علماء السوء... ملعونـون مغضــوب عليهـــم لقد شرَّف اللهُ العلمَ وأهلَه ورَفَع قَدْرَهم وأعلى ...
منذ 2025-02-08
علماء السوء...
ملعونـون مغضــوب عليهـــم
لقد شرَّف اللهُ العلمَ وأهلَه ورَفَع قَدْرَهم وأعلى منزلتهم، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
قال القرطبي: «لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء» [الجامع لأحكام القرآن].
ولذلك نفى الله سبحانه التسوية بين العلماء وغيرهم، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
وأمر الله بالرجوع لهم فقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
ولكن هل المقصود بالعلم هو مجرد حفظ المتون، وجرد المطوّلات، وتحقيق المخطوطات، والإحاطة بالأقوال، والتأليف التجاري؟! أبداً وكلّا!
إن العلماء الذين مدحهم الله سبحانه وسماهم بـ «أولي العلم» هم العاملون بالعلم المبلّغون له، قال الشاطبي: «العلم المعتبر شرعا -أعني الذي مدح اللهُ ورسولهُ أهلَه على الإطلاق- هو العلم الباعث على العمل» [الموافقات]، فثم تلازم بين العلم والعمل، فلا عمل بدون علم، ولا علم بدون عمل.
هتف العلمُ العملَ * فإن أجابه وإلا ارتحل
والعمل الملازم للعلم هو المُثمِر لخشية الله، فتحمله خشيته من الله أن يصدع بالحق خوفا من غضب الله وعذابه، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وعن ابْن عباس -رضي الله عنهما- قال: «العلماء بالله الذين يخافونه» [الزهد لأبي داود].
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية» [حلية الأولياء].
كما أن من العمل الملازم للعلم الجهاد في سبيل الله، فالجهاد قرين العلم كما جاء في حديث معاوية -رضي الله عنه- قال: «سمعت النبي ﷺ يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين، يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، إلى يوم القيامة)» [رواه مسلم].
وهذا الاقتران في الحديث يدل على التلازم بين العلم والجهاد، وأن أهله هم الطائفة المنصورة، فقوام الدين وظهور الحق لا يكون إلا بالعلم والجهاد.
وهذا هو حال الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هم أعلم الأمة حيث قرنوا العلم بالجهاد، والناظر في سير الصحابة من المهاجرين والأنصار يجد أن كثيرا منهم قُتِلوا في ساحات الجهاد، محققين العلم والعمل، ففي يوم اليمامة وقد استحرّ القتل بحفظة كتاب الله من الصحابة، إذ سقطت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة -رضي الله عنه- فقال المسلمون: «يا سالم، إنا نخاف أن تؤتى من قبلك!» فقال: «بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي، وتقدّم فقاتل حتى قُتل».
وعلى ذلك سار التابعون وباقي الأئمة، فلهم في ساحات الرباط والغزو وقائع وجولات، بالرغم من أن الجهاد والرباط في أيامهم كان فرضاً على الكفاية.
فأولئك الأئمة أهل الحديث والزهد، فكما شاركوا في الرواية، شاركوا كذلك في الرباط وملازمة الثغور والرماية، أمثال الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وابن القاسم، وأبي إسحاق الفزاري، ومخلد بن الحسين، وإبراهيم بن أدهم، وحذيفة المرعشي، ويوسف بن أسباط، وغيرهم كثير، فقد ترجموا علمهم بالعمل من الرباط والجهاد.
بل كان من المحدّثين من يلازم الثغر مرابطا لا يخرج، كالإمام عيسى بن يونس، ولذا كان الإمامان ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: «إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}».
وعلى مر العصور تجد العلماء من أهل الحديث قائمين بواجب العمل من الجهاد والصدع بالحق، أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي صدع بالحق وجاهد التتار وقاتلهم، وكذا إلى عصر الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي قاتل المشركين في الجزيرة وجاهدهم بالسنان والبيان.
وإلى أيامنا هذه، فالذين أحيا الله بهم العلم والعقيدة، وظهروا بالحق وظهر الحق بهم، كانوا من أولئك الذين قرنوا العلم بالجهاد، أمثال الشيخ العَلَم أبي مصعب الزرقاوي، والشيخ أبي أنس الشامي والشيخ عبد الله الرشود والشيخ أبي الحسن الفلسطيني والشيخ أبي ميسرة الغريب، رحمهم الله جميعا.
ولذا فمَن عَلِمَ ولم يعمل بعلمه فهو مذموم شرعاً، ولا يكون من أولي العلم ولا يسمى عالماً بالمعنى الشرعي، وكيف يسمى عالماً، وهو ممقوتٌ عند الله، مغضوب عليه! فقد غضب اللهُ على اليهود وسماهم «المغضوب عليهم» لمّا لم يعملوا بعلمهم.
وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، وفي هذا بيان شدة مقت الله وغضبه على من علم ولم يعمل.
وكذا بيّن القرآن أنّ مَن عَلِمَ وكتم علمه فهو ملعون، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]. فعُلِم من هذا كله أن أولي العلم هم الحاملون له العاملون به الصادعون به.
وقد وصف الله تعالى مَن لم يعمل بعلمه بالجهل، وذلك في قوله تعالى عن علماء اليهود لما رغبوا في السحر واختاروه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة 102]. ومحل الشاهد من الآية قوله تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، فحيث لم يعملوا بعلمهم، صاروا جهالاً.
ولذلك فمن لم يعمل بعلمه من الصدعٍ بالحق والجهاد، أو كَتمه وألْبَس الحق بالباطل فليس بعالم، بل هو إما شيطان أخرس أو شيطان ناطق.
وقد كان أهل العلم لا يَعدّون أهل البدع من العلماء، كما قال ابن عبد البر عن المبتدعة من أهل الكلام: «أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يُعدّون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر...» [جامع بيان العلم وفضله]، فكيف لو رأوا ما ابتليت الأمة به من أئمة الكفر؟
والناظر في المنتسبين للعلم في عصورنا المتأخرة يجد أنّ الأعمّ الأغلب منهم ليسوا علماء ولا يدخلون في زمرة أهل العلم؛ لتخلّفهم عن واجب العمل، فما صدعوا بالحق في وجوه الطواغيت، بل كتموا العلم وألبسوا الحق بالباطل، وضللوا عباد الله، وعلموا آيات القتال والغزو، ثم أعرضوا عن القيام بواجب العمل فيها مخالفين بذلك سنة النبي ﷺ وما كان عليه الصحابة والتابعون، وتجدهم درسوا النصوص في الولاء والبراء وحادوا عنها، وعلموا الآيات في وجوب البلاغ وبيان الحق ثم كتموا وداهنوا، فهل هؤلاء هم الذين سماهم الله بأولي العلم؟! حاشا وكلّا، بل هم أهل ضلال، وهم متوعدون بالعذاب لتركهم العمل وكتمهم للحق، فكيف إذا عرفنا أن جلّ من يُشار إليهم بالبنان من المنتسبين إلى العلم في عصرنا قد أظهروا الطاعة للطاغوت والدخول في ولايته ونصرته على من خرج عليه من الموحّدين! وحكم من فعل هذا معروف في كتاب الله وسنّة رسوله ﷺ.
وعلى هذا، فإن ابن باز، وابن عثيمين، والفوزان، وآل الشيخ (المعاصرين)، ومحمد حسان، والحويني، وحسين يعقوب، والقرضاوي، والبوطي، والنابلسي، والغرياني، والمقدسي، وأبا قتادة، والحدوشي، والفحل، ليسوا علماء!
أين عملهم بالعلم؟! أين صدْعُهم بالحق؟! أين إنكارهم لشرك الطواغيت؟! أين غزوهم وقتالهم ورباطهم؟! أين بيانهم للحق وإرشادهم الناس؟! أين تصديهم للحملات الكافرة الصائلة على المسلمين؟! أم أنهم صاروا برضاهم عُصيّ في أيدي الطواغيت لضرب المجاهدين والقضاء عليهم باسم الشريعة والدين؟ فهل هؤلاء إلا أئمة ضلال وعلماء طاغوت؟
فلا يغرنّك هؤلاء ولا حملهم العلم، فعلمهم حجة عليهم، بل إنّ حمْل هؤلاء العلمَ الشرعيَّ شبيه بحمل المستشرقين العلم، بل قد برع بعض النصارى المستشرقين في علم الحديث مثل المدعو: (أرِند جان فِنسِنك) وهو مستشرق هولندي، صاحب «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي»، وكذا قام المستشرق جوستا فتستام بتحقيق كتاب «الرد على الجهمية» للدارمي، فهل دخل أولئك المستشرقون في مسمى «أولي العلم» وهل يصح وسمهم بـ «العلماء»؟!
ألم يخبر النبي ﷺ بأول الناس الذين يقضى يوم القيامة عليهم فذكر منهم: (ورجل تعلَّم العلم، وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلّمتُ العلم، وعلّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنّك تعلمتَ العلم ليقال: عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار) [رواه مسلم].
فإذا كان فساد نية العالم يورده المهالك فكيف بمن خالف عملُه علمَه وكتم الحق وضلل الناس؟! بل كيف بمن دخل في ولاية الطاغوت ونصر حكمه؟!
عن هَرِم بن حيان، أنه قال: «إياكم والعالم الفاسق»، فبلغ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فكتب إليه -وأشفق منها- ما العالم الفاسق؟ قال: «فكتب إليه هَرِم: ... يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، فيشبه على الناس فيضلوا» [رواه الدارمي]، هذا في الفاسق، فكيف بالضال المضل الخارج من الملّة؟
وبهذا يتبيّن لنا فساد مقولة بعض الجهّال عن المنتسب للعلم: «خذ علمه ودع عمله»، بل اسأل عن عمله وصدعه بالحق وجهاده وخشيته ربه؛ كما تسأل عن علمه وضبطه، وحينئذ يتبيّن لنا من هو العالم، فإن مَن خان الأمانة في العمل يخونها في العلم.
* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 هـ
■ تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
ملعونـون مغضــوب عليهـــم
لقد شرَّف اللهُ العلمَ وأهلَه ورَفَع قَدْرَهم وأعلى منزلتهم، قال الله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [آل عمران: 18].
قال القرطبي: «لو كان أحد أشرف من العلماء لقرنهم الله باسمه واسم ملائكته، كما قرن اسم العلماء» [الجامع لأحكام القرآن].
ولذلك نفى الله سبحانه التسوية بين العلماء وغيرهم، قال الله تعالى: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} [الزمر: 9].
وأمر الله بالرجوع لهم فقال سبحانه: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43].
ولكن هل المقصود بالعلم هو مجرد حفظ المتون، وجرد المطوّلات، وتحقيق المخطوطات، والإحاطة بالأقوال، والتأليف التجاري؟! أبداً وكلّا!
إن العلماء الذين مدحهم الله سبحانه وسماهم بـ «أولي العلم» هم العاملون بالعلم المبلّغون له، قال الشاطبي: «العلم المعتبر شرعا -أعني الذي مدح اللهُ ورسولهُ أهلَه على الإطلاق- هو العلم الباعث على العمل» [الموافقات]، فثم تلازم بين العلم والعمل، فلا عمل بدون علم، ولا علم بدون عمل.
هتف العلمُ العملَ * فإن أجابه وإلا ارتحل
والعمل الملازم للعلم هو المُثمِر لخشية الله، فتحمله خشيته من الله أن يصدع بالحق خوفا من غضب الله وعذابه، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]، وعن ابْن عباس -رضي الله عنهما- قال: «العلماء بالله الذين يخافونه» [الزهد لأبي داود].
وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: «ليس العلم بكثرة الرواية، ولكن العلم الخشية» [حلية الأولياء].
كما أن من العمل الملازم للعلم الجهاد في سبيل الله، فالجهاد قرين العلم كما جاء في حديث معاوية -رضي الله عنه- قال: «سمعت النبي ﷺ يقول: (من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين، ولا تزال عصابة من المسلمين، يقاتلون على الحق، ظاهرين على من ناوأهم، إلى يوم القيامة)» [رواه مسلم].
وهذا الاقتران في الحديث يدل على التلازم بين العلم والجهاد، وأن أهله هم الطائفة المنصورة، فقوام الدين وظهور الحق لا يكون إلا بالعلم والجهاد.
وهذا هو حال الصحابة -رضي الله عنهم- الذين هم أعلم الأمة حيث قرنوا العلم بالجهاد، والناظر في سير الصحابة من المهاجرين والأنصار يجد أن كثيرا منهم قُتِلوا في ساحات الجهاد، محققين العلم والعمل، ففي يوم اليمامة وقد استحرّ القتل بحفظة كتاب الله من الصحابة، إذ سقطت الراية فأخذها سالم مولى أبي حذيفة -رضي الله عنه- فقال المسلمون: «يا سالم، إنا نخاف أن تؤتى من قبلك!» فقال: «بئس حامل القرآن أنا إن أتيتم من قبلي، وتقدّم فقاتل حتى قُتل».
وعلى ذلك سار التابعون وباقي الأئمة، فلهم في ساحات الرباط والغزو وقائع وجولات، بالرغم من أن الجهاد والرباط في أيامهم كان فرضاً على الكفاية.
فأولئك الأئمة أهل الحديث والزهد، فكما شاركوا في الرواية، شاركوا كذلك في الرباط وملازمة الثغور والرماية، أمثال الأوزاعي، وعبد الله بن المبارك، وابن القاسم، وأبي إسحاق الفزاري، ومخلد بن الحسين، وإبراهيم بن أدهم، وحذيفة المرعشي، ويوسف بن أسباط، وغيرهم كثير، فقد ترجموا علمهم بالعمل من الرباط والجهاد.
بل كان من المحدّثين من يلازم الثغر مرابطا لا يخرج، كالإمام عيسى بن يونس، ولذا كان الإمامان ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما يقولون: «إذا اختلف الناس في شيء فانظروا ما عليه أهل الثغر، فإن الحق معهم؛ لأن الله تعالى يقول: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}».
وعلى مر العصور تجد العلماء من أهل الحديث قائمين بواجب العمل من الجهاد والصدع بالحق، أمثال شيخ الإسلام ابن تيمية، الذي صدع بالحق وجاهد التتار وقاتلهم، وكذا إلى عصر الإمام محمد بن عبد الوهاب، الذي قاتل المشركين في الجزيرة وجاهدهم بالسنان والبيان.
وإلى أيامنا هذه، فالذين أحيا الله بهم العلم والعقيدة، وظهروا بالحق وظهر الحق بهم، كانوا من أولئك الذين قرنوا العلم بالجهاد، أمثال الشيخ العَلَم أبي مصعب الزرقاوي، والشيخ أبي أنس الشامي والشيخ عبد الله الرشود والشيخ أبي الحسن الفلسطيني والشيخ أبي ميسرة الغريب، رحمهم الله جميعا.
ولذا فمَن عَلِمَ ولم يعمل بعلمه فهو مذموم شرعاً، ولا يكون من أولي العلم ولا يسمى عالماً بالمعنى الشرعي، وكيف يسمى عالماً، وهو ممقوتٌ عند الله، مغضوب عليه! فقد غضب اللهُ على اليهود وسماهم «المغضوب عليهم» لمّا لم يعملوا بعلمهم.
وقال تعالى: {كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف: 3]، وفي هذا بيان شدة مقت الله وغضبه على من علم ولم يعمل.
وكذا بيّن القرآن أنّ مَن عَلِمَ وكتم علمه فهو ملعون، كما في قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة: 159]. فعُلِم من هذا كله أن أولي العلم هم الحاملون له العاملون به الصادعون به.
وقد وصف الله تعالى مَن لم يعمل بعلمه بالجهل، وذلك في قوله تعالى عن علماء اليهود لما رغبوا في السحر واختاروه: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة 102]. ومحل الشاهد من الآية قوله تعالى: {لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}، فحيث لم يعملوا بعلمهم، صاروا جهالاً.
ولذلك فمن لم يعمل بعلمه من الصدعٍ بالحق والجهاد، أو كَتمه وألْبَس الحق بالباطل فليس بعالم، بل هو إما شيطان أخرس أو شيطان ناطق.
وقد كان أهل العلم لا يَعدّون أهل البدع من العلماء، كما قال ابن عبد البر عن المبتدعة من أهل الكلام: «أجمع أهل الفقه والآثار من جميع الأمصار أن أهل الكلام أهل بدع وزيغ ولا يُعدّون عند الجميع في طبقات الفقهاء، وإنما العلماء أهل الأثر...» [جامع بيان العلم وفضله]، فكيف لو رأوا ما ابتليت الأمة به من أئمة الكفر؟
والناظر في المنتسبين للعلم في عصورنا المتأخرة يجد أنّ الأعمّ الأغلب منهم ليسوا علماء ولا يدخلون في زمرة أهل العلم؛ لتخلّفهم عن واجب العمل، فما صدعوا بالحق في وجوه الطواغيت، بل كتموا العلم وألبسوا الحق بالباطل، وضللوا عباد الله، وعلموا آيات القتال والغزو، ثم أعرضوا عن القيام بواجب العمل فيها مخالفين بذلك سنة النبي ﷺ وما كان عليه الصحابة والتابعون، وتجدهم درسوا النصوص في الولاء والبراء وحادوا عنها، وعلموا الآيات في وجوب البلاغ وبيان الحق ثم كتموا وداهنوا، فهل هؤلاء هم الذين سماهم الله بأولي العلم؟! حاشا وكلّا، بل هم أهل ضلال، وهم متوعدون بالعذاب لتركهم العمل وكتمهم للحق، فكيف إذا عرفنا أن جلّ من يُشار إليهم بالبنان من المنتسبين إلى العلم في عصرنا قد أظهروا الطاعة للطاغوت والدخول في ولايته ونصرته على من خرج عليه من الموحّدين! وحكم من فعل هذا معروف في كتاب الله وسنّة رسوله ﷺ.
وعلى هذا، فإن ابن باز، وابن عثيمين، والفوزان، وآل الشيخ (المعاصرين)، ومحمد حسان، والحويني، وحسين يعقوب، والقرضاوي، والبوطي، والنابلسي، والغرياني، والمقدسي، وأبا قتادة، والحدوشي، والفحل، ليسوا علماء!
أين عملهم بالعلم؟! أين صدْعُهم بالحق؟! أين إنكارهم لشرك الطواغيت؟! أين غزوهم وقتالهم ورباطهم؟! أين بيانهم للحق وإرشادهم الناس؟! أين تصديهم للحملات الكافرة الصائلة على المسلمين؟! أم أنهم صاروا برضاهم عُصيّ في أيدي الطواغيت لضرب المجاهدين والقضاء عليهم باسم الشريعة والدين؟ فهل هؤلاء إلا أئمة ضلال وعلماء طاغوت؟
فلا يغرنّك هؤلاء ولا حملهم العلم، فعلمهم حجة عليهم، بل إنّ حمْل هؤلاء العلمَ الشرعيَّ شبيه بحمل المستشرقين العلم، بل قد برع بعض النصارى المستشرقين في علم الحديث مثل المدعو: (أرِند جان فِنسِنك) وهو مستشرق هولندي، صاحب «المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي»، وكذا قام المستشرق جوستا فتستام بتحقيق كتاب «الرد على الجهمية» للدارمي، فهل دخل أولئك المستشرقون في مسمى «أولي العلم» وهل يصح وسمهم بـ «العلماء»؟!
ألم يخبر النبي ﷺ بأول الناس الذين يقضى يوم القيامة عليهم فذكر منهم: (ورجل تعلَّم العلم، وعلَّمه وقرأ القرآن، فأُتي به فعرَّفه نعمه فعرَفها، قال: فما عملتَ فيها؟ قال: تعلّمتُ العلم، وعلّمتُه، وقرأتُ فيك القرآن، قال: كذبتَ، ولكنّك تعلمتَ العلم ليقال: عالم، وقرأتَ القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أُمر به فسُحب على وجهه حتى أُلقي في النار) [رواه مسلم].
فإذا كان فساد نية العالم يورده المهالك فكيف بمن خالف عملُه علمَه وكتم الحق وضلل الناس؟! بل كيف بمن دخل في ولاية الطاغوت ونصر حكمه؟!
عن هَرِم بن حيان، أنه قال: «إياكم والعالم الفاسق»، فبلغ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فكتب إليه -وأشفق منها- ما العالم الفاسق؟ قال: «فكتب إليه هَرِم: ... يكون إمام يتكلم بالعلم، ويعمل بالفسق، فيشبه على الناس فيضلوا» [رواه الدارمي]، هذا في الفاسق، فكيف بالضال المضل الخارج من الملّة؟
وبهذا يتبيّن لنا فساد مقولة بعض الجهّال عن المنتسب للعلم: «خذ علمه ودع عمله»، بل اسأل عن عمله وصدعه بالحق وجهاده وخشيته ربه؛ كما تسأل عن علمه وضبطه، وحينئذ يتبيّن لنا من هو العالم، فإن مَن خان الأمانة في العمل يخونها في العلم.
* المصدر
صحيفة النبأ - العدد 45
الثلاثاء 26 ذو القعدة 1437 هـ
■ تواصل - تيليغرام:
@wmc111at