الاستهزاء بالدين.. حكمه وبعض صوره نعود لظاهرة الاستهزاء والسبّ المتفشية في دور الكفر المعاصرة، ...
الاستهزاء بالدين.. حكمه وبعض صوره
نعود لظاهرة الاستهزاء والسبّ المتفشية في دور الكفر المعاصرة، ونعرّج على بعض صور وأساليب وأشكال السبّ والاستهزاء المنتشرة فيها، لكثرتها وتعددها وتنوع أساليبها، أخرس الله ألسنة السابين والمستهزئين وشل أركانهم.
فمن هذه الصور وأشهرها: سب الله وسب الدين باللسان بألفاظ معروفة نتعفف عن نقلها، ولا نخال أحدا لم يسمعها والله المستعان!
ومنها: سب الملائكة، كما زعمت الباطنية أن جبريل -عليه السلام- خان الأمانة وكان يُفترض به أن ينزل بالوحي لعلي، رضي الله عنه، لذا فإن من طقوس الباطنية أنهم يسبون جبريل عقب كل صلاة ثلاث مرات.
ومنها: الاستهزاء برسل الله وأنبيائه، كما هي عادة اليهود معهم، بل وصل بهم الحال بأن حرفوا التوراة وتنقصوا فيها من قدرهم، عليهم الصلاة والسلام.
ومنها: النظريات الإلحادية المنتشرة في الكتب والتي تُدرَّس في الكليات، كنظرية أن أصل الإنسان قرد! أو نظرية تناسخ الأرواح وأن الله يحل في أجساد حيوانية! أو نظرية أن الدين أفيون الشعوب... وغيرها كثير من زبالة الأفكار وما تقيأه الفلاسفة الملاحدة على مر العصور.
ومنها: ما يلقيه الكثير من الشعراء ويكتبونه وينشرونه من الاستهزاء بالله ورسله بدعوى «الأدب»، أخزاهم الله.
ومن السب والاستهزاء المعاصر: الرسوم الساخرة (الكاريكاتيرية) الطاعنة في الشريعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- والمنتشرة في الصحف والمجلات، العربية والأجنبية، والأمثلة عليها كثيرة.
ومنها: ما يفعله الممثلون والفنانون من حركات فيها استهزاء بالدين وأهله في مسرحياتهم ومسلسلاتهم وأفلامهم «الكوميدية»، وهي معروفة ولا تحتاج إلى مثال.
ومنها: ما في الكثير من الأغاني من سب واستهزاء، كاستهزاء أحد المغنين الهالكين بالقدر بقوله: «قَدَرٌ أحمق الخطا».
ومنها ما هو موجود في الرسوم المتحركة (أفلام الكارتون) من استهزاء، كتصوير الشاب الملتحي بالشرير، ونحو ذلك...
ومنها ما يقوله الزنادقة في محاضراتهم وخطبهم ومؤتمراتهم ومجالسهم وكتبهم وبحوثهم، كوصفهم لتحكيم شرع الله بالرجعية، وتطبيق الحدود بالوحشية، والحجاب بالظلم، واللحية بالوساخة، وتعدد الزوجات بالزنى، والجهاد بالتطرف، ووصفهم للموحدين المجاهدين بالمتشددين التكفريين أصحاب القرون الظلامية...
وهذا غيض من فيض من أمثلة السب والاستهزاء الـمقنَّن، الـمحمي من قبل الطواغيت، ولو كان المقام يسمح لذكرنا لك -أخي القارئ- ما تقشعر له الأبدان وتمتلئ منه غيضا القلوب.
وما يهمنا هو أن تعلم -رحمك الله- أن كل من كتب أو تكلم بكلمة من هذه الكلمات أو ما في معناها أو أتى فعلا فيه استهزاء، فهو كافر كفرا أكبر.
وهذا الحكم من الأحكام الراسخة في الشريعة الإسلامية، بل من الـمجمع عليه بين أهل العلم.
قال شيخ الإسلام: «الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه»، وقال أيضا: «الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك» [مجموع الفتاوى]، وقال إسحاق بن راهويه: «أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله، أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله»، وقال الخطابي: «لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله» [الصارم المسلول].
وقال القاضي عياض: «قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر» [الشفا].
وقال ابن حجر الهيتمي: «ومنها -أي الـمكفرات- لو حضر جماعة وجلس أحدهم على مكان رفيع، تشبيها بالمذكرين، فسألوا المسائل، وهم يضحكون، ثم يضربونه بالمجراف، أو تشبه بالمعلمين، فأخذ خشبة، وجلس القوم حوله كالصبيان، فضحكوا واستهزؤوا، أو قال: قطعة من ثريد خير من العلم، كفر» [الإعلام بقواطع الإسلام].
وعقد الإمام محمد بن عبد الوهاب باباً في «كتاب التوحيد» عَنْوَنَهُ بقوله: «باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول»، ثم قال عقب سرد الأدلة: «فيه مسائل: الأولى: وهي العظيمة، أن من هزل بهذا إنه كافر».
وعلق الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ذلك بقوله: «ومن هذا الباب: الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم لأجله» [قرة عيون الموحدين].
وقال الشيخ حمد بن عتيق: «اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله، أو رسوله، أو كتابه، أو دينه، فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء» [الدرر السنية].
وقد يكون القول أو الفعل صريحا في الاستهزاء، وقد يكون غير ذلك، فالاستهزاء الصريح الواضح البيِّن كُفْر، يحكم فيه بكفر من قاله أو فعله، أما القول أو الفعل غير الصريح الذي يحتمل أكثر من معنى، فيستوقف صاحبه على قصده ومراده، فإن كان قصده من قوله أو فعله -المحتمل- المعنى الكفري فهو كافر، وإن كان قصده غير ذلك، فلا.
وعندما عدّ الإمام محمد بن عبد الوهاب الاستهزاء ناقضا صريحا من نواقض الإسلام العشرة، فقال: «الناقض السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثوابه أو عقابه كفر»، قال في آخر رسالة النواقض: «ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره».
كما لا فرق في الحكم بكفر الساب والمستهزئ بين قاصد الكفر وعدم قاصده، فقد يتذرع بعض من يسب أو يستهزئ بأنه لم يقصد السب والاستهزاء.
والدليل أن الله تعالى كفّر من استهزأ بالصحابة -رضوان الله عليهم- في غزوة تبوك ولم يقبل منهم ادعاءهم أنهم لم يقصدوا الكفر بما قالوا.
قال شيخ الإسلام: «وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْر، كَفَر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله» [الصارم المسلول].
وقال الشيخ سليمان آل الشيخ: «الذين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعنون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء، لم يقولوها من حيث لم يقصدوا الكفر، ولم يختاروه، وإنما قالوه على وجه المزح واللعب، فرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، فقال: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» [الدرر السنية].
وقال في شرحه لكتاب التوحيد -مبينا مراد المؤلف بباب (من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول): «أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء، إجماعا» [تيسير العزيز الحميد].
إذاً ما دام أمر السب والاستهزاء خطيرٌ خطير! فماالذي يجب على المسلم حيال السابين المستهزئين في دار الكفر؟
يجب عليه أولا أن يغضب لمحارم الله وينكر فعلهم ويمنعهم منه ويكفّرهم ويتبرّأ منهم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم].
ومن الإنكار الواجب قتل المستهزئ أو الساب إن لم يتب من ردته، بالأخص إن كان كفره مما لا تقبل توبته في أحكام الدنيا، كساب الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري]، وقتل هؤلاء من الجهاد في سبيل الله.
فإن لم يستطع ذلك، وجب عليه المفارقة فورا، امتثالا لقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام: 68].
