الشائعات.. ضررها، وكيف نتعامل معها
آفة عظيمة، وبلية خطيرة، ومرض فتاك، وداء عضال، وسلاح مدمر، انزعج منه الأبرياء، واتهم بسبه البرءاء، وهدمت بسببه أسر، وخربت بيوت، ووقعت جرائم، وتقطعت علاقات وصداقات.
آفة عظيمة، وبلية خطيرة، ومرض فتاك، وداء عضال، وسلاح مدمر.
انزعج منه الأبرياء، واتهم بسبه البرءاء، وهدمت بسببه أسر، وخربت بيوت، ووقعت جرائم، وتقطعت علاقات وصداقات.
إنه مرض اختلاق الإشاعات، ونشر الشائعات.
الإشاعة : يصنعها عدو حاقد، ويتلقفها منافق فاسق، وينشرها غر جاهل.
الإشاعة : كذبة يطلقها خبيث، ويصدقها أخرق، وينقلها أحمق، وتسير بها الركبان.. مع أنها قد تدمر حياة إنسان أو تهدد مصائر أوطان.
خطر الإشاعات
إن للشائعات أخطارا عظيمة على الأفراد والجماعات، والأسر والمجتمعات:
فكم من كريم صار بكلمة واحدة عرضة للملام.
وكم من شائعة أشعلت فتنة بين الأنام.
وكم من كذبة فرقت بين أحبة وقطعت كريم صحبة
وكم من ظلم وقع على أبرياء بسبب إشاعة نقلها بعض السفهاء.
ولا يكمن خطر الشائعات والإشاعات في هذا فحسب، بل فيها زيادة على ذلك تشويه الحقائق، والتخذيل والإرجاف وقت الشدائد، وبث الخوف في قلوب الضعفاء، والقلق في عقول الأقوياء، مع ما فيه من تفريق صف المسلمين وإثارة النزاعات فيما بينهم، وما قد تسببه من خسائر لشركات ومؤسسات بل ودول ومجتمعات.
زد على ذلك ذهاب الثقة بين الراعي والرعية، واختلال الموازين في تصديق وتكذيب الأخبار حتى لا يثق الناس في خبر.
الكلمة مسؤولية
وبعد كل هذا نقول: إن على مروجي الإشاعات وناقلي الأخبار دون تثبت أن يدركوا خطر ما يرتكبون، وأن يعلموا أنهم مسؤولون بين يدي الله تعالى على ما يفعلون، فإن الكلمة مسئولية.. خصوصا في زمان الانفتاح الإعلامي، وثورة التواصل الاجتماعي، وسرعة انتقال الأخبار، وانتشار الأقوال.. مع خراب الذمم، وخداع الصور، ووقوع الفتن، واضطراب الأحوال، والتباس الأمور، وغلبة الكذب، والفجر في الخصومات، مع عدم وجود دين يردع، أو خلق يمنع. كل هذا مما يزيد المسؤولية في نقل الأخبار ويوجب التنبه عند نشر الأقوال.
لزوم التثبت
ولهذا وغيره كان التثبت في الخبار قبل تصديقها فضلا عن إذاعته ونشرها منهجا قرآنيا وهديا نبويا يستراح به من القيل والقال، ويوفر على الأمة طاقاتها فيما ينفع ويفيد.
فالقرآن الكريم يأمر بالتثبت والتبين قبل التصديق واتخاذ القرار. يقول تعالى: {يأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا}، ويقول: {يأيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}، ويقول أيضا: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا}.
والنبي صلى الله عليه وسلم ينهى المسلم عن نقل كل ما يسمع ولا يخليه من مسئولية، ففي الحديث: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع».
وقال مالك الإمام: "اعلم أنه فساد عظيم أن يتكلم الإنسان بكل ما سمع دون تثبت" ؛ لأنه يسمع الصدق والكذب.
وفي الحديث : [بئس مطية الرجل زعموا].
إن هناك من بين الناس أصحاب نفوس ضعيفة، وقلوب مريضة، وذمم خربة لا تخاف الله ولا تستحي من عباده، مهنتهم وهوايتهم نشر الأكاذيب والتغذي على لحوم البشر، فلابد من التنبه والتثبت حتى لا يفقد المرء بصيرته، ولا تفقد الأخبار مصداقيتها، فيضطرب حال الناس.
آثار مدمرة
إن للشائعات آثارا مدمرة على الأفراد والأسر والمجتمعات بل وعلى الأمم أحيانا. ووقائع التاريخ تدل على ذلك أكبر الدلالة؛ فقد حمل التاريخ لنا أمثلة لشائعات كان لها آثار خطيرة على الفرد والمجتمع: فمن ذلك:
. الشائعة التي انتشرت في مكة بأن المشركين قد أسملوا بعد أن قرأ عليهم النبي صلى الله عليه وسلم سورة النجم.. وكان من عواقب انتشار تلك الشائعة أن رجع كثير من مهاجري الحبشة ظنا منهم أن الخبر صحيح، فنالهم من أذى المشركين ما لا يخطر لهم على بال، فاضطروا أن يقاسوا معاناة الهجرة للحبشة مرة ثانية ويعرضوا أنفسهم لمخاطر لا حصر لها.
. في معركة أحد إشاعة قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وما كان لها من أثر في تثبيط همم بعض المسلمين، والإحباط الشديد للبعض حتى ترك ساحة المعركة وتوقف عن القتال؛ مما أدى في النهاية إلى وقوع الهزيمة بالمسلمين في هذه الملحمة الكبرى وذلك اليوم المهيب.
. الشائعات التي أطلقها المغرضون ابن سبأ وفريقه، واتهامهم لسيدنا عثمان الخليفة الراشد بالتهم الكاذبة والتأليب عليه، فكانت بداية لفتنة كبرى، وتجمع أخلاط من المنافقين ودهماء الناس وقتل الخليفة الراشد، بل كان من آثار ذلك حرب الجمل وصفين وقتل آلاف المسلمين.. وكان من عواقبها ظهور فتن وفرق وفرقة إلى يومنا هذا.
. ومن أشنع الإشاعات التي أطلقت في زمن النبوة حادثة الإفك: تلك الحادثة التي اختلقها المنافقون ابن سلول وأتباعه، وراجت على بعض المسلمين فنقلوها دون تثبت، حتى سرت في المجتمع كله، فهزت مجتمع المدينة شهرا كاملا.. وكانت من أشق التجارب في حياة المسلمين. لم يمكر بالمسلمين مكر أشد من تلك الإشاعة المختلقة الكاذبة، ولولا عناية الله لكادت أن تعصف بالأخضر واليابس بعد أن مكث المجتمع المسلم يصطلي بنارها شهرا كاملا، حتى نزل الوحي ليضع حدا لتلك المأساة وليكون درسا تربويا هائلا لذلك المجتمع ولكل مجتمع يأتي بعد إلى يوم القيامة.
واجب المسلم عند سماع الشائعات:
لقد بينت سورة النور في علاج قصة الإفك هذه الآفة ووضعت للمسلمين أصول التعامل مع الشائعات.. فمن ذلك:
أولا: أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم، وأن ينزل أخاه بمنزلته قبل إصدار الأحكام.. دخل أبو أيوب على زوجته بعد انتشار هذه الشائعة عن عائشة فسأل زوجته: "أرأيت لو كنت مكان عائشة أكنت تفعلين ذلك؟ فقالت: لا والله. فقال: فوالله إن عائشة خير منك. وسألته: أرأيت لو كنت مكان صفوان أكنت تفعله؟ فقال: لا والله. فقالت: فوالله إن صفوان خير منك. وأنزل الله تعالى مادحا لهما ومنوها بحسن ظنهما: {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين}.
ثانيا: لا يقبل اتهام إلا بعد ثبوته قطعا لا ظنا، وكل قول لا يأتي أصحابه عليه ببرهان قاطع ودليل ساطع فتصنيفه في دائرة الكذب حتى تقوم على صدقه بينة، قال تعالى في قصة الإفك: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}.
ثالثا: الا يتحدث بما سمعه ولا ينشره، فإن الناس لو سكتوا عن الشائعات لماتت في مهدها، ولم تجد من يحييها، قال تعالى: {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتانا عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين}.
رابعا: أن يرد الأمور إلى أولي الأمر وأصحاب الرأي (الأجهزة المختصة) ولا يشيعه بين الناس، خاصة الأخبار المهمة التي لها أثر في واقع المجتمع وحياة الناس.. قال سبحانه في سورة النساء: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان إلا قليلا}.
خامسا: التفكر في العواقب ونتائج نشر الشائعات، من انتشار الفواحش وظهور الفتن، {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون}، فلا تكن عونا على شيوع الفواحش، والأكاذيب ، والفتن ، لأن الفتن إذا ذاعت و شاعت عجز العقلاء فيها عن دفع السفهاء {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.
إن منهج الإسلام ـ قرآنا وسنة ـ هو النهي عن القيل والقال كما في الحديث: [إن الله ينهاكم عن قيل وقال وكثرة السؤال]، والنهي عن التخمين وسوء الظن كما قال سبحانه {قتل الخراصون} و النهي عن عدم التثبت والمسارعة إلى نقل الأخبار دون تمحيص قال سبحانه {إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا}، وقال {وما يتبع أكثرهم إلا ظنا}.
عقوبة مهيبة
ومن كان نشر الشائعات ديدنه، واختلاق الإشاعات مسلكه فليحذر عقوبة الله لأمثاله كما جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الرؤيا الشهير في صحيح البخاري: [فأتينا على رجل مستلق لقفاه، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى. قال: قلت سبحان الله ما هذا؟ .. فقال له الملائكة: "إنه الرجل يغدو من بيته فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق].
نعوذ بالله من سخط الله وعذابه، وشديد عقابه. ونسأله أن يحفظ بلاد المسلمين من كل شر وسوء.
- التصنيف:
- المصدر: