لزوم السنة
بيِّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا فلاح لنا ولا سعادة لنا في الدنيا والآخرة، إلا بتقوى الله وبالسمع والطاعة، واتباع الكتاب والسنة
روى الإمام أحمد بن حنبل الشيباني في مسنده، وأبو داود والترمذي في سننهما من حديث أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: (وَعَظَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ قُلْنَا أَوْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَأَوْصِنَا قَالَ «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا حَبَشِيًّا فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى بَعْدِي اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ» ).
في هذا الحديث العظيم أيها المؤمنون يبيِّن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا فلاح لنا ولا سعادة لنا في الدنيا والآخرة، إلا بتقوى الله وبالسمع والطاعة، واتباع الكتاب والسنة، وبنبذ ما ناوَأَ ذلك من الشرك والبدع والخروج من المحدثات، وهذا واضح بجلاء من قوله صلى الله عليه وسلم: ( «إيَّاكم ومحدثات الأمور» )، وكل مَن أحدث من الأمر يكون فيه اعتداء على سنة رسول الله، فالخير كله في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، واتباع أصحابه الكرام، والذين اتبعوهم بإحسان من زمن المهاجرين والأنصار، فذلك هو الدين الصحيح الذي نقله هؤلاء الأقوام جيلًا بعد جيل، قافلة متزنة لا ترى فيها تصدعًا ولا تشققًا، ﴿ {فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ} ﴾ [الملك: 3].
لن ترى فيها إلا زاهدًا صادقًا مجاهدًا محتسبًا يعظِّم أمر الله وأمر رسول الله، فكان الأمر على ما كان في زمنه صلى الله عليه وسلم، وفي زمن الخليفة أبي بكر رضي الله عنه، ثم في زمن الفاروق ما يقارب اثنتي عشرة عامًا، ولما مات الفاروق رضي الله عنه كان الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، وكان رجلًا ذا حياء وقَّره الله بالحياء، وكان رؤوفًا رحيمًا حليمًا، وكان شجاعًا مقدامًا رضي الله عنه، فهو من أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ويزكيه الرسول صلى الله عليه وسلم، بتزكية قال فيها: ( «ما ضرَّ عثمان ما فعل بعد هذا اليوم» )، وهو من أهل الجنة بالاتفاق، هذا الخليفة الراشد بدأت البدع في عصره تُطل بقرنها، وتظهر على وجه الساحة الإسلامية ابتداءً بالخوارج أولئك القوم الذين يكفرون بمطلق المعصية، يكفرون المسلمين كفروا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستباحوا دماءهم وقاتلوهم عياذًا بالله، وهم أول من سلَّ السيف على هذه الأمة، وإن قلنا (الخوارج) لا نريد أن يتسرب إلى القلوب والأذهان أنهم كفار، فإنهم يحفظون القرآن ويقومون الليل ويصومون النهار، بل يقطعون الليل تسبيحًا وقرآنًا، لكنهم غَلَوا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( «إن هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلَبه» )، ويدخل صلى الله عليه وسلم مرة على زوجته عائشة رضي الله عنها، فقال: ( «من هذه» ؟)، قالت: هي فلانة يا رسول الله تذكر من عبادتها وصلاتها، فقال صلى الله عليه وسلم ( «مه» ؟)، وهي كلمة يراد منها الاستنكار والاستفهام: ( «عليكم من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تَملُّوا» )،
قال الحافظ ابن حجر: قال الزين بن المنير: ففي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فلقد أدركنا وأدرك مَن كان قبلنا أنه ما تنطَّع أحدٌ في الدين إلا انقطَع، وإلا هلك أو كما قال، وفي حديث آخر يكرِّر صلى الله عليه وسلم العبارة ثلاثًا يقول: (هلك المتنطعون ثلاثًا)، والمراد بذلك المتعمقون المتشددون، فهؤلاء القوم صالوا بالسيوف، وأخذوا على عثمان بعض النقاط التي قال عنها عبد الله بن عمر، والله لو فعل عمر أكثر منها ما استطاعوا أن ينقدوه؛ لأن عمر رضي الله عنه كان عنده من القوة والشدة ما قد عُلم من سيرته رضي الله عنه، وعثمان رضي الله عنه كذلك، لكنه كان ذا حياء يقول صلى الله عليه وسلم: ( «ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة» )، فقام هؤلاء القوم الذين نقدوه مثل هذه لِمَ يعطي بعض الولايات من آل بيته، ولما كان من أمره كذا، وطالبوه أن يتنازل عن الخلافة، فرفض ورفض عامة أصحاب رسول الله، ويدخل عبد الله بن عمر، فيقول: كيف تتنازل عن قميص قمَّصك الله إياه، فلا تتنازل يا أمير المؤمنين، أَوَكلما أبغَض قوم أميرَهم أو خليفتهم نازلوه، لن يكون من هذا شيء، فصمَّم هؤلاء الذين قد ذكرت شيئًا من تراجمهم أنهم يقرؤون القرآن ويصومون النهار ويقومون الليل، لكنهم ما عندهم فقه في دين الله، أخذوا بآيات الوعيد وتركوا أحاديث الرجاء وآياته، فكفروا بمطلق المعاصي، وكان هؤلاء القوم قد أخذوا مثل هذا وتلبَّس بهم رجل يقال له عبد الله بن سبأ، وهو الذي حرَّك الفتنة بين أصحاب رسول الله، وهو يهودي من يهود صنعاء، تظاهر بالإسلام من أجل أن يضرب الإسلام، وإن كان بعض المؤلفين ينفي هذه الشخصية فلا عبرة بهم، على أنه من الشيعة مَن يثبتها كما سيأتي في تراجم بعض الرافضة، يثبت هذه الشخصية الموجودة، إنه عبد الله بن سبأ الذي بدأ بالخلاف بين أصحاب رسول الله، وبدأ والعياذ بالله بعد مقتل عثمان يثير الفتن بين علي وعائشة، فسبَّب بذلك مقتلتين عظيمتين: مقتلة الجمل ومعركة صفين بقيادة هذا الرجل، لكن من تحت الكواليس كما يقال، فكانت فتنة عظيمة مبتدأةً مِن قِبَل هؤلاء الخوارج الذين أنكروا الشفاعة، وكفروا بمطلق المعصية، وكان عندهم والعياذ بالله من الجرأة على محارم الله وعلى دماء المسلمين ما هو موجود في تاريخ المسلمين، ثم كان بعد الخوارج طائفة تسمى بالمرجئة، يسمي العلماء فعلها فسقًا، وذلك أنهم يقولون: لا يضر مع الإيمان ذنبٌ كما لا ينفع مع الكفر طاعة هذه أخرى أيضًا، ثم بدعة ثالثة وهي القدرية التي أنكرت القدر، أنكرت قدرة الله، وقالت: إنه لا يعلم الأمر إلا أنف؛ أي: إن الله لا يعلم الأمر إلا بعد وقوعه، تعالى الله عن قولهم علوًّا كبيرًا، هذه ثلاث طوائف كلها شذَّت عن فرقة أهل الإسلام وعن الدين الصحيح الذي جاء به جبريل على قلب سيد الأولين والآخرين، وكانت الطائفة الرابعة الرافضة التي ذرَّت قرنها وأشعلت فتنتها بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان المتزعم لها هو عبد الله بن سبأ أيضًا الذي زعم أن عليًّا لم يَمُت، وأنه مقبور بين السماء والأرض، فإذا سمعوا برقًا أو رعدًا يقولون: سبحانك يا أبا الحسن، وجاء لهم بعدة قواعد يمشون عليها في معتقداتهم باسم التشيع لآل البيت أو لحب آل البيت، فكانت في ذلك والعياذ بالله فتنة عظيمة حصلت بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء القوم ظهروا بحب آل البيت، مكفِّرين بذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فيهم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، ولهم قواعد انتهجوها، ومن أعظم ما كان عندهم أنهم غالوا في آل البيت، حتى إن بعضهم كالإمام علي رضي الله عنه سمع قائلًا يقول له: أنت أنت يا علي، فقال له: ماذا؟ أنت أنت الله؟
فقال: أعوذ بالله من يقول بقولكم هذا؟ قال ابن كثير: قال علي رضي الله عنه:
لما رأيت الأمر أمرًا منكرًا ** أججت ناري ودعوت قنبرَا
وهو غلامه فخد الأخاديد وأشعل النيران، فأحرقهم غضبًا لله، على أن ابن عباس لم يوافق عليًّا رضي الله عنه من حيث الإحراق، لكنه وافقه من حيث أنه لابد مِن قتْل هؤلاء؛ لأنهم كفروا بالله، وكفروا برسول الله، فكان عبد الله بن سبأ هو المحرِّض لهذه الفتنة، فجاء لهم بعقيدة الرجعة؛ وذلك أن عليًّا لابد أن يعود، وأن رسول الله لابد أن يعود، كان يقول لهم: إذا كنا نؤمن برجعة عيسى، فكيف لا نؤمن برجعة محمد وعلي، وهكذا عبد الله بن سبأ وضع لهم خططًا يمشون عليها، فمن ذلك أنه أثبت لهم أن هذا القرآن محرَّف، فالآن يتناقلون في كتبهم التي هي عبارة عن أصول ينطلقون منها كالقرآن الكريم عند المسلمين وصحيح البخاري ومسلم، فهم عندهم كتاب الكليني لأحد علمائهم، وعندهم كتب ينطلقون منها، ولهم معاهد وجامعات، بل ولهم دولة تدعمهم وتشيد بمذاهبهم هذه، فمن معتقداتهم أنهم يعتقدون تحريف قرآننا؛ لأنهم يمتلكون قرآنًا يسمى بقرآن فاطمة أنه يفوق قرآننا ثلاث مرات، ويعتقدون والعياذ بالله كفر أصحاب رسول الله، ولهم دعاء من دعائهم في بعض إذاعاتهم كإذاعة طهران: اللهم العن صنمي قريش يعنون بذلك أبا بكر وعمر، وهكذا أيضًا يتهمون فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم أزواجه، وفي مقدمتهم عائشة رضي الله عنها على أن براءتها نزلت في القرآن، ومن لم يؤمن بذلك فهو كافر بإجماع أهل السنة وبإجماع المسلمين؛ يقول سبحانه وتعالى: ﴿ {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} ﴾ [النور: 11].
ويقول سبحانه: ﴿ {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} ﴾ [النور: 19].
فهناك إحدى عشرة آية من سورة النور تبرئ ساحة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فهي صديقة بنت صديق، وهي عروسة رسول الله في الدنيا والآخرة، لكن من مبادئ الرافضة أنهم يعتقدون في عائشة أنها لا زالت زانية، يقدحون في فراش رسول الله، ويدَّعون محبة رسول الله، ولله در القحطاني حيث يقول:
إن الروافض شرُّ من وطئ الحصى ** من كل طائفة ومن إنسانِ
مدحوا النبي وخوَّنوا أصحابـــــــه ** ورموهم بالزُّور والبُهتـــان
ومن معتقدات هؤلاء والعياذ بالله أنهم يقولون: إن الخلافة إنما هي لعلي وبعضهم يقول: إن الرسالة إنما هي لعلي، وأن جبريل خائن بالرسالة، هذا من مبادئ الرافضة الاثنى عشرية الجعفرية الذين هم الآن يحاولون أن يبينوا للناس أنهم مع الدين، وأنهم ينصرون الدين، ويأتون ببعض العبارات: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، ومن هذه الشعارات والعبارات البرَّاقة، ووالله إنهم ما يريدون أمريكا ولا يريدون إسرائيل، وإنما يريدون المسلمين، وهذا تأريخ الرافضة موجود بين أيدينا وأيدي المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، فمتى كسر الرافضة اليهود والنصارى، ومتى كان لهم جهاد، معلوم أنهم خَذَلة المؤمنين، هم الذين خذلوا عليًّا، وخذلوا الحسين بعد أن استقدموه من أرض مكة إلى كربلاء، وقتلوه هناك، وهم الذين قتلوا الحسن، وهم الذين رفضوا زيد بن علي حينما، قالوا له: نبايعك على الخلافة على أن تسب أبا بكر وعمر، قال: هل أَسُب وزيري جدي، إنهما وزيرا جدي في الدنيا، ووزيراه في الآخرة، فأبو بكر وعمر كانا مع رسول الله في كل موقعة، وفي كل موقف، وهما وزيراه أيضًا في الحياة البرزخية؛ قال الله تعالى: ﴿ {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا} ﴾ [النساء: 69].
فيقول لهم زيد بن علي: وهل يسب الرجل وزيري جده، ثم قالوا له: لا نبايعك فقال: اذهبوا فأنتم الرافضة.
تاريخ الرافضة معروف منذ زمن بعيد، ففي القرن السابع الهجري حينما دخل التتر القادمون من بلاد الصين وما جاورها على بلاد المسلمين ظلمًا وانتقامًا من الله الواحد الأحد على ما كان حاصلًا في بلاد المسلمين آنذاك، فيأتي هؤلاء القوم التتر إلى بلاد الشام وإلى العراق، فمن الذي ضرب معهم العهود والمواثيق على أن يدخلوا بلاد المسلمين، إنه وزير أمير المؤمنين في ذلك الوقت ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وابن يقطين، هؤلاء الثلاثة من الروافض ذهبوا إلى هولاكو التتري، وتفاوضوا معه على أن يدخل بلاد المسلمين شريطة ألا يَمس الروافض بسوء، ثم ذهبوا إلى الخليفة وقالوا له: إن هولاكو ما جاء إلى بلادك من أجل مقاتلتك، وإنما جاء من أجل أن يزوِّجك ابنته، فهيَّأ العسكر، فلما دخل الخليفة معسكر هولاكو، أمر به أن يداس بالأقدام، فإذا بالتتريين يدوسون خليفة المسلمين بالأقدام بجريمة ابن العلقمي ونصير الدين الطوسي وابن يقطين، ثم قال لهم: أبحتُ لكم بغداد أربعين يومًا، فحصلت مجزرة سار فيها مئات من ألوف المسلمين، فكانت هذه الثورة الدموية ضد المسلمين يشيد بها الخميني ويقول: غفر الله لابن العلقمي وصاحبه، فيبارك ما كان من أمرهم هذا ما هو حاصل في دين الروافض، وفي منهج الروافض الذي هو حاصل في بلادنا، وفي كثيرٍ من بلاد المسلمين، ويستعملون التقية، فإن كان له قوة عاثوا في الأرض فسادًا، وإن ضعفوا أظهروا التقية، وهي عبارة عن نفاق يخالفون ما يظهرون والعياذ بالله، فكانت هذه جريمة نكراء، ولو أعدتم التاريخ في أواخر الثمانينيات وفي أزمنة مباركة، وفي الأشهر الحرم، حينما ظهرت فرقة من الإيرانيين هناك في بلد الله الآمن في حرم الله وهم يحملون الدباب فيها البترول وفيها الأسيد، وهم يقولون: الموت لأمريكا الموت لإسرائيل، وإذا بهم يُحرِّقون خيم الحجاج، ويقتلون كثيرًا من المسلمين، كل هذا بتأييد من الخميني، وأصدرت في ذلك كتبًا منها كتاب إلحاد الخميني في أرض الحرمين، وما هو حاصل الآن في بلادنا بلاد اليمن في أرض صعدة حينما ينادي زعيمهم بدر الدين الحوثي الموت لإسرائيل الموت لأمريكا، والله ما أماتوا أمريكيًّا واحدًا ولا إسرائيليًّا، وإنما أرادوا أن يُميتوا المسلمين، وأن يُميتوا اليمنيين، إنهم والعياذ بالله يعدون هذه العدة منذ ما يقارب عشرة أعوام، ولهم جرائد تنشر ولهم معاهد ومساجد ولهم إعلام، فكان واجب على إعلامنا وعلى صحافتنا وعلى رجال الأمن أن يتأملوا في هذه العقيدة، وفي هذه الطائفة التي لا تراقب في مؤمن إلًّا ولا ذمةً، وإن تظاهروا باسم حب آل البيت، أو كتبوا في جرائدهم من أقوال الإمام علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وأصحاب الكساء، وما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومخالفون أيضًا لما كان من الرجل الذي تنسبون إليه زيد بن علي الذي تقولون: إنكم أنتم من الزيدية، وكان الجدير أن يكونوا من الرافضة الجعفرية الاثنى عشرية التي تتبع الخميني، وقد ألَّف في ذلك كتابًا اسمه الحكومة الإسلامية، وبيَّن في كتابه أن لهم اثنى عشر إمامًا معصومًا يعلمون ذرات الأرض، وما تحت الثرى، وأن عصمتهم تفوق الأنبياء هذا كلام الخميني، وكتابه يباع في الأسواق، هذا هو دين الرافضة.
عباد الله، فوجب على المسلمين أن يصحوا من نومهم ومن سباتهم، ويعرفوا عدوهم الحقيقي؛ لأنه يسوؤنا جدًّا أن تطالعنا بعض الصحف بكتابة على بعض المسلمين، ومن أهل السنة ومن المدارس الخيرية التي تنشر الإسلام بصفاته ووضوحه، وتنشر الخير بين المسلمين، ودليل هذا أننا نقول هذا على منابرنا وفي مساجدنا، في ربوع البلاد كلها، أما هؤلاء فلا يستطيعون أن يتظاهروا بما عندهم من الشر والعياذ بالله، لكنهم إن سنحت لهم الفرصة هجموا هجمتهم، وانقضوا على المسلمين.
عباد الله، اتقوا الله سبحانه وتعالى، واعلموا يا عباد الله أن ديننا محسود من قبل أعدائنا أعداء الإسلام من اليهود والنصارى، ومن جميع الطوائف التي أخبر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث قال: ( «إن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاثة وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة» ، فقال الصحابة: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة» ، وفي رواية قال «هي ما أنا عليه اليوم وأصحابي» )، هذا تفسير من رسول الله لأهل الحق الذين هم سائرون عليه إلى قيام الساعة، وكلٌّ يدعي هذا الادعاء ولكن ليس له ذلك.
وكل يدَّعي وصلًا بليلــــــــــى ** وليلى لا تُقر لهم بــــــــذاك
فإذا تشابَكت دموعٌ في خدود ** علِمت من بكى ممن تباكَى
فمحط النظر يا عباد الله الاتباع للكتاب والسنة، وعدم الخروج على الحاكم المسلم بحال من الأحوال؛ لأن في الخروج إثارة للفتن، وإن أهل السنة منذ زمن بعيد ما كانوا يخرجون على حكامهم وإن جاروا، فما خرج أصحاب رسول الله على يزيد بن معاوية، مع أنه كان عنده من الفسق، وما خرجوا على معاوية ولا على المختار بن أبي عبيد، وما خرجوا على المأمون ولا على الواثق، ولا على الدولة العبيدية على أنها كانت دولة رافضية إسماعيلية، وما خرج المسلمون إلى يومنا هذا على حاكم، وإن كان الخروج من طبيعة الخوارج ومن طبيعة الرافضة الاثنى عشرية، إنهم والعياذ بالله في كل عصر ومصر، يحاولون أن يخرجوا على حكامهم؛ لأن في الخروج والعياذ بالله فسادًا في الأرض وشرًّا مستطيرًا، فلو خرج رجل أو جماعة على حكومة مسلمة، كان والعياذ بالله الشر، بل لو خرجوا على حاكم كافر، وما كان عندهم قدرة لكان شرًّا مستطيرًا أيضًا، فلقد جاء الدواء من رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما شكوا له حكامًا جائرين قال: ( «اصبروا وأعطوهم الذي لهم، وسلوا الله الذي لكم» ).
يا عباد الله، إن الثورات والانقلابات والخروج على الحكام، يسبِّب والعياذ بالله إثارة للفوضى، فلو كانت الفوضى حاصلة كما هو حاصل الآن في بلاد العراق لما استطاع رجل أن يؤذن، ولما استطعنا أن نجتمع هذا الجمع لخطبة الجمعة، ما أمِنَّا على نسائنا على سيارتنا، على محلاتنا على طرقنا، ولا على شيء، فنحن نحمد الله عز وجل على الأمن والأمان، يسافر المسافر من أرض الحرمين ومن دول الخليج، ومما هو أقصى من ذلك، إن دل هذا فإنما يدل على أمان، فمن أراد أن يزعزع هذا الأمان والعياذ بالله، فإنما يكون قد جنى على نفسه وعلى نفسها جنت براقش، وهكذا عباد الله يجب عليكم أن تتأملوا، فليس كل من ربى لحية أو خطب جمعة، هو من العلماء، أو من الدعاة، يشار إليه بالبنان بأنه من جماعة كذا وكذا، أو بأنه من الإرهاب عياذًا بالله، إن أمريكا كان يعجبها قلقلة الأوضاع في كثير من بلاد المسلمين، وربما كانت تغذي الفكر الرافضي والعياذ بالله، لكنها في مثل هذه الساعة الراهنة لا ترضى بمثل هذا حينما يكون الأمر يسوؤها باسم الإرهاب، أو ما أشبه ذلك، وإننا يا عباد الله منذ زمن بعيد والله لا نرضى بمثل هذه الإثارة، على أننا نقول: يجب على المسلمين أن يكونوا عقلاء، فيعرفوا حق المسلم، وحق دمه، والذمي والمعاهد والمستأمن لابد أن يُعرف حقُّه، فما بال قوم لا يعرفون مثل هذا، فكان الواجب على الصحافة وعلى الإعلام وعلى أهل الأمن - أن ينظروا في عدوهم الحقيقي، وأن يكتبوا في بعض الصحف والمجلات نبذة عن عقيدة الرافضة أو الشيعة أو الخوارج من أهل الغلو أو المرجئة، أو عن القدرية مثل هؤلاء الذين يخرجون على الحكام، ويفسقون المسلمين، يبدعون المسلمين وفي النهاية يقاتلون المسلمين.
إن الخوارج يا عباد الله مرُّوا بصحابي بن صحابي، إنه عبد الله بن خباب ومعه زوجته حامل، فقتَلوه وقتلوا زوجته وجنينها في بطنها، فلما قال لهم علي: مَن قاتِلُه؟ قالوا: كلنا قتله، يتحدون بذلك علي بن أبي طالب، ومرُّوا بخنزير لأحد أهل الذمة، فقتله رجل منهم، فقال بعضهم: هذا من الفساد في الأرض، وصدق النبي صلى الله عليه وسلم إذ يقول: ( «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان» ).
يا عباد الله، إسلامَكم إسلامَكم، وقرآنكم قرآنكم، وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم، تمسَّكوا به، وعضُّوا عليه بالنواجذ، واعلموا أن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وإن مثل هذه الثورات ومثل هذه الشائعات الفاضحات ستزول بإذن الله الواحد الأحد، وسوف يتبين الأمر لكل ذي عينين باصرتين، ولو بعد زمن بعيد من الذي يهمه مصلحة الوطن وأمن الوطن؟ والتفاني في سبيل أبنائه من أجل كرامة هذا الشعب الذي أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (أتاكم أهل اليمن هم أرقُّ أفئدة، وألين قلوبًا، الإيمان يَمانٍ والحكمة يمانية)، والله إننا لنحرص على بلادنا وعلى سلامة الوطن من أياد خارجية دخيلة تعبث فيه، لا نقول هذا إرضاءً للحكام، ولا نرجو منهم والله شربة ماء، إنما نقول هذا قربة إلى الله؛ لأنه من ديننا ومن أصول دعوة أهل السنة والجماعة السمع والطاعة للحاكم المسلم، ونحن نرى حكامنا مسلمين على أننا ننصح لهم أن يتقوا الله عز وجل في رعاياهم وفي مصالح البلاد، وفي عقيدة أبناء الشعب، وفيما ولاهم الله من أموال هذا الشعب وممتلكاته، وما يتعلق بأمر الصحة، وما إلى ذلك مِن حقوقه، فنسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصر البلاد والعباد، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم من أراد بنا سوءًا والمسلمين فاشْغله بنفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل الدائرة تدور عليه.
____________________________________________________________
الكاتب: الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
- التصنيف:
عبد الرحمن محمد
منذ