فضل ليلة القدر وقيام الليل
اعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فأحسنوا الختام لقد مضى من هذا الشهر الكريم الثلثان، وبقي منه الثلث وقت العشر الحسان، فاغتنموها بالعزائم الصادقة، وبذل المعروف والإحسان، وقوموا في دياجيها لربكم خاضعين ولبره وخيراته راجين ومؤملين ومن عذابه وعقابه مستجيرين مستعيذين...
الحمد لله الذي من على عباده بمواسم الخيرات، ووفق من شاء منهم لاغتنام هذه المواسم بفعل الخيرات، وخذل من شاء منهم، فكان حظه التفريط والخسران والندامات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له رب الأرض والسماوات وواسع الكرم والجود والهبات، وأشهد أن محمداًً عبده ورسوله أفضل المخلوقات صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان مدى الدهور والأوقات، وسلم تسليماً.
أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واغتنموا مواسم الخير بعمارتها بما يقرب إلى ربكم، واحذروا من التفريط والإضاعة، فستندمون على تفريطكم وإضاعتكم.
إخواني من لم يربح في هذا الشهر الكريم، ففي أي وقت يربح، ومن لم ينب فيه مولاه، ففي أي وقت ينيب، ويصلح، ومن لم يزل متقاعداً عن الخيرات، ففي أي وقت تحصل له الإستقامة، ويفلح، فبادروا يرحمكم الله فرص هذا الشهر قبل فواتها، واحفظوا نفوسكم عما فيه شقاؤها وهلاكها، ألا وإن شهركم الكريم قد أخذ بالنقص والاضمحلال، وشارفت لياليه، وأيامه الثمينة على الانتهاء والزوال، فتداركوا أيها المسلمون ما بقي منه بصالح الأعمال، وبادروا بالتوبة من ذنوبكم لذي العظمة والجلال، واعلموا أن الأعمال بالخواتيم، فأحسنوا الختام لقد مضى من هذا الشهر الكريم الثلثان، وبقي منه الثلث وقت العشر الحسان، فاغتنموها بالعزائم الصادقة، وبذل المعروف والإحسان، وقوموا في دياجيها لربكم خاضعين ولبره وخيراته راجين ومؤملين ومن عذابه وعقابه مستجيرين مستعيذين، فإنه تعالى أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين، وهو الذي يقول: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].
وهو الذي ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيعرض على عباده الجود والكرم والغفران يقول: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له؟ وفي هذا العشر ليلة القدر المباركة التي يفرق فيها كل أمر حكيم، ويقدر فيها ما يكون في تلك السنة بإذن العزيز العليم الحكيم تنزل فيها الملائكة من السماء، وتكثر فيها الخيرات والمصالح والنعماء، من قامها إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من الذنوب، ومن فرط فيها، وحرم خيرها فهو الملوم المحروم، أبهمها الله تعالى في هذه العشر، فلم يبين عينها ليتزود الناس في جميع ليالي العشر من التهجد والقراءة والإحسان، وليتبين بذلك النشيط في طلب الخيرات من الكسلان، فإن الناس لو علموا عينها لاقتصر أكثرهم على قيام تلك الليلة دون ما سواها.
ولو علموا عينها ما حصل كمال الامتحان في علو الهمة وأدناها، فاطلبوها رحمكم الله بجد وإخلاص، واسألوا الله فيها الغنيمة من البر والخيرات والسلامة من الافلاس، فإذا مررتم بآية رحمة، فاسألوا الله من فضله، وإذا مررتم بآية وعيد، فتعوذوا بالله من عذابه، وأكثروا في ركوعكم من تعظيم ذي العظمة والجلال، وأما السجود، فاجتهدوا فيه بعد التسبيح بالدعاء بما تحبون، فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، ويجوز للإنسان أن يدعو لنفسه ولوالديه وذريته وأقاربه ومن أحب من المسلمين، وأطيلوا القيام بعد الركوع والجلوس بين السجدتين لتتناسب أركان الصلاة من القيام والركوع والجلوس والسجود والقيام بعد الركوع محل حمد وثناء، فأكثروا فيه الحمد والثناء والجلوس بين السجدتين محل دعاء بالمغفرة والرحمة، فأكثروا فيه من الدعاء، وافتتحوا قيام الليل بركعتين خفيفتين؛ لأن الشيطان يعقد على قافية العبد إذا نام ثلاث عقد، فإذا قام، وذكر الله انحلت عقدة، فإذا تطهر انحلت الثانية، ثم إذا صلى انحلت الثالثة، ولكن إذا جاء أحدكم المسجد، وقد أقام الإمام، فليدخل معه، ولو لم يفتتح القيام بركعتين خفيفتين؛ لأن متابعة الإمام أهم، وهنا أمر ينبغي التفطن له، وهو أن بعض الناس يجعل فرجة في الصف للمؤذن أو القارئ بعد الشروع في الصلاة، وهذا خلاف المشروع، فإن المشروع سد فرج الصفوف والمراصة إذا شرعت الصلاة، فإذا جاء المؤذن أو القارئ دخل حيث ينتهي به الصف. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، قال الله تعالى في فضل ليلة القدر: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر:1 - 5].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم... الخ.
محمد بن صالح العثيمين
كان رحمه الله عضواً في هيئة كبار العلماء وأستاذا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
- التصنيف: