العلماء ومسؤولية البلاغ
منذ 2006-05-25
إن من يتأمل سنة الله في الأمم الماضية ، ويقرأ تاريخ هذه الأمة المسلمة يصل إلى حقيقة واحدة هي أنه كلما ضلت أمة من الأمم عن الحق ، وابتعدت عن الهدى ، وقادها أهل الزيغ والضلال ، وتحكم في شؤونها المفسدون ، فإن من سنة الله أن يبعث فيها نبياً من الأنبياء يبين الحق للناس ، ويكشف الباطل وأهله ويحمل راية الإصلاح والجهاد ، صابراً على ما يصيبه من الأذى . كان الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يدعون أقوامهم إلى الحق ويطالبون رؤساءهم من الملأ بالإذعان والطاعة لأمر الله وحكمه ، وتحكيم شرعه في كل شؤون الحياة ، ويكشفون للناس الباطل القائم ، وخذ مثلاً لذلك قصة شعيب عليه السلام مع قومه حيث ذكر الله عنه بأنه دعا قومه إلى الالتزام بشرع الله ، ونهاهم عن البغي والفساد ، قال تعالى : { وإلى مدين أخاهم شعيباْ ، قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ، ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين } [هود : 84 ، 85] ،فجمع عليه السلام في دعوته بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولم يقتصر على العبادة الفردية ، بل دعاهم إلى إصلاح شؤونهم الاقتصادية والاجتماعية ، وهذا معلم واضح من معالم دعوة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام الدعوة المتكاملة التي تقتضي التغيير الشامل لجميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، ليكون الدين كله لله ، فلم يكن أنبياء الله بمعزل عن واقع قومهم ، ولم ينشغلوا بقضية الأفراد عن قضايا الملأ وعن مظالم المجتمع . ولما بعث الله محمداً -صلى الله عليه وسلم- أنزل عليه القرآن ليكون كتاب هداية ومنهج حياة آمنة مطمئنة ، فمن يقرأ القرآن يجد أنه منهج شامل يوجه حياة الناس في جميع جوانب الحياة ، فقد حمل -صلى الله عليه وسلم- أمانة الرسالة ، ودعا الناس إلى كل خير وفضيلة ، ونهى عن كل سوء ورذيلة : أمر بإقامة العدل ونشره بين الناس ، ودعا إلى إقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحارب كل أنواع الظلم والعدوان سواء أكان ذلك على مستوى الأفراد أو الجماعات، ولم تقتصر توجيهات القرآن على الجوانب الشخصية لحياة الأفراد ، بل شملت الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وحيث إن محمداً -صلى الله عليه وسلم- هو خاتم الأنبياء إذ لا نبي بعده ، فقد حمل المسؤولية بعده العلماء الصادقون كما ورد بذلك الأثر : { وإن العالم ليستغفر له من في السموات ومن في الأرض ، حتى الحيتان في الماء ، وفضل العالم على العامة كفضل القمر على سائر الكواكب والعلماء ورثة الأنبياء ، والأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر} [رواه أبو داود ] . هذه المسؤولية التي تحملها علماء الأمة الربانيون طوال تاريخ الإسلام كانت بمثابة السور الآمن الذي حمى الأمة من عواصف الانحلال والفساد ، ولا شك أن الناس بدون العلماء جهال, تتخطفهم شياطين الإنس والجن ، من كل حدب وصوب، وتعصف بهم الضلالات والأهواء من كل جانب ، ومن هنا كان العلماء من نعمة الله على أهل الأرض ، فهم مصابيح الدجى ، وأئمة الهدى . ومن نعنيهم هم العلماء الربانيون الجريئون في قول الحق المحبون الخير للأمة ، الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر ، والمحاسبون للولاة ، الناصحون لهم بالحق ، الذين اتصفوا بخلق المرسلين ،يقولون للظالمين ظلمتم وللمفسدين أفسدتم ، لا يخشون أحداً إلا الله سبحانه ، ولا يسكتون عن حق واجب إذاعته ، ولا يكتمون حكماً شرعياً في قضية أو مشكلة سواء أكانت متعلقة بشؤون الأمة أم بعلاقات الدولة ، إذ صلاح الأمة منوط بصلاح العلماء وقيامهم بواجبهم .