رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (53)- نشأة المستشرق! (1)
محمود محمد شاكر
- التصنيفات: اللغة العربية - الشعر والأدب -
والمستشرق فتى أعجمي، ناشئ في لسان أمته وتعليم بلاده، مغروس في آدابها وثقافتها، حتى استوى رجلًا في العشرين من عمره أو 25، فهو قادر أو مفترض أنه قادر تمام القدرة على التفكير والنظر، ومؤهل أو مفترض أيضًا أنه مؤهل أن ينزل في ثقافته ميدان المنهج وما قبل المنهج بقدم ثابتة. نعم، هذا ممكن أن يكون كذلك؛ ولكن هذا الفتى يتحول فجأة عن سلوك هذه الطريق ليبدأ في تعليم لغة أخرى، (هي العربية هنا)، مفارقة كل المفارقة للسان الذي نشأ فيه صغيرًا، ولثقافته التى ارتضع لبانها يافعًا، يدخل قسم اللغات الشرقية في جامعة من جامعات الأعاجم، فيبتديء تعلم ألف باء تاء، ويتلقى العربية نحوها وصرفها وبلاغتها وشعرها وسائر آدابها وتواريخها عن أعجمي مثه! وبلسان غير عربي، ثم يستمع إلى محاضر في آداب العرب أو أشعارها أو تاريخها أو دينها أو سياستها بلسان غير عربي، ويقضي في ذلك بعض سنوات قلائل، ثم يخرج لنا مستشرقًا يفتي في اللسان العربي، والتاريخ العربي، والدين العربي! عجب وفوق العجب!!