الهجرُ الشرعي "الهجر الشرعي نوعان: أحدهما بمعنى الترك للمنكرات، والثاني بمعنى العقوبة عليها. ...

منذ 2025-03-14
الهجرُ الشرعي

"الهجر الشرعي نوعان: أحدهما بمعنى الترك للمنكرات، والثاني بمعنى العقوبة عليها.

فالأول: هو المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَىٰ مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ}، وقوله تعالى: {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّىٰ يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِّثْلُهُمْ}، ..وهذا الهجر من جنس هجر الإنسان نفسه عن فعل المنكرات، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (المهاجر من هجر ما نهى الله عنه).

ومن هذا الباب الهجرة من دار الكفر والفسوق إلى دار الإسلام والإيمان، فإنه هجر للمقام بين الكافرين والمنافقين الذين لا يمكنونه من فعل ما أمر الله به، ومن هذا قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}.

النوع الثاني: الهجر على وجه التأديب وهو هجر من يظهر المنكرات يهجر حتى يتوب منها كما هجر النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمون الثلاثة الذين خلفوا حتى أنزل الله توبتهم؛ حين ظهر منهم ترك الجهاد المتعين عليهم بغير عذر ولم يهجر من أظهر الخير وإن كان منافقا فهنا الهجر هو بمنزلة التعزير، والتعزير يكون لمن ظهر منه ترك الواجبات وفعل المحرمات كتارك الصلاة والزكاة والتظاهر بالمظالم والفواحش والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع.

وهذا حقيقة قول من قال من السلف والأئمة: إن الدعاة إلى البدع لا تقبل شهادتهم ولا يُصلّى خلفهم ولا يؤخذ عنهم العلم ولا يُناكحون، فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا يفرقون بين الداعية وغير الداعية؛ لأن الداعية أظهر المنكرات فاستحق العقوبة بخلاف الكاتم فإنه ليس شرا من المنافقين الذين كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل علانيتهم ويكل سرائرهم إلى الله مع علمه بحال كثير منهم، ولهذا جاء في الحديث: (أن المعصية إذا خفيت لم تضر إلا صاحبها ولكن إذا أعلنت فلم تنكر ضرت العامة)؛ وذلك لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب منه)، فالمنكرات الظّاهرة يجب إنكارها؛ بخلاف الباطنة فإنّ عقوبتها على صاحبها خاصة.

وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته كان مشروعا، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك بل يزيد الشر والهاجر ضعيف بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر؛ بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتألف قوما ويهجر آخرين..

وإذا عرف هذا، فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله، فالطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صوابا، فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجرا غير مأمور به: كان خارجا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانة أنها تفعله طاعة لله!

والهجر لأجل حظ الإنسان لا يجوز أكثر من ثلاث، كما جاء في الصحيحين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث؛ يلتقيان فيصد هذا ويصد هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)؛ فلم يرخص في هذا الهجر أكثر من ثلاث.. وفي الصحيحين عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (تفتح أبواب الجنة كل اثنين وخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا؛ إلا رجلا كان بينه وبين أخيه شحناء فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا)، فهذا الهجر لحق الإنسان حرام وإنما رخص في بعضه كما رخص للزوج أن يهجر امرأته في المضجع إذا نشزت.. فينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه.

668272a44d669

  • 1
  • 0
  • 2

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً