فضل العشر الأواخر من رمضان
ومن أظهر فضائل العشر الأواخر من رمضان وخصائصها: اجتهاد النبي ﷺ فيها فوق ما كان يجتهد في غيرها؛ كما روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره).
الحمد لله الذي أعزنا بالإسلام، وأكرمنا برمضان، وجعل العشر الأواخر منه من أفضل الأزمان، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير الأنام، وأفضل من صلى وصام، وسنَّ التهجد والقيام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، ولنعلم أن الله عز وجل بحكمته فضل بعض الأزمنة على بعض، وجعل منها مواسم للتجارة الرابحة مع الله سبحانه وتعالى، فكما فضل شهر رمضان على الشهور، فقد جعل العشر الأواخر منه أفضل لياليه، وجعل أيامها أكمل أيامه، وخصها بخصائص عن بقية أيام وليالي الشهر.
ومن أظهر فضائل العشر الأواخر من رمضان وخصائصها:
أ- اجتهاد النبي صلى الله عليه وسلم فيها فوق ما كان يجتهد في غيرها؛ كما روى مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره))[2]، ومن ذلك أنه كان يحيي الليل فيها؛ كما في حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله، وأيقظ أهله))[3]، ويحتمل أن المراد إحياء الليل كله، ويحتمل أن يراد بإحياء الليل إحياء غالبه؛ وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: ((وما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلةً حتى الصباح))[4].
أيها المسلمون: ومما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحرص عليه في هذه العشر:
الاعتكاف في المسجد تفرغًا لعبادة ربه وتحريًا لليلة القدر، فالاعتكاف في رمضان سنة فعلية، فعلها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، واعتكف أزواجه من بعده، وحكى أهل العلم الإجماع على أنه مسنون، وينبغي أن يكون الاعتكاف على الوجه المشروع، وهو أن يلزم مسجدًا لطاعة الله سبحانه؛ بحيث يتفرغ من أعمال الدنيا إلى طاعة الله تعالى.
ومن فضائل هذه العشر وخصائصها ومزاياها أن فيها ليلة القدر، التي خصها الله تعالى بخصائص[5]؛ منها:
1– أنه أنزل فيها القرآن، {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} [القدر: 1].
2– ووصفها بأنها خير من ألف شهر في قوله تعالى: {لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} [القدر: 3].
3– ووصفها بأنها مباركة في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ} [الدخان: 3].
4– وأنها تنزل فيها الملائكة والروح؛ أي: يكثر تنزل الملائكة في هذه الليلة لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة كما يتنزلون عند تلاوة القرآن، ويحيطون بحلق الذكر، والروح هو جبريل عليه السلام خصه بالذكر لشرفه.
5– ووصفها بأنها سلام؛ أي: سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءًا أو أذًى، وفيها السلامة من العقاب والعذاب بما يقوم به العبد من طاعة الله عز وجل.
6– {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} [الدخان: 4]؛ أي: يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السَّنَةِ، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق، وما يكون فيها إلى آخرها.
7– وأن الله تعالى يغفر لمن قامها إيمانًا واحتسابًا ما تقدم من ذنبه.
كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا، غُفر له ما تقدم من ذنبه»[6]، وليلة القدر في العشر الأواخر كما في حديث عائشة وحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان»[7]، وهذا لفظ حديث عائشة، وفي أوتار العشر آكد؛ لحديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان»[8].
وأرجاها السبع الأواخر؛ كما جاء في حديث ابن عمر: ((أن رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أُروا ليلة القدر في المنام في السبع الأواخر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر، فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر»[9].
ولمسلم: «التمسوها في العشر الأواخر؛ يعني: ليلة القدر، فإن ضعف أحدكم، أو عجز، فلا يغلبن على السبع البواقي»[10]، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «التمسوها في العشر الأواخر من رمضان، في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى»[11]؛ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ} [القدر: 1 - 5].
زكاة الفطر:
الحمد لله القائل: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 14، 15]، والصلاة والسلام على خير خلق الله، الذي واسى الفقراء والمساكين، وأمر المسلمين بمواساتهم والاهتمام بهم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه، واتبع سنته إلى يوم الدين؛ أما بعد:
فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، والحرص على إخراج زكاة الفطر على الوجه الشرعي الذي بيَّنه لنا رسولنا عليه الصلاة والسلام، وذلك لأن حكم زكاة الفطر فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين، على الكبير والصغير، والذكر والأنثى، والحر والعبد من المسلمين؛ قال عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا من تمر، أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة))[12].
ومن حكمتها:
أ- إحسان إلى الفقراء وكف لهم عن السؤال أيام العيد.
ب- والاتصاف بخلق الكرم وحب المواساة.
ج- وتطهير للصائم مما يحصل في صيامه من نقص ولغو وإثم.
د- وإظهار شكر نعمة الله تعالى بإتمام الصيام والقيام؛ عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر؛ طهرةً للصائم من اللغو والرفث، وطعمةً للمساكين، من أدَّاها قبل الصلاة، فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة، فهي صدقة من الصدقات))[13]، واعلموا أن جنس الواجب في الفطرة هو طعام الآدميين؛ من تمر أو بُرٍّ، أو زبيب أو أقط، أو غيرها من طعام بني آدم؛ مثل: الرز والذرة والدخن ونحوها؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا من طعام، أو صاعًا من شعير، أو صاعًا من تمر، أو صاعًا من أقط، أو صاعًا من زبيب))[14]، ومقدار زكاة الفطر: صاع بصاع كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عن كل فرد، ووقت وجوبها: غروب الشمس ليلة عيد الفطر، وأما زمن دفعها: فله وقتان: وقت فضيلة، ووقت جواز، فأما وقت الفضيلة، فهو صباح العيد قبل الصلاة؛ ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزكاة الفطر، أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة))[15]، ولذلك كان من الأفضل تأخير صلاة العيد يوم الفطر ليتسع الوقت لإخراج الفطرة، وأما وقت الجواز: فهو قبل العيد بيوم أو يومين؛ ففي صحيح البخاري: ((وكان ابن عمر رضي الله عنهما يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))[16]، ولا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد بلا عذر، وأما مكان دفعها: فتدفع إلى فقراء المكان الذي هو فيه وقت الإخراج، والمستحقون لزكاة الفطر: هم الفقراء، ومن عليهم ديون لا يستطيعون وفاءها، فيعطون منها بقدر حاجتهم، ويجوز توزيع الفطرة على أكثر من فقير، ويجوز دفع عدد من الفطر إلى مسكين واحد، كما يجوز للفقير إذا أخذ الفطرة من شخص أن يدفعها عن نفسه، أو أحد من عائلته.
عباد الله: صلوا وسلموا - رحمكم الله - على خير البرية، وأزكى البشرية؛ فقد أمركم الله بذلك فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام: ((من صلى عليَّ صلاةً، صلى الله عليه بها عشرًا))، فاللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك، محمد صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه، ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.
[1] ينظر: عبدالله بن صالح القصير، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام، دار الوطن للنشر، 1417هـ، ص 55- 63.
[2] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 1175.
[3] صحيح البخاري، الصفحة أو الرقم: 2024.
[4] صحيح مسلم، الصفحة أو الرقم: 746.
[5] ينظر: عبدالله بن صالح القصير، تذكرة الصوام بشيء من فضائل الصيام والقيام وما يتعلق بهما من أحكام، دار الوطن للنشر، 1417هـ ص 55- 63.
[6] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2014.
[7] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2020.
[8] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2017.
[9] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2015، وصحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1165.
[10] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 1165.
[11] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 2021.
[12] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1503.
[13] صحيح أبي داود الصفحة أو الرقم: 1609.
[14] صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1506.
[15] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 986.
[16] صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 986.
_______________________________________________
الكاتب: محمد بن حسن أبو عقيل
- التصنيف: