأَرۡضِ وَأَسۡبَغَ عَلَیۡكُمۡ نِعَمَهُۥ ظَـٰهِرَةࣰ وَبَاطِنَةࣰۗ وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن یُجَـٰدِلُ فِی ٱللَّهِ بِغَیۡرِ عِلۡمࣲ وَلَا هُدࣰى وَلَا كِتَـٰبࣲ مُّنِیرࣲ﴾ [لقمان ٢٠]
نعظم الله عز وجل في نفوسنا إخوة الإيمان بالتفكُّر في آلائِه، بالتفكُّر في مخلوقاته جل جلاله سبحانه.
نعظم الله عز وجل بتدبُّر كتابه، أن نعيش مع القرآن، أن نعيش مع القرآن يا إخواني، للأسف بعضنا لا يقرأ القرآن إلا في يوم الجمعة أو في رمضان أو....، لابد أن نعيش مع القرآن، هذا هو كلام الله، هذا هو رسالة الله لنا بواسطة أنبيائه، إنه القرآن، رسالة عظيمة من الله، لو جاءتك رسالة من أمير أو رئيس أو .. ستتدبّرها وتقرأها وتحافظ عليها وتضعها في مكان محفوظ حتى لا تُتلف، حتى لا تتمزَّق، فكيف بهذا القرآن الذي هو كلام الله؟! رسالة الله لنا عبر أنبيائه، لابد أن نعيش مع القرآن، أن نتدبَّر كلام الله، فهذا هو كلام الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف حالنا مع القرآن؟ لابد أن نتدرب من الآن، أسابيع قليلة ويأتينا شهر القرآن، أسأل الله أن يبلغنا وإياكم شهر رمضان وأن يجعلنا وإياكم ممن يصومه ويقومه إيمانا واحتسابا.
ومن تعظيم الله، تعظيم الأشهر الحُرم، نحن في شهر رجب من الأشهر الحُرم، قال أبو بكر البلخي رحمه الله: "شهر رجب هو شهر الزرعة وشهر شعبان هو شهر السقي وشهر رمضان هو شهر الحصاد"، فمن لم يزرع في رجب ولم يسق في شعبان فكيف سيحصد في رمضان؟
إذا أردنا أن نعظم الله في أنفسنا أن نتفكر ما حل بالأمم السابقة، لنعتبر، ولنعلم أن الله على كل شيء قدير، ولنحذر من ظلم الناس، وأن نتذكر ما حل بالمجرمين وبالظالمين السابقين.
نعظم الله باللجوء إليه؛ لأنك إذا عظمت الله لجأت إليه، إذا عظمت الله رفعت يديك إليه، علمت أن الحوائج لا يكشفها إلا هو سبحانه، والهموم لا يفرجها إلا هو جل جلاله سبحانه الذي بيده مقاليد كل شيء.
أخيرا إخواني..كم يا نعم بالليل والنهار يغدقها الله علينا، ولا نشكره حق شكره؛ لأننا ولفنا هذه النعم فأصبحنا لا نعظم الله حق تعظيمه، لأننا أصبحنا ننظر إلى هذه النعم وكأنها أشياء روتينية، لكن إذا أردنا أن نعرف هذه النعم وقدر هذه النعم، ننظر ما حل بإخواننا هنا وهناك، لنشكر الله ونلجأ إليه ونحمده ليلاً ونهاراً على هذه النعم التي لا تعد ولا تحصى، فهذه النعم لن تدوم إلا بشكر الله، إلا بتعظيم الله، إلا باللجوء إلى الله عز وجل.
إذا كنت في نعمة فرعها
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله
فإن الإله سريع المقام.
اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين، اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم ردنا إليك ردا جميلا.
يا أكرم الأكرمين، يا رحيم يا رحمن، يا كريم يا منان، امنن على إخوائنا المستضعفين والمظلومين والمضطهدين في غزة بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام.
اللهم يا عزيز يا جبار يا قوي يا قهار، اللهم عليك بالمتآمرين على الإسلام والمسلمين بالليل والنهار. اللهم لا تحقق لهم في بلاد المسلمين غاية، اللهم لا ترفع لهم راية، اجعلهم لمن خلفهم عبرة وآية. يا من أنت على كل شيء قدير.
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن الخاسرين، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
عباد الله، صلوا وسلموا على المبعوث رحمة العالمين حيث أمركم فقال: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰۤىِٕكَتَهُۥ یُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِیِّۚ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ صَلُّوا۟ عَلَیۡهِ وَسَلِّمُوا۟ تَسۡلِیمًا﴾ [الأحزاب ٥٦]،، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك النبي الأمّي، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما عدد ما أحاط به علمك، وخط به قلمك، وأحصاه كتابك وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك يا أكرم الأكرم، عباد الله، إن الله يأمر بثلاث فقوموا بها، وينهى عن ثلاث فاجتنبوها، ﴿إِنَّ ٱللَّهَ یَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَـٰنِ وَإِیتَاۤىِٕ ذِی ٱلۡقُرۡبَىٰ وَیَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَاۤءِ وَٱلۡمُنكَرِ وَٱلۡبَغۡیِۚ یَعِظُكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل ٩٠]، اذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، اشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.