سورة عبس - تفسير السعدي
" عبس وتولى "
ظهر التغير والعبوس في وجه الرسول صلى الله عليه وسلم, وأعرض
" أن جاءه الأعمى "
لأجل أن الأعمى عبد الله بن أم مكتوم جاءه مسترشدا, وكان الرسول صلى الله عليه وسلم منشغلا بدعوة كبار قريش إلى الإسلام.
" وما يدريك لعله يزكى "
وأي شيء يجعلك عالما بحقيقة أمره؟ لعله بسؤاله تزكو نفسه يتطهر,
" أو يذكر فتنفعه الذكرى "
أو يحصل له المزيد من الاعتبار والازدجار.
" أما من استغنى "
أما من استغنى عن هديك,
" فأنت له تصدى "
فأنت تتعرض له وتصغي لكلامه,
" وما عليك ألا يزكى "
وأي شيء عليك ألا يتطهر من كفره؟
" وأما من جاءك يسعى "
وأما من كان حريصا على لقائك,
" وهو يخشى "
وهو يخشى الله من التقصير في الاسترشاد,
" فأنت عنه تلهى "
فأنت عنه تتشاغل
" كلا إنها تذكرة "
ليس الأمر كما فعلت يا محمد, إن هذه السورة موعظة لك ولكل من شاء الاتعاظ
" فمن شاء ذكره "
فمن شاء ذكر الله وأتم بوحيه.
" في صحف مكرمة "
هذا الوحي, وهو القرآن في صحف معظمة, موقرة,
" مرفوعة مطهرة "
عالية القدر مطهرة من الدنس والزيادة والنقص,
" بأيدي سفرة "
بأيدي ملائكة كتبة, سفراء بين الله وخلقه,
" كرام بررة "
كرام الخلق, أخلاقهم وأفعالهم بارة طاهرة.
" قتل الإنسان ما أكفره "
لعن الإنسان الكافر وعذب, ما أشد كفره بربه!!
" من أي شيء خلقه "
ألم ير من أي شيء خلقه الله أول مرة؟
" من نطفة خلقه فقدره "
خلقه الله من ماء قليل- وهو المني- فقدره أطوارا,
" ثم السبيل يسره "
ثم بين له طريق الخير والشر,
" ثم أماته فأقبره "
ثم أماته فجعل له مكانا يقبر فيه,
" ثم إذا شاء أنشره "
ثم إذا شاء سبحانه أحياه, وبعثه بعد موته للحساب والجزاء.
" كلا لما يقض ما أمره "
ليس الأمر كما يقول الكافر ويفعل, فلم يهد ما أمره الله به من الإيمان والعمل بطاعته
" فلينظر الإنسان إلى طعامه "
فليتدبر الإنسان: كيف خلق الله طعامه الذي هو قوام حياته؟
" أنا صببنا الماء صبا "
إنا صببنا الماء على الأرض صبا,
" ثم شققنا الأرض شقا "
ثم شققناها بما أخرجنا منها من نبات شتى,
" فأنبتنا فيها حبا "
فأنبتنا فيها حبا,
" وعنبا وقضبا "
وعنبا وعلفا للدواب,
" وزيتونا ونخلا "
وزيتونا ونخلا,
" وحدائق غلبا "
وحدائق عظيمة الأشجار,
" وفاكهة وأبا "
وثمارا وكلأ,
" متاعا لكم ولأنعامكم "
تنعمون بها أنتم وأنعامكم.
" فإذا جاءت الصاخة "
فإذا جاءت صيحة يوم القيامة التي تصم من هولها الأسماع,
" يوم يفر المرء من أخيه "
يوم يفر المرء لهول ذلك اليوم من أخيه,
" وأمه وأبيه "
وأمه وأبيه,
" وصاحبته وبنيه "
وزوجه وبنيه.
" لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه "
لكل واحد منهم يومئذ أمر يمنعه من الانشغال بغيره.
" وجوه يومئذ مسفرة "
وجوه أهل النعيم في ذلك اليوم مستنيرة؟
" ضاحكة مستبشرة "
مسرورة فرحة,
" ووجوه يومئذ عليها غبرة "
ووجوه أهل الجحيم مظلمة مسودة,
" ترهقها قترة "
تغشاها ذلة.
" أولئك هم الكفرة الفجرة "
أولئك الموصوفون بهذا الوصف هم الذين كفروا بنعم الله وكذبوا بآياته, وتجرؤا على محارمه بالفجور والطغيان.