#خواطر_رمضانية(3). فوق وتحت .......عباءة الشيخ إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي ...

#خواطر_رمضانية(3).
فوق وتحت .......عباءة الشيخ

إنّ ما نسمعه من أصحاب الألقاب والأسامي والمعالي والسمو والفضيلة لا يكونون على مستوى واحد من المعرفة والعلم وكذالك الورع والتقوى والشجاعة والثبات في قول الحق فلا يخدعنّك تسوية المظاهر والبشوت والطيلسان المزخرف فهناك من العلماء من يترزق بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه وهناك من يقتل ويسجن بـــلــا إلـــــه إلــــا الـــلـــــــــه فمن عادته المجاملة والتذبذب والحور بعد الكور وإنغماز الدنيا وإنحلالها وتشويه السمعة والعباءة التي ينطق بفمها ويترزق بالمواعظ والأذكار الصباحية والمسائية ولا يطيق أن يدافع عن المظلومين من أبناء ملّته ودينه إلا بإذن من ولي عهد إمارته فتبا له من مرتزق فما أخونه وأخبثه فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ , فلا شك أن مآل هذا يكون ضلاله بعد هدآه وتعاسته بعد كرامته وذله وهوانه بعد عزه وشرفه حيث أباع دينه بعرض من الدنيا .

إنّ الصراحة وبيان الحق في المسائل العلمية والمواقف الشرعية سمة عظيمة للعلماء الربانيين بل هي أفضل الجهاد وأعظمه ، وفي هذا يقول عليه الصلاة والسلام: “سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله” وفي رواية: “أفضل الجهاد كلمة (عدل) حق عند سلطان جائر ) كانت حياة الصحابة والسلف الصالح من بعدهم نبراسًا في طاعة الله ورسوله، وأولهم العلماء، فقد أخذوا كلام رسولهم على محمل الجد والالتزام حتى استطاعوا أن يكونوا استمرارًا لعهد الرسول ﷺ من بعده، واستحقوا وصفه لهم بأنهم خير القرون ، وأنهم من التابعين له بإحسان ، ولعل موقف العلماء من الحكام يجب أن يكون من أهم أعمالهم ، فالمنكِــــر منهم على الحاكم الظالم ظلمه هو من أعلى درجات الشهداء عند الله”.....

وأما ما نراه الآن من الإزدحام في أبواب السلاطين والأمراء فقد حذر منه الصحابة الكرام وأخبرونا أنها مذمة للعالم ونغمة عليه بل ورد في كتب السلف أنها معبرة عن غضب الله على العالم أن يدخل على السلطان أو يركض وراءه بغية النيل من دنياه فقد أخرج الدارمي في مسنده، عن ابن مسعود، رضي الله عنه قال: «من أراد أن يكرم دينه، فلا يدخل على السلطان
وأخرج البيهقي، عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «إن على أبواب السلطان فتنًا كمبارك الإبل، لا تصيبون من دنياهم شيئًا إلا أصابوا من دينكم مثله».
وأخرج البخاري في تاريخه وابن سعد في «الطبقات» عن ابن مسعود، رضي الله عنه، قال: «يدخل الرجل على السلطان ومعه دينه، فيخرج وما معه شيء».
قال عبد الله بن المبارك (رحمه الله): “من بخل بالعلم ابتلي بثلاث: إما موت يذهب علمه، وإما ينسى، وإما يلزم السلطان فيذهب علمه”.
وقال أبو حازم، سلمة بن دينار: “إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء”.
قال أبو الأسود الدؤلي: “ليس شيء أعز من العلم، الملوك حكام على الناس، والعلماء حكام على الملوك”.
قال سليمان بن مهران الأعمش (رحمه الله): “شر الأمراء أبعدهم من العلماء، وشر العلماء أقربهم من الأمرا..“.
قال ابن الجوزي (رحمه الله): “ومن صفات علماء الآخرة أن يكونوا منقبضين على السلاطين، محترزين عن مخالطتهم. قال حذيفة رضي الله عنه: “إياكم ومواقف الفتن، قيل: وما هي؟ قال: أبواب الأمراء، يدخل أحدكم على الأمير فيصدقه بالكذب، ويقول ما ليس فيه”
ومن أبرز المواقف للسلف الصالح في إنكار المنكر في وجه الحاكم ونصرة المظلوم ما ورد من سيرة الإمام الاوزاعي ومواقفه أنه لما دخل العباسي "عبد الله بن علي" -عم السفاح الخليفة العباسي الذي أجلى بني أمية عن الشام ، وأزال الله سبحانه دولتهم على يده - دمشق فطلب الأوزاعي فتغيب عنه ثلاثة أيام ثم حضر بين يديه‏.‏
قال الأوزاعي‏:‏ دخلت عليه وهو على سرير وفي يده خيزرانة والمسودة عن يمينه وشماله ، ومعهم السيوف مصلتة - والعمد الحديد - فسلمت عليه فلم يرد ونكت بتلك الخيزرانة التي في يده ثم قال‏:‏ يا أوزاعي ‏!‏ ما ترى فيما صنعنا من إزالة أيدي أولئك الظلمة عن العباد والبلاد ‏؟‏ أجهاداً ورباطاً هو ‏؟‏
قال‏:‏ فقلت‏:‏ ياامير المؤمنين‏
‏ سمعت يحيى بن سعيد الأنصاري، يقول‏:‏ سمعت محمد بن إبراهيم التيمي، يقول‏:‏ سمعت علقمة بن وقاص، يقول‏:‏ سمعت عمر بن الخطاب، يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه‏)‏‏)‏‏.‏
قال‏:‏ فنكت بالخيزرانة أشد مما كان ينكت، وجعل من حوله يقبضون أيديهم على قبضات سيوفهم، ثم قال‏:‏ يا أوزاعي ‏!‏ ما تقول في دماء بني أمية ‏؟‏
فقلت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يحل لمسلم دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث‏:‏ النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة‏)‏‏)‏‏.‏
فنكت بها أشد من ذلك ثم قال‏:‏ ما تقول في أموالهم ‏؟‏
فقلت‏:‏ إن كانت في أيديهم حراماً فهي حرام عليك أيضاً، وإن كانت لهم حلالاً فلا تحل لك إلا بطريق شرعي‏.‏
فنكت أشد مما كان ينكت قبل ذلك ثم قال‏:‏ ألا نوليك القضاء ‏؟‏
فقلت‏:‏ إن أسلافك لم يكونوا يشقون علي في ذلك، وإني أحب أن يتم ما ابتدؤني به من الإحسان‏.‏
فقال‏:‏ كأنك تحب الانصراف ‏؟‏
فقلت‏:‏ إن ورائي حرماً وهم محتاجون إلى القيام عليهن وسترهن، وقلوبهن مشغولة بسببي‏.‏
قال‏:‏ وانتظرت رأسي أن يسقط بين يدي، فأمرني بالانصراف‏.‏
فلما خرجت إذا برسوله من ورائي، وإذا معه مائتا دينار، فقال‏:‏ يقول لك امير المؤمنين:‏ استنفق هذه‏.‏
قال‏:‏ فتصدقت بها، وإنما أخذتها خوفاً‏.‏
وقيل كان في تلك الأيام الثلاثة صائماً فيقال‏:‏ إن الأمير لما بلغه ذلك عرض عليه الفطر عنده فأبى أن يفطر عنده‏ .


ومن ذلك أيضا: موقف الإمام "النووي" -رحمه الله- مع الظاهر بيبرس، لما أراد قتال التتار بالشام، واحتاج إلى جمع الأموال لذلك، فأخذ الفتاوى من العلماء بجواز الأخذ من مال الرعية يستنصر به على قتال التتار، وأجاز له الفقهاء ذلك، وامتنع الشيخ النووي. فلما سأله عن سبب امتناعه قال له:
"أنا أعرف أنك كنت في الرق للأمير "بندقار" وليس لك مال، ثم منَّ الله عليك، وجعلك ملكًا، وسمعت أن عندك ألف مملوك، كل مملوك له حياصة من الذهب، وعندك مائة جارية، لكل جارية حق من الذهب، فإذا أنفقت ذلك كله، وبقيت مماليكك بالبنود والصرف بدلاً من الحوائص، وبقيت الجواري بثيابهن دون الحلي؛ أفتيتك بأخذ المال من الرعية".
فغضب الظاهر "بيبرس"، وأمره بالخروج من دمشق، فخرج متوجهًا إلى "نوى"، فقال الفقهاء لبيبرس: "إن هذا من كبار علمائنا وصلحائنا، وممن يُقتدى به، فأعده إلى دمشق".
فدعاه للرجوع إلى دمشق، فامتنع الإمام النووي، وقال: لا أدخلها "والظاهر" فيها، فمات بعد شهر.

أرى خلل الرماد وميض جمر *** وأخشى أن يكون لها ضرام
أقلوا عليهم لا أباً لا أبيكم من اللوم *** أو سدوا المكان الذي سدوا .
هكذا كان مواقف العلماء الربانيون الذين لا يخافون في الله لومة لائم مواقفهم كانت واضحة وهذه قطرات من غيث ، وفي تاريخنا الإسلامي العشرات ، والعشرات مثلها... وحق علينا أن نتذاكرها ؛ لنتأسى بها ، ونتنفع بذكراها ، ونوعظ بها كل من تسول له نفسه في إبتغاء مرضاءة غضب الله لمرضاءة الحاكم ورعاته ويسارعون الإنسلاخ والهوان في طريق وعر صعب تمأله التحديات والصعوبات التي يمتحن الله به العباد حتى يتخد منا شهداء فليس للضعيف المتذبذب فيها مكان وسوف تنكسر كلمته وتسقط عمامته كما يحدث الآن فنسمع كل يوم إنسلاخ داعية وإنفلات آخر ورجوعه وتنازله أمام تحدي واجهه فهلاّ تأسى بهــــــؤلاء العلماء السابقين ليلحق به العاملون ويكون أسوة حسنة بدلا من أن يغوص أعماق المزمرين وحزب الشياطين ودعاة الإنسلاخ والإباحيين فما فوق عباءة الشيخ لا إعتبار له عندالله وأمته وهناك ما تحتها أخفى فالله أعلى وأحكم وإليه المستعان وعليه التكلان !!!
ذا عير الطائي بالبخل مادر *** وعير قسا بالفهامة باقل
وقال السهى للشمس أنت كثيفة *** وقال الدجى للبدر وجهك حائل
فيا موت زر أن الحياة دميمة *** ويا نفس جدي إن دهرك هازل
كتبه الشيخ شــــــــــرمــاركـــــــي محمد عيــــــــسى (بخــــــــاري)
3رمضان 1440هــــــــــــ هرجيــــــسيــــا
أبــــــــــــو الأثيــــــــــــــــــــــــــــــــر الصـــــــــــــومالــــي