سورة ص - تفسير السعدي
" ص والقرآن ذي الذكر "
سبق الكلام على الحروف المقطعة في أول سورة البقرة.
" بل الذين كفروا في عزة وشقاق "
يقسم الله سبحانه بالقرآن المثمل على تذكير الناس بما هم عنه غافلون.
ولكن الكافرين متكبرون على الحق مخالفون له.
" كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص "
كثيرا من الأمم أهلكناها قبل هؤلاء المشركين , فاستغاثوا حين جاءهم العذاب ونادوا بالتوبة, وليس الوقت وقت قبول توبة, ولا وقت فرار وخلاص مما أصابهم.
" وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب "
وعجب هؤلاء الكفار من بعث الله إليهم بشرا منهم؟ ليدعوهم إلى الله ويخوفهم عذابه, وقالوا: إنه ليس رسولا بل هو كاذب في قوله, ساحر لقومه ,
" أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب "
كيف يصير الآلهة الكثيرة إلها واحدا؟ إن هذا الذي جاء به ودعا إليه لشيء عجيب.
" وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد "
وانطلق رؤساء القوم وكبراؤهم يحرضون قومهم على الاستمرار على الشرك والصبر على تعدد الآلهة, فإن ما جاء به هذا الرسول شيء مدبر يقصد منه الرئاسة والسيادة,
" ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق "
ما سمعنا بما يدعو اليه في دين أبائنا من قريش , ولا في النصرانية , ما هذا إلا كذب وافتراء.
" أؤنزل عليه الذكر من بيننا بل هم في شك من ذكري بل لما يذوقوا عذاب "
أخص محمد بنزول القرآن عليه من دوننا؟ بل هم في ريب من وحيي إليك- يا محمد- وإرسالي لك , بل قالوا ذلك؟ لأنهم لم يذوقوا عذاب الله , فلو ذاقوا عذابه لما تجرؤوا على ما قالوا
" أم عندهم خزائن رحمة ربك العزيز الوهاب "
أم هم يملكون خزائن فضل ربك العزيز في سلطانه, الوهاب ,ما يشاء من رزقه وفضله لمن يشاء من خلقه؟
" أم لهم ملك السماوات والأرض وما بينهما فليرتقوا في الأسباب "
أم لهؤلاء المشركين ملك السموات والأرض وما بينهما , فيعطوا ويمنعوا؟ فليأخذوا بالأسباب الموصلة لهم إلى السماء , وليمنعوا الملائكة من إنزال الوحي على محمد.
" جند ما هنالك مهزوم من الأحزاب "
هؤلاء الجند المكذبون جند مهزومون , كما هزم غيرهم من الأحزاب قبلهم ,
" كذبت قبلهم قوم نوح وعاد وفرعون ذو الأوتاد "
كذبت قبلهم قوم نوح وعاد, وفرعون صاحب القوة العظيمة,
" وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب "
وثمود وقوم لوط وأصحاب الأشجار والبساتين وهم قوم شعيب.
أولئك الأمم الذين تحزبوا على الكفر والتكذيب واجتمعوا عليه.
" إن كل إلا كذب الرسل فحق عقاب "
إن كل من هؤلاء إلا كذب الرسل, فاستحقوا عذاب الله, وحل بهم عقابه.
" وما ينظر هؤلاء إلا صيحة واحدة ما لها من فواق "
وما ينتظر هؤلاء المشركون لحلول العذاب عليهم إن بقوا على شركهم, إلا نفخة واحدة ما لها من رجوع.
" وقالوا ربنا عجل لنا قطنا قبل يوم الحساب "
وقالوا: ربنا عجل لنا نصيبنا من العذاب في الدينا قبل يوم القيامة, وكان هذا استهزاء منهم.
" اصبر على ما يقولون واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب "
اصبر- يا محمد- على ما يقولونه مما تكره , واذكر عبدنا داود صاحب القوة
على أعداء الله والصبر على طاعته, إنه تواب كثير الرجوع إلى ما يرضي الله.
(وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم).
" إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق "
إنا سخرنا الجبال مع داود يسبحن بتسبيحه أول النهار وآخره
" والطير محشورة كل له أواب "
وسخرنا الطير معه مجموعة تسبح , وتطيع تبعا له.
" وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب "
وقوينا له ملكه بالهيبة والقوة والنصر, وآتيناه النبوة, والفصل في الكلام والحكم.
" وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب "
وهل جاءك- يا محمد- خبر المتخاصمين اللذين تسورا على داود في مكان عبادته,
" إذ دخلوا على داود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط "
فارتاع من دخولهما عليه؟ قالوا له: لا تخف , فنحن خصمان ظلم أحدنا الأخر , فاقض بيننا بالعدل , ولا تجر علينا في الحكم, وأرشدنا إلى سواء السبيل.
" إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب "
فال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج, وليس عندي إلا نعجة واحدة, فطمع فيها , وقال: أعطنيها, واشتد علي في الكلام, وغلبني فيه.
" قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب "
قال داود: لقد ظلمك أخوك بسؤاله ضم نعجتك إلى نعاجه, وإن كثيرا من
الشركاء ليعتدي بعضهم على بعض , ويظلمه بأخذ حقه وعدم إنصافه من نفسه إلا المؤمنين
الصالحين, فلا يبغي بعضهم على بعض , وهم قليل.
وأيقن داود أننا فتناه بهذه الخصومة, فاستغفر ربه, وسجد تقربا لله , ورجع إليه
وتاب
" فغفرنا له ذلك وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب "
فغفرنا له ذلك , وجعلناه من المقربين عندنا, وأعددنا له حسن المصير في الآخرة.
" يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب "
يا داود إنا استخلفناك في الأرض وملكناك
فيها, فاحكم بين الناس بالعدل والإنصاف , ولا تتبع الهوى في الأحكام , فيضلك ذلك
عن دين الله وشرعه, إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب أليم في النار , بغفلتهم
عن يوم الجزاء والحساب.
وفي هذا توصية لولاة الأمر أن يحكموا بالحق المنزل من الله , تبارك وتعالى, ولا
يعدلوا عنه , فيضلوا عن سبيله.
" وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار "
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لعبا ولهوا , ذلك ظن الذين كفروا , فويل لهم من النار يوم القيامة؟ لظنهم الباطل, وكفرهم بالله.
" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار "
أنجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض, أم نجعل أهل التقوى المؤمنين كأصحاب الفجور الكافرين؟ هذه التسوية غير لائقة بحكمة الله وحكمه, فلا يستوون عند الله , بل يثيب الله المؤمنين الأتقياء , ويعاقب المفسدين الأشقاء.
" كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب "
هذا الموحى به إليك- يا محمد- كتاب أنزلناه إليك مبارك؟ ليتفكروا في آياته, ويعطوا بهدايات ودلالاته, وليتذكر أصحاب العقول السليمة ما كلفهم الله به.
" ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب "
ووهبنا لداود ابنه سليمان , فانعمنا به عليه, وأقررنا به عينه, نعم العبد سليمان, إنه كان كثير لرجوع إلى الله والإنابة إليه.
" إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد "
اذكر حين عرضت عليه عصرا الخيول الأصيلة السريعة , تقف على ثلاث قوائم وترفع الرابعة؟ لنجابتها وخفتها, فما زالت تعرض عليه حتى غابت الشمس.
" فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب "
فقال: إنني آثرت حب المال عن ذكر ربي حتى غابت عن عينيه,
" ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق "
ردوا علي الخيل التي عرضت من قبل , فشرع يمسح سوقها وأعناقها.
" ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب "
ولقد ابتلينا سليمان وألقينا على كرسيه شق ولد, ولد له حين أقسم ليطوفن على نسائه, وكلهن تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله, ولم يقل؟ إن شاء الله , فطاف عليهن جميعا , فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق ولد, ثم رجع سيمان إلى ربه وتاب ,
" قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب "
قال: رب اغفر لي ذنبي, وأعطني ملكا عظيما خاصا لا يكون مثله لأحد من البشر بعدي , إنك- سبحانك- كثير الجود والعطاء.
" فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب "
فاستجبنا له, وذللنا الريح تجري بأمره طيعة مع قوتها, وشدتها حيث أراد
" والشياطين كل بناء وغواص "
وسخرنا له الشياطين يا يستعملها في أعماله: فمنهم البناؤون والغواصون في البحار
" وآخرين مقرنين في الأصفاد "
وآخرون, وهم مردة الشياطين, موثوقون في الأغلال
" هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب "
هذا الملك العظيم والتسخير الخاص عطاؤنا لك يا سليمان, فأعط من شئت أو امنع من شئت, لا حساب عليك.
" وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب "
وإن لسليمان عدنا في الدار الآخرة لقربة وحسن مرجع.
" واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب "
واذكر- يا محمد- عبدنا أيوب , حين دعا ربه أن الشيطان تسبب لي بتعب ومشقة , وألم في جسدي ومالي وأهلي.
" اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب "
فقلنا له: اضرب برجلك الأرض ينبع لك منها ماء بارد , فاشرب منه, واغتسل فيذهب عنك الضر والأذى.
" ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولي الألباب "
فكشفنا عنه ضره وأكرمناه ووهبنا له أهله من زوجة وولد, وزدناه مثلهم بنين وحفدة, كل ذلك رحمة منا به وإكراما له على صبره , وعبرة وذكرى لأصحاب العقول السليمة؟ ليعلموا أن عاقبة الصبر الفرج وكشف الضر.
" وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب "
وقلنا له: خذ
بيدك خزمة شماريخ , فاضرب بها زوجك إبرارا بيمينك , فلا تحنث؟ إذ أقسم ليضربنها
مائة جلدة على خطأ ارتكبته.
إنا وجدنا أيوب صابرا على البلاء , نعم العبد هو , إنه رجاع إلى طاعة الله.
" واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار "
واذكر- يا محمد- عبادنا وأنبياءنا, إبراهيم واسحاق ويعقوب؟ فإنهم أصحاب قوة في طاعة الله, وبصيرة في دينه.
" إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار "
إنا خصصناهم بخاصة عظيمة, حيث جعلنا ذكرى الدار الأخرة في قلوبهم , فعملوا لها بطاعتنا, ودعوا الناس إليها, وذكروهم بها.
" وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار "
لأنهم عندنا لمن الذين اخترناهم لطاعتنا, واصطفيناهم لرسالتنا.
" واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الأخيار "
واذكر- يا محمد- عبادنا: إسماعيل, واليسع , وذا الكفل , بأحسن الذكر; إن كلا منهم من الأخيار الذين اختارهم الله من الخلق, واختار لهم أكمل الأحوال والصفات.
" هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب "
هذا القرآن ذكر
وشرف لك- يا محمد- ولقومك.
وإن لأهل تقوى الله, وطاعته لحسن مصير عندنا
" جنات عدن مفتحة لهم الأبواب "
في جنات إقامة , مفتحة لهم أبوابها,
" متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب "
متكئين فيها على الأرائك المزينات, يطلبون ما يشتهون من أنواع الفواكه الكثيرة والشراب , من كل ما تشتهيه نفوسهم, وتلذه أعينهم.
" وعندهم قاصرات الطرف أتراب "
وعندهم نساء قاصرات أبصارهن على أزواجهن متساويات في السن
" هذا ما توعدون ليوم الحساب "
هذا النعيم هو ما توعدون به- أيها المتقون- يوم القيامة,
" إن هذا لرزقنا ما له من نفاد "
إنه لرزقنا لكم , ليس له فناء ولا انقطاع.
" هذا وإن للطاغين لشر مآب "
هذا الذي سبق وصفه للمتقين. وأما المتجاوزون الحد في الكفر والمعاصي , فلهم شر مرجع ومصير,
" جهنم يصلونها فبئس المهاد "
وهو النار يعذبون فيها, تغمرهم من جميع جوانبهم, فبئس الفراش فراشهم
" هذا فليذوقوه حميم وغساق "
هذا العذاب ماء شديد الحرارة, وصديد سائل من أجساد أهل النار فليشربوه,
" وآخر من شكله أزواج "
ولهم عذاب آخر من هذا القبيل أصناف وألوان.
" هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار "
وعند توارد الطاغين على النار يشتم بعضهم بعضا, ولقول بعضهم لبعض: هذه جماعة من أهل النار داخلة معكم, فيجيبون: لا مرحبا بهم , ولا اتسعت منازلهم في النار, إنهم مقاسون حر النار كما قاسيناها.
" قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار "
قال فوج الأتباع للطاغين: بل أنتم لا مرحبا بكم؟ لأنكم قدمتم لنا سكنى النار لإضلالكم لنا في الدنيا, فبئس دار الاستقرار جهنم.
" قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار "
فال فوج الأتباع: ربنا من أضلنا في الدنيا عن الهدى فضاعف عذابه في النار-
" وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار "
وقال الطاغون: ما بالنا لا نرى معنا في النار رجالا كنا نعدهم في الدنيا من الأشرار الأشقياء؟
" أأتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار "
هل تحقيرنا لهم واستهزاؤنا بهم خطأ, أو أنهم معنا في النار, لكن لم تقع عليهم الأبصار؟
" إن ذلك لحق تخاصم أهل النار "
إن ذلك من جدال أهل النار وخصامهم حق واقع لا مرية فيه.
" قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار "
قل- يا محمد- لقومك: إنما أنا منذر لكم من عذاب الله أن يحل بكم; بسبب كفركم به, ليس هناك إله مستحق للعبادة إلا الله وحده, فهو الواحد في خلقه, القهار الذي قهر كل شيء وغلبه
" رب السماوات والأرض وما بينهما العزيز الغفار "
مالك السموات والأرض وما بينهما العزيز في انتقامه, الغفار لذنوب من تاب وأناب إلى مرضاته.
" قل هو نبأ عظيم "
فل- يا محمد- لقومك: إن هذا القرآن خبر عظيم النفع.
" أنتم عنه معرضون "
أنتم عنه غافلون منصرفون, لا تعملون به.
" ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون "
ليس لي علم باختصام ملائكة السماء في شأن خلق آدم, لولا نعيم الله إياي , وإيحاؤه إلي
" إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين "
ما يوحي الله إلي من علم ما لا علم لي به إلا لأني نذير لكم من عذابه, مبين لكم شرعه.
" إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين "
اذكر لهم- با محمد-: حين فال ربك للملائكة: إني خالق بشرا من طين
" فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين "
فإذا سويت جسده وخلقه ونفخت فيه الروح , فدبت فيه الحياة, فاسجدوا له سجرد تحية وإكرام, لا سجود عبادة وتعظيم؟ فالعبادة لا تكون إلا لله وحده وقد حزم الله في شريعة الإسلام السجود للتحية.
" فسجد الملائكة كلهم أجمعون "
فسجد الملائكة كلهم أجمعون طاعة وامتثالا
" إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين "
غير إبليس; فإنه لم يسجد أنفة وتكبرا , وكان من الكافرين في علم الله تعالى
" قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أأستكبرت أم كنت من العالين "
قال الله لإبليس: ما الذي منعك من السجود لمن أكرمته فخلقته بيدي؟ أستكبرت على آدم , أم كنت من المتكبرين على ربك؟ وفي الآية إثبات صفة اليدين لله تبارك وتعالى, على الوجه اللائق به سبحانه.
" قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين "
قال إبليس معارضا
لربه: لم أسجد له؟ لأنني أفضل منه, حيث خلقتني من نار , وخلقته من طين.
(والنار خير من الطين).
" قال فاخرج منها فإنك رجيم "
قال الله له: فاخرج من الجنة فإنك مرجوم بالقول , مدحور ملعون,
" وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين "
وإن لك طردي وإبعادي دائما.
" قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون "
قال إبليس: رب فأخر أجلي , ولا تهلكني إلى حين تبعث الخلق من قبورهم
" قال فإنك من المنظرين "
فال الله له: فإنك من المؤخرين
" إلى يوم الوقت المعلوم "
إلى يوم الوقت المعلوم, وهو يوم النفخة الأولى عندما تموت الخلائق.
" قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين "
فال إبليس: فبعزتك- يا رب- وعظمتك لأضلن بني آدم أجمعين,
" إلا عبادك منهم المخلصين "
إلا من أخلصته منهم لعبادتك , وعصمته من إضلالي, فلم تجعل لي عليهم سبيلا
" قال فالحق والحق أقول "
فال الله: فالحق مني , ولا أقول إلا الحق,
" لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين "
لأملان جهنم منك ومن ذريتك وممن تبعك من بني آدم أجمعين
" قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين "
فل- يا محمد- لهؤلاء المشركين من قومك: لا أطلب منكم أجرا أو جزاء على دعوتكم وهدايتكم, ولا أدعي أمرا ليس لي, بل أتبع ما يوحى إلي , ولا أتكلف تخرصا وافتراء.
" إن هو إلا ذكر للعالمين "
ما هذا القرآن إلا تذكير للعالمين من الجن والإنس , يتذكرون به ما ينفعهم من مصالح دينهم ودنياهم
" ولتعلمن نبأه بعد حين "
ولتعلمن- أيها المشركون- خبر هذا القرآن وصدقه , حين يغلب الإسلام , ويدخل الناس فيه أفواجا, وكذلك حين يقع عليكم العذاب, وتنقطع عنكم الأسباب.