فإن لم ينكر، ولم يغير، ولم يفارق، فحكمه حكم المستهزئين السابين سواء بسواء، بنص قول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [سورة النساء: 140].
قال ابن كثير في تفسيره: «أي إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه»، إلى أن قال: «وقوله {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} أي: كما اشتركوا في الكفر، كذلك شارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم».
هذا، وإن كان ثمة كلمة أخيرة، فنوجهها لمن وقعوا في شيء من هذا السب والاستهزاء، فنقول لهم:
توبوا إلى الله من ردتكم، وجددوا إسلامكم، وعظموا شعائر الله، ولا تستهينوا بحرماته، ذلكم خير لكم في الدنيا والآخرة.
واعلموا أن الضحك والمزاح والهزل والمرح -الذي هو أكبر سبب يدفعكم للاستهزاء- لن ينفعكم في شيء سوى إرضاء الشيطان والهوى وجلساء السوء، فإذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب ليضحكهم، ويل له، ويل له) [حديث حسن، رواه أحمد وغيره]، وهذا في الكذب الذي هو معصية، فكيف بالاستهزاء الذي هو كفر؟!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36
نعود لظاهرة الاستهزاء والسبّ المتفشية في دور الكفر المعاصرة، ونعرّج على بعض صور وأساليب وأشكال السبّ والاستهزاء المنتشرة فيها، لكثرتها وتعددها وتنوع أساليبها، أخرس الله ألسنة السابين والمستهزئين وشل أركانهم.
فمن هذه الصور وأشهرها: سب الله وسب الدين باللسان بألفاظ معروفة نتعفف عن نقلها، ولا نخال أحدا لم يسمعها والله المستعان!
ومنها: سب الملائكة، كما زعمت الباطنية أن جبريل -عليه السلام- خان الأمانة وكان يُفترض به أن ينزل بالوحي لعلي، رضي الله عنه، لذا فإن من طقوس الباطنية أنهم يسبون جبريل عقب كل صلاة ثلاث مرات.
ومنها: الاستهزاء برسل الله وأنبيائه، كما هي عادة اليهود معهم، بل وصل بهم الحال بأن حرفوا التوراة وتنقصوا فيها من قدرهم، عليهم الصلاة والسلام.
ومنها: النظريات الإلحادية المنتشرة في الكتب والتي تُدرَّس في الكليات، كنظرية أن أصل الإنسان قرد! أو نظرية تناسخ الأرواح وأن الله يحل في أجساد حيوانية! أو نظرية أن الدين أفيون الشعوب... وغيرها كثير من زبالة الأفكار وما تقيأه الفلاسفة الملاحدة على مر العصور.
ومنها: ما يلقيه الكثير من الشعراء ويكتبونه وينشرونه من الاستهزاء بالله ورسله بدعوى «الأدب»، أخزاهم الله.
ومن السب والاستهزاء المعاصر: الرسوم الساخرة (الكاريكاتيرية) الطاعنة في الشريعة والنبي -صلى الله عليه وسلم- والمنتشرة في الصحف والمجلات، العربية والأجنبية، والأمثلة عليها كثيرة.
ومنها: ما يفعله الممثلون والفنانون من حركات فيها استهزاء بالدين وأهله في مسرحياتهم ومسلسلاتهم وأفلامهم «الكوميدية»، وهي معروفة ولا تحتاج إلى مثال.
ومنها: ما في الكثير من الأغاني من سب واستهزاء، كاستهزاء أحد المغنين الهالكين بالقدر بقوله: «قَدَرٌ أحمق الخطا».
ومنها ما هو موجود في الرسوم المتحركة (أفلام الكارتون) من استهزاء، كتصوير الشاب الملتحي بالشرير، ونحو ذلك...
ومنها ما يقوله الزنادقة في محاضراتهم وخطبهم ومؤتمراتهم ومجالسهم وكتبهم وبحوثهم، كوصفهم لتحكيم شرع الله بالرجعية، وتطبيق الحدود بالوحشية، والحجاب بالظلم، واللحية بالوساخة، وتعدد الزوجات بالزنى، والجهاد بالتطرف، ووصفهم للموحدين المجاهدين بالمتشددين التكفريين أصحاب القرون الظلامية...
وهذا غيض من فيض من أمثلة السب والاستهزاء الـمقنَّن، الـمحمي من قبل الطواغيت، ولو كان المقام يسمح لذكرنا لك -أخي القارئ- ما تقشعر له الأبدان وتمتلئ منه غيضا القلوب.
وما يهمنا هو أن تعلم -رحمك الله- أن كل من كتب أو تكلم بكلمة من هذه الكلمات أو ما في معناها أو أتى فعلا فيه استهزاء، فهو كافر كفرا أكبر.
وهذا الحكم من الأحكام الراسخة في الشريعة الإسلامية، بل من الـمجمع عليه بين أهل العلم.
قال شيخ الإسلام: «الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، يكفر به صاحبه بعد إيمانه»، وقال أيضا: «الاستهزاء بالقلب والانتقاص ينافي الإيمان الذي في القلب منافاة الضد ضده، والاستهزاء باللسان ينافي الإيمان الظاهر باللسان كذلك» [مجموع الفتاوى]، وقال إسحاق بن راهويه: «أجمع المسلمون على أن من سب الله، أو سب رسوله -صلى الله عليه وسلم- أو دفع شيئا مما أنزل الله عز وجل، أو قتل نبيا من أنبياء الله، أنه كافر بذلك وإن كان مقرا بكل ما أنزل الله»، وقال الخطابي: «لا أعلم أحدا من المسلمين اختلف في وجوب قتله» [الصارم المسلول].
وقال القاضي عياض: «قال محمد بن سحنون: أجمع العلماء أن شاتم النبي -صلى الله عليه وسلم- المتنقص له كافر، والوعيد جار عليه بعذاب الله له، وحكمه عند الأمة القتل، ومن شك في كفره وعذابه كفر» [الشفا].
وقال ابن حجر الهيتمي: «ومنها -أي الـمكفرات- لو حضر جماعة وجلس أحدهم على مكان رفيع، تشبيها بالمذكرين، فسألوا المسائل، وهم يضحكون، ثم يضربونه بالمجراف، أو تشبه بالمعلمين، فأخذ خشبة، وجلس القوم حوله كالصبيان، فضحكوا واستهزؤوا، أو قال: قطعة من ثريد خير من العلم، كفر» [الإعلام بقواطع الإسلام].
وعقد الإمام محمد بن عبد الوهاب باباً في «كتاب التوحيد» عَنْوَنَهُ بقوله: «باب من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول»، ثم قال عقب سرد الأدلة: «فيه مسائل: الأولى: وهي العظيمة، أن من هزل بهذا إنه كافر».
وعلق الشيخ عبد الرحمن بن حسن على ذلك بقوله: «ومن هذا الباب: الاستهزاء بالعلم وأهله، وعدم احترامهم، أو الوقيعة فيهم لأجله» [قرة عيون الموحدين].
وقال الشيخ حمد بن عتيق: «اعلم أن العلماء قد أجمعوا على أن من استهزأ بالله، أو رسوله، أو كتابه، أو دينه، فهو كافر، وكذا إذا أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء» [الدرر السنية].
وقد يكون القول أو الفعل صريحا في الاستهزاء، وقد يكون غير ذلك، فالاستهزاء الصريح الواضح البيِّن كُفْر، يحكم فيه بكفر من قاله أو فعله، أما القول أو الفعل غير الصريح الذي يحتمل أكثر من معنى، فيستوقف صاحبه على قصده ومراده، فإن كان قصده من قوله أو فعله -المحتمل- المعنى الكفري فهو كافر، وإن كان قصده غير ذلك، فلا.
وعندما عدّ الإمام محمد بن عبد الوهاب الاستهزاء ناقضا صريحا من نواقض الإسلام العشرة، فقال: «الناقض السادس: من استهزأ بشيء من دين الرسول -صلى الله عليه وسلم- أو ثوابه أو عقابه كفر»، قال في آخر رسالة النواقض: «ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف، إلا المكره».
كما لا فرق في الحكم بكفر الساب والمستهزئ بين قاصد الكفر وعدم قاصده، فقد يتذرع بعض من يسب أو يستهزئ بأنه لم يقصد السب والاستهزاء.
والدليل أن الله تعالى كفّر من استهزأ بالصحابة -رضوان الله عليهم- في غزوة تبوك ولم يقبل منهم ادعاءهم أنهم لم يقصدوا الكفر بما قالوا.
قال شيخ الإسلام: «وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كُفْر، كَفَر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا، إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله» [الصارم المسلول].
وقال الشيخ سليمان آل الشيخ: «الذين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً، ولا أكذب ألسناً، ولا أجبن عند اللقاء، يعنون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه القراء، لم يقولوها من حيث لم يقصدوا الكفر، ولم يختاروه، وإنما قالوه على وجه المزح واللعب، فرفع ذلك إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد ارتحل وركب ناقته، فقالوا: يا رسول الله إنما كنا نخوض ونلعب ونتحدث حديث الركب نقطع به عنا الطريق، فقال: أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون» [الدرر السنية].
وقال في شرحه لكتاب التوحيد -مبينا مراد المؤلف بباب (من هزل بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول): «أجمع العلماء على كفر من فعل شيئا من ذلك، فمن استهزأ بالله أو بكتابه أو برسوله أو بدينه كفر ولو هازلا لم يقصد حقيقة الاستهزاء، إجماعا» [تيسير العزيز الحميد].
إذاً ما دام أمر السب والاستهزاء خطيرٌ خطير! فماالذي يجب على المسلم حيال السابين المستهزئين في دار الكفر؟
يجب عليه أولا أن يغضب لمحارم الله وينكر فعلهم ويمنعهم منه ويكفّرهم ويتبرّأ منهم، وقال صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) [رواه مسلم].
ومن الإنكار الواجب قتل المستهزئ أو الساب إن لم يتب من ردته، بالأخص إن كان كفره مما لا تقبل توبته في أحكام الدنيا، كساب الرسول، صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه) [رواه البخاري]، وقتل هؤلاء من الجهاد في سبيل الله.
فإن لم يستطع ذلك، وجب عليه المفارقة فورا، امتثالا لقول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [سورة الأنعام: 68].
فإن لم ينكر، ولم يغير، ولم يفارق، فحكمه حكم المستهزئين السابين سواء بسواء، بنص قول الله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} [سورة النساء: 140].
قال ابن كثير في تفسيره: «أي إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله وينتقص بها، وأقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه»، إلى أن قال: «وقوله {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} أي: كما اشتركوا في الكفر، كذلك شارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم».
هذا، وإن كان ثمة كلمة أخيرة، فنوجهها لمن وقعوا في شيء من هذا السب والاستهزاء، فنقول لهم:
توبوا إلى الله من ردتكم، وجددوا إسلامكم، وعظموا شعائر الله، ولا تستهينوا بحرماته، ذلكم خير لكم في الدنيا والآخرة.
واعلموا أن الضحك والمزاح والهزل والمرح -الذي هو أكبر سبب يدفعكم للاستهزاء- لن ينفعكم في شيء سوى إرضاء الشيطان والهوى وجلساء السوء، فإذا كان النبي، صلى الله عليه وسلم قال: (ويل للذي يحدث القوم ثم يكذب ليضحكهم، ويل له، ويل له) [حديث حسن، رواه أحمد وغيره]، وهذا في الكذب الذي هو معصية، فكيف بالاستهزاء الذي هو كفر؟!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
◾ المصدر: صحيفة النبأ العدد 36