رموز أم أوثان؟! (4) سرقت امرأة من بني مخزوم، فاهتمت القبيلة لشأنها، وهالهم أن تُقطع يد امرأة من ...

منذ 2025-02-06
رموز أم أوثان؟! (4)

سرقت امرأة من بني مخزوم، فاهتمت القبيلة لشأنها، وهالهم أن تُقطع يد امرأة من أشراف قريش، فأرسلوا أسامة بن زيد -رضي الله عنه- ليستشفع لها عند رسول الله، فغضب -صلى الله عليه وسلم- لشفاعة أحد أصحابه في حدّ من حدود الله، ثم خطب الناس، وقال: (أيها الناس، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) [رواه البخاري ومسلم].

وهذا الحديث حجة في أن شرف الفرد، أو شهرته، أو ثراؤه، أو منصبه، لا تمنع من الحكم عليه بمقتضى فعل اقترفه، أو قول خرج منه.
ولكن من علامات هلاك كثير من الناس في عصرنا الحالي أنهم إن زعموا إقامة الدين والحكم من خلاله على الأشخاص والجماعات فإنهم يقيمونه على الضعيف الذي لا ظهر له، وعلى الغمر الذي لا يؤبه له، أما القوي المعضود، والشريف المشهور فإنهم يتغافلون عن سيئاته، بل إنهم يجعلون من تلك السيئات حسنات يحمد عليها.

ومن أمثلة ذلك ما نراه من بعض المنتقدين للأحزاب الضالة والمذاهب الباطلة، فتجدهم يهاجمون ما في عقيدة التنظيم أو الحزب من الانحراف والضلال، ويفضحون ما في المذاهب الباطلة والطرق الصوفية من الشرك والبدع وتراهم يغلظون في القول على أتباعها، ويكثرون من التحذير من اتّباعها، ولكنهم في الوقت نفسه يتجنبون أي ذكر لقادة تلك الأحزاب والفصائل، أو شيوخ تلك الطرق والفرق والمذاهب بل إنهم يتكلمون عنهم بكل إجلال وإكبار ويبالغون في ذكر ما يُشاع من فضائلهم ومآثرهم، بل لا غرابة إن اعتبروهم من أئمة الهدى ومصابيح الدجى، ومن السادة الشهداء وأعلام النبلاء، وهذا وجه من وجوه تناقضهم.

إذ كيف يجرَّم التابع على ضلالة ويبرَّأ المتبوع، مع أن جرم المتبوع أكبر، وإثمه أعظم، لأنه هو من سنّ تلك السنّة السيئة، وأمر بذلك المنكر العظيم، فهو حامل لإثمه ولإثم من اتبعه في فعله أو اعتقاده إلى يوم القيامة، كما قال، صلى الله عليه وسلم: (من سن في الإسلام سنة سيئة، كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، من غير أن ينقص من أوزارهم شيء) [رواه مسلم]، بل إن كل فعل يسنّه الإنسان ولو لم يقصد منه متابعة غيره له فيه فإنه يحمل وزر من يفعله إلى يوم القيامة كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تُقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها، لأنه أول من سنّ القتل) [رواه البخاري ومسلم].

ولا نقصد من ذلك ما نسبه الضالون من أتباع المذاهب والفرق المختلفة إلى الأنبياء المعصومين من أفعال وأقوال لا تليق بهم، كما فعل مشركو النصارى بادعائهم أن عيسى -عليه السلام- أمرهم بعبادته من دون الله، وكما يفعل المبتدعة من المنتسبين إلى الإسلام في نسبة أهوائهم إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، بناء على ما اختلقوه من أحاديث مكذوبة موضوعة، ولا ما نسبه هؤلاء إلى السلف الصالح في القرون الأولى المفضلة من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته رضوان الله عليهم أجمعين من المحدثات في الدين، كما في بدعة تقليد بعض العلماء من أئمة السلف من أمثال مالك والشافعي وأحمد بن حنبل الذين نهوا الناس عند تقليدهم وتعظيم أقوالهم.
ولا نقصد من ذلك أيضا من تبرأ من بدعته أو منهجه الضال الذي كان يدعو الناس إليه ثم تاب عن ذلك كلّه، وبيّن للناس ما كانوا عليه من ضلالة باتباعهم له فيما خالف الشريعة، ودعاهم إلى ترك الشرك والبدعة والعودة إلى التوحيد والسنّة.

ولكن من نقصده هنا هم من سنّوا لأتباعهم سبل الضلالة وأبعدوهم بذلك عن الصراط المستقيم، وماتوا ولم تظهر منهم توبة عما اقترفوه، ولا نصيحة لأتباعهم بترك ما هم عليه والرجوع إلى الحق، فهؤلاء يحملون أوزارهم وأوزار من اتبعوهم إلى يوم الدين، وهؤلاء أولى من أتباعهم بفضح باطلهم، وبيان حقيقتهم للناس كي لا ينخدعوا بأسمائهم البراقة، ولا بكلامهم المنمّق، ولا بالهالة الكاذبة التي يحيطهم بها أتباعهم ومريدوهم، بعكس ما يفعل المفسدون من تمجيدهم مع ذمّ أفعالهم، مجاملة للمتعصبين لهم، والغالين في محبتهم وتعظيمهم، وخوفا من إغضابهم.

ولا ينتبه هؤلاء الضالون أن مجرد مدح أولئك القادة والزعماء إنما هو فتنة للناس عن دينهم، ودعاية غير مباشرة لاتباع مذاهبهم وطرائقهم التي يزعمون الحرب عليها، فعندما يصف أحدهم رأسا من دعاة الضلالة وشرك الديموقراطية هو حسن البنا مؤسس حزب الإخوان المرتدين بأنه الإمام الشهيد ويترحّم عليه وفي نفس الوقت يعدد كثيرا من الأقوال والأفعال المكفّرة التي وقع فيها، والتي دعا أتباعه إلى فعلها من بعده، وهم بالفعل يسيرون على منهجه الضال منذ عقود، فإن هذا من التناقض الغريب، إذ كيف يكون «إماماً» من قاد أتباعه إلى الوقوع في شرك الديموقراطية وسنّ لهم سنّة السعي للدخول في المجالس البرلمانية التي تنازع الله في سلطانه وحكمه؟ وكيف يحكم بـ الشهادة لمن وقع بنفسه في كل تلك المكفّرات، وأوقع من اتّبعه فيها؟!

صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال تيليغرام:
@wmc111at

675b0ecd560d4

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً