وقفة يسيرة مع مسألة الشك الإبراهيمي وشرح لقوله ﷺ : نحن أحق بالشك من إبراهيم ﷺ إذ قال رب أرني كيف ...
وقفة يسيرة مع مسألة الشك الإبراهيمي وشرح لقوله ﷺ : نحن أحق بالشك من إبراهيم ﷺ إذ قال رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي .... إلخ .
_________
يقول إسماعيل المزني في بيان المسألة وشرحا الحديث : لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولا إبراهيم، عليه السلام، في أن الله سبحانه قادر على إحياء الموتى، وإنما بدأ لجاهل يجيبهما إلى ما سألاه. وقال الخطابي في قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم": ليس اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم، ولكن فيه نفي الشك عنهما يقول: إذا لم أشك في قدرة الله على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بألا يشك، قال ذلك على سبيل التواضع والهضم من النفس، وكذلك قوله: "لو لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الداعي" وفيه الإعلام بأن المسألة من جهة إبراهيم لم تعرض من جهة الشك، لكن من قبل زيادة العلم بالعيان، لأنه يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال، وقيل: قال هذا صلى الله عليه وسلم تواضعا وتقديما لإبراهيم قوله: "أو لم تؤمن قال: بلى قد آمنت".
قال ابن عطية: "إن الحديث مبني على نفي الشك، والمراد بالشك فيه: الخواطر التي لا تثبت. وأما الشك المصطلح - وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما على الآخر - فهو منفي عن الخليل قطعا؛ لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة؟! وأيضا فإن السؤال لما وقع بـ (كيف) دل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسئول، كما تقول: كيف علم فلان فـ (كيف) في الآية سؤال عن هيئة الإحياء لا عن نفس الإحياء فإنه ثابت مقرر. وقال غيره: معناه: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى ألا يشك، أي: لو كان الشك متطرفا إلى الأنبياء؛ لكنت أنا أحق به منه، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك وإنما قال ذلك تواضعا منه".
وقد أفاض الحافظ ابن حجر في الفتح (6/294، 295) في ذكر أقوال العلماء في ذلك.
ويقول النووي رحمه الله في شرح مسلم (2/183 )
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لَوْ كَانَ مُتَطَرِّقًا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَشُكَّ وَإِنَّمَا خُصَّ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ الْآيَةِ قَدْ يَسْبِقُ إِلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا احْتِمَالُ الشك وانما رجح إِبْرَاهِيمُ عَلَى نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا وَأَدَبًا أَوْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيْرُ وَلَدِ آدَمَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَتْ طَائِفَةٌ شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْهُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ وَيَقَعُ لِي فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فِي الْخِطَابِ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ الْمُدَافَعَةَ عَنْ إِنْسَانٍ قَالَ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ مَا كُنْتُ قَائِلًا لِفُلَانٍ أَوْ فَاعِلًا مَعَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ فَقُلْهُ لِي وَافْعَلْهُ مَعِي وَمَقْصُودُهُ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي تَظُنُّونَهُ شَكًّا أَنَا أَوْلَى بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ وَإِنَّمَا هُوَ طَلَبٌ لِمَزِيدِ الْيَقِينِ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِنَ الاقوال ) .
قلت : مغزى الأقوال الواردة في المسألة واحد وهو أن الشك الوارد في الآية والحديث ليس المراد منه تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر بل هو تلك الخواطر التي تقع على القلب ولا تثبت ولا يكون بها عزم والأقوال متقاربة في التعبير عن ذلك وقول ابن عطية أشمل وأرجح والله أعلم ..
_________
يقول إسماعيل المزني في بيان المسألة وشرحا الحديث : لم يشك النبي صلى الله عليه وسلم ولا إبراهيم، عليه السلام، في أن الله سبحانه قادر على إحياء الموتى، وإنما بدأ لجاهل يجيبهما إلى ما سألاه. وقال الخطابي في قوله: "نحن أحق بالشك من إبراهيم": ليس اعتراف بالشك على نفسه ولا على إبراهيم، ولكن فيه نفي الشك عنهما يقول: إذا لم أشك في قدرة الله على إحياء الموتى، فإبراهيم أولى بألا يشك، قال ذلك على سبيل التواضع والهضم من النفس، وكذلك قوله: "لو لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لَأَجَبْتُ الداعي" وفيه الإعلام بأن المسألة من جهة إبراهيم لم تعرض من جهة الشك، لكن من قبل زيادة العلم بالعيان، لأنه يفيد من المعرفة والطمأنينة ما لا يفيد الاستدلال، وقيل: قال هذا صلى الله عليه وسلم تواضعا وتقديما لإبراهيم قوله: "أو لم تؤمن قال: بلى قد آمنت".
قال ابن عطية: "إن الحديث مبني على نفي الشك، والمراد بالشك فيه: الخواطر التي لا تثبت. وأما الشك المصطلح - وهو التوقف بين الأمرين من غير مزية لأحدهما على الآخر - فهو منفي عن الخليل قطعا؛ لأنه يبعد وقوعه ممن رسخ الإيمان في قلبه، فكيف بمن بلغ رتبة النبوة؟! وأيضا فإن السؤال لما وقع بـ (كيف) دل على حال شيء موجود مقرر عند السائل والمسئول، كما تقول: كيف علم فلان فـ (كيف) في الآية سؤال عن هيئة الإحياء لا عن نفس الإحياء فإنه ثابت مقرر. وقال غيره: معناه: إذا لم نشك نحن، فإبراهيم أولى ألا يشك، أي: لو كان الشك متطرفا إلى الأنبياء؛ لكنت أنا أحق به منه، وقد علمتم أني لم أشك فاعلموا أنه لم يشك وإنما قال ذلك تواضعا منه".
وقد أفاض الحافظ ابن حجر في الفتح (6/294، 295) في ذكر أقوال العلماء في ذلك.
ويقول النووي رحمه الله في شرح مسلم (2/183 )
اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْ إِبْرَاهِيمَ عَلَى أَقْوَالٍ كَثِيرَةٍ أَحْسَنُهَا وَأَصَحُّهَا مَا قَالَهُ الْإِمَامُ أَبُو إِبْرَاهِيمَ الْمُزَنِيُّ صَاحِبُ الشَّافِعِيِّ وَجَمَاعَاتٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ الشَّكَّ فِي إِحْيَاءِ الْمَوْتَى لَوْ كَانَ مُتَطَرِّقًا إِلَى الْأَنْبِيَاءِ لَكُنْتُ أَنَا أَحَقُّ بِهِ مِنْ إِبْرَاهِيمَ وَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّي لَمْ أَشُكَّ فَاعْلَمُوا أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَشُكَّ وَإِنَّمَا خُصَّ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِ الْآيَةِ قَدْ يَسْبِقُ إِلَى بَعْضِ الْأَذْهَانِ الْفَاسِدَةِ مِنْهَا احْتِمَالُ الشك وانما رجح إِبْرَاهِيمُ عَلَى نَفْسِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَاضُعًا وَأَدَبًا أَوْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ خَيْرُ وَلَدِ آدَمَ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ لَمَّا نَزَلَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَتْ طَائِفَةٌ شَكَّ إِبْرَاهِيمُ وَلَمْ يَشُكَّ نَبِيُّنَا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالشَّكِّ مِنْهُ فَذَكَرَ نَحْوَ مَا قَدَّمْتُهُ ثُمَّ قَالَ وَيَقَعُ لِي فِيهِ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْعَادَةِ فِي الْخِطَابِ فَإِنَّ مَنْ أَرَادَ الْمُدَافَعَةَ عَنْ إِنْسَانٍ قَالَ لِلْمُتَكَلِّمِ فِيهِ مَا كُنْتُ قَائِلًا لِفُلَانٍ أَوْ فَاعِلًا مَعَهُ مِنْ مَكْرُوهٍ فَقُلْهُ لِي وَافْعَلْهُ مَعِي وَمَقْصُودُهُ لَا تَقُلْ ذَلِكَ فِيهِ وَالثَّانِي أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الَّذِي تَظُنُّونَهُ شَكًّا أَنَا أَوْلَى بِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِشَكٍّ وَإِنَّمَا هُوَ طَلَبٌ لِمَزِيدِ الْيَقِينِ وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِنَ الاقوال ) .
قلت : مغزى الأقوال الواردة في المسألة واحد وهو أن الشك الوارد في الآية والحديث ليس المراد منه تجويز أمرين لا مزية لأحدهما على الآخر بل هو تلك الخواطر التي تقع على القلب ولا تثبت ولا يكون بها عزم والأقوال متقاربة في التعبير عن ذلك وقول ابن عطية أشمل وأرجح والله أعلم ..