سورة المعارج - تفسير السعدي
" سأل سائل بعذاب واقع "
دعا داع من المشركين على نفسه وقومه بنزول العذاب عليهم,
" للكافرين ليس له دافع "
وهو واقع بهم يوم القيامة لا محالة, ليس له مانع يمنعه
" من الله ذي المعارج "
من الله ذي العلو والجلال,
" تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة "
تصعد الملائكة وجبريل إليه تعالى في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة من سني الدنيا, وهو على المؤمن مثل صلاة مكتوبة.
" فاصبر صبرا جميلا "
فاصبر- يا محمد- على استهزائهم واستعجالهم العذاب, صبرا لا جزع فيه, ولا شكوى منه لغير الله.
" إنهم يرونه بعيدا "
إن الكافرين يستبعدون العذاب ويرونه غير واقع,
" ونراه قريبا "
ونحن نراه واقعا قريبا لا محالة.
" يوم تكون السماء كالمهل "
يوم تكون السماء سائلة مثل حثالة الزيت,
" وتكون الجبال كالعهن "
وتكون الجبال كالصوف المصبوغ المنفوش الذي ذرته الريح.
" ولا يسأل حميم حميما "
ولا يسأل قريب قريبه عن شأنه. لأن كل واحد منهما مشغول بنفسه.
" يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ "
يرونهم ويعرفونهم, ولا يستطيع أحد أن ينفع أحدا. يتمنى الكافر لو يفدي نفسه من عذاب يوم القيامه بأبنائه,
" وصاحبته وأخيه "
وزوجه وأخيه ,
" وفصيلته التي تؤويه "
وعشيرته التي تضمه وينتمي إليها في القرابة,
" ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه "
وبجميع من في الأرض من البشر وغيرهم, ثم ينجو من عذاب الله.
" كلا إنها لظى "
ليس الأمر كما تتمناه- أيها الكافر- من الافتداء, إنها جهنم تتلظى نارها وتلتهب,
" نزاعة للشوى "
تنزع بشدة حرها جلدة الرأس وسائر أطراف البدن,
" تدعو من أدبر وتولى "
تنادي من أعرض عن الحق في الدنيا, وترك طاعه الله ورسوله,
" وجمع فأوعى "
وجمع المال, فوضعه في خزائنة, ولم يؤد حق الله فيه.
" إن الإنسان خلق هلوعا "
وشدة الإنسان خبل على الجزع وشدة الحرص,
" إذا مسه الشر جزوعا "
إذا أصابه المكروه والعسر فهو كثير الجزع والأسى ,
" وإذا مسه الخير منوعا "
وإذا أصابه الخير واليسر فهو كثير المنع والإمساك ,
" إلا المصلين "
إلا المقيمين للصلاة
" الذين هم على صلاتهم دائمون "
الذين يحافظون على أدائها في جميع الأوقات , ولا يشغلهم عنها شاغل ,
" والذين في أموالهم حق معلوم "
والذين في أموالهم نصيب معين فرضه الله عليهم ,
" للسائل والمحروم "
وهو الزكاة لمن يسألهم المعونة, ولمن يتعفف عن سؤالها ,
" والذين يصدقون بيوم الدين "
والذين يؤمنون بيوم الحساب والجزاء فيستعدون له بالأعمال الصالحة,
" والذين هم من عذاب ربهم مشفقون "
والذين هم خائفون من عذاب الله
" إن عذاب ربهم غير مأمون "
إن عذاب ربهم لا ينبغي أن يأمنه أحد
" والذين هم لفروجهم حافظون "
والذين هم حافظون لفروجهم عن كل ما حرم الله عليهم,
" إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين "
إلا على أزواجهم وإمائهم, فإنهم غير مؤاخذين.
" فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون "
فمن طلب لقضاء شهوته غير الزوجات والمملوكات , فأولئك هم المتجاوزون الحلال إلى الحرام.
" والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون "
والذين هم حافظون لأمانات الله, أمانات العباد, وحافظون لعهودهم مع الله تعالى ومع العباد
" والذين هم بشهاداتهم قائمون "
والذين يؤدون شهاداتهم بالحق دون تغيير أو كتمان ,
" والذين هم على صلاتهم يحافظون "
والذين يحافظون على أداء الصلاة ولا يخلون بشيء من واجباتها.
" أولئك في جنات مكرمون "
أولئك المتصفون بتلك الأوصاف الجليلة مستقرون في جنات النعيم , مكرمون فيها بكل أنواع التكريم
" فمال الذين كفروا قبلك مهطعين "
فأي دافع دفع هؤلاء الكفرة إلى أن يسيروا نحوك- يا محمد- مسرعين , وقد مدوا أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك ,
" عن اليمين وعن الشمال عزين "
يتجمعون عن يمينك وعن شمالك حلقا متعددة وجماعات متفرقة يتحدثون ويتعجبون؟
" أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم "
أيطمع كل واحد من هؤلاء الكفار أن يدخله الله جنة النعيم الدائم؟
" كلا إنا خلقناهم مما يعلمون "
ليس الأمر كما يطمعون , فإنهم لا يدخلونها أبدا.
إنا خلقناهم مما يعلمون من ماء مهين كغيرهم , فلم يؤمنوا , فمن أين يتشرفون بدخول
جنة النعيم؟
" فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ "
" على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين "
إنا لقادرون على أن نستبدل بهم قوما أفضل منهم وأطوع لله؟ وما أحد يسبقنا ويفوتنا ويعجزنا إذا أردنا أن نعيده.
" فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون "
فاتركهم يخوضوا في باطلهم , ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا يوم القيامة الذي يوعدون فيه بالعذاب ,
" يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون "
يوم يخرجون من القبور مسرعين, كما كانوا في الدنيا يذهبون إلى آلهتهم التي اختلقوها للعبادة من دون الله, يهرولون ويسرعون , ذليلة أبصارهم منكسرة إلى الأرض , تغشاهم الحقارة والمهانة, ذلك هو اليوم الذي وعدوا به في الدنيا, وكانوا به يهزؤون ويكذبون.
" خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون "