من فضائل عشر ذي الحجة وفضل العمل الصالح فيها

منذ 2024-06-06

"في هذه العشر تُضاعَف الحسنات، وتجاب الدعوات، وتغفر الخطايا والسيئات"

من فضائل عشر ذي الحجة وفضل العمل الصالح فيها

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فإن شهر ذي الحجة شهر كريم، وموسم عظيم، شهر الحج، شهر المغفرة والوقوف بعرفة، شهر يتقرب فيه المسلمون إلى الله بأنواع القربات من حجٍّ وصلاة وصوم وصدقة وأضاحٍ، وذكر الله ودعاء واستغفار، وعشره الأُوَل عشرٌ مباركات، وهن الأيام المعلومات التي أقسم الله بهن في محكم الآيات في قوله: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، وهن أفضل من كل عشر سواها، والعمل فيها أفضل من العمل في غيرها

 روى البخاري في صحيحه من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام» - يعني: الأيام العشر-، قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال:  «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء»؛

ورواه الطبراني ولفظه:  «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إلى الله العمل فيهن من أيام العشر، فأكثروا فيهن من التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير»؛ (أي: أكثروا فيهن من قول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر)،

وفي رواية للبيهقي:  «ما من عمل أزكى عند الله ولا أعظم أجرًا من خيرٍ يعمله في عشر الأضحى»، فكان سعيد بن جبير إذا دخل أيام العشر اجتهد اجتهادًا شديدًا، حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أيام العشر:  «يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه والبيهقي) ، وعن أنس بن مالك قال: كان يقال في أيام العشر: بكل يوم ألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم؛ يعني: في الفضل؛ رواه البيهقي والأصبهاني، وعن الأوزاعي رضي الله عنه قال: بلغني أن العمل في اليوم من أيام العشر كقدر غزوة في سبيل الله، يصام نهارها، ويحرس ليلها، إلا أن يختص امرؤ بشهادة؛ رواه البيهقي.

 

وفي هذه العشر تُضاعَف الحسنات، وتجاب الدعوات، وتغفر الخطايا والسيئات، وهذه الأيام العظام يشترك في خيرها الحُجاج إلى بيت الله الحرام، والمقيمون في أوطانهم على الطاعات، والعمل المفضول في هذه العشر خيرٌ من الفاضل في غيرها من الأوقات، والعمل الصالح فيها أفضل عند الله وأحب إليه من كثير من العبادات، وهذه العشر تحتوي على فضائل عشر:

الأولى: أن الله - تعالى - أقسم بها في قوله: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2].

 

الثانية: أنه سماها الأيام المعلومات.

 

الثالثة: أن الرسول صلى الله عليه وسلم شهد لها بأنها أفضل أيام الدنيا.

 

الرابعة: أنه حث على أفعال الخير فيها.

 

الخامسة: أنه أمر بكثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير فيها.

 

السادسة: أن فيها يوم التروية، اليوم الثامن، وقد ورد أن صيامه بصيام سنة.

 

السابعة: أن فيها يوم عرفة، اليوم التاسع، وصومه بسنتين.

 

الثامنة: أن فيها ليلة جميلة، ليلة المزدلفة، وهي ليلة عيد النحر، وقد ورد أنها تعدل ليلة القدر.

 

التاسعة: أن فيها الحج الأكبر الذي هو ركن من أركان الإسلام.

 

العاشرة: وقوع الأضاحي فيها، التي هي عَلَم من معالم الملة الإبراهيمية والشريعة المحمدية.

 

وأما يوم عرفة، فقد عظَّم الله أمره، ورفع على الأيام قدره، وقد أقسم الله به في قوله - تعالى -: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر: 3]، فذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:  «الوتر يوم عرفة، والشفع يوم النحر»، وفي قوله - تعالى -: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 3]:  «الشاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة»، ومن فضائله أن الله أنزل فيه: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [المائدة: 3]، فهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة، ويوم مغفرة الذنوب والتجاوز عنها، والعتق من النار، وفي "صحيح مسلم" عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيدًا من النار من يوم عرفة، وأنه ليدنو فيباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء»؟.

 

فمن طمع بالعتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة، فلْيحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة، ومنها صيام ذلك اليوم؛ ففي "صحيح مسلم" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده»، ومنها حفظ جوارحه عن المحرَّمات؛ ففي "مسند الإمام أحمد" عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  «يوم عرفة من مَلَكَ فيه سمعه وبصره ولسانه، غُفر له».

 

ومنها الإكثار من شهادة التوحيد بصدق وإخلاص؛ فإنها أصل دين الإسلام وأساسه الذي أكمله الله في ذلك اليوم، فتحقيقُ كلمة التوحيد يوجب عتقَ الرقاب الذي يوجب العتق من النار، كما ثبت في الصحيح أن من قالها مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب، ومن قالها عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل، وكان عبدالله بن عمر وأبو هريرة يخرجان إلى السوق في أيام العشر فيكبِّران ويكبر الناس بتكبيرهما: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، والله أكبر الله أكبر ولله الحمد.

 

وإذا دخلت العشر فمن أراد أن يضحي، فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بَشَرتِه شيئًا حتى يضحي؛ لحديث أم سلمة؛ رواه مسلم وغيره.

 

أيها المسلم، تبْ إلى ربك من الذنوب والخطايا قبل أن تموت؛ فإن الموت يأتي فجأة، ومن تاب قبل أن يموت تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

 

أيها المسلم، حافظ على ما أوجبه الله عليك من الطاعات، وابتعد عن المحرَّمات التي تمنع القبول؛ فإن المعاصي تزيل النعمَ، وتوجب النقم، وهي سبب هلاك الأمم، حافظْ على الفرائض وكمِّلها بالنوافل؛ فإن النوافل تجبر ما نقص من الفرائض، وهي من أسباب محبة الله لعبده وإجابة دعائه، ومن أسباب رفع الدرجات ومحو السيئات وزيادة الحسنات، وفي هذه العشر المباركات تُضاعَف الحسناتُ، فأكثرْ فيها من نوافل الصلاة والصدقة والصوم، وأكثر من تلاوة القرآن الكريم؛ فإن الله يثيبك عليه بكل حرفٍ عشرَ حسنات، أكثر من ذِكر الله ودعائه واستغفاره؛ فإن الله يذكر مَن ذكره، ويجيب من دعاه، ويغفر لمن استغفره، واحذر أن تترك الصلاة، أو تمنع الزكاة، أو تعق والديك، أو تقطع أرحامك، أو تسيء إلى جيرانك؛ فإن ذلك من كبائر الذنوب التي توجب العقوبةَ وحرمان المغفرة، واحذر الفواحش ما ظهر منها وما بطن؛ كالكبر والخيلاء، والزنا والسرقة، وشرب الخمر والدخان، وحلق اللحى، وتصوير ذوات الأرواح، واستماع الأغاني الصادَّة عن ذكر الله وعن الصلاة، وإسبال الثياب، ولبس الذهب، وأكل الربا، وغير ذلك مما حرَّمه الله عليك ورسوله؛ لتكون من المقبولين الفائزين عند الله {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 88، 89]، {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 71].

 

أيها الإخوة الكرام، قولوا كما قال المؤمنون قبلكم: "سمعنا وأطعنا"؛ قال الله - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [الأنفال: 20، 21]، {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].

 

اللهم اهدنا وسائر إخواننا المسلمين صراطَك المستقيم.

 

اللهم اغفِر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللهم تُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم.

 

وصلى الله على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين[1].

 


[1] مراجع هذا البحث:

• "لطائف المعارف"، لابن رجب، ص275 - 282.

• "الترغيب والترهيب"، للمنذري جـ2 ص 321 - 323.

• "قرة العيون المبصرة بتلخيص كتاب البصرة"، ص 275.

 

  • 8
  • 1
  • 1,730

هل تود تلقي التنبيهات من موقع طريق الاسلام؟

نعم أقرر لاحقاً