الحياة السعيدة
في رحابِ الأسرة الهادِئة والعائلةِ المتماسكة تنمو الخِلال الطيِّبة، وتستحكِم التقاليد الشريفةُ، ويتكوَّن الرجال الذين يُؤتَمنون على أعظمِ الأمانات، وتتربى النِّساء اللائي يقُمن على أعرق البيوت، ولا غَرْوَ أن يهتمَّ الإسلام بأحوال الأسرة، وأن يتعهَّد نماءَها بالوصايا التي تجعَل امتدادَها خيرًا ونِعمة.

عبادَ الله، في رحابِ الأسرة الهادِئة والعائلةِ المتماسكة تنمو الخِلال الطيِّبة، وتستحكِم التقاليد الشريفةُ، ويتكوَّن الرجال الذين يُؤتَمنون على أعظمِ الأمانات، وتتربى النِّساء اللائي يقُمن على أعرق البيوت، ولا غَرْوَ أن يهتمَّ الإسلام بأحوال الأسرة، وأن يتعهَّد نماءَها بالوصايا التي تجعَل امتدادَها خيرًا ونِعمة.
وفي كتاب الله تعالى وفي سنّةِ رسوله صلى الله عليه وسلم أوامر مؤكِّدة بين أفراد الأسرة كلِّهم من والد ووالدةٍ وذي رَحِم قريبٍ أو بعيد تُزجِي مسيرةَ الأسرةِ نحو البناء والسعادة؛ إذ إنَّ العناية بسلامةِ الأسرة هي وحدها طريقُ الأمان للجماعة كلِّها، وهيهات أن يصلحَ مجتمعٌ رثَّت فيه حبالُ الأسرة أو وهَت روابطها.
وقد نوَّه القرآن الكريم بجَلالِ النِّعمة السارية في أوصال هذه القطعةِ من المجتمع الكبير، فقال سبحانه: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} [النحل: 72].
إنَّ الزوجين وما بينهما من علاقةٍ أو الوالدين وما يترعرَع في أحضانهما من بنين وبناتٍ لا يمثِّلان أنفسهما فحسب، بل يمثِّلان حاضرَ أمّةٍ ومستقبَلها؛ ومن ثمَّ فإنَّ الشيطان حين يفلِح في فكِّ روابط الأسرة لا يهدِم بيتًا واحدًا ولا يصنع شرًّا محدودًا، إنما يوقع الأمّة جمعاء في شرٍّ بعيد المدى.
وتأمَّل هذا الحديث لتعرفَ أنَّ فساد الأسرة قرَّةُ عين الشيطان: عن جابر رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهُم منهُ منزلةً أعظمُهم فتنة؛ يجيء أحدُهم فيقول: فعلتُ كذا وكذا، فيقول: ما صنعتَ شيئًا، ثم يجيءُ أحدُهم فيقول: ما تَركتُه حتى فرَّقتُ بينه وبين امرأتِه، فيُدنِيه منه ويقول: نِعْمَ أنت، فيلتزمه»؛ (رواه مسلم).
أيُّها المسلمون، السَّكَنُ والطُّمَأْنينة في البيوت نعمةٌ لا يقدِّرها حقَّ قدرها إلا المشرَّدون الذين لا بيوتَ لهم ولا سكن ولا طمأنينة، والتذكير بالسكَن يمسُّ المشاعر الغافلة عن قيمةِ هذه النعمة.
نظرةُ الإسلام إلى البيت: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَنًا} [النحل: 80].
هكذا يريد الإسلام البيت مكانًا للسكينة القلبية والاطمئنان النفسي، هكذا يريده مُريحًا تطمئنُّ إليه النفس وتسكن وتأمَن، سواء بكفايته المادِّية للسكنى والراحة، أو باطمئنان مَنْ فيه بعضهم لِبعض، وبسكَن مَن فيه كلّ إلى الآخَر، فليس البيتُ مكانًا للنزاع والشقاق والخِصام، إنما هو مَبيت وسكَن وأمن واطمئنان وسلام؛ ومِن ثمَّ يضمَن الإسلام للبيت حرمته ليضمن له أمنَه وسلامه واطمئنانه.
عبادَ الله، الأسرة هي المأوَى الطبيعيُّ لكلا الجنسين والمستقرُّ الوحيد الزكيُّ لعلاقتهما، والحاجة الجسدية عاملٌ فطري وعاطِفة مساعدة في تكوين الأسرة، أمَّا الأساس الكريم الراقي فهو الصُّحْبة القائمة على الودِّ والإيناس والتآلُف، وهذا الأساس هو الذي نوَّه القرآن الكريم به عندما ذكَر قصَّة الخليقة: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا} [الأعراف: 189]. وهذا السكنُ معناه الاستقرار واطمئنان المرء إلى أنه مع شَخص يزيد به ويستريح معه ويهدأ في كنفِه عند القلَق ويلتَمِس البشاشة معه عند الضيق.
وفَهمُ الزواج على أنه رِباط جسديٌّ وحسبٌ سقوطٌ في التفكير وسقوطٌ في الشعور، إنَّ الأمرَ أعلى من ذلك وأكبر، وتدبَّر معي قولَ الله عزّ وجلّ: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
إنَّ الناس قد تُشغِلهم تلك الصِّلةُ بين الرجل والمرأة، ولكنهم قلَّما يتذكرون يدَ الله التي خَلَقت لهم من أنفسِهم أزواجًا، وأودعت نفوسَهم هذه العواطف والمشاعر، وجعلَت في تلك الصّلة سكنًا للنفس وراحةً للجسم والقلب واستقرارًا للحَياة والمعاش وأُنْسًا للأرواح والضمائِر واطمئنانًا للرجُل والمرأة على السواء، فيدركون حكمةَ الخالق سبحانه في خَلق كلٍّ منَ الجنسين على نحوٍ يجعله موافقًا للآخر ملبِّيًا لحاجاته الفطرية، يجِد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار، ويجدان في اجتماعهما السكنَ والاكتفاء والمودَّة والرحمة حتى يحقِّقا الغايةَ العظمى: أن يتعاوَنا على طاعة الله حتى يَصِلا إلى الجنة.
إنَّ العلاقات بين الزوجين عميقةُ الجذور بعيدة الآماد، إنها تشبِه من القوَّة صلةَ المرء بنفسه؛ ومِن ثمَّ عُنِي الإسلام بالمحافظةِ عليها والارتفاعِ بجَوهرها وصيانة ظاهرها وباطنها، {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]، عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أشرِّ الناسِ عندَ الله منزلةً يوم القيامة الرجُل يُفضِي إلى امرأتِه وتفضي إليه ثم ينشرُ سرَّها»؛ (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلُّ ما يلهو به الرجلُ المسلمُ باطل إلا رَميَه بقوسِه وتأديبَه لفرسِه ومُلاعبَتهُ أهلَه، فإنهنَّ من الحقِّ»؛ (أخرجه الترمذي وابن ماجه). فانظر كيف عدَّ من الحق هذه الصلةَ الإنسانيةَ الخاصَّةَ بين الزوجين.
وقال صلى الله عليه وسلم: «الدُّنيا متاع، وخيرُ متاعِ الدنيا المرأةُ الصَّالحةُ»؛ (رواه مسلم).
وبهذا النُّصح أُفهِم الرّجلُ أنَّ من أفضل ما يستصحِبه في حياته ويستعين به على واجباتِه الزَّوجة اللطيفة العِشرة القويمة الخلق، أو التي وصفها في حديث آخر بقوله: «التي تَسُرُّه إذا نظَر، وتطيعُه إذا أمَر، ولا تخالفُه في نفسِها ولا مالِه بما يكرَه»؛ (رواه الترمذي).
إنَّ هذه الزوجةَ هي دِعامة البيت السعيد وركنه العتيد، وإنَّ رابطة هذه الأسرة تعلو في البقاء، فإذا انتهت هذه الدنيا وتركها أهلُها فرادى أو جماعات التَأَم شملُهم مرة أخرى هناك في الدار الآخرة {جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} [الرعد: 23].
وفي سبيل جَمعِ الشمل يلتحِق الأبناءُ المقصِّرون بآبائهم المجدِّين {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} [الطور: 21].
وحُسْنُ الخلق في الأسرَة من أمارات الإيمان، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ مِن أكملِ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا وألطفُهم بأهله»؛ (رواه الترمذي)، وقال صلى الله عليه وسلم: «خيرُكمْ خيرُكمْ لأهلِه، وأنا خيرُكُم لأهلي»؛ (رواه الترمذي وابن ماجه بإسناد صحيح)، وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلت: يا رسولَ الله، ما حقُّ زوجةِ أحدِنا عليه؟ قال: «أنْ تطعمها إذا طعِمت، وتكسوها إذا اكتسيْت- أو: اكتسبت-، ولا تضرِب الوجْهَ ولا تُقبِّح، ولا تهجُر إلا في البيت»؛ (رواه أبو داود).
عبادَ الله، ولما كانت نفقاتُ البيت من أهمِّ ما يواجه الزوجان ومن أشدِّ ما يُعنِت الرجلَ؛ لأنه هو الذي يحمل العِبء، وربما كان لاختلاف الآراء فيما يُجلَب ويترك أثر سيِّئ في نفسه وفي أهله، بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّ النفقةَ التي لا بدَّ منها للبيت والتي يَسعَد البيت ببذلها ليسَت من المستهلَكات الضائعة، بل هي من الصدقات الباقية، فقال: ( «(دينارٌ أنفقته في سبيلِ الله، ودينارٌ أنفقتَه في رقَبة، ودينارٌ تصدَّقْت به على مِسكين، ودينارٌ أنفقْته على أهلِك، أعظمُها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلِك»؛ (رواه مسلم).
وهذا الأمر الإلهي جاءَ بعدَ جُملةٍ من الأوامر التي توصِي بحسن الخُلُق وتمسك بعروة التقوى، وهي أوامر عُرِضت في سياق ما يمرُّ بالبيوت من منازعات وما يُخاف على حبالها من انقطاع، فبعد أن قال سبحانه: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق: 2]، قال سبحانه: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 2، 3]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]، وقال: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5].
إذًا عمادُ سعادة البيوت التقوى ثم التقوى ثم التقوى؛ وهذا يفسِّر لك أيضًا سرَّ افتتاح سورة النساء بالأمر بالتقوى.
البيتُ المسلم أمانةٌ يحمِلها الزوجان، وهما أساسُ بنيانه ودِعامة أركانه، وبهما يُحدِّد البَيتُ مسَارَه، فإذا استَقاما على منهجِ الله قولًا وعملًا وتزيَّنا بتقوَى الله ظاهرًا وباطنًا وتجمَّلا بحُسْنِ الخُلُق والسيرةِ الطيبة غدَا البيتُ مأوى النورِ وإشعاعَ الفضيلة، وسَطع في دنيا الناس ليصبح منطلَق بناءِ جِيلٍ صالح وصناعة مجتمعٍ كريمٍ وأمَّةٍ عظيمةٍ.
أيُّها الزوجان، بيتُكما قلعةٌ من قلاع هذا الدِّين، وكلٌّ منكما يَقِف على ثغرةٍ حتى لا ينفذَ إليها الأعداء. كلاكما حارسٌ للقلعة، وصاحبُ القوامةِ هو الزَّوج، وطاعتُهُ واجِبَة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيَّته»، وقال: «والمرأةُ راعيةٌ في بيتِ زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها»؛ (متفق عليه من حديث ابن عمر رضي الله عنه).
عبادَ الله، إنَّ البيتَ النبويَّ ومن فيه من أمهات المؤمِنين هو أسوة البيوت كلِّها على ظهرِ الأرض، فهو بيتٌ نبويٌّ ترفَّع على الرفاهيَّةِ والترَف، وداوم الذِّكرَ والتلاوة، رَسَم لحياته معالمَ واضحة، وضرَب لنفسهِ أروعَ الأمثلَة في حياةِ الزهد والقناعةِ والرضا.
خيَّر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم نِساءَه دونَ إكراهٍ بعد أن أعَدَّهنَّ إعدادًا يؤهِّلهنَّ لحياةِ المثُل العُليا والميادين الخالدة. نَزَلت آية التخيير تُخيِّر زوجاتِ النبي صلى الله عليه وسلم بين الحياةِ الدنيا وزينتِها وبين الله ورسوله والدارِ الآخرة، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28، 29]، قالَت عائِشَةُ وكُلُّ زوجاتِه رضي الله عنهنَّ كلَّهن: نختَار الله ورسولَه والدارَ الآخرة؛ (متفق عليه).
مِن سماتِ البيتِ المسلم تعاونُ أفراده على الطاعةِ والعبادة، فضَعْفُ إيمانِ الزوجة يقوِّيه الزوجُ، واعوجاج سلوك الزوجة يقوِّمه الزوج، تكاملٌ وتعاضُدٌ ونصيحة وتناصُر، قالت عائشة رضي الله عنها: كانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلِّي من اللَّيل، فإذا أوتَرَ قال: «قُومي فأَوتِري يا عائِشة»؛ (أخرجه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: «رَحِم الله رجلًا قام من الليل فصلَّى وأيقظ امرأتَه، فإن أبَت نضح في وجهِها الماء، ورحم الله امرأةً قامت من اللَّيل فصلَّت وأيقظَت زوجها، فإن أبى نَضَحَت في وجهِه الماء»؛ (أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
يدلُّ الحَديثان على أنَّ لِكلٍّ من الرُّجل والمرأة دورًا في إصلاحِ صاحبه وحثِّه على طاعة الله عزّ وجلّ.
فليُعلَم أنه لن يهبَّ النسيم عليلًا داخل البيت على الدوام، إنَّ طبائع البشر تأبى هذا، فقد يعتكِر الجوُّ، وقد تثور الزوابِع، وارتقابُ الراحةِ الكاملة وَهم، وانتظارُ اللذَّة الخالصة في الدنيا عَجز، وقلَّما عاش إنسان على حالةٍ ثابتة من الرِّضا وانعدامِ العتاب، ومنَ العقل توطينُ النفس على تحمُّل بعضِ المضايقات وتَرك التعليق المرير عليها أو ترتيب النتائج الكبيرةِ لوقوعها.
ولما كان الرجلُ في نظرِ الإسلام هو ربُّ البيت ومالكُ زِمامه؛ فإنه مطالَب بتصبير نفسِه على ما لا يحبُّ أحيانًا.
نعم، مطالبٌ بإساغَة بعض التصرُّفات الساذجة، فإنَّ نُشدانه المثلَ الأعلى في بيته متعذِّر، ومجيء امرأته وفقَ آماله كلّها بعيد؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اسْتَوصُوا بالنّسَاء؛ فإنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلع، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلعِ أعْلاه؛ فإن ذهبتَ تقيمه كسرتَه، وإنْ تركتَه لم يزلْ أعوج، فاسْتوصُوا بالنِّساءِ خيرًا»؛ (متفق عليه).
وفي رواية عند مسلم: «إنَّ المرأةَ خُلِقَتْ من ضِلع، لَنْ تستقيمَ لك على طرِيقة؛ فإن اسْتمتَعْتَ بها استمْتعتَ بها وبها عِوَج، وإنْ ذهبتَ تقيمَهَا كسرتها، وكَسْرُها طلاقُها»، وهذا ما يكرهه الإسلام.
ومن الرذائل النفسية تحقير نِعمةِ الزوج وتقليل شكرِها، أو نسيان الرجل فضلَ المرأة وتضحيتها. إنَّ المرأة التي تبني سلوكَها على جَحدِ زوجها وكفرِ نعمته تخطُّ لنفسها طريقًا إلى النار، ونسيانُ الجميل شائعٌ في خلائق الناس رجالًا وإناثًا.
وقد عدَّ النبي صلى الله عليه وسلم الجحودَ ذريعة لاستحقاق عذابِ الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «أُرِيتُ النَّارَ فإذا أكثَرُ أهلِهَا النساء، يَكْفُرْنَ»، قِيلَ: أَيكْفُرْنَ بالله؟ قال: «يَكْفُرْنَ العشِير، ويَكْفُرْنَ الإحْسَان، لو أحسنتَ إلى إحداهُنَّ الدَّهر ثم رأتْ منك شيئًا قالتْ: ما رأيتُ منك خيرًا قط»؛ (رواه البخاري).
ألا وصلُّوا - عباد الله - على رسول الهدَى، فقد أمركم الله بذلك في كتابه فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56].
_______________________________________________
الكاتب: د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
- التصنيف: