صور التكافل الاجتماعي في الإسلام

منذ 2022-07-17

تتعدَّد صور التكافل الاجتماعي في الإسلام، فتمتدُّ إلى كل العلاقات الاجتماعية، لكننا نستطيع أن نوجز أهمها في المظاهر التالية:

صور التكافل الاجتماعي في الإسلام

تتعدَّد صور التكافل الاجتماعي في الإسلام، فتمتدُّ إلى كل العلاقات الاجتماعية، لكننا نستطيع أن نوجز أهمها في المظاهر التالية:

1- التكافل الخلُقي: ويُقصد به إيجاد تعاون اجتماعي عام؛ لإيجاد روح اجتماعية تُنكِر المُنكَر، وتُشيع المعروف، {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}[آل عمران: 104].

 

فكل فرد في المجتمع الإسلامي، وكل مسؤول عن موقع ما - مهما اختلفت المستويات والطاقات - مسؤولٌ عن إشاعة المعروف وإزالة المنكر؛ «مَن رأى منكم منكرًا، فليغيِّره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان»[1].

 

كما أن المجتمع - أفرادًا وحكومات - مسؤول عن حماية دماء الناس وأعراضهم وأموالهم؛ «كل المسلم على المسلم حرام؛ دمُه، وماله، وعِرضه»[2]؛ وذلك ليشيع الأمنُ والخير والحب في المجتمع.

 

2- التكافل الذاتي: أي: رعاية الإنسان لنفسه، عن طريق تزكيتها بالإيمان والعمل الصالح؛ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9، 10]، والارتفاع بها، والسير في طريق النجاة؛ {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195].

 

3- التكافل الأسري: أي: رعاية الإنسان لأهله؛ لوالديه، وإخوته، وزوجته، وأولاده، وقد روى النسائي عن طارق المحاربي قال: "قدمت المدينة فإذا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ على المنبر يخطب الناس وهو يقول: «يد المُعطي العُليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، فأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك»، ومِن ذلك أيضًا قول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: 83].

 

4- وهذا التكافل الأسري يمتد ليشمل كل ذوي الأرحام، وقد أعطى الإسلام ذوي القربي حقوقًا من حقهم أن يطالبوا بها قانونيًّا؛ قال تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء: 26]، "وقيمة هذا التكافل في محيط الأسرة أنه قوامها الذي يُمسكها، والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وهي تقوم على الميول الثابتة في الفِطرة الإنسانية، وعلى عواطف الرحمة والمودة، ومقتضيات الضرورة والمصلحة"[3].

 

5- حق الجار: والقرآن الكريم يقول في حق الجار: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ} [النساء: 36]، وقال أبو ذر الغفاري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أوصاني خليلي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا طبختَ فأكثر المرق، ثم انظر بعض أهل البيت مِن جيرانك، فاغرف لهم منها»[4].

 

وليس الجار هو المُلاصِق - كما يظن بعض الناس - فقد روي في الآثار أن أربعين دارًا جار، وفسَّرها بعضهم بأربعين مِن كل جهة مِن الجهات الأربع، فأهل كل حي - إذًا - جيران بعضهم لبعض، قالت عائشة: قلت: يا رسول الله، إن لي جارَين، أحدهما مُقبل عليَّ ببابه والآخر ناءٍ ببابه عني، وربما الذي كان عندي لا يسعهما، فأيهما أعظم حقًّا؟ فقال: «المقبل عليك ببابه»[5]، فالإسلام يريد أن يجعل من الحي والشارع وحدةً متكاملة متعاونة؛ بحيث يَحمُون ضعفاءهم، ويُطعِمون جائعَهم، ويكسون عاريَهم، وإلا برئتْ منهم ذمةُ الله وذمة رسوله، ولم يَستحقوا الانتماء إلى مجتمع المؤمنين[6].

 

6- وللفقراء والمُعوِزين حق في مال الأغنياء، إلى أن يكتفوا إذا لم تَكفِهم الزكاة المفروضة، ويقول الإمام أبو محمد علي بن حزم - المتوفى سنة: 456هـ - في موسوعته الفقهية "المحلى" عن ذلك: "وفرض على الأغنياء مِن أهل كل بلد أن يقوموا بفُقرائهم، ويُجبرهم السلطان على ذلك، إن لم تقم الزكاة بهم، ولا في سائر أموال المسلمين بهم، فيُقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بدَّ منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يُكنُّهم مِن المطر والصيف والشمس وعيون المارة".

 

وقال ابن حزم: "ولا يحل لمسلم مُضطر أن يأكل ميتة أو لحم خنزير وهو يجد طعامًا فيه فضل على صاحبه لمسلم أو لذمي؛ لأنه فرض على صاحب الطعام إطعام الجائع، فإذا كان ذلك كذلك، فليس بمُضطر إلى الميتة ولا إلى لحم الخنزير، وله أن يقاتل عن ذلك، فإن قتل المانع، فإلى لعنة الله؛ لأنه منَع حقًّا وهو طائفة باغية"[7].

 

7- كفالة أهل الذمة: ففي المجتمع الإسلامي، يمتد التكافل ليشمل المُنضوِين تحت مظلة المجتمع الإسلامي، وقد منح الإسلام أهلَ الذمة - مِن أهل البلدان التي فتحها المسلمون - حقوقًا تمنحهم الأمانَ والاطمئنان على مُعتقداتهم، إذا شاؤوا البقاء عليها، ما لم يَقفوا في وجه الإسلام بطريق أو بآخر.

 

وفي سلوك الرسول - عليه الصلاة والسلام - في المدينة مع اليهود، وسلوك المسلمين مع اليهود، وسلوك المسلمين بعد ذلك على امتداد التاريخ - ما يؤكد سمو المعاملة التي عُومل بها هؤلاء، ونحن نجد في كتب "النظُم الإسلامية" مثل كتاب "الأموال"؛ لأبي عبيد القاسم بن سلام، و"كتاب الخراج"؛ لأبي يوسف، و"كتاب الخراج"؛ لقدامة بن جعفر، وكتاب "الأحكام السلطانية"؛ لأبي الحسن الماوردي[8]، نجد في هذه الكتب وغيرها تفاصيلَ المعاملة النادرة السامية التي عومل بها هؤلاء الذميُّون.

 

ولعلَّ مِن أكبر صور السمو في المعاملة تلك الكفالةَ الاجتماعية التي ضمنها المجتمع الإسلامي لهؤلاء في حالات عَجزهم وضعفهم، وقصة عمر بن الخطاب مع اليهودي وفرضه له مالاً - راتبًا - من بيت مال المسلمين أكبرُ دليل على ذلك.

 

8- حق الأطفال والأبناء: فكما للوالدين حقوق، فإن للأبناء حقوقًا أيضًا، وتؤخذ نفقة الأطفال والأبناء ووجوبها الشرعي على الأب من عموم قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهند بنت عتبة: «خُذي ما يكفيك وولدَك بالمعروف»، كما يؤخذ ذلك أيضًا من قول الله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: 233].

 

وتفيدنا الآية الكريمة أنه إذا مات الوالد فإن نفقة الأطفال الذين يتركهم تعود إلى ورثة هذا الفقيد، وحتى لو لم يترك الوالد الميت شيئًا، فإنهم يلزمون بالإنفاق على أطفاله القاصرين حسب ميراثهم الذي كان مِن الممكن أن يأخذوه لو ترك شيئًا، أفيأخذون أمواله وعقاراته في حال الغِنى، ولا يَكفُونه في تبعاته في حال الفقر؟ إن هذا لا يجوز في لغة العقل ولا في لغة العدل، وقد وقف الإمام ابن حزم - رحمه الله - في وجه مَن خالفوا هذا الرأي، وردَّ أقوالهم، واستشهَد لقوله الذي ذهب إليه بما فعله ابن مسعود حين جعل نفقة الصبي مِن ماله، وقال لوارثه: "أمَا أنه لو لم يكن له مال، لأخذناك بنفقتِه"، كما استشهد بقول الحسن البصري: "نفقة الصبي إذا لم يكن له مال، على وارثه"، وفسَّر الحسن البصري قوله تعالى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} بالنفقة، ويقول ابن جريج: قلت لعطاء: أيُجبَر وارث الصبي - وإن كره - بأجر مرضعته إذا لم يكن للصبي مال؟ قال: أفنَدعُه يموت؟

 

وهكذا ينشأ الطفل في الإسلام محفوظًا برعاية كاملة مِن أبيه أو وارثه أو رحِمِه، وتُكفل أمه وحاضنته حمايةً له، وكذلك مرضعته، وعلى الدولة المسلمة - أو الأمة في حالة عدم وجود دولة - بعد ذلك - مساعدةُ الأسرة على حماية الطفولة وتوفير متطلباتها، وقد كان عمر - رضي الله عنه - يَمنح كل رضيع معاشًا دوريًّا ثابتًا في حدود الكفالة الصحيحة والعدل الصحيح.

 

وعلى المجتمع المسلم - دولة أو أكثرية أو أقلية - أن يقوم بهذا الدور بالنسبة لجموع أطفال المسلمين وأبنائهم، هذا في الناحية المادية والعضوية، أما في الناحية المعنوية، والأدبية المتصلة بالعقيدة والقيم، فمن واجب المسلمين التكافلُ والتعاون على تنشئة الأبناء تنشئة إسلامية؛ عن طريق إنشاء المحاضن ذات المنهج الإسلامي والأهداف الإسلامية، ويتأكَّد هذا في عالم الأقليات الإسلامية؛ لوجود ضغوط استلابية تُحاول صناعة الأبناء وفق منظومة القيم اللاإسلامية.

 

ومِن المعروف أن المدارس الأجنبية الخاضِعة للدول الأوربية وثقافتها، والهيئات التبشيرية تُقدِّم صياغة علمانية للحياة لا تخلو مِن مسحة تنصيريَّة، وقد ساعد على نجاح هذه المدارس ما تمتاز به مِن وسائل النظام والنظافة، وأساليب التربية الحديثة، ووسائل الإيضاح وتعليم اللغات، ونتيجة هذا فقد أصبحت هذه المدارس في كثير مِن البلدان العربية والإسلامية المقصدَ الذي يَقصده كل القادِرين على دفع نفقات التعليم فيه، أو الذين يُتاح لهم إدخال أبنائهم فيها بصورة أو بأخرى.

 

وقد أتيح لي شخصيًّا أن أعمل في واحدة مِن أشهر هذه المدارس خلال الستينيات، ولم تتحمل هذه المدرسةُ اتجاهي الإسلاميَّ لأكثر من عام واحد؛ وذلك لأن برنامجها التنصيري لم يكن يخفي عليَّ، فاستعملتُ الحِكمة في الحفاظ على الشخصية والعقيدة الإسلامية؛ لكن هذه الحكمة لم تكن لتخفى عليهم، فهم أكثر الناس حكمة ودهاء في الوصول إلى أغراضهم التبشيرية.

 

وفي ضوء هذه المفسدَة المظنونة - على الأقل - إن لم تكن مُحقَّقة في هؤلاء الأبناء الصغار الذين لا حضانة لديهم، فإن مِن السهل التعرُّفَ على الحكم الشرعي مِن خلال قاعدتين أصوليتَين:

• قاعدة درء المفاسد مُقدَّم على جلب المصالح.

 

• قاعدة سد الذرائع، وأن ما يؤدي إلى الحرام حرام، فكيف وهذا الحرام يَمسُّ عقيدة المسلم نفسه؟

 

9- رعاية اللقيط: واللقيط إنسان ولد لا يعرف والده ولا أمه، ومِن حقِّه أن يَلتقطه الناس من الشوارع، ويأثَمون إن لم يَلتقِطوه وتركوه يَهلِك؛ تقديرًا مِن الإسلام لحق الحياة؛ قال تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].

 

ومن واجب الأمة المسلمة - دولة كانت أو أقلية أو جماعة مهما صغرتْ - أن ترعى هذا اللقيطَ، وتعمل على تَنشئته تنشئةً إسلامية سويَّة، وتُعلِّمه مِهنة يَرتزق منها، وليس كل لقيط مِن زنا، فقد يكون أبواه قد ماتا في ظروف غامضة، أو افترَقا، أو افتقَرا فَقرًا مُدقِعًا، ويتولى مَن يشاء رعاية اللقيط بشرط أن يكون مُسلمًا، عاقلاً، بالغًا، حرًّا، قويًّا، خبيرًا بشؤون التربية، وعدلاً، وفي كتب الفقه باب مستقل عن "اللقيط" يَتناول كافة حقوقه الإنسانية، وواجبات المجتمع نحوه، حتى ولو كبر وارتكَب خطأ يوجب غرمًا ماليًّا لا يستطيع دفعه، وجب على الإمام أن يتولاه عنه، وإذا ادَّعى نسبَ اللقيط رجلٌ أو امرأة، حُكم لهما به، وإذا حدَث تنازُع عليه مِن أكثر من رجل وامرأة، استُعمِلت طرق الإثبات المختلفة، كأساس لمَن تَنطبِق عليه الشروط.

 

10- كفالة اليتيم: واليتيم مَن مات أبوه وتركه صغيرًا ضعيفًا يحتاج إلى مَن يكفله، وقد حثَّ الإسلام على إكرام اليتيم؛ فقال تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ} [الضحى: 9]، وقال: {كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} [الفجر: 17]، وقال: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ} [الماعون: 1، 2]، وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام: 152]، وقال: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء: 10].

 

وفي الحديث الشريف أنه - عليه الصلاة والسلام - قال: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»، وأشار بإصبعيه؛ يعني: السبابة والوسطى.

 

وهذا يوجب على المسلمين استحداثُ آليات وصور تطبيقية في محيطهم الإسلامي، ولا سيما في بلاد الاغتراب لرعاية اليتامى؛ حتى لا يلتقطه أعداء الإسلام، فعليهم افتتاح الدور لرعاية الأيتام تحت إشراف المراكز والمؤسسات الإسلامية والجمعيات الخيرية والقائمين على شؤون المساجد.

 

11- كفالة أصحاب العاهات والشيوخ والعجَزة والمَنكوبين:

وكفالة هؤلاء تدخل في نطاق قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[المائدة: 2]، وقوله تعالى أيضًا: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134]، وفي نطاق قوله - عليه الصلاة والسلام -: «المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يُسلمه، مَن كان في حاجة أخيه، كان الله في حاجته، ومَن فرَّج عن مسلم كربة، فرج الله عنه كربةً من كرب يوم القيامة، ومَن ستَر مُسلمًا، ستره الله يوم القيامة»[9].

 

• وأصحاب العاهات هم الذين فقَدوا عضوًا مِن أعضائهم، أو خرجوا إلى الحياة ببِنيَة هزيلة، وذلك مثل العميان، والصَّرعى، والمعَتوهين، وأصحاب العيوب الكلامية، والأمراض المُزمنة، وأمراض الشيخوخة[10]، وقد جاء في كتاب خالد بن الوليد إلى أهل الحيرة ما نصُّه:

 

"وجعلت لهم أيما شيخ ضعُف عن العمل، أو أصابتْه آفة مِن الآفات، أو كان غنيًّا فافتقر، وصار أهل دِينه يتصدَّقون عليه، طرحت جِزْيته، وعِيلَ مِن بيت المال وعياله ما أقام بدار الهجرة ودار الإسلام"[11].

 

ورعاية هذه الشرائح تقتضي إقامة الدور الصالحة لإقامتهم، وتغذيتهم، والإشراف عليهم، فإذا كانوا يُقيمون مع أهلهم، فإن دور رعايتهم تقوم بتعليمهم العلوم النافعة والمِهَن المناسبة، أما الشيوخ والمنكوبون، فيَنبغي أن يلقوا الرعاية المعنوية والمادية المناسبة؛ لأنه لا يَصلح في الإسلام أن يعيش المسلم لنفسه وأولاده وأرحامه، تاركًا مساحة الحياة الاجتماعية لا يتعاطف معها ولا يهتمُّ بأمرها؛ لأن مثل هذا المسلك يَتعارَض مع قوله - عليه الصلاة والسلام -: «ترى المؤمنين في تراحمهم وتعاطفهم وتوادهم كمثل الجسد الواحد؛ إذا اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»[12].

 

12- رعاية الشواذ والمُنحرفين والمُطلَّقات والأرامل:

هذه الصور مِن الشذوذ على قاعدة الحياة السوية - وربما غيرها - سواء كانت ناشئة عن عيوب اجتماعية وأخلاقية، أم ناشئة عن خلل في الحياة الأسريةأو العلاقة الزوجية، وسواء تعلقت بالرجل أو بالمرأة، أو كانت بتأثير العوامل الداخلية؛ كسوء التربية المنزلية، وإهمال الوالدين للأبناء، أو بتأثير العوامل الخارجية؛ كرفقاء السوء، أو مشاهدة الأفلام التي تحثُّ على الجنس أو الجريمة، كل هذه الحالات يجب على المجتمع المسلم - مهما كان صغيرًا أو فقيرًا - أن يَتكاتف في سبيل علاجها ورعاية أصحابها دينيًّا، وتربويًّا، وأخلاقيًّا، وماديًّا، ونفسيًّا، وفي هذه الحالات لا بد أن تتعانَق صور العلاج النفسي والروحي مع الرعاية المادية والاجتماعية، ولا بد مِن تهيئة المناخ الإسلامي المناسب، وتيسير السبُل للأعمال والنشاطات النافعة الحلال، التي تُمثِّل البديل للمناخ غير الصالح الذي كان من أسباب معاناة هؤلاء، وربما كان مِن عوامل التكافُل الاجتماعي تيسيرُ السبُل للزواج أيضًا، وللالتحاق بدروس المساجد وبدور العلم المناسبة لإمكانات هؤلاء وثقافتهم وقدراتهم الفكرية.

 


[1]- رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

[2]- رواه الشيخان.

[3]- سيد قطب: العدالة والمجتمع في الإسلام (ص: 65) دار الشروق، مصر.

[4]- رواه مسلم.

[5]- انظر: مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام؛ للدكتور يوسف القرضاوي، (ص: 13).

[6]- المصدر السابق.

[7]- المحلى، ج 6، كتاب الزكاة، مسألة (725).

[8]- د. حسين مؤنس، عالم الإسلام (ص: 295)، طبع مصر.

[9]- متفق عليه.

[10]- انظر: عبدالله، التكافل الاجتماعي في الإسلام (ص: 63)، وما بعدها.

[11]- من كتاب الخراج؛ لأبي يوسف، (ص: 144).

[12]- رواه البخاري في الأدب المفرَد.

عبد الحليم عويس

باحث أكاديمي متخصص في دراسة التاريخ والحضارة، وقدم العديد من الدراسات والأبحاث العلمية للمكتبة العربية

  • 2
  • 1
  • 2,664

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً