فضل عشر ذي الحجة

منذ 2021-07-11

حريٌّ بالمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإنَّ الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه.

فضل عشر ذي الحجة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وبعد:
فإنَّه من فضل الله ومنته أن جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح ومن هذه المواسم.

عشر ذي الحجة:
وقد ورد في فضلها أدلة من الكتاب والسنة منها:

1ـ 
قال الله تعالى: {والفجر وليالٍ عشر} قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ المراد بها عشر ذي الحجة كما قاله ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغيرهم ، [ورواه الإمام البخاري].

2ـ عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر» قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله قال: «ولا الجهاد في سبيل الله إلاّ رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».

3ـ قال تعالى: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات}. قال ابن عباس: أيام العشر (تفسير ابن كثير).

4ـ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ﷺ: «ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيَّام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد» (الطبراني في المعجم الكبير).

5ـ كان سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق: «إذا دخلت العشر اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه» [رواه الدارمي] حسن.

6ـ قال ابن حجر في الفتح: والذي يظهر أنَّ السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره.

ما يستحب فعله في هذه الأيام:
1ـ الصلاة:
 يستحب التبكير إلى الفرائض، والإكثار من النوافل، فإنَّها من أفضل القربات، روى ثوبان ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: «عليك بكثرة السجود لله، فإنَّك لا تسجد سجدة إلاَّ رفعك إليه بها درجة، وحط عنك بها خطيئة» [مسلم] وهذا عام في كل وقت.

2ـ الصيام: لدخوله في الأعمال الصالحة، فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي ﷺ قالت: "كان رسول الله ﷺ يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر" [رواه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي] قال الإمام النووي عن صوم أيَّام العشر أنَّه مستحب استحباباً شديداً.

3ـ التكبير والتهليل والتحميد: لما ورد في حديث ابن عمر السابق: "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد" وقال الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ "كان ابن عمر وأبو هريرة ـ رضي الله عنهما ـ يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما" وقال أيضاً: "وكان عمر يكبر في قبته فيسمعه أهل المسجد فيكبرون ويكبر أهل الأسواق حتى ترتج منى تكبيراً".
وكان ابن عمر يكبر بمنى تلك الأيام، وخلف الصلوات وعلى فراشه، وفي فسطاطه، وممشاه تلك الأيام جميعاً والمستحب الجهر بالتكبير لفعل عمر وابنه وأبي هريرة.


وحريٌّ بنا نحن المسلمين أن نحيي هذه السنة التي قد أضيعت في هذه الأزمان، وتكاد تنسى حتى من أهل الصلاح والخير ، ـ وللأسف ـ بخلاف ما كان عليه السلف الصالح.


صيغة التكبير: ورد فيها صيغ مروية عن الصحابة والتابعين منها:
أ/ الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً.
ب/ الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد.

ج/ الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد.

4ـ صيام يوم عرفة: يتأكد صوم يوم عرفة لما ثبت عنه ﷺ أنّه قال عن صوم يوم عرفة: «أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده» [رواه مسلم] لكن من كان في عرفة ـ أي حاجّاً ـ فإنّه لا يستحب له الصيام، لأنَّ النبيَّ وقف بعرفة مفطراً.

5ـ فضل يوم النحر: يغفل عن ذلك اليوم العظيم كثير من المسلمين، وعن جلالة شأنه وعظم فضله الجم الغفير من المؤمنين، هذا مع أنَّ بعض العلماء يرى أنَّه أفضل أيام السنة على الإطلاق حتى من يوم عرفة.


قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ "خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر" كما في سنن أبي داود عنه ﷺ: "أنَّ أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر" ـ ويوم القر هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر ـ وقيل يوم عرفة أفضل منه، لأنَّ صيامه يكفّر سنتين، وما من يوم يعتق الله فيه الرقاب أكثر منه في يوم عرفة، ولأنَّه ـ سبحانه وتعالى ـ يدنو فيه من عباده ، ثم يباهي ملائكته بأهل الموقف ، والصواب.


القول الأول: لأنَّ الحديث الدال على ذلك لا يعارضه شيء، وسواء كان هو أفضل أم يوم عرفة فليحرص المسلم ـ حاجاً كان أم مُقيماً ـ على إدراك فضله ، وانتهاز فرصته.

بماذا نستقبل مواسم الخير:
1ـ حريٌّ بالمسلم أن يستقبل مواسم الخير عامة بالتوبة الصادقة النصوح، وبالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، فإنَّ الذنوب هي التي تحرم الإنسان فضل ربه، وتحجب قلبه عن مولاه.

 كذلك تُستقبل ـ مواسم الخير عامة ـ بالعزم الصادق الجاد على اغتنامها بما يُرضي الله ـ عزَّ وجل ـ فمن صدق الله صدقه الله: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا} [العنكبوت: 69].
فيا أخي المسلم احرص على اغتنام هذه الفرصة السانحة، قبل أن تفوت عليك فتندم ولات ساعة مندم.

وفقني الله وإيَّاك لاغتنام مواسم الخير، وأن يعيننا فيها على طاعته وحسن عبادته.

بعض أحكام الأضحية ومشروعيتها

ذكر شيخنا ابن عثيمين رحمه الله مايلي:

الأصل في الأضحية أنَّها مشروعة في حق الأحياء، كما كان رسول الله ﷺ وأصحابه يضحون على أنفسهم وأهليهم، وأمَّا ما يظنه بعض العامة من اختصاص الأضحية بالأموات فلا أصل له، والأضحية عن الأموات على ثلاثة أقسام:
الأول: أن يُضحي عنهم تبعاً للأحياء مثل أن يُضحي الرجل عنه، وعن أهل بيته، وينوي بهم الأحياء والأموات، وأصل هذا تضحية النبي ﷺ عنه وعن أهل بيته وفيهم من قد مات من قبل.


الثاني: أن يُضحي عن الأموات بمقتضى وصاياهم تنفيذاً لها.
وأصل هذا قوله تعالى: {فمن بدله بعدما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه إن الله سميع عليم} [البقرة].


الثالث: أن يُضحي عن الأموات تبرعاً مستقلِّين عن الأحياء، فهذه جائزة وقد نصَّ فقهاء الحنابلة على أن ثوابها يصل إلى الميت وينتفع بها قياماً على الصدقة عنه، ولكن لا نرى أن تخصيص الميت بالأُضحية من السنة، لأنَّ النبيَّ لم يضحّ عن أحد من أمواته بخصوصه، فلم يضحّ عن عمه حمزة، وهو من أعزَّ أقاربه عنده، ولا عن أولاده الذين ماتوا في حياته، وهنَّ ثلاث بنات متزوجات وثلاثة أبناء صغار، ولا عن زوجته خديجة، وهي من أحب نسائه، ولم يرد عن أصحابه في عهده أنَّ أحداً ضحَّى عن أحدٍ من أمواته.


ونرى ـ أيضاً ـ من الخطأ ما يفعله بعض الناس يضحون عن الميت، أول سنة يموت أضحية يسمونها "أضحية الحفرة"، ويعتقدون أنَّه لا يجوز أن يشرك معه في ثوابها أحد، أو يضحون عن أمواتهم تبرعاً أو بمقتضى وصاياهم، ولا يضحون عن أنفسهم وأهليهم، ولو علموا أنَّ الرجل إذا ضحَّى من ماله عن نفسه وأهله شمل أهله الأحياء، والأموات لما عدلوا عنه إلى عملهم ذلك.


فيما يجتنبه من أراد الأضحية:
إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذو الحجة إمَّا برؤية هلاله أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنَّه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره، أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة ـ رضي الله عنها ـ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: «إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره» [رواه أحمد ومسلم] وفي لفظ: "فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً حتى يضحي" وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته، ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية.


والحكمة في هذا النَّهي أنَّ المضحي لمّا شارك الحاج في بعض أعمال النُّسك وهو التقرب إلى الله ـ بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه، وعلى هذا فيجوز لأَهل المضحي أن يأخذوا في أيَّام العشر من شعورهم وأظفارهم وأبشارهم.


وهذا الحكم خاص بمن يُضحي أما المضحى عنه فلا يتعلَّق به، لأنَّ النبي ﷺ قال: «وأراد أحدكم أن يضحي» ولم يقل أو يضحى عنه، ولأن النبي ﷺ كان يضحي عن أهل بيته، ولم يُنقل عنه أنَّه أمرهم بالإمساك عن ذلك.


وإذا أخذ من يريد الأُضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله ـ تعالى ـ ولا يعود ولا كفارة عليه ولا يمنعه ذلك عن الأضحية ـ كما يظن بعض العوام ـ وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه أو ينـزل الشعر في عينيه فيزيله أو يحتاج إلى قصه لمداوة جرح ونحوه. انتهى.

أحكام وآداب عيد الأضحى المبارك:

أخي الحبيب.. نُحييك بتحية الإسلام ـ ونقول لك: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ـ ونُهنئكَ مقدَّماً بقدوم عيد الأضحى المبارك ونقول لك: تقبَّل الله منَّا ومنك، ونرجو أن تقبل منَّا هذه الرسالة التي نسأل الله عزَّ وجل أن تكون نافعةً لك ولِجميع المسلمين في كل مكان.

أخي المسلم: الخير كل الخير في اتِّباع هدي الرسول في كُلِّ أُمور حياتنا، لذا أحببنا أن نُذكِّرك ببعض الأمور التي يُستحب فعلها أو قولها في ليلة عيد الأضحى المبارك ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة، وقد أوجزناها لك في نقاط هي:

التكبير: يشرع التكبير في فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة قال تعالى: {واذكروا الله في أيامٍ معدوداتٍ} [البقرة:203] وصفته أن تقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد) ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت، وأدبار الصلوات إعلاناً بتعظيم الله وإظهاراً لعبادته وشكره.

ذبح الأضحية: ويكون ذلك بعد صلاة العيد لقول رسول الله ﷺ: «من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح» [رواه البخاري ومسلم] وَوَقْت الذبح أربعة أيَّام العيد، يوم النحر، وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي ﷺ أنَّه قال: «كل أيام التشريق ذبح» [انظر: السلسلة الصحيحة برقم: 3476].


الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا إسبال ولا حلق لِحية، فهذا حرام، أَمَّا المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب، فلا يصح أن تذهب لطاعة الله والصلاة ثم تعصي الله بالتبرج والسفور والتطيب أمام الرجال.

الأكل من الأضحية: "كان رسول الله ﷺ لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته" [زاد المعاد 1/441].

الذهاب إلى مصلى العيد ماشياً إن تيسر: والسنة الصلاة في مصلى العيد إلاَّ إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلى في المسجد لفعل الرسول ﷺ.

الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة: والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية أنَّ صلاة العيد واجبة لقوله تعالى: {فصلِّ لربك وانحر}.
ولا تسقط إلاّ بعذر، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض والعواتق ويعتزل الحُيض المصلى.

الطريق: يُستحب لك أن تذهب إلى مصلى العيد عن طريق وترجع من طريق آخر ، لِفعل النبي ﷺ.

التهنئة بالعيد: لثبوت ذلك عن صحابة رسول الله ﷺ.

واحذر أخي المسلم من الوقوع في بعض الأخطاء التي يقع فيها الكثير من الناس والتي منها:
التكبير الجماعي بصوت واحد، أو الترديد خلف شخص يقول التكبير.
اللهو أيام العيد بالمحرمات كسماع الغناء ومشاهدة الأفلام واختلاط الرجال بالنساء اللاتي لسن من المحارم وغير ذلك من المنكرات.


أخذ شيء من الشعر أو تقليم الأظافر قبل أن يُضحي من أراد الأضحية لنهي النبي ﷺ عن ذلك
الإسراف والتبذير بما لا طائل تحته ولا مصلحة فيه ولا فائدة لقول الله تعالى: {ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} [الأنعام].

وختاماً: لا تنس أخي المسلم أن تحرص على أعمال البر والخير من صلة الرحم وزيادة الأقارب وترك التباغض والحسد والكراهية وتطهير القلب منها والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال لسرور عليهم.

نسأل الله أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا ، وأن يجعلنا ممن عمل في هذه الأيام أيام عشر ذي الحجة عملاً صالحاً لوجهه الكريم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

  • 5
  • 0
  • 5,517

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً