وقال ابن كثير، رحمه الله: «وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمر بالحديبية، وكان الصحابة ...

منذ 23 ساعة
وقال ابن كثير، رحمه الله: «وهذه البيعة هي بيعة الرضوان، وكانت تحت شجرة سمر بالحديبية، وكان الصحابة الذين بايعوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ قيل: ألف وثلاثمائة. وقيل: أربعمائة. وقيل: وخمسمائة. والأوسط أصح».
وهذا المعنى، وهو البيعة على الموت أو الحرب أو أن لا يفروا، محفوظ في كتب الصحاح والسنن والمسانيد، بل بوّب له الأئمة مثل البخاري، فقد قال في صحيحه: «باب البيعة في الحرب أن لا يفروا، وقال بعضهم: على الموت لقول الله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ}»، ثم أورد الأحاديث الواردة في الباب، وكذلك فعل النووي في تبويبه على صحيح مسلم، قال: «باب استحباب مبايعة الإمام الجيش عند إرادة القتال وبيان بيعة الرضوان تحت الشجرة»، وكذا صنع النسائي في السنن الكبرى، حيث بوّب: «البيعة على أن لا نفر»، وبوّب: «البيعة على الموت».

وقد وردت شروط بيعة الرضوان بروايات عديدة عن الصحابة، ومن ذلك ما قاله النووي، في شرح صحيح مسلم:
«في رواية جابر ورواية معقل بن يسار: بايعناه يوم الحديبية على ألا نفر، ولم نبايعه على الموت؛ وفي رواية سلمة: أنهم بايعوه يومئذ على الموت؛ وهو معنى رواية عبد الله بن زيد بن عاصم، وفي رواية مجاشع بن مسعود: البيعة على الهجرة، والبيعة على الإسلام والجهاد؛ وفي حديث ابن عمر وعبادة: بايعنا على السمع والطاعة، وألا ننازع الأمر أهله؛ وفي رواية عن ابن عمر في غير صحيح مسلم: البيعة على الصبر؛ قال العلماء: هذه الرواية تجمع المعاني كلها، وتبين مقصود كل الروايات، فالبيعة على ألا نفر معناه: الصبر حتى نظفر بعدونا أو نقتل، وهو معنى البيعة على الموت، أي: نصبر وإن آل بنا ذلك إلى الموت، لا أن الموت مقصود في نفسه، وكذا البيعة على الجهاد، أي والصبر فيه. والله أعلم» انتهى كلام النووي.

وقال ابن حجر: «لا تنافي بين قولهم: بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة على الموت ألا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع، وعدل إلى قوله: بل بايعهم على الصبر، أي: على الثبات وعدم الفرار سواء أفضى بهم إلى ذلك إلى الموت أم لا».
قال ابن القيم: «كان النبي -صلى الله عليه وسلم- بايع أصحابه في الحرب ألا يفروا، وربما بايعهم على الموت...»

قال الرافعي: «وأنه يستحب إذا بعث الإمام سرية أن يؤمر عليهم أميرا، ويأمرهم بطاعته، ويوصيه بهم، وأن يأخذ البيعة على الجند حتى لا يفروا» [الشرح الكبير].

وقد عمل على ذلك الصحابة، ومن أشهر ما روي في ذلك ما حدث في اليرموك، حيث قال عكرمة بن أبي جهل يومئذ: «من يبايع على الموت؟» فبايعه الحارث بن هشام وضرار بن الأزور في أربع مائة من وجوه المسلمين وفرسانهم، فقاتلوا قدام فسطاط خالد حتى أثبتوا جميعا جراحا، وقتلوا إلا من برئ، منهم ضرار بن الأزور. [تاريخ الطبري وغيره]، وقال ابن حجر في «الإصابة في تمييز الصحابة»: «وكان -أي عكرمة- أميرا على بعض الكراديس، وذلك سنة خمس عشرة في خلافة عمر»، وهذا حصل في محضر من الصحابة ولم يُنكر.

ثالثاً: في وجوب الوفاء بهذه البيعة، وحرمة نقضها

قال ابن الجوزي: «ونقض العهد: الإعراض عن المقام على أحكامه»، وهو محرّم، قال الله، عز وجل: {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} [الفتح: 10]، وقال: {وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91]، وقال، صلى الله عليه وسلم: (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) [رواه البخاري ومسلم]، وقال، صلى الله عليه وسلم: (المسلمون عند شروطهم) [رواه البخاري].

قال أبو العباس بن تيمية: «وكل من شرط شرطا ثم نقضه فقد غدر، فقد جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود وبأداء الأمانة ورعاية ذلك والنهي عن الغدر ونقض العهود والخيانة والتشديد على من يفعل ذلك».
وقد جاء التحذير من الغدر كما في الصحيحين عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته، فيقال هذه غدرة فلان).

فعلى هذا فإن مثل هذه البيعة إذا تمت وبايع عليها الإنسان فلا يجوز له نكثها ويعظم الجرم فيها في وقت الشدة على المجاهدين والتحام الصفوف وقرب العدو ومناجزته.

فليحرص كل مسلم على أن يفي بعهده إلى الله بالثبات، وأن يوفي أمراءه وإخوانه ما بايعهم عليه من الصبر عند اللقاء، وأن لا يغدر بهم حتى يفتح الله عليه أو يموت دون ذلك كما عاهد الله، وعاهد إخوانه، وليذكر قوله تعالى: {مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ * فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ * وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا} [الأحزاب: 23].


المصدر:
صحيفة النبأ - العدد 52
الخميس 26 محرم 1438 ه‍ـ

• لقراءة الصحيفة، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

679449f57f363

  • 0
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً