سورة المطففين - تفسير السعدي
" ويل للمطففين "
عذاب شديد للذين يبخسون المكيال والميزان,
" الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون "
الذين إذا اشتروا من الناس مكيلا أو موزونا يوفون لأنفسهم,
" وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون "
وإذا باعوا الناس مكيلا أو موزونا ينقصون في المكيال والميزان, فكيف بحال من يسرقهما ويختلسهما, ويبخس الناس أشيائهم؟ إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.
" ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون "
ألا يعتقد أولئك المطففين أن الله تعالى باعثهم ومحاسبهم على أعملهم
" ليوم عظيم "
في يوم عظيم الهول؟
" يوم يقوم الناس لرب العالمين "
يوم يقوم الناس بين يدي الله, فيحاسبهم على القليل والكثير, وهم فيه خاضعين لله رب العالمين.
" كلا إن كتاب الفجار لفي سجين "
ليس الحق فيما هم عليه من تطفيف الكيل والميزان, فليرتدعوا عن ذلك. إن مصير الفجار ومأواهم لفي ضيق,
" وما أدراك ما سجين "
وما أدراك ما هذا الضيق؟
" كتاب مرقوم "
كتاب مكتوب كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى.
" ويل يومئذ للمكذبين "
عذاب شديد يومئذ للمكذبين؟
" الذين يكذبون بيوم الدين "
الذين يكذبون بوقوع يوم الجزاء,
" وما يكذب به إلا كل معتد أثيم "
وما يكذب به إلا كل ظالم كثير الإثم,
" إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين "
إذا تتلى عليه آيات القرآن قال: هذه أباطيل الأولين
" كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون "
ليس الأمر كما زعمها, بل هو كلام الله ووحيه إلى نبيه, وإنما حجب قلوبهم عن التصديق به ما غشاها من كثرة ما يرتكبون من الذنوب.
" كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون "
ليس الأمر كما زعم الكفار, بل إنهم يوم القيامة عن رؤية ربهم- جل وعلا- لمحجوبون.
" ثم إنهم لصالو الجحيم "
ثم إنهم لداخلو النار يقاسون حرها,
" ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون "
ثم يقال لهم: هذا الجزاء الذي كنتم به تكذبون.
" كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين "
كلا, ليس القرآن أساطير الأولين إن كتاب الأبرار لفي المراتب العالية في الجنة
" وما أدراك ما عليون "
وما أدراك- يا محمد- ما هذه المراتب العالية؟
" كتاب مرقوم "
كتاب الأبرار مكتوب كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى,
" يشهده المقربون "
يطلع عليه المقربون من ملائكة كل سماء.
" إن الأبرار لفي نعيم "
إن أهل الصدق والطاعة لفي الجنة يتنعمون,
" على الأرائك ينظرون "
على الأسرة ينظرون إلى ربهم, وإلى ما أعد لهم من خيرات؟
" تعرف في وجوههم نضرة النعيم "
ترى في وجوههم بهجة النعيم,
" يسقون من رحيق مختوم "
يسقون من خمر صافية محكم إناؤها,
" ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون "
آخره رائحة مسك, وفي ذلك النعيم المقيم فليتسابق المتسابقون.
" ومزاجه من تسنيم "
وهذا الشراب مزاجه وخلطه من عين في الجنة تعرف لعلوها بـ " تسنيم " ,
" عينا يشرب بها المقربون "
عين أعدت ; ليشرب منها المقربون, ويتلذذوا بها.
" إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون "
إن الذين أجرموا كانوا في الدنيا يستهزئون بالمؤمنين,
" وإذا مروا بهم يتغامزون "
وإذا مروا بهم يتغامزون سخرية بهم,
" وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين "
وإذا رجع الذين أجرموا إلى أهلهم وذويهم تفكهوا معهم بالسخرية من المؤمنين.
" وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون "
وإذا رأى هؤلاء الكفار أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم, وقد اتبعوا الهدى قالوا: إن هؤلاء لتائهون في اتباعهم محمدا صلى الله عليه وسلم,
" وما أرسلوا عليهم حافظين "
وما بعث هؤلاء المجرمون رقباء على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.
" فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون "
فيوم القيامة يسخر الذين صدقوا الله ورسوله وعملوا بشرعه من الكفار, كما سخر الكافرون منهم في الدنيا.
" على الأرائك ينظرون "
على المجالس الفاخرة ينظر المؤمنون إلى ما أعطاهم الله من الكرامة والنعيم في الجنة, ومن أعظم ذلك النظر إلى وجه الله الكريم.
" هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون "
هل جوزي الكفار - إذ فعل بهم ذلك- جزاء وفاق ما كانوا يفعلونه في الدنيا من الشرور والآثام؟