جمع لأحكام وفضائل الجمعة
يعد يوم الجمعة من أحب الأيام إلى المسلمين؛ حيث يعظمون هذا اليوم بالصلاة، وقراءة القرآن، والدعاء، والإكثار من الصلاة على سيدنا محمد ﷺ، والتقرب من الله تعالى فيه؛ لينالوا الأجر والثواب الكبير، وهذا المقال حول يوم وليلة الجمعة.
أولاً: ذِكْرُ الْعِلَّة التي سُمِّيَتِ الجُمُعَةُ جُمُعَةً: كانَ يومُ الجُمُعَةِ يُسمَّى في الجاهليةِ يومَ العَرُوبةِ، وسُمِّي بالجُمُعَةِ لأنَّ خلْقَ آدم جُمِعَ فيهِ، قال صلى الله عليه وسلم: «بِهِ جُمِعَ أَبُوكَ أَو أَبُوكُمْ» (رواه ابنُ خزيمةَ بسندٍ حَسَنٍ).[1].
تخصيص ليلة الجمعة بالتهجد:
كراهة تخصيص ليلتها بالقيام: قال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: «لا تَخْتَصُّوا ليلَةَ الجُمُعَةِ بقيامٍ من بينِ الليالي» (رواه مسلم).
قراءة سورتي السجدة والإنسان في صلاة الفجر:
فعن أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ (أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كانَ يَقْرَأُ في الصُّبْحِ يومَ الجُمُعَةِ: بألم تَنزيلُ في الركعةِ الأُولى، وفي الثانيةِ: (هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) (رواه مسلم) .
غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم:
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «غسلُ يوم الجمعة واجبٌ على كل محتلمٍ» (أخرجه السبعة).[2].
وقت غسل الجمعة:
فغسل الجمعة لا يجزئ عند أكثر أهل العلم إلا بعد طلوع الفجر، وهو القول الصحيح، وبالتالي فمن اغتسل بعد الفجر ناويا غسل الجمعة وغسل الجنابة أجزأه غسل واحد عنهما، جاء في المغني: وقت الغسل بعد طلوع الفجر، فمن اغتسل بعد ذلك أجزأه، وإن اغتسل قبله لم يجزئه، وهذا قول مجاهد، والحسن، والنخعي، والثوري، والشافعي، وإسحاق.
وحكي عن الأوزاعي: أنه يجزئه الغسل قبل الفجر، وعن مالك: أنه لا يجزئه الغسل إلا أن يتعقبه الرواح، ولنا، قول النبي صلى الله عليه وسلم: «من اغتسل يوم الجمعة..» واليوم من طلوع الفجر. غسل الجمعة مستحب، وليس بفرض، هو المعتمد في المذاهب الأربعة)[3].
فضل التبكير إلى صلاة الجمعة:
من السنة: التبكير لصلاة الجمعة؛ لما روى البخاري (881)، ومسلم (850) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الجُمُعَةِ غُسْلَ الجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَة ً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الخَامِسَةِ، فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ المَلاَئِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ». [4].
هذا يدل على شرعية التبكير وتفاوته، وأن السنة للمؤمن أن يبكر للصلاة لما في هذا من الخير العظيم، يصلي ما يسر الله من الركعات، يقرأ القرآن، يشتغل بالتسبيح والتهليل والاستغفار .. فيه فوائد جمة في التبكير، فالسنة التبكير إليها لما في ذلك من الخير العظيم والفوائد الجمة، وهذه الساعات تبدأ من طلوع الشمس، كما هو مذهب الشافعي، وأحمد. [5].
وجوب صلاة الجمعة:
قال ﷺ: «لينتهن أقوام عن ودعهم الجمعات يعني تركهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين» يعني من عقوبات تركها الختم على القلوب وأن يطبع عليها بطابع الغفلة نسأل الله العافية.
وفي الحديث الآخر: من ترك ثلاث جمع –متوالية- من غير عذر طبع على قلبه فالمقصود أن الواجب على المؤمن المحافظة عليها والعناية بها؛ لأن الله أوجبها على المقيمين كل أسبوع بدلا من الظهر، فالواجب العناية بها والمحافظة عليها. [6].
النهي عن البيع:
يقول الإمام القرطبي في تفسير قوله تعالى: وذروا البيع منع الله البيع عند صلاة الجمعة وحرمه في وقتها على من كان مخاطباً بفرضها، والبيع لا يخلو من شراء فاكتفى بذكر أحدهما، وخص البيع بالذكر لأنه أكثر ما يشتغل به أصحاب الأسواق [7].
قال تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} [الجمعة: 9]، فلا يجوز التشاغل بعد الأذان الثاني ببيع ولا شراء ولا غيرهما، ولا يصح شيء من العقود الواقعة مما يلزمه الحضور، حتى ولو كان في طريقه إلى المسجد، يعني: لو كان رجلان يمشيان إلى المسجد ثم تبايعا بعد الأذان الثاني فإن البيع باطل وحرام وهما آثمان، ولا ينتقل المبيع إلى المشتري، ولا الثمن إلى البائع؛ لأنه بيع باطل، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل» فالشروط والعقود التي لا تبيحها الشريعة هي باطلة وإن كررت مائة مرة. [8].
هل للجمعة سنةٌ:
قبلها: ليس للجمعة سنةٌ راتبة قبلها، ولكن المؤمن متى وصل إلى المسجد يصلي ما كتب الله له ثنتين أو أكثر لقوله ﷺ في الحديث الصحيح: «من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى المسجد فصلى ما قُدِّر له، ثم أنصت حتى يفرغ الإمام من خطبته كتب له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام»، أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فالحاصل أنه ﷺ لم يحدد شيئاً بل قال في الأحاديث: ما قدر له فيصلي الإنسان ما يسر الله له من ركعتين أو أكثر قبل صلاة الجمعة، ثم يجلس ينتظر قارئاً أو ساكتاً أو مسبحاً أو مهللاً أو ذاكراً بينه وبين ربه حتى يخرج الإمام، وبعد ذلك يجيب المؤذن ثم يسمع الخطبة. [9].
بعدها: أما بعدها فلها سنة راتبة:ركعتان أو أربع ركعات، كان ﷺ إذا صلى الجمعة صلى في بيته ركعتين، وقال عليه الصلاة والسلام: «من كان مصلياً بعد الجمعة فليصلِّ بعدها أربعاً» فدل ذلك على أن الأفضل أربع وإن صلى ركعتين بعد الجمعة كفى ذلك، والأفضل في البيت، وإن صلى أربعاً في المسجد أو في البيت فهو أفضل بتسليمتين هذا هو الأفضل [10].
الاستماع لخطبة الجمعة:
عن ابن عباس رضي الله عنهما: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «مَن تكلَّم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، والذي يقول له: أنصِتْ، ليست له جمعة» (رواه أحمد بإسناد لا بأس به).
وقد نبَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بهذا الحديثِ على ترك الكلام - مهما كان سببه - والإمام يخطب؛ لأنه إذا جعل قوله للمتكلم أنصِتْ لغوًا مع كونه آمرًا بمعروف، فغيره من الكلام أولى أن يُسمَّى لغوًا.
قد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن من أسباب المغفرة لمن أتى الجمعة أن يكون قد استمع وأنصت؛ فقد جاء في لفظ لمسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت، غُفِر له ما بينه وبين الجمعة وزيادة ثلاثة أيام، ومَن مسَّ الحصى فقد لغا». [11].
السَّاعةُ التي تُرجى فيها الإجابة يوم الجمعة:
لقد وَرَدَ في فضلِهَا أحاديث كثيرة، فعن أبي هُريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ذَكَرَ يومَ الْجُمُعَةِ فقالَ: «فيهِ سَاعَةٌ، لا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وهُوَ يُصَلِّي، يَسْأَلُ اللهَ شَيْئًا إلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ»، زَادَ قُتَيْبَةُ في رِوَايَتِهِ: وأَشَارَ بيَدِهِ يُقَلِّلُهَا)؛ (رواهُ مُسلمٌ).
قال ابنُ القيم: (وأَرْجَحُ هذهِ الأقوالِ: قَوْلانِ تَضَمَّنَتْهُمَا الأحاديثُ الثَّابتَةُ، وأَحَدُهُمَا أَرْجَحُ مِنَ الآخَرِ) انتهى.
أمَّا القولُ الأول: فهو أنها ما بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الإمامُ لخطبةِ الجمعةِ إلى أَنْ تُقْضَى صَّلاةُ الجمعةِ..
والقول الثاني: أنها آخر ساعةٍ بعدَ صلاةِ عصرِ الجمعةِ..
وأمَّا هديُ سَلَفِنا الصالح في تعظيمهم لِسَاعَةِ الْجُمُعَةِ:
قال ابنُ القيِّم: (كانَ سعيدُ بنُ جُبَيْرٍ إذا صَلَّى العَصْرَ لم يُكَلِّمْ أَحَدًا حتى تَغْرُبَ الشَّمْسُ) انتهى.
وعن سليمان التيميّ قالَ: كان طاوسٌ رحمه اللهُ إذا صَلَّى العَصْرَ يومَ الجمعةِ، استقبلَ القِبْلَةَ ولم يُكَلِّمْ أَحَدًا حتى تَغْرُبَ الشمسُ؛ (رواه الواسطي) [12].
صيام يوم الجمعة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا يصومن أحدكم يوم الجمعة، إلا أن يصوم يوماً قبله، أو يوماً بعده». (رواه البخاري (1985)، ومسلم (1144).
وسبب النهي عن إفراد يوم الجمعة أنه يوم عيد، فهو عيد الأسبوع، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا يوم عيد جعله الله للمسلمين» (كما رواه ابن ماجه). [13].
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة:
الصلاة على النبي ﷺ في هذا اليوم العظيم وهو يوم الجمعة، وهو أفضل أيام الأسبوع، «إن أفضل أيامكم يوم الجمعة فيه خلق آدم وفيه قبض وفيه النفخة وفيه الصعقة فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليَّ، إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء»، وذلك لما قالوا له: كيف تبلغك الصلاة وقد أرمت، أي: بلي الجسد، فقال: «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء». (صحيح أبي داود).
وقال ﷺ: أكثروا الصلاة عليَّ يوم الجمعة وليلة الجمعة، فمن صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه عشراً.
وهكذا نعرف إذن بأن أفضلية الصلاة على النبي ﷺ ليست في نهار الجمعة وإنما في الليلة التي قبل اليوم، ليلة الجمعة ويوم الجمعة للصلاة على النبي ﷺ فيهما مزية مخصوصة وأجر وثواب عظيم.[14].
أنه ينبغي فيه كثرة الصلاة على النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -؛ لقول النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -: «أكثروا عليَّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ» [15].
قراءة سورة الكهف:
يستحب للمسلم أن يقرأ سورة الكهف يوم الجمعة لما روى الحاكم من حديث أبي سعيد قال قال رسول الله صلى عليه وسلم: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين» (صححه الشيخ الألباني) وتسن فيه قراءة سورة الكهف، سواء إن كان ذلك قبل صلاة الجمعة أم بعدها؛ لورود أحاديث تدل على فضل ذلك. [16]
الجمعة للمسافر:
ومن خصائص صلاة الجمعة: أنها لا تصلى في السفر، أي: أن المسافرين لا يصلون صلاة الجمعة إلا إذا كانوا في بلد تقام فيه الجمعة، فإنه يلزمهم حضورها وصلاتها مع الناس، أما المسافرون الذين في البر فإنه لا يجوز لهم أن يصلوا صلاة الجمعة ولو بخطبة وإمام، وقد ظن بعض الجهال أن صلاة الجمعة كصلاة الظهر تصلى حتى في البر وفي السفر أو في النزهة، وهذا غلط عظيم على شريعة الله، وهاهو النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو الإمام القدوة الذي لنا فيه أسوة، نرجو الله تعالى أن تكون أسوة حسنة، هذا النبي الكريم لم يكن يصلي الجمعة في السفر، بل إنه كان في عرفة الذي صادف يوم الجمعة وهو في أكبر مجمع مع المسلمين لم يقم صلاة الجمعة؛ كما صح ذلك في حديث جابر في صفة حج النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم -، وعلى هذا فمن صلى الجمعة في نزهة أو نحوها فإنه إن كان عالماً فهو آثم مذنب، وإن كان جاهلاً فنرجو الله - تعالى - أن يعفو عنه، ولكنه عليه أن يعيدها ظهراً. [17].
__________________________________________________________________________
[1] الشيخ عبد الرحمن الشثري.
[2] عبد القادر شيبه.
[3] اسلام ويب.
[4] سؤال وجواب.
[5] الشيخ بن باز.
[6] الشيخ بن باز.
[7] انظر تفسير القرطبي ج 18 ص 107.
[8] محمد بن صالح العثيمين.
[9] الشيخ بن باز.
[10] الشيخ بن باز.
[11] الشيخ عبد القادر شيبة الحمد.
[12] عبدالرحمن بن سعد الشثري.
[13] الشيخ محمد بن إبراهيم السبر.
[14] الشيخ المنجد.
[15] الشبخ ابن عثيمين.
[16] الشبخ ابن عثيمين.
[17] الشبخ ابن عثيمين.
- التصنيف:
- المصدر: