مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين 2 (٢/٢) وفي المغرب أواخر القرن العاشر الهجري، ثمة قصة أخرى ...
منذ 2025-02-19
مآل من استنصر بالكافرين على المسلمين 2
(٢/٢)
وفي المغرب أواخر القرن العاشر الهجري، ثمة قصة أخرى لمن ذهب إلى النصارى ووالاهم دون المسلمين، بل وجادل وادعى الحجج الواهية ليُحسّن فعله، كما يفعل اليوم كثير ممن والى الصليبيين.
إنه السلطان المخلوع أبو عبد الله محمد بن عبد الله السعدي «المسلوخ»، الذي لجأ للبرتغاليين كي يسترجع ملكه، قال السلاوي: «فشرط عليه [ملك البرتغال] أن يكون للنصارى سائر السواحل، وله هو ما وراء ذلك، فقبل أبو عبد الله ذلك والتزمه، وللحين جمع الطاغية جموعه، واستوعب كبراء جيشه، ووجوه دولته، وعزم على الخروج إلى بلاد الإسلام».
ومن جرأته أنه بعث برسالة إلى أعيان المغرب يبرر فيها موالاته للنصارى، ويحثهم على مساندته، قال السلاوي: «وقال لهم ما استصرخت بالنصارى حتى عدمت النصرة من المسلمين، وقد قال العلماء أنه يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه وتهددهم فيها وأبرق وأرعد؛ وقال: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله؛ وسمى النصارى أهل العدوة واستنكف من تسميتهم نصارى»، فرد عليه أعيان المغرب برسالة بيّنوا فيها ردّته عن الإسلام، وحذّروه عاقبة أمره، ومما جاء فيها، كما نقل السلاوي: «ثم لم تتمالك أن ألقيت بنفسك إليهم ورضيت بجوارهم وموالاتهم، كأنك ما طرق سمعك قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] قال أبو حيان، رحمه الله: أي لا تنصروهم ولا تستنصروا بهم؛ وفي كتاب القضاء من نوازل الإمام البرزلي -رحمه الله- أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني -رحمه الله- استفتى علماء زمانه -رضي الله عنهم- وهم ما هم، في استنصار ابن عباد الأندلسي بالكتابة إلى الإفرنج على أن يعينوه على المسلمين فأجابه جلهم -رضي الله عنهم- بردته وكفره».
كما ردوا على عدم تسميته النصارى بما سماهم الله تعالى به فقالوا: «واستعظمت أن تسميهم بالنصارى، ففيه المقت الذي لا يخفى، وقولك رجعت إليهم حين عُدمت النصرة من المسلمين ففيه محظوران يحضر عندهما غضب الرب -جل جلاله- أحدهما كونك اعتقدت أن المسلمين كلهم على ضلال وأن الحق لم يبق من يقوم به إلا النصارى والعياذ بالله، والثاني أنك استعنت بالكفار على المسلمين... وفي قولك يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه وجعلت قولك هذا قضية أنتجت لك دليلا على جواز الاستعانة بالكفار على المسلمين، وفي ذلك مصادمة للقرآن والحديث، وهو عين الكفر أيضا والعياذ بالله»، وهكذا كان الرد على «المسلوخ» واضحا جليا قاصما ظهر كل من أراد أن يلوي أعناق النصوص أو يلبس الحق بالباطل، ولكن «المسلوخ» لم يتعظ، بل سار مع النصارى متباهيا بجموعهم، إلى أن هلك على ردّته مع أتباعه.
قال السلاوي: «وحكمت السيوف في رقاب الكفار ففروا ولات حين فرار، وقتل الطاغية سبستيان عظيم البرتغال غريقا في الوادي، وقصد النصارى القنطرة فلم يجدوا إلا آثارها، فخشعت نفوسهم، وتهافتوا في النهر تهافت الفراش على النار، فكان ذلك من أكبر الأسباب في استئصالهم»، وأما «المسلوخ» فلم يكن وضعه أحسن حالا من حال أوليائه، قال السلاوي: «وبحث في القتلى عن محمد بن عبد الله المستصرخ بهم، والقائد لهم إلى مصارعهم، فوُجِد غريقا في وادي المخازن، وذلك أنه لما رأى الهزيمة فر ناجيا بنفسه، واضطر إلى عبور النهر فتورط في غدير منه، وغرق فمات، فاستخرجه الغواصون، وسُلِخ، وحُشِي جلده تبناً، وطيف به في مراكش وغيرها من البلاد»، وشاركه في هذه الميتة مدّعي فقه لم يفقه حكم من والى أعداء الله، قال السلاوي: «وممن وُجِد صريعا في القتلى يومئذ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عسكر السريفي الشفشاوني، صاحب الدوحة، فإنه كان هرب مع المسلوخ وكان من بطانته فدخل معه بلاد العدو، فوُجِد بين جيف النصارى قتيلا وتكلّم الناس في أمره، حتى قيل إنه وجد على شماله مستدبر القبلة»، وهكذا كانت خاتمة «المسلوخ» كما عرف في التاريخ، نسأل الله العلي القدير أن يكتب هذه الخاتمة لكل من والى الصليبيين، وأن يجعلهم عبرة لكل معتبر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at
(٢/٢)
وفي المغرب أواخر القرن العاشر الهجري، ثمة قصة أخرى لمن ذهب إلى النصارى ووالاهم دون المسلمين، بل وجادل وادعى الحجج الواهية ليُحسّن فعله، كما يفعل اليوم كثير ممن والى الصليبيين.
إنه السلطان المخلوع أبو عبد الله محمد بن عبد الله السعدي «المسلوخ»، الذي لجأ للبرتغاليين كي يسترجع ملكه، قال السلاوي: «فشرط عليه [ملك البرتغال] أن يكون للنصارى سائر السواحل، وله هو ما وراء ذلك، فقبل أبو عبد الله ذلك والتزمه، وللحين جمع الطاغية جموعه، واستوعب كبراء جيشه، ووجوه دولته، وعزم على الخروج إلى بلاد الإسلام».
ومن جرأته أنه بعث برسالة إلى أعيان المغرب يبرر فيها موالاته للنصارى، ويحثهم على مساندته، قال السلاوي: «وقال لهم ما استصرخت بالنصارى حتى عدمت النصرة من المسلمين، وقد قال العلماء أنه يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه وتهددهم فيها وأبرق وأرعد؛ وقال: فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله؛ وسمى النصارى أهل العدوة واستنكف من تسميتهم نصارى»، فرد عليه أعيان المغرب برسالة بيّنوا فيها ردّته عن الإسلام، وحذّروه عاقبة أمره، ومما جاء فيها، كما نقل السلاوي: «ثم لم تتمالك أن ألقيت بنفسك إليهم ورضيت بجوارهم وموالاتهم، كأنك ما طرق سمعك قول الله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] قال أبو حيان، رحمه الله: أي لا تنصروهم ولا تستنصروا بهم؛ وفي كتاب القضاء من نوازل الإمام البرزلي -رحمه الله- أن أمير المسلمين يوسف بن تاشفين اللمتوني -رحمه الله- استفتى علماء زمانه -رضي الله عنهم- وهم ما هم، في استنصار ابن عباد الأندلسي بالكتابة إلى الإفرنج على أن يعينوه على المسلمين فأجابه جلهم -رضي الله عنهم- بردته وكفره».
كما ردوا على عدم تسميته النصارى بما سماهم الله تعالى به فقالوا: «واستعظمت أن تسميهم بالنصارى، ففيه المقت الذي لا يخفى، وقولك رجعت إليهم حين عُدمت النصرة من المسلمين ففيه محظوران يحضر عندهما غضب الرب -جل جلاله- أحدهما كونك اعتقدت أن المسلمين كلهم على ضلال وأن الحق لم يبق من يقوم به إلا النصارى والعياذ بالله، والثاني أنك استعنت بالكفار على المسلمين... وفي قولك يجوز للإنسان أن يستعين على من غصبه حقه بكل ما أمكنه وجعلت قولك هذا قضية أنتجت لك دليلا على جواز الاستعانة بالكفار على المسلمين، وفي ذلك مصادمة للقرآن والحديث، وهو عين الكفر أيضا والعياذ بالله»، وهكذا كان الرد على «المسلوخ» واضحا جليا قاصما ظهر كل من أراد أن يلوي أعناق النصوص أو يلبس الحق بالباطل، ولكن «المسلوخ» لم يتعظ، بل سار مع النصارى متباهيا بجموعهم، إلى أن هلك على ردّته مع أتباعه.
قال السلاوي: «وحكمت السيوف في رقاب الكفار ففروا ولات حين فرار، وقتل الطاغية سبستيان عظيم البرتغال غريقا في الوادي، وقصد النصارى القنطرة فلم يجدوا إلا آثارها، فخشعت نفوسهم، وتهافتوا في النهر تهافت الفراش على النار، فكان ذلك من أكبر الأسباب في استئصالهم»، وأما «المسلوخ» فلم يكن وضعه أحسن حالا من حال أوليائه، قال السلاوي: «وبحث في القتلى عن محمد بن عبد الله المستصرخ بهم، والقائد لهم إلى مصارعهم، فوُجِد غريقا في وادي المخازن، وذلك أنه لما رأى الهزيمة فر ناجيا بنفسه، واضطر إلى عبور النهر فتورط في غدير منه، وغرق فمات، فاستخرجه الغواصون، وسُلِخ، وحُشِي جلده تبناً، وطيف به في مراكش وغيرها من البلاد»، وشاركه في هذه الميتة مدّعي فقه لم يفقه حكم من والى أعداء الله، قال السلاوي: «وممن وُجِد صريعا في القتلى يومئذ الفقيه أبو عبد الله محمد بن عسكر السريفي الشفشاوني، صاحب الدوحة، فإنه كان هرب مع المسلوخ وكان من بطانته فدخل معه بلاد العدو، فوُجِد بين جيف النصارى قتيلا وتكلّم الناس في أمره، حتى قيل إنه وجد على شماله مستدبر القبلة»، وهكذا كانت خاتمة «المسلوخ» كما عرف في التاريخ، نسأل الله العلي القدير أن يكتب هذه الخاتمة لكل من والى الصليبيين، وأن يجعلهم عبرة لكل معتبر، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 49
الخميس 5 محرم 1438 هـ
• لقراءة المقال كاملاً، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at