وجوب الكلام في علماء السوء وفضحهم لقد نزلت هذه الشريعة الإسلامية لتحقق المقاصد الخمس، التي لا ...

منذ 2025-02-19
وجوب الكلام في علماء السوء وفضحهم

لقد نزلت هذه الشريعة الإسلامية لتحقق المقاصد الخمس، التي لا تستقيم حياة الناس في دينهم ودنياهم إلا بها، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال.

ولا شك أن حفظ الدين هو أعظم المصالح والغايات، ولذلك حرم الله الشرك وحرم أسبابه، وحرم القول عليه بغير علم، وحرم البدع والمحدثات، ولذلك أيضا كان من الواجبات: تحذير الأمة من الشرك والبدع، وبيان حال أهلهما وكشف زيفهم وباطلهم، وهذا من النصيحة الواجبة حفظا لدين المسلمين، كما ثبت عن تميم الداري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (الدين النصيحة)، قلنا: لمن؟ قال: (لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم) [رواه مسلم].
ولذلك كان الرد على أهل البدع والتحذير منهم من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قال الله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: ١٠٤].

قال أبو العباس بن تيمية، رحمه الله: «ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسنة أو العبادات المخالفة للكتاب والسنة، فإن بيان حالهم وتحذير الأمة منهم واجب باتفاق المسلمين... إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته ودفع بغي هؤلاء وعدوانهم على ذلك واجب على الكفاية باتفاق المسلمين ولولا من يقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب؛ فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعا وأما أولئك فهم يفسدون القلوب ابتداء» [مجموع الفتاوى].

وقد ثبت في السنة ما يدل على الكلام في رجل السوء وعيبه باسمه لا على سبيل العموم فحسب، ويقاس عليه صاحب البدعة، فيجوز اغتيابه لتحذير الناس منه، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «استأذن رجل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: (ائذنوا له، بئس أخو العشيرة) أو (ابن العشيرة)، فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله، قلت الذي قلت، ثم ألنت له الكلام؟ قال: (أي عائشة، إن شر الناس من تركه الناس، أو ودعه الناس، اتقاء فحشه) [متفق عليه].

وقد كان السلف يحذّرون من أخذ العلم عن المبتدعة كما روى مسلم في صحيحه عن الإمام محمد بن سيرين قال: «إن هذا العلم دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم».

وقال: «لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم! فينُظر إلى أهل السنة فيُؤخذ حديثُهم، ويُنظر إلى أهل البدع فلا يُؤخذ حديثهم».

وهذا شبابة بن سوار الفزاري (المتوفى: 206 هـ) لما تلبّس ببدعة الإرجاء ترك الأخذ عنه الإمام أحمد بن حنبل وقال: (لم أكتب عنه للإرجاء) [تهذيب الكمال].

ومقتضى ذلك أن من أهل البدع من حملوا من العلم وحفظوا منه وبرعوا في كثير من الفنون ومع ذلك ما اغتر أئمة السنة بهم، بل جانبوهم، لأن علمهم لم يكن تزكية لهم بل حجة عليهم، فالعلم هو الخشية، والعلم هو العمل، كما قال إبراهيم النخعي: «كنا إذا أردنا أن نأخذ عن شيخ سألناه عن مطعمه ومشربه ومدخله ومخرجه، فإن كان على استواء أخذنا عنه وإلا لم نأته» [الكامل في ضعفاء الرجال].

بل لم يكن السلف يتورعون عن ذكر المخطئ في الرواية -لسوء حفظه أو ضبطه- بعينه وإن كان من أهل الصلاح والاستقامة، ليحذر الناس من خطئه، وليس هذا من الغيبة المحرمة بل هو نصح واجب حتى لا يلصق ذلك الخطأ بالشريعة في أذهان الناس فيظنونه من الدين فيتبعوهم، ولذلك ظهر في التاريخ الإسلامي عِلْمٌ جليل عظيم سمي بعِلْمِ «الجرح والتعديل»، كان من أعظم مفاخر الأمة، فبه حُفظت السنة، وبه مُيِّز الصحيح من الضعيف.
وعلم «الجرح والتعديل» هو أحد علوم الحديث، وموضوعه يبحث في أحوال الرواة -نقلة العلم- في عدالتهم وضبطهم وصدقهم وأمانتهم، فيذكرون الراوي بما فيه من جرح كضعف أو تدليس أو وهم أو كذب.

بل أفرد العلماء التصانيف في أولئك المجروحين كما صنف البخاري كتابا أسماه «الضعفاء»، وكذا صنف بنفس الاسم أبو جعفر العقيلي (المتوفى: 322 هـ)، وكذا صنف النسائي صاحب السنن (المتوفى: 303 هـ) كتابا أسماه «الضعفاء والمتروكون»، وكذا صنف بنفس الاسم الدارقطني (المتوفى: 385 هـ)، وابن الجوزي (المتوفى: 597 هـ)، وكذا صنف ابن عدي الجرجاني (المتوفى: 365 هـ) كتابا أسماه «الكامل في ضعفاء الرجال»، ولغيرهم من العلماء مصنّفات مشهورة ومهمّة في هذا الفن.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل، رحمهما الله: «جاء أبو تراب النخشبي إلى أبي، فجَعَل أبي يقول: فلان ضعيف، فلان ثقة. قال أبو تراب: يا شيخ، لا تغتب العلماء! فالتفت أبي إليه فقال له: ويحك هذه نصيحة، ليس هذا غيبة» [تاريخ بغداد].

وذكر ابن الجوزي عن محمد بن بندار الجرجاني قال: «قلت لأحمد بن حنبل إنه ليشتد عليّ أن أقول فلان ضعيف وفلان كذاب؛ فقال: إذا سكتَّ أنت وسكتُّ، أنا فمتى يعرف الجاهل الصحيح من السقيم؟» [الضعفاء والمتروكون].

6682761216a48

  • 2
  • 0
  • 6

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً