وقفة مع رأس السنة الميلادية
العالم الغربي، يعيش هذه الأيامَ على وقع الاحتفال برأس السنة الميلادية، بحسب ما يدين به النصارى، ويرونه في ملتهم المحرفة، حيث يعتقدون أنه عيد ولادة المسيح بن مريم عليه السلام، الذين يرونه هو الرب، أو ابن الرب، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِالله رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فَخَطَّ خَطًّا، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَمِينِهِ، وَخَطَّ خَطَّيْنِ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ فِي الْخَطِّ الأَوْسَطِ فَقَالَ: هَذَا سَبِيلُ الله، ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام: 153] صحيح سنن ابن ماجة.
لقد تركنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فيها خيرنا، وفيها فلاحنا، وفيها سبل نجاحنا وتقدمنا، فيها ما يقربنا إلى الجنة مبتغى كل مؤمن، وفيها ما يبعدنا عن النار التي يتعوذ منها كل مسلم، حتى قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به، وليس شيء يقربكم إلى النار إلا قد نهيتكم عنه. وإن روح القدس نفث في رُوعي: إن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله، فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته» صحيح الترغيب.
وقال العباس عم نبينا - صلى الله عليه وسلم -: والله ما ماتَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حتّى تركَ السبيلَ نهجاً واضحاً، وأحلَّ الحلالَ، وحرَّم الحرامَ.
ها هو العالم الغربي، يعيش هذه الأيامَ على وقع الاحتفال برأس السنة الميلادية، بحسب ما يدين به النصارى، ويرونه في ملتهم المحرفة، حيث يعتقدون أنه عيد ولادة المسيح بن مريم عليه السلام، الذين يرونه هو الرب، أو ابن الرب، كما قال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}، وكما قال تعالى: {وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: 30]. وهو إطراء مذموم، لا يُثبت لعيسى عليه السلام توقيرا ولا تقديرا، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لاَ تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ الله وَرَسُولُهُ» (البخاري).
عجبا للمسيح بين النصارى ** وإلى الله والدًا نسبوهُ
أسلموه إلى اليهود وقالوا ** إنهم بعد قتله صلبـــوهُ
غير أنه احتفال لا تربطه بالتدين أي رابطة، ولا يمت إلى حسن الأخلاق وجميل الآداب بأي صلة، إلا أن يكون إسرافا في الإنفاق، وتبذيرا في مظاهر اللهو والمجون، حيث تَصرف الأسرة الغربية الواحدة في هذه المناسبة أزيد من 600 دولار، كما صرفت إحدى الدول الغربية أزيد من خمسين مليار دولار، فكيف بباقي الدول الأخرى، مما لو جمع لكان كافياً لإطعام ملايين الجائعين، وإيواء مئات الألوف من اللاجئين والمشردين، ومعالجة المرضى، وتعليم الأميين؟.
غير أن العجب كل العجب، حين يدخل بعض المسلمين على الخط، فتراهم يتهيؤون للاحتفال بهذه المناسبة بما لا يتهيؤون به لعيد الفطر ولا لعيد الأضحى، فيحجزون أماكنهم في الفنادق، ويلبسون الجديد، وقد تخرج الأسرة بكل أفرادها: الأب، والأم، والأبناء، والبنات، متلهفين لمشاركة النصارى لحظة الصفر، التي تنطفئ فيها الأضواء على إيقاع الخمور، والرقص المختلط، وألوان المجون والتهتك، ثم ليهنئ بعضهم بعضاً بهذه المناسبة، مع ما يعتقده النصارى من نسبة كل ذلك لشريعة المسيح عليه السلام، التي توحي إليهم في زعمهم أن الذي يحتسي آخر كأس من قنينة الخمر بعد منتصف تلك الليلة، سيكون سعيد الحظ، وإذا كان عزباً فسيكون أول من يتزوج من بين رفاقه في تلك السهرة، كما توحي لهم أن من الشؤم دخولَ منزلٍ في هذا العيد دون هدية، وأن كَنْس الغبار إلى الخارج، يُكنَس معه الحظ السعيد، وأن غسل الثياب والصحون في ذلك اليوم من الشؤم، وأن الحرص على بقاء النار مشتعلة طوال ليلة رأس السنة يحمل الحظ السعيد.. إلى غير ذلك من الخرافات الباطلة، التي يتبرأ منها عيسى عليه السلام، الذي سيفضحهم يوم القيامة، حين يسأله الله تعالى: «أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله» ؟، فيكون جوابه: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة: 116، 117].
إنهم لو عقلوا كتبهم حقاً لعلموا أن نبيهم بَشَّر بنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأخبر أنه النبي الخاتم الذي يجب أن يتبعوا دينه. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]. قال - صلى الله عليه وسلم -: أنا دعوة أبي إبراهيم، و بشرى عيسى عليهما السلام، ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاءت له قصور الشام الصحيحة.
إنه عيسى عليه السلام، الذي أنصفه ديننا بأعظمَ مما يعتقدون، فجَعَل الإيمان به، وبنبوته من ركائز إيماننا، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ الله، وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، وَالْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ متفق عليه. وهذا معناه أنه لا عذر لأهل الكتاب في زماننا أن يتجاهلوا الإسلام، وأن يموتوا على دينٍ غيره. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا، وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا، كَانَ لَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِي، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ، وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ» (متفق عليه). وكذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ، وَالأَنْبِيَاءُ أَوْلاَدُ عَلاَّتٍ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ» (متفق عليه). أي: هم أولاد أب واحد، ومن أمهات مختلفة. والمقصود أن أصل دين الأنبياء واحد، وإن اختلفت شرائعهم. وأصرح منه قوله - صلى الله عليه وسلم - في حق سيدنا موسى عليه السلام: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ مُوسَى - صلى الله عليه وسلم - كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي» (رواه أحمد وهو حديث حسن).
إنه عيسى بن مريم عليه السلام، الذي سيقتبس نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - دعوته، يستشفع بها لنا عند الله تعالى يوم القيامة. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «تُحْشَرُونَ حُفَاةً، عُرَاةً، غُرْلاً» (غير مختونين)، ثُمَّ قَرَأَ: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ} [الأنبياء: 104]. ثم قال: «فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ (إلى جهة الجنة)، وَذَاتَ الشِّمَالِ (إلى جهة النار)، فَأَقُولُ: أَصْحَابِي؟ فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ. فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ» (البخاري).
إن من جملة اعتقاد المسلمين في عيسى عليه السلام أنه لم يمت، ولم يصلب، وأن الله عز وجل رفعه إليه، لينزله في آخر الزمن، ويكونَ نزوله إحدى العلامات الكبرى لقيام الساعة. قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وَإِنَّهُ نَازِلٌ، فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَاعْرِفُوهُ: رَجُلاً مَرْبُوعاً (بين الطويل والقصير)، إِلَى الْحُمْرَةِ وَالْبَيَاضِ، عَلَيْهِ ثَوْبَانِ مُمَصَّرَانِ (فيهما صُفْرَةٌ خفيفةٌ)، كَأَنَّ رَأْسَهُ يَقْطُرُ وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ بَلَلٌ، فَيَدُقُّ الصَّلِيبَ (يكسره)، وَيَقْتُلُ الْخِنْزِيرَ، وَيَضَعُ الْجِزْيَةَ (أي: لا تقبل الجزية إلا الإسلام)، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الإِسْلاَمِ، فَيُهْلِكُ اللَّهُ فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلاَّ الإِسْلاَمَ» (رواه أحمد، وهو في الصحيحة).
وعن جَابِر بْن عَبْدِالله رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «لاَ تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا. فَيَقُولُ: لاَ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ الله هَذِهِ الأُمَّةَ» (مسلم).
هذه عقيدتنا نحن المسلمين في عيسى عليه السلام، لا نزيد ولا ننقص، ولا نغالي ولا نجافي، {ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ} [مريم: 34]. فهل نترك ما ثبت عندنا بالأدلة القطعية، إلى أهواء قوم لا تهمهم إلا الحياة الدنيا وملذاتها؟ قال تعالى: {وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَنْ تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ وَإِنْ تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لَا يُؤْخَذْ مِنْهَا أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} [الأنعام: 70].
_______________________________________________________
الكاتب: الكاتب: محمد ويلالي
- التصنيف:
- المصدر: