سيناريوهات الصراع على الأقصى
المتتبع لما يحدث في فلسطين يلاحظ أن الصراع قد تحوَّل من نزاع حول فلسطين كلها، ليتركز حول مدينة القدس بعد عام 1967م، بل إنه منذ أكثر من عقدين من الزمن دخل دائرة أكثر تركيزاً، وصار بالتحديد حول المسجد الأقصى، أو ما يطلق عليه اليهود وبعض طوائف النصارى
«أخشى من انهيار إسرائيل كما انهارت الدول اليهودية السابقة»
هذه ليست نبوءة كتبها أو قالها دجالون من الذين ينتشرون الآن على الفضائيات أو مواقع التواصل الاجتماعي؛ بل كتبها رئيس وزراء الكيان السابق إيهود باراك في صحيفة يديعوت أحرنوت منذ عدة أسابيع تعبيراً عن مشاعر الإحباط لدى الكيان الصهيوني، ويقول فيها بالحرف: إن تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية في عقدها الثامن وهي التجربة الثالثة، وإنه يخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتها.
فالعقد الثامن لإسرائيل - كما كتب باراك - دائماً يبشِّر بحالتين: بداية تفكك السيادة، ووجود مملكة بيت داود التي انقسمت إلى يهودا وإسرائيل.
وقد سبق لرئيس الوزراء السابق نتنياهو في عام 2017م، أن ردَّد تقريباً الكلام نفسه حينما صرَّح بأنه حريص على أن تبلغ إسرائيل المئوية الأولى، لكن التاريخ يخبره أنه لم تعمِّر لليهـود دولة أكثر من 80 سنة في كل تاريخها إلا مرة واحدة هي دولة الحشمونائيم.
هذا التشاؤم الذي يبديه زعماء الكيان ليس ترديداً لتنبؤات عشوائية أو قديمة، بل قد يكون إستراتيجية مقصودة ربما لجذب التعاطف الدولي مع قضية اليهود في فلسطين، أو لتجميع اليهود للالتفاف حول السياسات الإسرائيلية والنخبة الحاكمة.
والمتتبع لما يحدث في فلسطين يلاحظ أن الصراع قد تحوَّل من نزاع حول فلسطين كلها، ليتركز حول مدينة القدس بعد عام 1967م، بل إنه منذ أكثر من عقدين من الزمن دخل دائرة أكثر تركيزاً، وصار بالتحديد حول المسجد الأقصى، أو ما يطلق عليه اليهود وبعض طوائف النصارى (هيكل سليمان).
وفي الآونة الأخيرة تسارعت وتيرة الصراع حول المسجد الأقصى نتيجة عوامل عديدة، وأصبح لا يمر أسبوع إلا وتتناقل الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي صوراً وأخبارَ الصِّدامات داخل المسجد ومحيطه، فالمتطرفون اليهود يصرُّون على الدخول إلى ساحة المسجد والصلاة فيه ورفع الأعلام الصهيونية، وعندما يتصدى لهم المصلون الفلسطينيون يتدخل الجنود الصهاينة، ويدنِّسون المسجد بأحذيتهم وينهالون على المسلمين ضرباً وسحلاً واعتقالاً، لا يفرقون بين رجل وامرأة وطفل.
كل هذا كان سبباً لدخول المنظمات الفلسطينية المسلحة في غزة على خط الصراع، لتبرز معادلةٌ جديدةٌ، وتضع تلك المنظمات ما يجري في المسجد الأقصى سبباً وشرطاً من بين شروط أخرى لبدء حرب على الكيان بالصواريخ أو التوقف عنها.
ومنذ أكثر من شهر دخل الصراع على الأقصى نفقاً جديداً، عندما بدأ مسلحون فلسطينيون بتنفيذ عمليات في العمق الصهيوني ضد المستوطنين في ظاهرة يطلق عليها (الذئاب المنفردة)، ردّاً على استفزازات الصهاينة في المسجد، وهو ما نتج عنه إصابة ومقتل العديد من هؤلاء المتطرفين الصهاينة.
فإلى متى سيستمر هذا التوتر والصدامات حول الأقصى وداخل أروقته؟
وما هو مستقبل الصراع على المسجد؟
وما هي السيناريوهات المتوقعة لما سيؤول إليه هذا النزاع؟
هناك عدة مناهج علمية لتوقع الظواهر السياسية المستقبلية، أشهرها منهج السيناريو.
ويحدد علماء المستقبليات مجموعة من الطرق لبناء السيناريوهات، اخترنا إحداها في هذا المقال على النحو التالي:
يتم استنباط بناء السيناريو من التعريف، فالسيناريو هو وصف لوضع مستقبلي ممكن أو محتمل أو مرغوب فيه؛ مع توضيحٍ لملامح المسار أو المسارات التي يمكن أن ينجم عنها هذا الوضع المستقبلي؛ وذلك انطلاقاً من الوضع الراهن أو من وضع ابتدائي مفترض.
فهذا التعريف يجعل السيناريو مكوناً من ثلاثة أجزاء: وضع مستقبلي، ووضع ابتدائي مفترض، ومسارات من الابتدائي إلى المستقبلي.
أي أن بناء السيناريو هنا يعتمد على ثلاث خطوات:
وصف الوضع المستقبلي.
تحديد الوضع الراهن أو الابتدائي.
تعيين المسارات التي سيسير فيها السيناريو.
بحيث ننتهي إلى ثلاثة سيناريوهات نهائية يؤول إليها مستقبل الصراع: (سيناريو ممكن، وسيناريو محتمل، وسيناريو معياري).
بالنسبة للنطاق الزمني لتوقع مستقبل الصراع على الأقصى، فقد أخذنا بالتقسيم الذي وضعته جامعة مينيسوتا الأمريكية للمستقبل؛ وهو أن المستقبل المتوسط يكون: من خمسة أعوام إلى عشرين عاماً، واخترنا أن يكون بالتحديد خلال السنوات العشر القادمة.
وعندما نطبق هذا المنهج على الوضع الذي يجري في الأقصى نجد أن بنية الصراع على الأقصى والقوى التي تتحكم فيه تتكون أساساً من طرفين داخلي ومحلي وهما الكيان الصهيوني والفلسطينيون، وتأتي بعد ذلك الأطراف الخارجية وهي كثيرة، ولكن نستطيع أن نحدد أكثر الدول تأثيراً سواء كانت دولية كالولايات المتحدة، أم إقليمية فاعلة، سواء كانت عربية أم تركيا أم إيران.
وبذلك إذا استطعنا تحديد الاتجاهات المستقبلية لهذه الأطراف وموقفها من الصراع، يمكننا تخيُّل سيناريوهات تقريبية لما ستؤول إليه الأوضاع حول الأقصى.
أولاً: الكيان الصهيوني
يعاني الكيان الصهيوني بالفعل من عدة أزمات، أولها تحوُّل هدفه في البقاء من دولة تمتد جغرافياً حيث تقف الدبابة الإسرائيلية كما صرح شارون، إلى دولة منغلقة على نفسها بأسوار ذات أذرع عسكرية طويلة تمتد إلى أي مكان يهدد أمنها.
هذه الأزمة نتجت عمَّا يراه الكيان اختلالاً ديموغرافياً حدث نتيجة زيادة الفلسطينيين في مناطقهم الثلاث سواء في غزة أم في الضفة أم في ما يعرف بأراضي الـ (48)، بحيث أصبح - ولأول مرة - عدد الفلسطينيين يفوق عدد اليهود في فلسطين التاريخية منذ ديسمبر 2020م.
ولذلك تبنَّت إسرائيل ثلاثة حلول لمشكلتها الكبرى يمكن اعتبارها بمثابة شروط تفوُّق في صراعها:
أولاً: ما أُطلق عليه صفقة القرن، وهو مشروع غامض لم يُكشَف عن تفاصيله، ولكن تسربت ملامحه إلى الإعلام، ويقضي بمبادلة أراضٍ بين الكيان ومصر في سيناء والنقب ليتم تهجير جزء من الفلسطينيين إليها، كما يتم تهجير بعض آخر إلى الأردن ليقام هناك كيان فلسطيني يتم دمجه مع المملكة الأردنية. وقد تبنَّت هذا المشروع الإدارة الأمريكية السابقة بزعامة ترامب وتوقف الكلام عنه مع رحيلها.
ثانياً: فك العزلة الإسرائيلية بإدماجها في المنطقة بل بقيادتها، وإعادة العلاقات مع دول تمثل ثقلاً اقتصادياً وإستراتيجياً في الشرق الأوسط.
ثالثاً: يتضمن احتواء الفصائل المسلحة الفلسطينية بتفكيكها أو ضمان عدم إطلاق صواريخ وأعمال فدائية منها ضد الدولة الصهيونية، ومحاولة عزلها عن محيطها الجماهيري العربي بحملات دعائية.
ثانياً: الفلسطينيون
هم الطرف الثاني في معادلة الصراع حول الأقصى، وجاءت أحداث الأقصى وما صاحَبها من استفزاز صهيوني لتوقظ صحوةً في نفوس الجماهير الفلسطينية في المناطق الفلسطينية الثلاث في غزة والضفة والمناطق المحتلة عام 1948م؛ خاصة مع ظهور إحساس بأن مصيرهم أصبح واحداً.
وشروط التقدم الفلسطيني ثلاثة، هي:
• ظهور قيادة سواء كانت فردية أم جماعية تلتفُّ حولها الجماهير.
• بلورة إستراتيجية تدير المواجهة مع إسرائيل سواء بالإعداد العسكري أم بإتقان الفعل السياسي، تهيئ مساحات للحركة السياسية وتوجه الفعل العسكري إلى مسارات لصالح القضية.
• استثمار تفاعل فلسطينيي المناطق الثلاث والإحساس المشترك بأهمية التعاون، لإيجاد مظلة مناسبة ينضوي الفلسطينيون تحتها.
ثالثاً: الولايات المتحدة
يظل التدخل الأمريكي هو العامل الدولي الأكثر تأثيراً على الصراع في فلسطين، ولكن هذا التدخل يتأثر بعدَّة عوامل أهمها:
النزاع بين اللوبي الصهيوني في أمريكا والتيار الليبرالي، وهذا النزاع تغذِّيه النبوءات التوراتية التي يحملها الإنجيليون وتيار من اليهود وما يتعلق بضرورة إقامة هيكل سليمان فوق أنقاض الأقصى شرطاً لنزول مسيحهم المزعوم، وقد دعم هذا التيار ترامب للوصول إلى الرئاسة آخذاً بنصائح زوج ابنته كوشنار مهندس صفقة القرن التي تدور حول تهجير جزء كبير من الفلسطينيين إلى سيناء والأردن لتدشين دولة في فلسطين يكون اليهود فيها أغلبية، ولكن تيار الليبراليين الأمريكيين المدعومين بجماعات ضغط قوية من الأقليات في أمريكا كالزنوج واللاتينيين والعرب الذين نجحوا في إسقاط اليمين الأمريكي سواء في الرئاسة أو الكونجرس، ليتوقف الزخم الأمريكي لهدم الأقصى وإقامة هيكل سليمان مؤقتاً لحين موعد الانتخابات القادمة سواء التجديد النصفي للكونجرس أواخر هذا العام، أو الرئاسة بعد عامين ونصف.
أما العامل المهم الآخر فهو الانشغال الأمريكي بالحرب في أوكرانيا، هذا الانشغال يجعل تركيز الإدارة الأمريكية منصبّاًعلى احتواء روسيا ومحاولة الحدِّ من دورها العالمي، وهذا يستتبعه تهدئة باقي الصراعات وعدم حسم القضايا الأخرى، وتنتظر الولايات المتحدة من أطراف هذه النزاعات دعمها في محاصرتها للروس، وتشير أكثر المعطيات بخصوص الحرب في أوكرانيا أنها قد تمتد لسنوات، فالأمريكان يريدون استنزاف روسيا وقصقصة أجنحتها، إلا إذا ظهر عامل غير متوقع ينهي الحرب فيها سريعاً كوفاة بوتين مثلاً.
إذاً هناك شرطان يتوقف عليهما التأثير الأمريكي في قضية الأقصى، وهما وصول اليمين الأمريكي للحكم مرة أخرى، والحرب الدائرة في أوكرانيا وموعد انتهائها.
رابعاً: التأثير العربي:
ينقسم الموقف العربي الحالي من الصراع في الأقصى، بين دول انخرطت في تطبيع علني محموم مع الكيان الصهيوني، ودول مترددة، ودول تعلن رفضها للتطبيع مطلقاً، ودول أخرى طبعت مع الكيان منذ عقود ولكنها تشعر بتضارب بعض المصالح معه حالياً.
هذا النوع الأخير من الدول يتعامل مع قضية الأقصى على أنها (كارت) تفاوض به الاحتلال الصهيوني، فهي تأخذ موقفاً علنياً تندد بممارساته وربما دعمت المقاومة الفلسطينية سواء بتسهيل انتقال السلاح والمؤن إليها، وذلك للضغط على سلطات الاحتلال للتخلي عن ملفات اقتصادية وسياسية تريدها.
وتأثير الدول العربية قد يقلب موازين الصراع على الأقصى بإمكانياتها الاقتصادية والديموغرافية والجيوسياسية، وكذلك بتأييد شعوب هذه الدول وتعاطفها مع الفلسطينيين باعتبار أن الأقصى قضية المسلمين الكبرى.
ولكنَّ ثمة شروط لهذه الدول على خط النزاع حتى يكون دورها مؤثراً في تحديد مستقبل المسجد الأقصى، هي:
أولها: استعادة إحساسها بأنها أكبر قوة إقليمية لو اجتمعت وتخلَّت عن أنانيتها، وهنا يوجد تساؤل حول المدى الذي يمكن أن يتطور فيه الصراع في فلسطين إذا حدث تغيير للنظام السياسي، أو حتى إذا انتشرت الفوضى والانتفاضات مثل ما حدث في زخم الربيع العربي داخل كيانات ما يُعرَف بدول الطوق حول فلسطين، وهي الأردن ومصر؛ خاصة أن لهاتين الدولتين تأثيراً كبيراً على مجريات ما يحدث سواء ما يتعلق بالدور الأردني في الضفة والإشراف على الأقصى، أو ما يتعلق بالدور المصري في غزة وتحكُّمها في المعابر التي تربط القطاع بالعالم الخارجي.
ثانيها: توافق الدول العربية مع دول إقليمية إسلامية ذات ثقل إستراتيجي وعسكري كبير مثل تركيا وباكستان وماليزيا وإندونيسيا وإشراكها في الضغوط الجارية على الكيان الصهيوني.
خامساً: التأثير التركي:
منذ صعود حزب العدالة التركي لسدة الحكم في تركيا في أواخر عام 2002م، حرص النظام التركي على جعل القضية الفلسطينية في مقدمة أولوياته في إطار إستراتيجيته الشاملة لاستعادة مكانة الدولة العثمانية في الشرق الأوسط كقوة كبرى تتبنى قضايا المسلمين، وباعتبار أن هناك إرثاً تاريخياً تركياً يتمثل في رفض السلطان عبد الحميد الثاني آخر السلاطين الأقوياء للعثمانيين بيع أراضي القدس لليهود.
وقد وصل الدعم التركي حدّاً أن صممت سفينة تركية على كسر الحصار المفروض على غزة منذ عدة سنوات، ولكن تصدت لها القوات الصهيونية فقتلت عشرة أتراك، وهو ما أدى إلى وصول التوتر في العلاقات التركية الصهيونية إلى ما يشبه القطيعة.
ولكن مؤخراً ومع اقتراب انتخابات الرئاسة التركية العام القادم، تغير الدعم التركي لفلسطين في ظل التراجع المخيف للاقتصاد التركي وهو القنطرة التي كان يعتمد عليها أردوغان لجذب شريحة كبيرة من الناخبين الأتراك، ومع دخول تركيا في حالة حصار مزدوج سواء من الغرب الذي بات يشعر بخطورة صعود تركيا وعدم تعاونها في حصار روسيا، أو من تحالف إقليمي رأى في الدور التركي المساند للربيع العربي تدخلاً في شؤون داخلية خاصة بالعرب.
حالة الحصار تلك أدت إلى اهتزاز الاقتصاد، وهذا أيضاً أدى إلى تراجع الرئيس التركي والعودة مرة أخرى لسياسة تصفير المشاكل مع دول المنطقة لكسر هذا الحصار في محاولة تغذية شرايين الاقتصاد واستعادة ثقة الناخب التركي مرة أخرى.
وهكذا بدأ قطار التراجع التركي باستعادة علاقاتها القوية مؤخراً مع الخليج وإسرائيل، وهو ما أدى إلى تراجع الدعم وخفوت الصوت التركي في تأييد فلسطين، والأسوأ من هذا أن يسقط أردوغان في الانتخابات القادمة ويجيء نظام حكم جديد تنعدم فيه أي فرصة ممكنة لحصول دعم تركي لفلسطين.
ولذلك فإن شروط عودة الدور التركي مرة أخرى ليؤثر في قضية الأقصى هو إعادة انتخاب أردوغان مرة أخرى، وتزايد قوة الاقتصاد التركي، ونجاح أردوغان في خلخلة الحصار الغربي والعربي على الأتراك.
سادساً: التأثير الإيراني:
يستخدم النظام الإيراني منذ الثورة الإيرانية عام 1979م الورقة الفلسطينية في محاولة كسب تعاطف الجماهير المسلمة وتبييض وجهه الطائفي المتطرف، وفي الوقت نفسه يستخدمها ورقة تفاوضية مع الغرب وإسرائيل للاعتراف به قوة إقليمية يجب أخذها في الحسبان عند تقاسم الكعكة في منطقة الشرق الأوسط.
فالنظام الإيراني غدا متمرداً على الدور الذي كان منوطاً به إسرائيلياً وغربياً وهو كبح صعود أي قوة عربية سنية ولجمها؛ لا أن ينافس إسرائيل على زعامة المنطقة كما يحدث الآن مستغلاً الفراغ الذي أحدثه الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط ليركز على التحدي الصيني والروسي.
دعمت إيران المنظمات الفلسطينية بالمال والسلاح سواء مباشرة أو عن طريق وكيلها في المنطقة (حزب الله)، واضطرت حماس لقبول هذا الدعم بعد فقدان الدعم العربي الرسمي الذي لم يكتفِ بوقف الدعم بل شارك الكيان الصهيوني وتحالف معه.
ولذلك فإن النظام الإيراني يمكن أن يتراجع عن دعم للمقاومة، إذا اعترفت الولايات المتحدة وإسرائيل بإيران أنها قوة إقليمية يجب أن يكون لها نصيبها من كعكة المنطقة سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، وهذا ما يجري التفاوض عليه بين الغرب وإيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني حزمة واحدة.
فالصراع على الأقصى قد يتأثر في حال تم الاتفاق الإيراني الأمريكي، عندها سيقلُّ الدعم الإيراني إلى حدٍّ كبير للمقاومة الفلسطينية، وستفقد حينها الداعم الرئيسي لها في المنطقة بعد تراجع الدعم التركي والعربي.
سيناريوهات الصراع على الأقصى:
فائدة تصور وتخيُّل السيناريوهات المبنية على حقائق موجودة على أرض الواقع ممكنة ومحتملة الحدوث؛ أنها تجعل العمل مركَّزاً على تحقيق شروط السيناريو المرغوب فيه ومحاولة تجنب بل تفكيك شروط السيناريو الأسوأ.
السيناريو الممكن:
يبنى هذا السيناريو على أساس أن العوامل التي تتحكم في الظاهرة لن تتغير في المستقبل الذي تتم فيه الدراسة، وقد سبق أن حددنا تلك المدة بعشر سنوات، وبناء على ذلك فهذا السيناريو يفترض أن وتيرة الصراع ستظل كما هي مع ثبات وضع القوى المحلية والدولية على حالها على النحو التالي:
استمرار الحكومات الإسرائيلية بكبح جماح المستوطنين والمتطرفين اليهود عن القيام بأعمال استفزازية ضخمة، وفي الوقت نفسه بقاء قوة الردع الفلسطينية على وضعها الحالي متمثلة في صواريخ المقاومة في غزة أو في عمليات الذئاب المنفردة ضد المستوطنين، واستمرار اليسار الأمريكي في سدة الحكم في واشنطن مع الانشغال الأمريكي بالوضع في أوكرانيا الذي يبقى بلا حسم، وبقاء الوضع العربي متشرذماً ولا يتجمع على موقف موحد خاصة دول الطوق، وبقاء الدعم الإيراني للمقاومة الفلسطينية متدفقاً في ظل مراوحة المفاوضات الإيرانية الغربية، في حين تظل تركيا حريصة على علاقتها العربية الإسرائيلية وبقاء دعمها المحدود للفلسطينيين في ظل استمرار أردوغان في الحكم.
السيناريو المحتمل:
يبنى على أساس دخول متغيرات جديدة تؤدي إلى التحول لمسار جديد في الصراع.
والسيناريو المحتمل الأسوأ يتمثل في تمكن الصهاينة من هدم المسجد الأقصى وتشييد ما زعموا أنه هيكل سليمان وشروط نجاح هذا السيناريو، هي:
وصول قيادة إسرائيلية متطرفة إلى الحكم تنجح في تطبيق صفقة القرن وتستطيع التغلب على المقاومة المسلحة وخلايا الذئاب المنفردة الفلسطينية بعد أن تكون اندمجت مع الدول العربية المؤثرة في حلف واحد يقوده الكيان الصهيوني، وهذا يتزامن مع وصول قيادة يمينية إنجيلية إلى رئاسة الولايات المتحدة تكون داعمة لهذه الخطوة الصهيونية ويترافق ذلك مع تراجع الاهتمام الأمريكي بحرب أوكرانيا حيث يتم احتواء الدب الروسي والحد من نفوذه، وفي الوقت نفسه تنخرط معظم الدول العربية في المشروع الصهيوني وتجد في هذا المشروع نجاة لها من تحديات داخلية وخارجية، وهذا في ظل فشل الفلسطينيين في إيجاد إستراتيجية تدير المواجهة مع إسرائيل وقيادة تلتفُّ حولها الجماهير ومظلة ينضوي الفلسطينيون تحتها في تكتلاتهم الثلاثة، في حين يفشل حزب العدالة التركي في الانتخابات الرئاسية وتأتي شخصية علمانية تتولى حكم تركيا وتأخذها بعيداً عن القضايا الإسلامية، في حين تتخلى إيران عن دعم المقاومة بعد أن تكون حصلت من الولايات المتحدة وإسرائيل على دور قيادي في منطقة الشرق الأوسط.
السيناريو المعياري أو المفضل أو المرغوب:
هو وصف مستقبل مرغوب فيه للمساعدة في صنعه أو تحقيقه.
في هذا السيناريو تعجز إسرائيل عن تطبيق إستراتيجيتها سواء في قيادة تحالف من دول المنطقة، أو في تفكيك بنية الفصائل المسلحة، أو السيطرة على الذئاب المنفردة الفلسطينية، وينجح الفلسطينيون في إيجاد قيادة تلتف حولها الجماهير الفلسطينية وفي الوقت نفسه يفعِّلون إستراتيجية مواجهة شاملة مع إسرائيل على جميع المستويات (السياسية والعسكرية) ويتمكنون من توفير مظلة تجمع فلسطينيي المناطق الفلسطينية الثلاث وتتعاون مع فلسطينيي المهجر لتكوين جماعات ضغطٍ مؤثرة في العالم، في حين تنشغل أمريكا بالحرب الأوكرانية التي تمتد لتشمل دولاً أخرى في أوروبا في الوقت الذي يشتعل فيه النزاع بينها وبين الصين على تايوان والتجارة العالمية وينجح اليسار الأمريكي في كبح جماح التطرف اليميني في السياسة الأمريكية، ويحدث تغيير حقيقي في الدول العربية سواء بتغيير السياسات أو النخب الحاكمة؛ بحيث تقدم تلك السياسات أولويات الأمن القومي الجماعي العربي على المصلحة الضيقة لكل دولة على حِدَة، وتنهض تركيا لتتحول إلى القوة الإقليمية الكبرى لتقود الأمة في طريق الصعود العالمي بعد أن تتحرر من مرحلة الضغوط الدولية إلى مرحلة المنافسة على قمة النظام الدولي، ويقل اعتماد الفلسطينيين على إيران بعد أن تتراجع إلى الوراء خلف القوى الإقليمية الصاعدة السنية سواء كانت عربية أم تركية.
قد يظن الكثيرون أن السيناريو المأمول هو أحلام! ولكن بالجد واتباع سنن الله في التغيير ستتحول تلك الأحلام والأماني المبنية على الحقائق العلمية بإذن الله إلى صحوة تشمل المسلمين في العالم لتنبعث أمة الإسلام من جديد، وتؤدي دورها المأمول.
________________________________________
الكاتب: حسن الرشيدي
- التصنيف:
- المصدر: