اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ • قال الشيخ سليمان بن ...

منذ 2025-04-20
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ

• قال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب في كتابه (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد) في باب (ومن أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله وتحليل ما حرمه الله فقد اتخذهم أربابا من دون الله):

لما كانت الطاعة من أنواع العبادة بل هي العبادة، فإنها طاعة الله بامتثال ما أمر به على ألسنة رسله عليهم السلام، وأنه لا يطاع أحد من الخلق إلا حيث كانت طاعته مندرجة تحت طاعة الله، وإلا فلا تجب طاعة أحد من الخلق استقلالاـ
والمقصود هنا الطاعة الخاصة في تحريم الحلال أو تحليل الحرام، فمن أطاع مخلوقا في ذلك غير الرسول، صلى الله عليه وسلم، فإنه لا ينطق عن الهوى، فهو مشرك، كما بيَّنه الله -تعالى- في قوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ} أي: علماءهم، {وَرُهْبَانَهُمْ} أي: عبادهم {أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة: 31]، وفسرها النبي -صلى الله عليه وسلم- بطاعتهم في تحريم الحلال، وتحليل الحرام كما سيأتي في حديث عَدي.
فإن قيل قد قال الله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] قيل: هم العلماء، وقيل هم الأمراء، وهما روايتان عن أحمد، قال ابن القيم: "والتحقيق أن الآية تعم الطائفتين"، قيل إنما تجب طاعتهم اذا أمروا بطاعة الله وطاعة رسوله، فكان العلماء مُبلِّغين لأمر الله وأمر رسوله، والأمراء منفِّذين له، فحينئذ تجب طاعتهم تَبعا لطاعة الله ورسوله، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية، إنما الطاعة في المعروف) [ رواه البخاري ومسلم]، وقال: (على المرء السمع والطاعة ما لم يُؤمر بالمعصية، فإذا أُمِر بمعصية فلا سمع ولا طاعة) حديثان صحيحان، فليس في هذه الآية ما يخالف آية براءة.

وقال ابن عباس: "يوشك أن تَنزل عليكم حجارةٌ من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر؟".
قوله: "يوشك" بضم أوله وكسر الشين المعجمة، قال أبو السعادات: "أي يقرب ويدنو ويسرع".

وهذا الكلام قاله ابن عباس لمن ناظره في مُتعة الحج، وكان ابن عباس يأمر بها، فاحتج عليه المناظِر بنهي أبي بكر وعمر عنها، أي: وهما أعلم منك وأحق بالاتباع، فقال هذا الكلام الصادر عن محض الإيمان وتجريد المتابعة للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن خالفه من خالفه، كائنا من كان، كما قال الشافعي: "أجمع العلماء على أنَّ من استبانت له سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يكن له أن يدعها لقول أحد" [مدارج السالكين].

فإذا كان هذا كلام ابن عباس لمن عارضه بأبي بكر وعمر وهما هما، فماذا تظنه يقول لمن يعارض سنن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بإمامه وصاحب مذهبه الذي ينتسب إليه؟! ويجعلُ قوله عيارا على الكتاب والسنة، فما وافقه قبِله وما خالفه ردَّه أو تأوَّله، فالله المستعان.

وما أحسن ما قال بعض المتأخرين:
فإن جاءهم فيه الدليل موافقا
لما كان للآبا إليه ذهاب
رضوه وإلا قيل هذا مؤول
ويركب للتأويل فيه صعاب

ولا ريب أن هذا داخل في قوله تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ} الآية [التوبة: 31].

قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب: "وقال أحمد بن حنبل: عجبت لقوم عرفوا الإسناد وصحته يذهبون الى رأي سفيان، والله -تعالى- يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} [النور: 63]، أتدري ما الفتنة؟ الفتنة: الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيهلك". هذا الكلام من أحمد رواه عنه الفضل بن زياد وأبو طالب.

قال الفضل عن أحمد: "نظرت في المصحف فوجدت طاعة الرسول في ثلاثة وثلاثين موضعا، ثم جعل يتلو: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ} الآية [النور: 63]، وجعل يكررها ويقول: وما الفتنة إلا الشرك، لعلَّه إذا أراد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء من الزيغ فيزيغ قلبُه، فيُهلِكه وجعل يتلو هذه الآية: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُم} [النساء: 65]".

قال أبو طالب عن أحمد -وقيل له: إن قوما يدَعون الحديث ويذهبون إلى رأي سفيان- فقال: "أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا الإسناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي سفيان وغيره، قال الله: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَة أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63] وتدري ما الفتنة؟ الكفر، قال الله تعالى: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: 217] فيدعون الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي" ذكر ذلك شيخ الإسلام.

668272a44d669

  • 1
  • 0
  • 7

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً