سورة النازعات - تفسير السعدي
" والنازعات غرقا "
أقسم الله تعالى بالملائكة التي تنزع أرواح الكفار نزعا شديدا
" والناشطات نشطا "
والملائكة التي تجذب أرواح المؤمنين بنشاط ورفق
" والسابحات سبحا "
والملائكة التي تسبح في نزولها من السماء وصعودها إليها,
" فالسابقات سبقا "
فالملائكة التي تسبق الشياطين بالوحي إلى الأنبياء; لئلا تسرقه ,
" فالمدبرات أمرا "
فالملائكة المنفذات أمر ربها فيما أوكل إليها تدبيره من شؤون الكون ولا يجوز للمخلوق أن يقسم بغير خالقه , فإن فعل فقد أشرك- لتبعثن الخلائق وتحاسب,
" يوم ترجف الراجفة "
يوم تضطرب الأرض بالنفخة الأولى نفخة الإماتة,
" تتبعها الرادفة "
تتبعها نفخة أخرى للإحياء.
" قلوب يومئذ واجفة "
قلوب الكفار يومئذ مضطربة من شدة الخوف,
" أبصارها خاشعة "
أبصار أصحابها قليلة من هول ما ترى.
" يقولون أئنا لمردودون في الحافرة "
يقول هؤلاء المكذبون بالبعث: أنرد بعد موتنا إلى ما كنا عليه أحياء في الأرض؟
" أئذا كنا عظاما نخرة "
أنرد وقد صرنا عظاما بالية؟
" قالوا تلك إذا كرة خاسرة "
قالوا: رجعتنا تلك ستكون إذا خائبة كاذبة.
" فإنما هي زجرة واحدة "
فإنما هي نفخة واحدة,
" فإذا هم بالساهرة "
فإذا هم أحياء على وجه الأرض بعد أن كانوا في بطنها.
" هل أتاك حديث موسى "
هل أتاك- يا محمد- خبر موسى؟
" إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى "
" اذهب إلى فرعون إنه طغى "
فقال له: اذهب إلى فرعون , إنه قد أفرط في العصيان؟
" فقل هل لك إلى أن تزكى "
فقل له: أتود أن تطهر نفسك من النقائص وتحليها بالإيمان,
" وأهديك إلى ربك فتخشى "
وأرشدك إلى طاعة ربك , فتخشاه وتتقيه؟
" فأراه الآية الكبرى "
فأرى موسى فرعون العلامة العظمى: للعصا واليد,
" فكذب وعصى "
فكذب فرعرن نبي الله موسى عليه السلام, وعصى ربه عز وجل ,
" ثم أدبر يسعى "
ثم ولى معرضا عن الإيمان مجتهدا في معارضة موسى.
" فحشر فنادى "
فجمع أهل مملكته وناداهم ,
" فقال أنا ربكم الأعلى "
فقال: أنا ربكم الذي لا رب فوقه ,
" فأخذه الله نكال الآخرة والأولى "
فانتقم الله منه بالعذاب في الدنيا والآخرة , وجعله عبرة ونكالا لأمثاله من المتمردين.
" إن في ذلك لعبرة لمن يخشى "
إن في فرعون وما نزل به من العذاب لموعظه لمن يتعظ وينزجر.
" أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها "
أبعثكم أيها الناس- بعد الموت أشد في تقديركم أم خلق السماء؟
" رفع سمكها فسواها "
رفعها فوقكم كالبناء, وأعلى سقفها في الهواء لا تفاوت فيها ولا فطور ,
" وأغطش ليلها وأخرج ضحاها "
وأظلم ليلها بغروب شمسها, وأبرز نهارها بشروقها.
" والأرض بعد ذلك دحاها "
والأرض بعد خلق السماء بسطها, وأودع فيها منافعها ,
" أخرج منها ماءها ومرعاها "
وفجر فيها عيون الماء, وأنبت فيها ما يرعى من النباتات,
" والجبال أرساها "
وأثبت فيها الجبال أوتادا لها
" متاعا لكم ولأنعامكم "
خلق سبحانه كل هذه النعم منفعة لكم ولأنعامكم.
(إن إعادة خلقكم يوم القيامة أهون على الله من خلق هذه الأشياء , وكله على الله
هين يسير)
" فإذا جاءت الطامة الكبرى "
فإذا جاءت القيامة الكبرى والشدة العظمى وهي النفخة الثانية,
" يوم يتذكر الإنسان ما سعى "
عندئذ يعرض على الإنسان كل عمله من خير وشر , فيتذكره ويعترف به ,
" وبرزت الجحيم لمن يرى "
وأظهرت جهنم لكل مبصر ترى عيانا.
" فأما من طغى "
فأما من تمرد على أمر الله,
" وآثر الحياة الدنيا "
يفضل الحياة الدنيا على الآخرة,
" فإن الجحيم هي المأوى "
فإن مصيره إلى النار.
" وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى "
وأما من خاف القيام بين يدي الله للحساب , ونهى النفس عن الأهواء الفاسدة,
" فإن الجنة هي المأوى "
فإن الجنة هي مسكنه.
" يسألونك عن الساعة أيان مرساها "
يسألك المشركون يا محمد- استخفافا- عن وقت حلول الساعة التي تتوعدهم بها
" فيم أنت من ذكراها "
لست في شيء من علمها ,
" إلى ربك منتهاها "
بل مرد ذلك إلى الله عز وجل ,
" إنما أنت منذر من يخشاها "
وإنما شأنك في أمر الساعة أن تحذر منها من يخافها.
" كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها "
كأنهم يوم يرون قيام الساعة لم يلبثوا في الحياة الدنيا, لهول الساعة إلا ما بين الظهر إلى غروب الشمس , أو ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار.