كلمة لمولانا أمير المؤمنين أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله ) بعنوان: هذا ما وعدنا ...

منذ 2025-02-24
كلمة لمولانا أمير المؤمنين
أبي بكر الحسيني القرشي البغدادي ( تقبله الله )

بعنوان: هذا ما وعدنا الله ورسوله

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد:

يقول الله تعالى: {ولَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَٰذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب: 22].
حقا، إنه وعد الله الذي وعد، وخبره الذي صدق، فها هو العالم الكافر اليوم قد حشر ونادى، وتحالف وتحزّب، وجمعَ كل كيده وتألّب؛ كيدَه وشركاءَه وأحلافَه وأولياءَه لحرب الإسلام وأهله، وكيدِ المؤمنين ودينهم بكل ما يملكونه من كيد، وما يقدرون عليه من آلة حربية وعسكرية، جوية أو برية أو بحرية، كل هذا للسعي حثيثا لإطفاء نور الله وعداوة لدينه ومنهاجه في الأرض، وخوفا وهلعا من أن تعود لأهل الإسلام والسنة خلافتهم وقوتهم، ويعود لهم التمكين والظهور كما كان أول مرة.

إن هذه المعركة المستعرة والحرب الشاملة والجهاد الكبير الذي تخوضه دولة الإسلام اليوم ما تزيدنا -إن شاء الله- إلا إيمانا ثابتا ويقينا راسخا بأن ذلك كله ما هو إلا تقدمة للنصر المكين وإرهاصا للفتح المبين الذي وعد الله عباده، فإنا نظرنا في كتاب الله وفي تاريخ جهاد هذه الأمة الطويل لعدوها، فرأينا أن الآية البينة على قرب هلاك عدونا وزواله هو يوم شروعهم وإيذانهم بحرب الله ورسوله ودينه، وإيذائهم عباده وأولياءه، والسعي لإخراجهم من الأرض التي لله، يورثها من يشاء من عباده، يقول الله تبارك وتعالى: {وإِن كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 76].

إن بداية نصرنا وأشرفه وأعظمه هو في غاية ما يكون عليه عدونا من التجمع والتحزب والتفاخر والتكاثر، فهناك يدفع الله عن عباده، وتتجلى لهم آثار قوته وعزته وجبروته، قال الله تعالى: {فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ * فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ * فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الشعراء: 53-68]؛ وقال سبحانه: {حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [يوسف: 110].

عباد الله، إن الإيمان لا يتم تمامه في نفس جماعة المسلمين حتى تتعرض وتستعد لمجاهدة الناس في أمر هذا الإيمان، ومواجهة أهل الباطل بجميع قواهم، وهي تتعرض في ذلك الجهاد وتلك المجاهدة لمطارق الابتلاء ومرارة الأذى، وتصبر معه على النصر والهزيمة، ويصيبها من الخوف والزلزال، ثم تثبت ولا ترتاب، وتستقيم ولا تلتفت، وتمضي في طريق إيمانها الراشد، إن شاء الله، ولولا هذه الأحزاب وهذا الجهاد، لضعف الإيمان وما زاد، وفسدت القلوب وما صلحت، ولرأينا النفوس تأسن، والهمم تسترخي، والإيمان يذبل، وهكذا يكون الحال حينما نبتلى بالرخاء، {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} [البقرة: 251].

لقد أرصد أعداء الله من اليهود والنصارى والملاحدة والرافضة والمرتدين وأمم الكفر جمعاء إعلامهم وأموالهم وجيوشهم وعتادهم لحرب المسلمين والمجاهدين في ولاية نينوى بعد أن رأوها قاعدة من قواعد الإسلام ومنارة من مناراته تحت ظل الخلافة، فأرقهم حياة المسلمين فيها أعزة آمنين، وأرهقهم أن تحقق للناس فيها مثالا لحكم الإسلام يرونه ويعيشونه ويستفيئون ظلاله وينعمون بخيره وبركته، وهذا غاية ما يخشونه ويخافونه لأنه سبيل امتداد نفوذ الإسلام واتساع رقعته ودخول الناس فيه.

فيا أهل نينوى عامة، ويا أيها المجاهدون خاصة، الله الله في دين الله، إياكم والضعف عن جهاد عدوكم ودفعه، فإن ذلك ينقض عرى الإسلام ويطفئ نور الحق.

يا معشر المهاجرين والأنصار، امضوا على بصيرتكم، واصبروا على عزيمتكم صبرا على الغُصص، فكأن قد اندمل شعث الشتات، والتأمت كلمة الخير والعدل، ودفع الحق الباطل، فإن لهذا اليوم ما بعده، والصبر خير في الأمور عواقبا، قال تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45]، وقال جل وعلا: {وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} [الأنفال: 7-8].

يا جنود الخلافة، إذا وقفتم صوب طائرات أمريكا وحلفائها، فقفوا ثابتين متوكلين على من بيده ملكوت السموات والأرض، الذي ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم، وقولوا: «حسبنا الله ونعم الوكيل»، فإنها كلمة قالها إبراهيم حين ألقي في النار، وقالها محمد -صلى الله عليه وسلم- حين قال له الناس: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} [آل عمران: 173]، واعلموا أنه لو أطبقت السماء على الأرض، لجعل الله للمؤمنين منها متنفسا.

فيا كتائب الانغماسيين، ويا قوافل الاستشهاديين، ويا سرايا الاقتحاميين، يا طلاب الشهادة والحسنى وزيادة، يا سعاة إلى الجنان والرضوان، انطلقوا على بركة الله، فإن الحرب حربكم، حوّلوا ليل الكافرين نهارا، وخرّبوا ديارهم دمارا، واجعلوا دماءهم أنهارا، فإن ذلك هو الحظ الأوفر، والفوز الأكبر، بصحبة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، وليكن لسان حال أحدكم: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ} [طه: 84]، فجزاكم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا، لقد أذقتم الكافرين الأهوال، ومرغتم أنوفهم بالأوحال، فَدَيناكم بأنفسنا، لقد كنتم وما زلتم بعد الله نعم الظهر والسند، ونعم الساعد والمدد.

يا أهل السنة في العراق، أفي كل مرة لا تعقلون؟ استمرأتم الذلة والمهانة حتى رتعتموها، وتهتم كما تاه بنو إسرائيل من قبلكم، أَوَما ترون الرافضة كل يوم يسومونكم سوء العذاب، يغزون بلادكم بحجة محاربة الدولة الإسلامية، ثم لا يبرحون حتى يقتلوا رجالكم، ويأسروا نساءكم وذراريكم تارة، ويشردونهم تارة أخرى؟ أَوَما ترون العراق تفرغ مدنها من أهل السنة، وتحشى بأرذل خلق الله وشر من وطئ الحصى؟ انظروا إلى راياتهم وهم يقاتلونكم، اسمعوا شعاراتهم وهم يحيطون ببلادكم، تأمّلوا في صنيعهم حين يخرجونكم من أرضكم، واسمعوا نداءاتهم وهم يصرخون بالدعوة إلى غزو أراضي السنة كلها من عراقكم إلى شامكم إلى نجدكم بل إلى يمنكم.

يا أهل السنة، لقد مارس زعماؤكم في المنطقة أحط وأحقر صور الخيانة عرفها التأريخ، فباعوا القضية، وسلموا أمركم وأرضكم لعدوكم، فها هي مناطقكم يقتسمها الملحد الكافر والمشرك الرافضي والنصيري الحاقد، في مشهد باطني خبيث مكشوف، يراه ويسمع به العالم أجمع، وها هي حلب تواجه أعتى وأشرس حملة نصيرية بدعم مجوسي روسي كافر، يهدفون من خلالها إلى إقامة كيان نصيري بديل وسط خيانة الفصائل المرتدة المنشغلة بقتال الدولة الإسلامية والساعية لإزاحة حكم الله من الأرض في سبيل مصالح أسيادهم وداعميهم من دول الكفر.

وما تزال خطط الروم وما يزال مكرهم جاريا ساريا، حتى في جزيرة محمد، صلى الله عليه وسلم، لتسليط الرافضة على أطرافها، في ظل إفساد كبير تعمل عليه حكومة آل سلول لعلمنة البلاد، والسعي في إكفار أهلها، ونشر الرذيلة بينهم، والإطاحة بما يُمكن أن يُعد من رسوم الشرع وأهله، ولم يقتصروا على ذلك فحسب، بل شاركوا مشاركة عسكرية حقيقية مع أمم الكفر لحرب الإسلام والسنة في العراق والشام، فهم رأس كل بلية، وسبب كل رزية.

فيا رجال الجزيرة، يا أحفاد الصحابة، أعيدوا عليهم الكرة تلو الكرة، دونكم أعداء الله، دونكم أمنهم وعسكرهم وشرطهم، دونكم أزلامهم وأصحاب أقلامهم، دونكم أمراؤهم ووزراؤهم وأبواق إعلامهم، وتذكروا وصية نبيكم، صلى الله عليه وسلم: (لا يجتمع دينان في جزيرة العرب) [رواه مالك وغيره].

يا أهل السنة، إنه ما بقي لكم بعد الله إلا دولة الخلافة تصون دينكم وتحفظ بيضتكم وتقوي شوكتكم، تحيون فيها أعزاء أو تموتون شرفاء، من غير أن يجرأ على مس كرامتكم فيها رافضي ذليل، أو نصيري خبيث، أو ملحد حقير.

أيها المسلمون الموحدون في مشارق الأرض ومغاربها، لقد ظلت تركيا العلمانية المرتدة خلال مدة جهادنا وصراعنا مع أحلاف الكفر خاسئة خانسة، تطل بقرن وتستخفي بقرن، تسعى لتحقيق مصالحها وأطماعها في شمال العراق وأطراف الشام، ثم ترتد خشية أن يصلاها المجاهدون في عقر دارها بجحيم عملياتهم ولهيب معركتهم، ثم إنها فكَّرت وقدَّرت ونظرت، ثم عبست وبسرت واستكبرت، ودخلت في حربنا كما تدخل الضباع المبتورة مستندة مستظلة بطائرات تحالف الصليب، مستغلة انشغال المجاهدين بحرب أمم الكفر ودفاعهم عن أرض الإسلام، وظنت أنها آمنة من أن ينزل بساحتها أبناء التوحيد وأسود الجهاد، ألا إنه من مأمنه يؤتى الحذر.

أيها الموحدون، لقد دخلت تركيا اليوم في دائرة عملكم ومشروع جهادكم، فاستعينوا بالله، واغزوها، واجعلوا أمنها فزعا، ورخاءها هلعا، ثم أدرجوها في مناطق صراعكم الملتهبة.
ويا أجناد الخلافة في أرض الشام، ها قد جاءكم الجندي التركي الكافر، وإنما دم أحدهم كدم الكلب خسةً ورداءةً، فأروهم بطشكم، واصلوهم بنار غضبكم، وخذوا بثأر دينكم وتوحيدكم من إخوان الشياطين وقدوة المرتدين وحلفاء الملحدين، فلن يغلب شركهم توحيدكم، ولا نفاقهم إيمانكم، وإن الله مع المتقين، هذا ما وعدنا الله ورسوله.
لقد غدا الإخوان المرتدون رأس حربة مسمومة يحملها الصليبيون لحرب الخلافة، فلم يقتصر كفر هذه الفرقة الغاوية على شركها بالله في الدساتير والتشريعات الباطلة، ومنازعة الله في حكمه، وموافقة أمم الكفر على كفرهم، حتى صارت طائفة لا دين لها، أشبه بالزنادقة والباطنية، بل إنها غدت ذراعا عسكريا وثيقا في منظومة التحالف الصليبي على الإسلام وأهله، لا غنى لهم عنه على الأرض، {وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لَا يُقْصِرُونَ} [الأعراف: 202]، فانظروا إلى العراق والشام وليبيا وتونس وغيرها من البلدان، فإنكم لا تجدون فيهم إلا مشركا مشاركا بالقوانين والتشريعات الكافرة، أو مصاففا موالفا للجيوش الصليبية أو الرافضية أو العلمانية الملحدة، مقاتلا مناكفا للمجاهدين في سبيل الله الساعين لإقامة حكم الله في الأرض، فهم بحق إخوان الشياطين والعميل العامل للصليبيين، قاتلهم الله أنّى يؤفكون.

أيها المجاهدون في سبيل الله، اعلموا أنكم اليوم درع الإسلام وحصنه المتين، فإياكم إياكم -يرحمكم الله- أن يؤتى الإسلام والمسلمون من قبلكم، فإن سنن الله لا تحابي أحدا، والله -تبارك وتعالى- استعملكم وأورثكم، لينظر كيف تعملون، فاستعملوا تقوى الله وطاعته في ابتغاء نصره ووعده، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [الأنفال: 29]؛ وتجنبوا معصيته ومخالفة أمره، فإن عاقبة ذلك وخيمة على جميعكم، وإني تالٍ عليكم وصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- ومن معه من الأجناد، حيث قال: «فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدّة على العدوّ، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشدّ احتراسا من المعاصي منكم من عدوّكم، فإن ذنوب الجيش أخوف عليهم من عدوّهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوّهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم، ولا عدّتنا كعدّتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا، لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في مسيركم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، ولا تقولوا إن عدوّنا شر منا فلن يسلّط علينا وإن أسأنا، فربّ قوم سُلّط عليهم شر منهم، كما سُلّط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله كفّار المجوس، فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوّكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم»، انتهى كلامه، رضي الله عنه.

أيها المجاهدون، قال نبيكم، صلى الله عليه وسلم: (إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينه عن المنكر) [رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن ابن مسعود].

وها أنتم اليوم قد أورثكم الله هذه الأرض المباركة، وحمّلكم أمانة حفظها والدفاع عنها والثبات على إقامة حكم الله فيها، فاحذروا أن يستزلكم الشيطان بانحياز عن أرض أو انسحاب من ثغر، بل اصبروا وصابروا ورابطوا واثبتوا، ولا تردوا موارد الذل بعد أن أعزكم الله، ولا تستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ولا تهبطوا بعد الرفعة إلى مراتب الدون والضعة، واعلموا أن ثمن بقائكم في أرضكم بعزكم أهون بألف مرة من ثمن انسحابكم عنها بذلكم، قال تعالى: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَّا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} [الأحزاب: 16]، وقال صلى الله عليه وسلم: (رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفُتّان) [رواه مسلم عن سلمان الفارسي].

فإن خرجتم من أرض بذنوبكم، فأرجعوها بتوبتكم وتقواكم ربكم، فإنه حقيق أن يكون لكم ذلك، تذكروا أن عدوكم إن كان يقاتل في سبيل الطاغوت، فأنتم تقاتلون في سبيل الله العظيم، وإن كانوا يقاتلون من أجل كلمة الكفر، فأنتم تقاتلون من أجل كلمة الله، وإن كانوا يقاتلون من أجل عرض من الدنيا قليل، فأنتم تقاتلون من أجل ثواب عظيم وتجارة تنجيكم من عذاب أليم، وإن كانوا يقاتلون وفي صدروهم الخنا والكفران، فأنتم تقاتلون وفي صدوركم الإيمان والقرآن، وإن كانوا يقاتلون وعاقبتهم النار، فأنتم تقاتلون والعاقبة جوار الرحمن وجنة عرضها السماوات والأرض، إن شاء الله، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون؟ {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ} [الأنعام: 82]؛ هذا ما وعدنا الله ورسوله.

ثم إني أحذركم النزاع والخلاف بينكم في علومكم وأعمالكم، وأنتم في عدوة واحدة، توحّدون ربكم وتجاهدون عدوكم وتسعون لإعلاء كلمة الله في الأرض، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} [الأنفال: 45-46]؛ فالنزاع مدعاة للفشل وتسلط العدو، والاختلاف سبب للشر ووقوع العداوة بينكم، ولا تكونوا كالذين خلوا من قبلكم من الأمم، أخذوا بحظ وتركوا حظا فجعل الله العداوة والبغضاء بينهم، قال تعالى: {فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14].

وإياكم والاختلاف على أمرائكم، اسمعوا لهم قربة، وأطيعوا لهم عبادة، ما لم يأمروكم بمعصية، واعلموا أن خلافكم إياهم من أمر الجاهلية، وإنما أعزكم الله بالإسلام والجماعة والسمع والطاعة، {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [آل عمران: 103]؛ وتذكروا وتأملوا قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11].

وإلى جنود الخلافة في خراسان وبنغلادش وإندونيسيا والقوقاز والفلبين واليمن والجزيرة وسيناء ومصر والجزائر وتونس وليبيا والصومال وغرب أفريقيا، اعلموا أنكم اليوم دعائم الإسلام في الأرض، وأوتاد الخلافة فيها، أذهلتم أمم الكفر بجهادكم وصبركم وثباتكم، علّمتم الناس كيف تكون مسالك النصر بحسن الاجتماع، وامتثال الطاعة، وتكوين جماعة المسلمين الكبرى في واقع استمرأ الجاهلية الجهلاء بكثرة الفرقة والبقاء على الشتات، ولقد أغظتم باجتماعكم وجهادكم أمم الكفر كما كان غيظهم بقيام الخلافة سواء، وعليه فإنهم سيسعون لإطفاء نور الله بينكم ببث أسباب الفرقة والاختلاف، فاصبروا وصابروا ولا تخافوا، واثبتوا ولا تفروا عند إرادة القتال، فإذا صبرتم فإن الله يؤيدكم وينصركم ويثبت أقدامكم، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف، واعلموا أنه إن قُتل بعض قادتكم، فإن الله مخلفا لكم مثله أو خيرا منه، والله لن يضيعكم، فلا تحزنوا، إن الله معنا.
ويا أيها المجاهدون الصابرون على البأساء والضراء في سرت، لقد لقنتم الأعداء من صبركم دروسا، وكتبتم لمقامات المجد والثبات بدمائكم الطاهرة طروسا، كانت أوروبا الصليبية ولا تزال تطمع بأن تغزو مهد الخلافة وحصن الإسلام في العراق والشام، حتى زلزلتم أمنها بنشأتكم، وقلبتم موازين سياساتها بجهادكم، فصرتم العقبة الكأداء والصخرة الصلبة التي تكسرت عندها إرادتهم، وتحطمت بها مشاريعهم، إن عدوكم يألم كما تألمون، ولكنكم ترجون من ربكم ما لا يرجون، فإياكم أن تبرحوا مقاعد قتالكم ومواطن رباطكم، فلقد أوشك عدوكم أن يمل أو يُدفع فيُفل.

ولا يفوتنا في هذا المقام أن نذكر إخواننا المسلمين عامة بأنه إن ضاقت السبل وتقطعت الطرق بالهجرة إلى أرض العراق والشام، فقد جعل الله لهم سبيلا واسعة للهجرة إلى تلك الولايات المباركة ليقيموا هنالك صرحا من صروح الإسلام ويحوزوا فضل السبق في نصرة دين الله وإعلاء كلمته، قال تعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت: 56].

وإلى إخواننا القابضين على الجمر الذين ابتلاهم الله بالأسر، إنا على قدر ما نحن فيه من منازلة ضخمة لأعداء الله، فإننا والله ما نسيناكم ولن ننساكم، كيف وأنتم أرقنا الدائم وهمنا الذي لا يبرح، نسأل الله أن يجعل فك أسركم على أيدينا، وكسر سجونكم بأسلحتنا وحديدنا، وما ذلك على الله بعزيز، فعليكم بالتضرع إلى الله ببلائكم، وتذكروا أن الله يصنعكم ليوم تنصرون فيه دينكم ودولتكم، وإني أحرضكم على الدعاء العظيم لإخوانكم في الدولة الإسلامية أن يهيئ الله لهم من أمرهم رشدا، وأن يجعل معونته الحسنى لهم مددا، ويغنيهم به عمن سواه، فك الله أسركم وكشف كربكم، وجبر كسركم، وقوّى عزمكم، وجعل لكم فرجا ومخرجا.

أيها المسلمون في كل مكان، إني معزيكم ومعزي المجاهدين عامة بمقتل الشيوخ والقادة، وعلى رأسهم الشيخ أبو محمد العدناني والشيخ أبو محمد الفرقان، رحمهم الله، وأعلى في الفردوس مسكنهم، فقد كانوا لنا من خيرة الوزراء، وصالح الأمراء، إلى ما شرفهم الله به من حسن السابقة وقديم الفضل، والجد في تشييد صرح الخلافة، وحكم الله في الأرض، حتى قضوا نحبهم، وأوفوا ما بذمتهم، نحسبهم كذلك والله حسيبهم، إلا أننا نبشركم -بفضل الله ومَنّه- أن الخلافة ما تعثرت بمقتلهم فضلا عن أن تقف عجلة الجهاد بفقدهم، بل إن تلكم الأجساد الطاهرة ما هي إلا قرابين نقدمها بين يدي الله طلبا لمرضاته واستجلابا للنصر المبين والفتح القريب، بإذن الله، فلقد علمنا في كتاب الله أن استشهاد القادة والصالحين هو الباب الأقرب للتمكين في الأرض، وثواب الدنيا والآخرة، قال الله تعالى عن حال الأنبياء وأتباعهم: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ * وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 146-148].

اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب، اهزمهم وانصرنا عليهم، اللهم عليك بالكفرة المجرمين الذين يصدون عن سبيلك، ويكذّبون رسلك، ويحاربون أولياءك، اللهم أعنا عليهم بسنين كسني يوسف، اللهم أحصهم عددا، واقتلهم بددا، ولا تغادر منهم أحدا، اللهم فرق جمعهم، وشتت شملهم، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وجهادنا بسوء، فاجعل دائرة السوء تدور عليه، حتى يُهلك نفسه بيديه، اللهم امكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا، ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، أنت مولانا، نعم المولى ونعم النصير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


• للإستماع للكلمة الصوتية، تواصل - تيليغرام:
@wmc111at

669046008d1ba

  • 4
  • 0
  • 65

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً