فإني مكاثر بكم الأمم ولطالما كان طلب الولد من سنة الأنبياء والرسل؛ فهذا نبي الله زكريا -على ...

منذ يوم
فإني مكاثر بكم الأمم

ولطالما كان طلب الولد من سنة الأنبياء والرسل؛ فهذا نبي الله زكريا -على نبينا وعليه الصلاة والسلام- يدعو ربه وفي أكثر من موضع في القرآن الكريم، لا أن يهبه ملكا أو سلطانا، ولا ذهبا أو فضة، وإنما ذرية طيبة، فقام يصلي ويدعو ربه سرا ويقول: {رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} [مريم: 4-6]، وقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]، وقال أيضا: {رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} [الأنبياء: 89].

وتلك زوجة نبي الله عمران قد سألت الله الولد فوهبها مريم وجعلها آية للعالمين، ووهب مريم عيسى وجعله نبيا ورسولا من أولي العزم، عليهم السلام جميعا.

وإنه وبازدياد أعداد المسلمين، يرتدع الكفر ويعلو الدين، وقد فهم الكفرة هذه المعادلة التي غابت عن أذهان غافلة، فنجد أن من أولوياتهم في كل حرب يشنونها على الإسلام وأهله استهداف النساء والأطفال، للقضاء على الأرض وزرعها، فما سميّت النساء حرثا إلا لكونهن منشأ النسل وأرضه الخصبة، وتلك سياسة عدو حاقد همه اجتثاث «لا إله إلا الله» من الأرض، وهيهات له هيهات، فأمة محمد أمة ولود لا تعقم، وهي كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها.

غير أن بعض النساء قد لا يعين سياسة العدو في حربه على الموحدين، ولا يقدرن أنه ومع ولادة كل مولود مسلم تُزرع شوكة في حلق الكفر، ويُغرز خنجر في خاصرة الشرك، وأنه وبزيادة عدد المسلمين يُغص الفجار وتنكَّس رايات الكفار وتعلو أصوات الأبرار، وما سياسة تحديد النسل إلا وباء قد دخل على أمتنا الولود من حيث أراد أعداؤها، حتى يقل عدد المسلمين وتضعف شوكتهم.
ولقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- بتكثير سواد المسلمين، كما جاء عن معقل بن يسار، قال: «جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب وجمال، وإنها لا تلد، أفأتزوجها؟ قال: (لا)، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) [رواه أبو داود وابن حبّان].

كما ويدعو النبي -صلى الله عليه وسلم- لأنس بن مالك -رضي الله عنه- بوفرة الولد والبركة فيه فيقول: (اللهم أكثر ماله وولده، وبارك له فيما أعطيته) [متفق عليه].

وروى أحمد في مسنده عن أنس أنه قال: «حدثتني ابنتي أنه دفن من صلبي عشرون ومائة ونيف، وإني لمن أكثر الأنصار مالا».
وقد دخل الأحنف بن قيس على معاوية -رضي الله عنه- ويزيد بين يديه وهو ينظر إليه إعجابا، فقال: «يا أبا بحر، ما تقول في الولد؟» فقال: «يا أمير المؤمنين، هم عماد ظهورنا، وثمر قلوبنا، وقرة أعيننا، بهم نصول على أعدائنا، وهم الخلف منا لمن بعدنا، فكن لهم أرضا ذليلة، وسماء ظليلة، إن سألوك فأعطهم، وإن استعتبوك فأعتبهم، لا تمنعهم رفدك فيملوا قربك، ويكرهوا حياتك، ويستبطئوا وفاتك. فقال: لله درك يا أبا بحر! هم كما وصفت».
كما لا يفوتنا ونحن في هذا المقام أن نحذّر الأخت المسلمة من سياسة خبيثة أخرى جاء بها أعداء الإسلام، ألا وهي تأجيل الزواج حتى سن متأخرة، وهذا من مكر الكافرين الذين سعوا وما زالوا إلى صرف المسلمات عن حقيقة دورهن في الحياة، وأنهن خلقن لتوحيد الله -عز وجل- وإفراده بالعبادة دون سواه، ثم لخدمة الدين بما يسره الله لهن، ومنها الزواج والإنجاب والتربية.

ولو علمت المسلمة ما في التبكير بالزواج مع استحضار نية تكثير السواد وإنجاب الولد الصالح الذي يبرها ويدعو لها ولوالده حتى بعد موتهما كما في الحديث الذي يرويه أبو هريرة، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) [رواه مسلم].

وجاء في الحديث أيضا، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: (إن الله -عز وجل- ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة، فيقول: يا رب، أنّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك لك) [رواه أحمد وابن ماجه].
وقد بوّب البخاري في صحيحه: «باب من طلب الولد للجهاد»، جاء فيه عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال سليمان بن داود، عليهما السلام: لأطوفن الليلة على مائة امرأة، أو تسع وتسعين كلهن يأتي بفارس يجاهد في سبيل الله؛ فقال له صاحبه: إن شاء الله؛ فلم يقل إن شاء الله، فلم يحمل منهن إلا امرأة واحدة، جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده، لو قال: إن شاء الله، لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون)، لو علمت المسلمة ما في كل ذلك من نصرة للدين، وإغاظة للكافرين، لاستقبلت من هذا الأمر ما استدبرت، ولعلها تكون بذلك من الذين {وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} [التوبة: 120].

ولتتأمل المسلمة في قول عمر، رضي الله عنه: «والله إني لأكره نفسي على الجماع؛ رجاء أن يخرج الله مني نسمة تسبح الله» [رواه البيهقي في الكبرى].

بل إن تزويج البنات فيما يعرف بـ «السن المبكر « يُعد جريمة يُعاقِب عليها القانون الطاغوتي في بعض الدول المسماة زورا إسلامية، وأما في الإسلام الحق، فلا حلال إلا ما أحله الله تعالى، ولا حرام إلا ما حرمه الله تعالى، وقد أخرج مسلم في صحيحه عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: «تزوجني النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة فنزلنا في بني الحارث بن خزرج، فوعكت فتمرق شعري، فوفى جميمة فأتتني أمي أم رومان، وإني لفي أرجوحة، ومعي صواحب لي، فصرخت بي فأتيتها، لا أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى أوقفتني على باب الدار، وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي، ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر، فأسلمتني إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين».

ومتى ما علمت الأخت المسلمة ذلك، اتخذت دعاوى السوء ظهريا، وعكفت على تكثير الأشبال وإعدادهم، فجعلت من بيتها عرينا لهم، ترضعهم من ملة إبراهيم لبنا سائغا، وتلقنهم التوحيد زلالا صافيا، تعركهم بالولاء عركا، وتخبزهم بالبراء خبزا، ثم تفتح لهم باب العرين، والقلوب قد أشربت: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29]، {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ} [المائدة: 54]. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 52
الخميس 26 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

671c2d4603ce0

  • 0
  • 0
  • 5

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً