دين الإسلام وجماعة المسلمين (4) إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم [2/3] وأما قوله، جل وعلا: ...

منذ 2025-02-07
دين الإسلام وجماعة المسلمين (4)

إنّ الله هو الحَكَم وإليه الحُكْم
[2/3]

وأما قوله، جل وعلا: {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114]، ففي تدبرها فوائد كثيرة، قال الشنقيطي: «ذكر بعض أهل العلم [كصاحب «البحر المحيط»] أن بعض الكفار طلبوا [من] النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتحاكم معهم إلى بعض الكهان، كما كانت عادة العرب إذا تنازعوا واختلفوا، تحاكموا إلى بعض الكهنة، والعياذ بالله»، فأنزل الله -جل وعلا- هذه الآية وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- «أن ينكر كل الإنكار على من يبتغي حَكَما غير خالق السماوات والأرض الذي هو الحكم العدل اللطيف الخبير» [العذب النَمير].

وجاء مثل هذه الآية في سورة الأنعام قوله سبحانه: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 14]، وقوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} [الأنعام: 164]، وقال -جل وعلا- في سورة الأعراف: {قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} [الأعراف: 140].

قال ابن القيم، رحمه الله: «الرضا بالله ربّاً، أن لا يتخذ ربّاً غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره، وينزل به حوائجه، قال الله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام: 164]، قال ابن عباس، رضي الله عنهما: سيدا وإلها؛ يعني فكيف أطلب ربّاً غيره، وهو ربّ كل شيء؟ وقال في أول السورة: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 14]، يعني معبودا وناصرا ومعينا وملجأ، وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة، وقال في وسطها {أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا} [الأنعام: 114]، أي: أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم، فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه؟ ... وأنت إذا تأمّلت هذه الآيات الثلاث حق التأمل، رأيتها هي نفس الرضا بالله ربّاً، وبالإسلام دينا، وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- رسولا، ورأيت الحديث يترجم عنها، ومشتقا منها؛ فكثير من الناس يرضى بالله ربّاً، ولا يبغي ربّاً سواه، لكنه لا يرضى به وحده وليا وناصرا، بل يوالي من دونه أولياء، ظنا منه أنهم يقربونه إلى الله، وأن موالاتهم كموالاة خواص الملك، وهذا عين الشرك، بل التوحيد أن لا يتخذ من دونه أولياء، والقرآن مملوء من وصف المشركين بأنهم اتخذوا من دونه أولياء... وكثير من الناس يبتغي غيره حكما، يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضى بحكمه، وهذه المقامات الثلاث هي أركان التوحيد؛ أن لا يتخذ سواه ربّاً، ولا إلهاً، ولا غيره حَكَماً» [مدارج السالكين].

فمن ابتغى حَكَما سوى الله كان مشركا مؤمنا بالطاغوت عابدا له كالذي ابتغى سواه ربّاً أو إلهاً أو وليّاً.

مما يؤكّد هذا أن الله حكم بأن من اتخذ غيره مشرّعا فقد جعله ندّا لله، لا فرق بينه وبين من جعل له شريكا في الدعاء أو الشفاعة، فقال جل وعلا: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام: 94]، وقال جلّ وعلا: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا} [الفاطر: 40]، وقال جلّ وعلا: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [الشورى: 21].


* المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 43
لقراءة المقال المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

675b0ecd560d4

  • 1
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً