رسالة في الطريق إلى ثقافتنا (76)- يقظتنا ويقظتهم (3)
محمود محمد شاكر
- التصنيفات: اللغة العربية - الشعر والأدب -
كان المستشرقون منذ نأنأة الاستشراق وإلى هذا اليوم يجوبون دار الإسلام من أطرافها إلى قلبها، يلاقون الخاصة من العلماء، ويخالطون عامة المثقفين والدهماء، وفي قلوبهم حمية الحقد المكتم، وفي النفوس العزيمة المصممة، وفي العيون اليقظة، وفي العقول التنبه، وفي الوجوه البشر والبراءة، وفي الألسنة الحلاوة والتملق، ولبسوا لجمهرة المسلمين كل زي، وتوغلوا يستخرجون كل مخبوء، وكانت بلادهم يومئذ قريبة عهد بعصر النهضة وعصر اليقظة وعصر الإحياء، فهم على أتم معرفة بأسرار اليقظة كيف تبدأ وإلى أين تنتهى، فأدركوا إدراكًا واضحًا لا لجاجة فيه أن ما كان يجري في دار الإسلام منذ منتصف القرن الـ 11 الهجري، إلى منتصف القرن الـ 12 الهجري، إنما هو يقظة حقيقية، ونهضة كاملة، وإحياء صحيح، منبثق كله من ينبوع صافٍ عتيقٍ، طمست معالمه كر الدهور والقرون، هو جميعه في حوزة دار الإسلام، وهم في يقظتهم هذه يومئذ عالة عليه، ولا يستقون إلا من ثماده بعد جهد جهيد، فوجفت قلوبهم ورجفت من هول ما هم مقبلون عليه، إذا تمت لدار الإسلام اليقظة، واستوت وبلغت أشدها، واستقامت خطواتها على سنن الطريق!