{ وآتوا الزكاة }
إن أداء الزكاة من أعظم الأسباب الجالبة للوئام والمحبة بين المسلمين بين أغنيائهم وفقرائهم، وهي زكاة لأنها تزيل ما قد يقع في النفوس من الحقد والحسد، ويحصل بسببها التعاطف والتراحم، وتسود المحبة في المجتمع كله.
الحمد لله الكريم المنان، دائم الفضل والإحسان، أحمده سبحانه على نعمه الوافرة، وأشكره على آلائه المترادفة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الإله الحق المبين، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، الناصح الأمين، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليمًا.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، وأطيعوه، وامتثلوا أمره ولا تعصوه، واشكروه على نعمه التي لا تحصى، ومننه التي تترى، فشكر المنعم واجب من واجبات الدين، وهو سبب لحفظ النعم الموجودة وجلب النعم المفقودة، {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7]. والله ينعم على عبده ليبتليه ويختبره، فإن شكره زاده من نعمه، وإن كفر سلب نعمته، وإن من شكر الله إخراج ما أوجب في المال من الحقوق والواجبات، كما قال سبحانه: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:24-25]. فشكر المال أن تحسن كما أحسن الله إليك، وإن تؤدي حقه الواجب عليك، من نفقة واجبة، وزكاة مفروضة، وتيسير على معسر، وتفريج عن مكروب، وإغاثة لملهوف.
والمال الذي تنفقه في سبيل الله ومرضاته هو مالك الحقيقي، وهو ما يبقى لك فتنتفع به غاية النفع، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يقولُ ابنُ آدَمَ: مَالِي، مَالِي، قالَ: وَهلْ لَكَ -يا ابْنَ آدَمَ- مِن مَالِكَ إلَّا ما أَكَلْتَ فأفْنَيْتَ، أَوْ لَبِسْتَ فأبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فأمْضَيْتَ»؟!. (رواه مسلم).
وقد أوجب سبحانه الزكاة وجعلها ركنًا من أركان الإسلام، لا يتم إيمان المرء إلا بها، ورتب على إخراجها الجزاء العظيم، والفضل الجسيم، لمن أداها كاملة وصرفها على مستحقيها ولم يحاب بها، ولم يقصد بذلك رياء ولا سمعة، ولم يتبعها منًا ولا أذى {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}. [البقرة:262]. {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} [البينة: 5]. فرضها الله فرضًا، وهي مدخرة لصاحبها عند الله قرضا، فيها الأجر العظيم والثواب الجسيم: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ} [التغابن: 17].
والزكاة طهرة للمزكي: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}. [التوبة: 103].
تزكي النفوس من الشح والبخل، وهي تزكية للأموال وتنميتها حسًا ومعنى؛ وحفظها عن التلف والهلاك؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقًا خلفًا. ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكًا تلفًا». (متفق عليه).
عباد الله: إن أداء الزكاة من أعظم الأسباب الجالبة للوئام والمحبة بين المسلمين بين أغنيائهم وفقرائهم، وهي زكاة لأنها تزيل ما قد يقع في النفوس من الحقد والحسد، ويحصل بسببها التعاطف والتراحم، وتسود المحبة في المجتمع كله.
وفريضة الزكاة من محاسن هذا الدين، ومن أروع صور التكافل الاجتماعي، وهي عون كبير على نوائب الحق في الإسلام، وقد كانت الزكاة في كثير من العصور المتقدمة أكبر مورد للدولة الإسلامية، تجهز بها الجيوش، ومنها تدفع المغارم، وتتألف القلوب، ويعان بها المسافر، وتفك الرقاب، وتدفع حاجة الفقير والمسكين.
والزكاة عبادة تولى الله الحكيم العليم قسمتها بنفسه، فلم يترك هذا الأمر لملك مقرب ولا نبي مرسل، وحصرها في الثمانية المذكورين في قوله سبحانه: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 60]. وغير هؤلاء لا تحل لهم، فلا تحل لغنى عنده ما يغنيه، ولا لقوي يستطيع التكسب بما يكفيه، ومن هنا فإن المسلم يتحرى في زكاته أصناف الزكاة، وذلك من خلال الجمعيات الرسمية الموثوقة التي تشرف عليه الدولة، وتعنى بالفقراء والمساكين والغارمين والمساجين، كمنصات إحسان وفرجت وجود، ويحذر أشد الحذر من الجهات المشبوهة التي ليس لها وجود على أرض الواقع أو عصابات التسول.
ومانع الزكاة متوعد بعذاب أليم قال صلى الله عليه وسلم: «مَن آتاه الله مالًا فلم يؤدِّ زكاتَه مُثِّلَ له مالُه يوم القيامة شجاعًا أقرعَ له زَبِيبتان يُطَوَّقُه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني بشدقيه- ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك» ، ثم تلا صلى الله عليه وسلم: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180]. (رواه البخاري). فيا له من هول ما أفظعه، ويا له من منظر ما أشنعه!
عباد الله: إن أعظم العقوبات، وأشد الحسرات ما يلقاه العبد عندما يفارق أهله وذويه، وماله وبنيه، ويودع في قبره وحيدًا لا أنيس ولا جليس فيه، إلا عمله، في ذلك الحين لا ينفعه الندم، ولا يدفع عنه العذاب حشم ولاخدم: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89].
فاتقوا الله، عباد الله، وأدوا زكاة أموالكم، طيبة بها نفوسكم، استجابة لأمر مولاكم، وشكرا له على نعمه، وخوفا من عقابه وسطوته، وتفوزوا برضوانه وثوابه، فما هي إلا أيام قلائل، والكل ذاهب وزائل، وما متاع الدنيا في الآخرة إلا قليل.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:277].
الحمد لله وكفى، وسمع الله لمن دعا، وبعد؛ فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وأعلموا أنكم في أيام شريفة، وليالي نفيسة، شرفها الله وفضلها، وجعلها موسمًا من مواسم الخير والإحسان، فاغتنموها، فكم لله من عتيق من النار قد أوبقته الخطيئات! وكم فائز من ربه بالرضا والغفران! فأكثروا من تلاوة القرآن، وذكر الله، والصدقة، والإحسان، وكف الجوارح عن اللغو والآثام، وتعرضوا لنفحات ربكم بالتيسير على المعسرين، وتفريج كرب المكروبين، وأحسنوا كما أحسن الله إليكم فإن الله يحب المحسنين.
واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}؛ اللهم صَلِّ وسَلِّم على النبي المصطفى المختار، وصَلِّ على الآل الأطهار، والمهاجرين والأنصار وجميع الصحب الأخيار.
اللهم أعنا على صيام رمضان وقيامه إيمانًا واحتسابًا، واجعلنا ممن صام الشهر واستكمل الأجر وفاز بليلة القدر فأزحت عنه الذنب والوزر.
محمد بن إبراهيم السبر
إمام وخطيب جامع الأميرة موضي بنت أحمد السديري بالعريجاء من عام 1418هـ ، والمدير التنفيذي المكلف لمكتب الدعوة وتوعية الجاليات بالبديعة بالرياض، والمتحدث الرسمي لفرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمنطقة الرياض
- التصنيف: