جبل من جبال القوقاز... شمخ في أرض الخلافة الشيخ عمر الشيشاني إن الابتلاء بالخير فتنة لا يثبت ...
منذ يوم
جبل من جبال القوقاز... شمخ في أرض الخلافة
الشيخ عمر الشيشاني
إن الابتلاء بالخير فتنة لا يثبت فيها إلا من أنجاه الله بإخلاصه وإرادته الآخرة، فكثيرون هم الذين ثبتوا أمام أهوال من الابتلاءات بالشر من سجن وتعذيب ومطاردة، حتى إذا زال عن أحدهم ذلك وفُتحت عليه الدنيا، وابتلاه الله بزينتها سقط في الامتحان وهو يحسب أن ما أوتيه من إكرام ونعم إنما هو جزاء على صبره في المحن، ناسيا أن هناك أوجه أخرى للابتلاء قد يصبر على بعضها، ويكفر عندما يعرض على غيرها.
وإن من أروع قصص الثبات أمام الفتن والابتلاءات وشكر الله على نعمه بمزيد من العمل والطاعات قصة الشيخ عمر الشيشاني تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا من عباده.
هاجر ذلك الشاب الذي لا زال في زهرة عمره وأول شبابه إلى الشام ملبّيا استغاثات المسلمين من أهلها، وراجيا أن يكون بهجرته إليها من الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده) واستقر به المقام في مدينة حلب مقاتلا في صف إحدى الكتائب التي كانت تزعم أنها على منهج التوحيد فعمل فيها فترة من الزمن، قبل أن يلتقي بمجموعة من المهاجرين القوقازيين كانوا في مجموعة أبي محمد العبسي -تقبله الله- (مجلس شورى المجاهدين) الذي أذن لهم بالخروج من كتيبته، وبهذا اجتمع بضعة عشرات من المهاجرين شكلوا فيما بعد (كتيبة المهاجرين)، كان عمر أميرها العسكري، ثم صار أميرها العام.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى أصبح عمر وكتيبته يصولون ويجولون في ساحات القتال المختلفة في الشمال، ومع كل معركة خاضوها، كانت سمعة (كتيبة المهاجرين) تزداد، لحسن تنظيمها في القتال، وبراعة مقاتليها، في الوقت الذي كان المقاتلون من أغلب الفصائل الأخرى قليلي الخبرة، عشوائيين في قتالهم ومعاركهم، ومع ازدياد شهرة (المهاجرين) وازدياد انضمام المجاهدين إليها، كان اسم أميرها عمر الشيشاني يزداد انتشارا، وخاصة بعدما فتح الله عليه في عدة غزوات أشهرها في ذلك الحين فتح كتيبةٍ حصينةٍ للنظام في منطقة (الشيخ سليمان) شمال حلب، التي شاركت فيها (المهاجرون) إلى جانب كتائب (البتار) و(مجلس شورى المجاهدين) وجنود الدولة الإسلامية الذين كانوا يعملون حينها بمسمى (جبهة النصرة)، كما شاركت (المهاجرون) في أغلب الغزوات في ريف حلب كغزوة (الطعانة) و(خان طومان) و(اللواء 80) و(كتيبة حندرات) و(الجندول) و(سجن حلب المركزي) وغيرها، ومع كل فتح جديد يكبر حجمها ويتحسن تسليحها، فصار عمر الشيشاني قائدا لواحدة من أكبر الكتائب في الشام، التي تتنافس الفصائل على كسب ودها، وتتمنى القتال إلى جانبها.
ولكن عمر -تقبله الله- كان مستعدا في كل لحظة أن يتنازل عن ذلك كله ويكون جنديا لدى من يثق بعقيدته ومنهجه، ولم يكن حينها من هم أفضل من (جبهة النصرة) لينضم إليها بجنوده، مع عدم علمه بتبعيتها للدولة الإسلامية، حيث كان القائمون عليها حريصين على إخفاء ذلك لمآرب في أنفسهم فضحها الله فيما بعد، ولما عرض عليه أبو أثير الحلبي -تقبله الله- أن يتوحّد (مجلس شورى المجاهدين) مع (كتيبة المهاجرين) أجابه عمر بعرض آخر هو أن ينضما كلاهما إلى (جبهة النصرة) توحيدا للكلمة وتقوية لصف المجاهدين، لكنّ أبا أثير رفض ذلك لعلمه بانحراف منهج القائمين على الجبهة آنذاك، وسوء أخلاقهم، حيث كان مجاورا لهم في السجن، وخبر معادنهم في السراء والضراء، وخاصة في قصة الاستعصاء الشهير في سجن صيدنايا.
وأوّل المواقف التي كشفت له حقيقة أولئك الغادرين هي مشاركته لهم في غزوتي (الشيخ سليمان) و(كتيبة الطعانة) حيث اغتنم الفاتحون غنائم كثيرة وضعوها في يد القائمين على (جبهة النصرة) لحسن ظنهم بهم، حيث تفاجؤوا بخيانة هؤلاء للأمانة، فأكلوا نصيبهم بالباطل، وتلاعبوا بكميات الأسلحة المغتنمة، وحتى الجزء القليل الذي أقرّوا به حقا لهم، ماطلوا في توزيع حصص الكتائب المشاركة منه لشهور بل وعملوا على ابتزازهم فيما بعد بذلك للضغط عليهم من أجل أن يبايعوهم، فلما أيسوا من ذلك صاروا يساومونهم بها لصدّهم عن بيعة أمير المؤمنين بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية تمددها إلى الشام رسميا.
ورغم هذه المشكلة عرض الغادر الجولاني البيعة على عمر وكتيبته، مستشفعا لتحقيق ذلك بكل من الحاج سلام وأبي أسامة المغربي -تقبلهما الله- لعلمه بحب عمر لهما، فاجتمع عمر بمجلس شوراه واتفقوا على أن تكون بيعتهم للجولاني (الذي بدأ حينها يأخذ البيعة لنفسه) مقتصرة على القتال، وذلك لكي يدرسوا الجبهة عن قرب خلال مشاركتهم معهم في القتال، وحصل اللقاء الذي قدّر الله أن يكون كاشفا لصفة أخرى للخبيث الجولاني غير خيانته في قصة الغنائم، حيث جلس في اللقاء مزهوّا بنفسه، وخاطبهم بكبر وعنجهية، رافضا أي اشتراط في البيعة التي هو من تقدم بعرضها عليهم، فكان أن وقاهم الله من استدراج ذلك الخبيث بما رأوه من سوء طبعه.
انحرافات الجولاني وزمرته كانت قد بدأت تبلغ مسمع أمير المؤمنين -تقبله الله- الذي لم يجد بدا من الحضور بنفسه لإصلاح ما أفسده المفسدون، وبذلك تهيأت الفرصة لعمر الشيشاني وإخوانه لمقابلته، حيث بايعه بعد أن جلس معه ووجد من صفاته ما أقر عينه، وذلك بعد إعلان تمدد الدولة الإسلامية رسميا إلى الشام، وقبل الشيخ من (كتيبة المهاجرين) اشتراطهم تقديم الدعم للمجاهدين في القوقاز وسرّه ذلك، وقال: لا خير فينا إن لم ننصر إخواننا، وصار عمر الشيشاني بذلك جنديا من جنود الدولة الإسلامية، وهنا دخل -رحمه الله- في مرحلة جديدة من الابتلاء.
فتنازله عن استقلال كتيبته القوية، وتحوله إلى جندي عليه السمع والطاعة لأميره، لم يكن بالأمر السهل، وقد ظهر بين صفوف (كتيبة المهاجرين) من يريد الانفصال حفاظا على سراب الإمارة ومكتسباتها التي زالت ببيعة الدولة الإسلامية حيث صار الجميع جنودا فيها، وهنا كان رد عمر واضحا بالثبات على بيعته، ورفضه نقض العهد، ووضعه كل ما تحت يده من سلاح وجنود وممتلكات تحت تصرف الدولة الإسلامية، وهكذا بقي دعاة الفتنة لوحدهم، وترك لهم عمر اسم الكتيبة الذي لم يغن عنهم شيئا، إذ ما لبثوا أن انفض الناس عنهم وتركوهم، بل تعرضوا للمذلة والمهانة، ورفع الله ذكر من تواضع لله، وهم زال ذكرهم، والحمد لله.
الجانب الآخر من الابتلاء تمثل في عروض أهل الفتن من أصحاب الدعم الذين يوجههم مشايخ السرورية والإخوان وتحركهم مخابرات الطواغيت، ومن بينهم الخبيثان حجاج العجمي وعبد الله المحيسني، ففور انتشار خبر بيعته لأمير المؤمنين هرع الداعمون إلى عمر يحاولون إغراءه بالمال، حتى عرضوا عليه تمويلا شهريا بمئات الآلاف من الدولارات لقاء نقضه البيعة، لكنه رفض دولاراتهم الرخيصة، ليؤكد أنه بايع رغبة في الجماعة إرضاء لله، لا طلبا للتمويل أو الدعم.
فلما فشلت وسائل الضغط التي بأيديهم من التحريض عليه، وإغرائه بالمال، انطلقوا في حملة لتشويه سمعته مستعينين بإخوانهم من شياطين الإنس ممن جعلوا أنفسهم أوصياء على الجهاد في الشيشان، فأشاعوا أنه صليبي عميل للمخابرات الروسية، وبنوا شبهتهم التافهة على قضية أنه ولد في جورجيا من أب نصراني، رغم أن هذا ليس بمطعن فيه وإلا جاز الطعن في كل مسلم وُلد لأبوين كافرين، وأخفوا في الوقت نفسه حقيقة أنه شيشاني الأصل، وأن أباه تنصّر في صغره، وكذلك ركّزوا على خدمته في الجيش الجورجي، مخفين حقيقة أنه تبرّأ من ذلك الجيش الصليبي بعد خدمة قصيرة، انتهت بسجنه، وتعرضه للتعذيب والمرض، حتى خسر إحدى رئتيه في السجن، وأنه كان من المناصرين للمجاهدين في القوقاز، وأنه بقي على ارتباطه بمجاهدي القوقاز وأن أحد الشروط التي رفضها الجولاني كانت تقديم الدعم لمجاهدي القوقاز، وأنه كان يُراسل أمراءهم يحثّهم على إعلان البيعة لأمير المؤمنين.
وكما أن عمر الشيشاني لم يبال باسم كتيبته المشهور وتخلى عنه في سبيل توحيد جماعة المسلمين، فإنه لم يبال باسمه وشهرته، وطعن الحاقدين في عرضه، وهم من كانوا بالأمس يمتدحونه ويثنون عليه، ويسبغون عليه الألقاب الرنانة، بل زاد تعلقه بالجماعة وحرصه على الدولة الإسلامية، وصار يدعو الكتائب والفصائل إلى اللحاق بها، فكانت بيعته هو وأبو أثير -تقبلهما الله- محرضا لمجاهدي (كتيبة البتار) على البيعة، ليلحق بهم أبو مهند حسان عبود ومجاهدو (لواء داود) وغيرهم من المجاهدين والكتائب.
وكما فتح الله على الشيخ عمر في غزواته مع (كتيبة المهاجرين)، فتح الله على يديه بعد البيعة فتوحات أكبر على رأسها تحرير (مطار منّغ) شمال حلب مع أبي أسامة المغربي، تقبله الله، (ومستودعات الحمراء) في ريف حماة الشرقي مع عابد الليبي، تقبله الله، ومنّ الله على جيش الدولة الإسلامية فيهما بغنائم كبيرة، ليبدأ بعدها للإعداد لغزوات كبرى في الشام، وبعد دراسة واستطلاع طويلين ومفاضلة بين مدينتي البركة والخير، استقر الأمر على مدينة الخير، وكان الشيخ عمر هو قائد الغزوة، وفي الوقت نفسه كانت صحوات الشام تخطط للغدر بالدولة الإسلامية مستغلة انشغال جيشها بهذه الغزوة الكبرى، بالإضافة لجبهات القتال الطويلة في حلب وإدلب والساحل، حيث لم يبق في مقراتها غير عدد قليل من المجاهدين.
خرجت الصحوات وأعلنت غدرها، وقطعت الطرق، واعتُقل مجاهدو الدولة الإسلامية على الحواجز، وحوصر كثير منهم في ريف حلب، وهنا لم يعد بُدٌّ من إيقاف غزوة الخير رغم أهميتها وضرورة التوجه لاستنقاذ الإخوة المحاصرين، فحشد الشيخ عمر المقاتلين وسحبهم من ولاية الخير مرورا بولاية الرقة حيث كان مقاتلو فصائل الصحوات من أمثال جبهة الجولاني و»أحرار الشام» يظهرون أن لا علاقة لهم بغدر إخوانهم في حلب وإدلب والساحل، فوثق فيهم الشيخ عمر وأفرغ الرقة من المجاهدين ليأخذهم معه لفك الحصار عن الإخوة في مدن ولاية حلب، فما كان من مرتدي الصحوات إلا أن غدروا بمن بقي في مدينة الرقة من المجاهدين فور خروج الرتل الذي قاده الشيخ عمر، ليخزي الله المرتدين ويفشل عملهم ويهربوا من الرقة باتجاه ولاية الخير.
وفي الطريق تعرض الشيخ عمر ومن معه من المجاهدين لحادثة غدر من «أحرار الشام» قرب بلدة مَسْلَمَة، حيث طلبه المرتدون للتفاوض بعد أن حاولوا قطع طريق وصوله إلى حلب، وفي طريقه إليهم نصبوا له كمينا، وبعد أن نجاه الله منهم جاءه الخبيث الهالك أبو خالد السوري ليعقد معه اتفاقا لعبور قواته إلى حلب وذلك خوفا من عبورهم بالقوة، واستيلائهم على مطار الجراح الذي كان بيد المرتدين، وهكذا عبر الشيخ عمر وإخوانه إلى ريف حلب الشرقي ليفكوا الحصار عن الإخوة في مدن منبج والباب وجرابلس، ويعينوا المحاصرين في حريتان على فك الحصار عن أنفسهم والوصول إلى اعزاز ومنها إلى مناطق تمكين الدولة الإسلامية في حلب والرقة والبركة.
ولم تكن حرب الصحوات لتنتهي حتى فتح الله على عباده الموحدين مدن العراق التي تساقطت واحدة تلو الأخرى بعد فتح الموصل، وعادت الخلافة في الوقت الذي كان فيه الشيخ عمر مشغولا بالإعداد لواحدة من أكبر الغزوات في الشام كاد هدفها أن يكون إزالة كافة نقاط النظام النصيري القريبة من مناطق الدولة الإسلامية، التي حاصرتها الفصائل لسنين، وانطلقت الغزوة التي شملت (الفرقة 17) و(اللواء 93) و(مطار الطبقة) في ولاية الرقة، و(الفوج 121) في ولاية البركة، و(مطار كويرس) في ولاية حلب، وكانت نتيجتها فتح كل تلك القواعد العسكرية وقتل وأسر الآلاف من جنود النصيرية، واغتنام كميات كبيرة من السلاح ومستودعات ممتلئة بالذخيرة، في حين لم يتم العمل على مطار كويرس بسبب غدر صحوات الريف الشمالي وسحب القوة المخصصة للهجوم عليه لصد هجومهم.
وبعد هذا الفتح العظيم الذي أعقب فتوح العراق، وإعادة الخلافة، بدأت ملامح مرحلة جديدة من الصراع مع المشركين وعملائهم المرتدين تلوح في الأفق، عنوان هذه المرحلة الحملة الصليبية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، ويعينها فيها طوائف الشرك والردة من كل جنس ولون.
فجاء أمر أمير المؤمنين -تقبله الله- بنقل الشيخ عمر الشيشاني إلى ولايات العراق، التي كانت قد فقدت واحدا من أعظم رجالها، وأشد محاربيها، وهو الشيخ أبو عبد الرحمن البيلاوي، تقبله الله.
فكان خير خلف لخير سلف، فصال في ولايات العراق وجال، محاربا لمرتدي الرافضة والصحوات والبيشمركة، أميرا لديوان الجند، وقائدا لجيش الخلافة في ولايات العراق، وبقي على هذه الحال حتى أتاه اليقين في ساحات النزال التي عشقها وتعلق قلبه بها، كما نحسبه والله حسيبه، فتقبله الله في الخالدين.
* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 39
لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
الشيخ عمر الشيشاني
إن الابتلاء بالخير فتنة لا يثبت فيها إلا من أنجاه الله بإخلاصه وإرادته الآخرة، فكثيرون هم الذين ثبتوا أمام أهوال من الابتلاءات بالشر من سجن وتعذيب ومطاردة، حتى إذا زال عن أحدهم ذلك وفُتحت عليه الدنيا، وابتلاه الله بزينتها سقط في الامتحان وهو يحسب أن ما أوتيه من إكرام ونعم إنما هو جزاء على صبره في المحن، ناسيا أن هناك أوجه أخرى للابتلاء قد يصبر على بعضها، ويكفر عندما يعرض على غيرها.
وإن من أروع قصص الثبات أمام الفتن والابتلاءات وشكر الله على نعمه بمزيد من العمل والطاعات قصة الشيخ عمر الشيشاني تقبله الله، نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدا من عباده.
هاجر ذلك الشاب الذي لا زال في زهرة عمره وأول شبابه إلى الشام ملبّيا استغاثات المسلمين من أهلها، وراجيا أن يكون بهجرته إليها من الذين ذكرهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده) واستقر به المقام في مدينة حلب مقاتلا في صف إحدى الكتائب التي كانت تزعم أنها على منهج التوحيد فعمل فيها فترة من الزمن، قبل أن يلتقي بمجموعة من المهاجرين القوقازيين كانوا في مجموعة أبي محمد العبسي -تقبله الله- (مجلس شورى المجاهدين) الذي أذن لهم بالخروج من كتيبته، وبهذا اجتمع بضعة عشرات من المهاجرين شكلوا فيما بعد (كتيبة المهاجرين)، كان عمر أميرها العسكري، ثم صار أميرها العام.
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى أصبح عمر وكتيبته يصولون ويجولون في ساحات القتال المختلفة في الشمال، ومع كل معركة خاضوها، كانت سمعة (كتيبة المهاجرين) تزداد، لحسن تنظيمها في القتال، وبراعة مقاتليها، في الوقت الذي كان المقاتلون من أغلب الفصائل الأخرى قليلي الخبرة، عشوائيين في قتالهم ومعاركهم، ومع ازدياد شهرة (المهاجرين) وازدياد انضمام المجاهدين إليها، كان اسم أميرها عمر الشيشاني يزداد انتشارا، وخاصة بعدما فتح الله عليه في عدة غزوات أشهرها في ذلك الحين فتح كتيبةٍ حصينةٍ للنظام في منطقة (الشيخ سليمان) شمال حلب، التي شاركت فيها (المهاجرون) إلى جانب كتائب (البتار) و(مجلس شورى المجاهدين) وجنود الدولة الإسلامية الذين كانوا يعملون حينها بمسمى (جبهة النصرة)، كما شاركت (المهاجرون) في أغلب الغزوات في ريف حلب كغزوة (الطعانة) و(خان طومان) و(اللواء 80) و(كتيبة حندرات) و(الجندول) و(سجن حلب المركزي) وغيرها، ومع كل فتح جديد يكبر حجمها ويتحسن تسليحها، فصار عمر الشيشاني قائدا لواحدة من أكبر الكتائب في الشام، التي تتنافس الفصائل على كسب ودها، وتتمنى القتال إلى جانبها.
ولكن عمر -تقبله الله- كان مستعدا في كل لحظة أن يتنازل عن ذلك كله ويكون جنديا لدى من يثق بعقيدته ومنهجه، ولم يكن حينها من هم أفضل من (جبهة النصرة) لينضم إليها بجنوده، مع عدم علمه بتبعيتها للدولة الإسلامية، حيث كان القائمون عليها حريصين على إخفاء ذلك لمآرب في أنفسهم فضحها الله فيما بعد، ولما عرض عليه أبو أثير الحلبي -تقبله الله- أن يتوحّد (مجلس شورى المجاهدين) مع (كتيبة المهاجرين) أجابه عمر بعرض آخر هو أن ينضما كلاهما إلى (جبهة النصرة) توحيدا للكلمة وتقوية لصف المجاهدين، لكنّ أبا أثير رفض ذلك لعلمه بانحراف منهج القائمين على الجبهة آنذاك، وسوء أخلاقهم، حيث كان مجاورا لهم في السجن، وخبر معادنهم في السراء والضراء، وخاصة في قصة الاستعصاء الشهير في سجن صيدنايا.
وأوّل المواقف التي كشفت له حقيقة أولئك الغادرين هي مشاركته لهم في غزوتي (الشيخ سليمان) و(كتيبة الطعانة) حيث اغتنم الفاتحون غنائم كثيرة وضعوها في يد القائمين على (جبهة النصرة) لحسن ظنهم بهم، حيث تفاجؤوا بخيانة هؤلاء للأمانة، فأكلوا نصيبهم بالباطل، وتلاعبوا بكميات الأسلحة المغتنمة، وحتى الجزء القليل الذي أقرّوا به حقا لهم، ماطلوا في توزيع حصص الكتائب المشاركة منه لشهور بل وعملوا على ابتزازهم فيما بعد بذلك للضغط عليهم من أجل أن يبايعوهم، فلما أيسوا من ذلك صاروا يساومونهم بها لصدّهم عن بيعة أمير المؤمنين بعد أن أعلنت الدولة الإسلامية تمددها إلى الشام رسميا.
ورغم هذه المشكلة عرض الغادر الجولاني البيعة على عمر وكتيبته، مستشفعا لتحقيق ذلك بكل من الحاج سلام وأبي أسامة المغربي -تقبلهما الله- لعلمه بحب عمر لهما، فاجتمع عمر بمجلس شوراه واتفقوا على أن تكون بيعتهم للجولاني (الذي بدأ حينها يأخذ البيعة لنفسه) مقتصرة على القتال، وذلك لكي يدرسوا الجبهة عن قرب خلال مشاركتهم معهم في القتال، وحصل اللقاء الذي قدّر الله أن يكون كاشفا لصفة أخرى للخبيث الجولاني غير خيانته في قصة الغنائم، حيث جلس في اللقاء مزهوّا بنفسه، وخاطبهم بكبر وعنجهية، رافضا أي اشتراط في البيعة التي هو من تقدم بعرضها عليهم، فكان أن وقاهم الله من استدراج ذلك الخبيث بما رأوه من سوء طبعه.
انحرافات الجولاني وزمرته كانت قد بدأت تبلغ مسمع أمير المؤمنين -تقبله الله- الذي لم يجد بدا من الحضور بنفسه لإصلاح ما أفسده المفسدون، وبذلك تهيأت الفرصة لعمر الشيشاني وإخوانه لمقابلته، حيث بايعه بعد أن جلس معه ووجد من صفاته ما أقر عينه، وذلك بعد إعلان تمدد الدولة الإسلامية رسميا إلى الشام، وقبل الشيخ من (كتيبة المهاجرين) اشتراطهم تقديم الدعم للمجاهدين في القوقاز وسرّه ذلك، وقال: لا خير فينا إن لم ننصر إخواننا، وصار عمر الشيشاني بذلك جنديا من جنود الدولة الإسلامية، وهنا دخل -رحمه الله- في مرحلة جديدة من الابتلاء.
فتنازله عن استقلال كتيبته القوية، وتحوله إلى جندي عليه السمع والطاعة لأميره، لم يكن بالأمر السهل، وقد ظهر بين صفوف (كتيبة المهاجرين) من يريد الانفصال حفاظا على سراب الإمارة ومكتسباتها التي زالت ببيعة الدولة الإسلامية حيث صار الجميع جنودا فيها، وهنا كان رد عمر واضحا بالثبات على بيعته، ورفضه نقض العهد، ووضعه كل ما تحت يده من سلاح وجنود وممتلكات تحت تصرف الدولة الإسلامية، وهكذا بقي دعاة الفتنة لوحدهم، وترك لهم عمر اسم الكتيبة الذي لم يغن عنهم شيئا، إذ ما لبثوا أن انفض الناس عنهم وتركوهم، بل تعرضوا للمذلة والمهانة، ورفع الله ذكر من تواضع لله، وهم زال ذكرهم، والحمد لله.
الجانب الآخر من الابتلاء تمثل في عروض أهل الفتن من أصحاب الدعم الذين يوجههم مشايخ السرورية والإخوان وتحركهم مخابرات الطواغيت، ومن بينهم الخبيثان حجاج العجمي وعبد الله المحيسني، ففور انتشار خبر بيعته لأمير المؤمنين هرع الداعمون إلى عمر يحاولون إغراءه بالمال، حتى عرضوا عليه تمويلا شهريا بمئات الآلاف من الدولارات لقاء نقضه البيعة، لكنه رفض دولاراتهم الرخيصة، ليؤكد أنه بايع رغبة في الجماعة إرضاء لله، لا طلبا للتمويل أو الدعم.
فلما فشلت وسائل الضغط التي بأيديهم من التحريض عليه، وإغرائه بالمال، انطلقوا في حملة لتشويه سمعته مستعينين بإخوانهم من شياطين الإنس ممن جعلوا أنفسهم أوصياء على الجهاد في الشيشان، فأشاعوا أنه صليبي عميل للمخابرات الروسية، وبنوا شبهتهم التافهة على قضية أنه ولد في جورجيا من أب نصراني، رغم أن هذا ليس بمطعن فيه وإلا جاز الطعن في كل مسلم وُلد لأبوين كافرين، وأخفوا في الوقت نفسه حقيقة أنه شيشاني الأصل، وأن أباه تنصّر في صغره، وكذلك ركّزوا على خدمته في الجيش الجورجي، مخفين حقيقة أنه تبرّأ من ذلك الجيش الصليبي بعد خدمة قصيرة، انتهت بسجنه، وتعرضه للتعذيب والمرض، حتى خسر إحدى رئتيه في السجن، وأنه كان من المناصرين للمجاهدين في القوقاز، وأنه بقي على ارتباطه بمجاهدي القوقاز وأن أحد الشروط التي رفضها الجولاني كانت تقديم الدعم لمجاهدي القوقاز، وأنه كان يُراسل أمراءهم يحثّهم على إعلان البيعة لأمير المؤمنين.
وكما أن عمر الشيشاني لم يبال باسم كتيبته المشهور وتخلى عنه في سبيل توحيد جماعة المسلمين، فإنه لم يبال باسمه وشهرته، وطعن الحاقدين في عرضه، وهم من كانوا بالأمس يمتدحونه ويثنون عليه، ويسبغون عليه الألقاب الرنانة، بل زاد تعلقه بالجماعة وحرصه على الدولة الإسلامية، وصار يدعو الكتائب والفصائل إلى اللحاق بها، فكانت بيعته هو وأبو أثير -تقبلهما الله- محرضا لمجاهدي (كتيبة البتار) على البيعة، ليلحق بهم أبو مهند حسان عبود ومجاهدو (لواء داود) وغيرهم من المجاهدين والكتائب.
وكما فتح الله على الشيخ عمر في غزواته مع (كتيبة المهاجرين)، فتح الله على يديه بعد البيعة فتوحات أكبر على رأسها تحرير (مطار منّغ) شمال حلب مع أبي أسامة المغربي، تقبله الله، (ومستودعات الحمراء) في ريف حماة الشرقي مع عابد الليبي، تقبله الله، ومنّ الله على جيش الدولة الإسلامية فيهما بغنائم كبيرة، ليبدأ بعدها للإعداد لغزوات كبرى في الشام، وبعد دراسة واستطلاع طويلين ومفاضلة بين مدينتي البركة والخير، استقر الأمر على مدينة الخير، وكان الشيخ عمر هو قائد الغزوة، وفي الوقت نفسه كانت صحوات الشام تخطط للغدر بالدولة الإسلامية مستغلة انشغال جيشها بهذه الغزوة الكبرى، بالإضافة لجبهات القتال الطويلة في حلب وإدلب والساحل، حيث لم يبق في مقراتها غير عدد قليل من المجاهدين.
خرجت الصحوات وأعلنت غدرها، وقطعت الطرق، واعتُقل مجاهدو الدولة الإسلامية على الحواجز، وحوصر كثير منهم في ريف حلب، وهنا لم يعد بُدٌّ من إيقاف غزوة الخير رغم أهميتها وضرورة التوجه لاستنقاذ الإخوة المحاصرين، فحشد الشيخ عمر المقاتلين وسحبهم من ولاية الخير مرورا بولاية الرقة حيث كان مقاتلو فصائل الصحوات من أمثال جبهة الجولاني و»أحرار الشام» يظهرون أن لا علاقة لهم بغدر إخوانهم في حلب وإدلب والساحل، فوثق فيهم الشيخ عمر وأفرغ الرقة من المجاهدين ليأخذهم معه لفك الحصار عن الإخوة في مدن ولاية حلب، فما كان من مرتدي الصحوات إلا أن غدروا بمن بقي في مدينة الرقة من المجاهدين فور خروج الرتل الذي قاده الشيخ عمر، ليخزي الله المرتدين ويفشل عملهم ويهربوا من الرقة باتجاه ولاية الخير.
وفي الطريق تعرض الشيخ عمر ومن معه من المجاهدين لحادثة غدر من «أحرار الشام» قرب بلدة مَسْلَمَة، حيث طلبه المرتدون للتفاوض بعد أن حاولوا قطع طريق وصوله إلى حلب، وفي طريقه إليهم نصبوا له كمينا، وبعد أن نجاه الله منهم جاءه الخبيث الهالك أبو خالد السوري ليعقد معه اتفاقا لعبور قواته إلى حلب وذلك خوفا من عبورهم بالقوة، واستيلائهم على مطار الجراح الذي كان بيد المرتدين، وهكذا عبر الشيخ عمر وإخوانه إلى ريف حلب الشرقي ليفكوا الحصار عن الإخوة في مدن منبج والباب وجرابلس، ويعينوا المحاصرين في حريتان على فك الحصار عن أنفسهم والوصول إلى اعزاز ومنها إلى مناطق تمكين الدولة الإسلامية في حلب والرقة والبركة.
ولم تكن حرب الصحوات لتنتهي حتى فتح الله على عباده الموحدين مدن العراق التي تساقطت واحدة تلو الأخرى بعد فتح الموصل، وعادت الخلافة في الوقت الذي كان فيه الشيخ عمر مشغولا بالإعداد لواحدة من أكبر الغزوات في الشام كاد هدفها أن يكون إزالة كافة نقاط النظام النصيري القريبة من مناطق الدولة الإسلامية، التي حاصرتها الفصائل لسنين، وانطلقت الغزوة التي شملت (الفرقة 17) و(اللواء 93) و(مطار الطبقة) في ولاية الرقة، و(الفوج 121) في ولاية البركة، و(مطار كويرس) في ولاية حلب، وكانت نتيجتها فتح كل تلك القواعد العسكرية وقتل وأسر الآلاف من جنود النصيرية، واغتنام كميات كبيرة من السلاح ومستودعات ممتلئة بالذخيرة، في حين لم يتم العمل على مطار كويرس بسبب غدر صحوات الريف الشمالي وسحب القوة المخصصة للهجوم عليه لصد هجومهم.
وبعد هذا الفتح العظيم الذي أعقب فتوح العراق، وإعادة الخلافة، بدأت ملامح مرحلة جديدة من الصراع مع المشركين وعملائهم المرتدين تلوح في الأفق، عنوان هذه المرحلة الحملة الصليبية الدولية التي تقودها الولايات المتحدة، ويعينها فيها طوائف الشرك والردة من كل جنس ولون.
فجاء أمر أمير المؤمنين -تقبله الله- بنقل الشيخ عمر الشيشاني إلى ولايات العراق، التي كانت قد فقدت واحدا من أعظم رجالها، وأشد محاربيها، وهو الشيخ أبو عبد الرحمن البيلاوي، تقبله الله.
فكان خير خلف لخير سلف، فصال في ولايات العراق وجال، محاربا لمرتدي الرافضة والصحوات والبيشمركة، أميرا لديوان الجند، وقائدا لجيش الخلافة في ولايات العراق، وبقي على هذه الحال حتى أتاه اليقين في ساحات النزال التي عشقها وتعلق قلبه بها، كما نحسبه والله حسيبه، فتقبله الله في الخالدين.
* المصدر: صحيفة النبأ - العدد 39
لقراءة القصة كاملة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at