بسم الله الرحمن الرحيم
فيا تُرى من يستحق رحمة الله؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء علماً، ورحمته وسعت كل شيء، ورحمة ربك خير مما يجمعون. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأحرص الناس على هداية أمته، وجاء في صفته: ﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، الذين كانوا رحمة مهداة من الله لأممهم، أنقذ الله بهم من شاء من الغواية إلى الهدى، ومن دركات الجحيم إلى درجات الجنان، ومن يضلل الله فما له من هاد، وارض اللهم عن آل محمد المؤمنين وعن صحابته أجمعين و التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فيا أيها الأحباب الكرام في الله:
من يستحق رحمة الله؟!
يستحق رحمة الله سبحانه وتعالى من امتثل لأمر الله ورسوله، وجعل بينه وبين عذاب الله وقاية، قال تعالى: ﴿ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [آل عمران: 132]، ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ﴾ [الأعراف: 156].
رحمة الله يستحقها من اتبع رسول الله، من نصر رسول الله، من دافع عن رسول الله، من عظم رسول الله؛ قال تعالى: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ۚ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ۚ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ ۙ أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (الأعراف: 156- 157).
رحمة الله تمنح لمن استغفر ربه وأناب، قال تعالى: ﴿ لَوْلا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [النمل: 46]، رحمة الله سبحانه وتعالى لا ينالها إلا من كان في قلبه رحمة لإخوانه المسلمين، والمستضعفين، رحمة الله تتنزل على المتراحمين فيما بينهم، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه أبو داود والترمذي، وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله" رواه البخاري ومسلم، ورواه أحمد من حديث أبي سعيد وزاد: "ومن لا يغفر لا يُغفر له"، إن نزع الرحمة من علامة الشقاء كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". حديث حسن أخرجه الترمذي وأبو داود.
وفي الحديث الصحيح: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد السهر والحمى" متفق عليه.
وإن النجاة والفوز والفلاح في الدنيا والآخرة لن يناله إلا من امتلأت قلوبهم بالحب والتراحم ولين الجانب، قال – صلى الله عليه وسلم -: "أهلُ الجنّة ثلاثة: إِمام عادِل، ورجلٌ رحيمُ القلب بالمساكين وبكلِّ ذِي قربى، ورجلٌ فقير ذو عِيال متعفِّف".رواه مسلم.
الرحمة تزف لمن كان رحيما بوالديه بارا بهما،
قال تعالى: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ﴾ [الإسراء: 23- 24]، أحسن إليهما بالقول الطيب، وأحسن إليهما بالخدمة، وأحسن إليهما بالنفقة، وواسهما واعرف لهما قدرهما وحقهما لتسعد في حياتك بحياة طيبة مطمئنة وقلب مرتاح وذرية صالحة يبرون بك إن شاء الله.
يا من تشكوا قسوة في قلبك، ارحم اليتيم، وامسح على رأسه، ارحمه رحمةً تأديبيةً وإحسانًا ورفقًا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ في الجنةِ كَهَاتَيْنِ"، ارحم هذا المسكين اليتيم، وارحم فقده لأبيه فراعه وأدبه وأحسن إليه تفز بالخير: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ﴾ [النساء: 9]، احفظ ماله من الضياع إن كنت ولياً له، واحذر التعدي عليه: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ﴾ [النساء: 10].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه...أما بعد، فيا عباد الله:
الرحمة تمنح لمن وصل رحمه وواسى محتاجهم، وتحمل الأخطاء والمساوئ منهم فإن الرحم معلقة بالعرش يقول الله: "مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، وَمَنْ قَطَعَكِ قَطَعْتُهُ" رواه البخاري.
الرحمة يستحقها من رحم المعسر العاجز عن قضاء دينه، من رحمه وخفف عنه، من رحمه فأنظره، من رحمه فتصدق عليه: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
والإسلام حثّ على رحمة الصغير والكبير والضعيف، عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي- عليه الصلاة والسلام – قال: ((ليس منا من لم يوقر الكبير، ويرحم الصغير، ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر)) [رواه أحمد والترمذي].
أيها المشتاق لرحمة الله سبحانه، ارحم المنكوب والمكروب والمهموم والمعسر فرّج كربته ويسّر أمره: "مَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً يومِ الْقِيَامَةِ" متفق عليه
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه......
الدعاء ...المزيد
مساعدة
الإبلاغ عن المادة
تعديل تدوينة
بسم الله الرحمن الرحيم فيا تُرى من يستحق رحمة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
فيا تُرى من يستحق رحمة الله؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء ...المزيد
فيا تُرى من يستحق رحمة الله؟!
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط بكل شيء ...المزيد
الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على ...
الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين.
معاشر المسلمين الموحدين، الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة، فهذا أبونا آدم وأمنا حواء اعترفا بما اقترفا لما انجرا وراء إبليس اللعين وأكلا من الشجرة، قال الله عنهما :﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف:23].
اعترفا بالذنب فنجاهما سبحانه من عقابه، لكن إبليس استحق لعنة الله وغضبه وسخطه؛ لأنه أخطأ وأصر على خطئه.
يونس عليه السلام اعترف بما اقترف، فنادى ربه في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فيا ترى ماذا كانت النتيجة؟ نتيجة الاعتراف، واللجوء إلى الله، فرج الله كربته، ونجاه من الغم، وليس هذا الفرج وكشف الكربات للأنبياء فقط، بل كذلك للمؤمنين المعترفين بتقصيرهم وفقرهم، قال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].
أيها المؤمنون، عباد الله:
اعتذر نبي الله نوح – عليه السلام – لربه، وطلب المغفرة منه تعالى فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ هود: 47]، كما اعتذر نبي الله موسى – عليه السلام – لربه وطلب المغفرة منه تعالى قائلاً: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16].
ابراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – عابد الرحمن، مكرم الضيفان، مطفئ النيران، مكسر الأوثان رُغم هذه الصفات العظيمة لإبراهيم الخليل- عليه السلام – إلا أنه اعترف بخطئه وتقصيره، فقال في آخر عمره كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء:82].
بالإعتذار تنال صفات المتقين الأبرار:
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران:134-135].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا أما بعد..
النبي – عليه الصلاة والسلام – يعلمنا فقه الاعتراف بالخطأ:
علمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقه الاعتراف بالخطأ ودلنا عل سيد الاستغفار حتى لا يطغى الإنسان ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله مهما كان تقياً ورعاً.. قال – عليه الصلاة والسلام -: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) [رواه البخاري].
إذا لم نعترف بأخطائنا اليوم، فمتى نعترف؟!
سنعترف بها حتماً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا ينفع فيه الندم والاعتذار والاعتراف بالأخطاء عندما نقف بين يدي الله يوم القيامة وعندما يعاين الناس العذاب قال – تعالى – عن هؤلاء واعترافهم وتبريرهم لأخطائهم: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 106 – 111].
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، واسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتكم ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه اجعل لنا وللحاضرين من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر يسراً ومن كل ظالم نجا، اللهم ارزقنا جميعاً من حيث لا نحتسب، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولامنا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تخرجنا جميعاً من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحة لا تبور... عباد الله صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين حيث أمركم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. ...المزيد
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين.
معاشر المسلمين الموحدين، الاعتراف والمناجاة لمن أراد النجاة، فهذا أبونا آدم وأمنا حواء اعترفا بما اقترفا لما انجرا وراء إبليس اللعين وأكلا من الشجرة، قال الله عنهما :﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف:23].
اعترفا بالذنب فنجاهما سبحانه من عقابه، لكن إبليس استحق لعنة الله وغضبه وسخطه؛ لأنه أخطأ وأصر على خطئه.
يونس عليه السلام اعترف بما اقترف، فنادى ربه في ظلمات ثلاث، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، فيا ترى ماذا كانت النتيجة؟ نتيجة الاعتراف، واللجوء إلى الله، فرج الله كربته، ونجاه من الغم، وليس هذا الفرج وكشف الكربات للأنبياء فقط، بل كذلك للمؤمنين المعترفين بتقصيرهم وفقرهم، قال تعالى: ﴿ وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنبياء: 87، 88].
أيها المؤمنون، عباد الله:
اعتذر نبي الله نوح – عليه السلام – لربه، وطلب المغفرة منه تعالى فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنْ الْخَاسِرِينَ ﴾ [ هود: 47]، كما اعتذر نبي الله موسى – عليه السلام – لربه وطلب المغفرة منه تعالى قائلاً: ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [القصص: 16].
ابراهيم الخليل – عليه الصلاة والسلام – عابد الرحمن، مكرم الضيفان، مطفئ النيران، مكسر الأوثان رُغم هذه الصفات العظيمة لإبراهيم الخليل- عليه السلام – إلا أنه اعترف بخطئه وتقصيره، فقال في آخر عمره كما قال تعالى: ﴿ وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ ﴾ [الشعراء:82].
بالإعتذار تنال صفات المتقين الأبرار:
قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾ [آل عمران:134-135].
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله تعظيما لشانه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى أصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا أما بعد..
النبي – عليه الصلاة والسلام – يعلمنا فقه الاعتراف بالخطأ:
علمنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقه الاعتراف بالخطأ ودلنا عل سيد الاستغفار حتى لا يطغى الإنسان ويعلم علم اليقين أنه مقصر في حق الله مهما كان تقياً ورعاً.. قال – عليه الصلاة والسلام -: (سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك عليّ، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت قال: من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة) [رواه البخاري].
إذا لم نعترف بأخطائنا اليوم، فمتى نعترف؟!
سنعترف بها حتماً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا ينفع فيه الندم والاعتذار والاعتراف بالأخطاء عندما نقف بين يدي الله يوم القيامة وعندما يعاين الناس العذاب قال – تعالى – عن هؤلاء واعترافهم وتبريرهم لأخطائهم: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ * قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ ﴾ [المؤمنون: 106 – 111].
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، واسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتكم ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه اجعل لنا وللحاضرين من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر يسراً ومن كل ظالم نجا، اللهم ارزقنا جميعاً من حيث لا نحتسب، اللهم من أرادنا أو أراد الإسلام والمسلمين بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولامنا ولا معنا شقياً ولا محروماً، اللهم لا تخرجنا جميعاً من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحة لا تبور... عباد الله صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين حيث أمركم فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56]. ...المزيد
الشهرة الحقيقية مكانها، وما الطريق إليها؟ الخطبة الاولى: الحمد لله على إحسانه، والشكر له على ...
الشهرة الحقيقية مكانها، وما الطريق إليها؟
الخطبة الاولى:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]؛ أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.
عباد الله، أمر الله تعالى المؤمنين بذكره، ووعد عليه أفضل الجزاء، وهو الثناء في الملأ الأعلى على مَنْ ذكره؛ قال سبحانه: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
هذا أعظم شرف لك يا ابن آدم أن الله يثني عليك عند خلقه في السموات العلا، ويذكرك إذا ذكرته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "اذكروني بطاعتي، أذكرْكم بمغفرتي"، وقال سعيد بن جبير: "اذكروني في النعمة والرخاء، أذكرْكم في الشدة والبلاء"، بيانه: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقال الحسن البصري رحمه الله في قوله: (فاذكروني أذكركم)، قال: اذكروني، فيما افترضت عليكم، أذكرْكم فيما أوجبت لكم على نفسي.
معاشر الموحدين، الشهرة الحقيقية مكانها، وما الطريق إليها؟
هنا الجواب، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".
أيها المؤمنون الأماجد، قد يسأل سائل ويقول: كيف نشكر الله؟
اسمع الإجابة، كما ذكر ابن كثير في تفسيره، قال عبدالله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربُّه: تذكُرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
الله سبحانه يذكر مَن ذكَره، ويزيد من شكره، ويعذِّب مَن كفَر بنعمه؛ كما قال الحسن البصري وغيره.
هناك معنى عظيم لقوله تعالى: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102].
أحد السلف يبيِّن لنا هذا المعنى، فيقول: هو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.
أيها المسلمون الأفاضل، ما هو الذكر الحقيقي الذي ينبغي أن نهتم به؟
يُجيب على ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره، فيقول: إنَّ الذكر الحقيقي هو ذكر الله بالقلب، وكيف يذكره بالقلب؟ الجواب: يُنيب إلى الله، يتوكل عليه، يرجوه، يخافه، يستحضر حبه وعظمته وغير ذلك.
عباد الله، المؤمن إذا ذكر الله، ذكَره الله برحمة، لكن الكافر والظالم إذا ذكر الله دون أن يُسلم ويوحد الله، ذكره الله بعذاب؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أوحى الله إلى داود عليه السلام: قل للظلمة لا يذكروني، فإنَّ حقًّا عليَّ أن أذكُرَ من ذكرني، وإنَّ ذِكْري إياهم أن ألعنَهُم".
عباد الله، ما هو الشكر الحقيقي المطلوب؟
الشكر يكون بالقلب إقرارا بالنعم واعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا لأمره.
واشكروا لله بالطاعة، ولا تكفروه بالمعصية، فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه، فقد كفره.
وقدَّم سبحانه الأمر بالذكر على الأمر بالشكر؛ لأن في الذكر اشتغالًا بذاته تعالى، وفي الشكر اشتغالًا بنعمته، والاشتغال بذاته أَولى بالتقديم من الاشتغال بنعمته، وقوله: ﴿ ولا تكْفرُون ﴾ تأكيد لقوله: ﴿ واشْكُروا لِي ﴾.
وهذا تحذير لهذه الأمة؛ حتى لا تقع فيما وقع فيه بعضُ الأمم السابقة التي كانت آمنة مطمئنة، فكفَرتْ بِأَنْعمِ الله، فَأَذاقها اللَّهُ لباسَ الْجوع وَالْخوْف بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فيا أيها الأحباب الكرام في الله، ثبت في المسند والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: "والله إني لأحبك، فلا تنسى أن تقول دُبُرَ كلِّ صلاة، اللهم أعني على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك".
أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَعطَى أربعًا فقد أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتابِ الله، من أَعطَى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، ومن أَعْطَى الدُّعاء أُعطِيَ الإجابة؛ لأن الله يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ﴾ [غافر: 60]، ومن أَعْطَى الشكر
أُعطِيَ
الزيادة؛ لأن
الله يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، ومن أَعطَى الاستغفار أُعطِيَ المغفرة؛ لأن الله يقول: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 10].
هذا وصلوا وسلموا على مَن أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه.
الدعاء. ...المزيد
الخطبة الاولى:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيمًا لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]؛ أما بعد، فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة في الدين ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.
عباد الله، أمر الله تعالى المؤمنين بذكره، ووعد عليه أفضل الجزاء، وهو الثناء في الملأ الأعلى على مَنْ ذكره؛ قال سبحانه: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152].
هذا أعظم شرف لك يا ابن آدم أن الله يثني عليك عند خلقه في السموات العلا، ويذكرك إذا ذكرته.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "اذكروني بطاعتي، أذكرْكم بمغفرتي"، وقال سعيد بن جبير: "اذكروني في النعمة والرخاء، أذكرْكم في الشدة والبلاء"، بيانه: ﴿ فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 143، 144]، وقال الحسن البصري رحمه الله في قوله: (فاذكروني أذكركم)، قال: اذكروني، فيما افترضت عليكم، أذكرْكم فيما أوجبت لكم على نفسي.
معاشر الموحدين، الشهرة الحقيقية مكانها، وما الطريق إليها؟
هنا الجواب، ففي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبرًا، تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرَّب إليَّ ذراعًا تقرَّبت إليه باعًا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".
أيها المؤمنون الأماجد، قد يسأل سائل ويقول: كيف نشكر الله؟
اسمع الإجابة، كما ذكر ابن كثير في تفسيره، قال عبدالله بن وهب، عن هشام بن سعيد، عن زيد بن أسلم أن موسى عليه السلام قال: يا رب، كيف أشكرك؟ قال له ربُّه: تذكُرني ولا تنساني، فإذا ذكرتني فقد شكرتني، وإذا نسيتني فقد كفرتني.
الله سبحانه يذكر مَن ذكَره، ويزيد من شكره، ويعذِّب مَن كفَر بنعمه؛ كما قال الحسن البصري وغيره.
هناك معنى عظيم لقوله تعالى: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102].
أحد السلف يبيِّن لنا هذا المعنى، فيقول: هو أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنسى، ويُشكر فلا يُكفر.
أيها المسلمون الأفاضل، ما هو الذكر الحقيقي الذي ينبغي أن نهتم به؟
يُجيب على ذلك العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسيره، فيقول: إنَّ الذكر الحقيقي هو ذكر الله بالقلب، وكيف يذكره بالقلب؟ الجواب: يُنيب إلى الله، يتوكل عليه، يرجوه، يخافه، يستحضر حبه وعظمته وغير ذلك.
عباد الله، المؤمن إذا ذكر الله، ذكَره الله برحمة، لكن الكافر والظالم إذا ذكر الله دون أن يُسلم ويوحد الله، ذكره الله بعذاب؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أوحى الله إلى داود عليه السلام: قل للظلمة لا يذكروني، فإنَّ حقًّا عليَّ أن أذكُرَ من ذكرني، وإنَّ ذِكْري إياهم أن ألعنَهُم".
عباد الله، ما هو الشكر الحقيقي المطلوب؟
الشكر يكون بالقلب إقرارا بالنعم واعترافًا، وباللسان ذكرًا وثناءً، وبالجوارح طاعةً وانقيادًا لأمره.
واشكروا لله بالطاعة، ولا تكفروه بالمعصية، فإن من أطاع الله فقد شكره ومن عصاه، فقد كفره.
وقدَّم سبحانه الأمر بالذكر على الأمر بالشكر؛ لأن في الذكر اشتغالًا بذاته تعالى، وفي الشكر اشتغالًا بنعمته، والاشتغال بذاته أَولى بالتقديم من الاشتغال بنعمته، وقوله: ﴿ ولا تكْفرُون ﴾ تأكيد لقوله: ﴿ واشْكُروا لِي ﴾.
وهذا تحذير لهذه الأمة؛ حتى لا تقع فيما وقع فيه بعضُ الأمم السابقة التي كانت آمنة مطمئنة، فكفَرتْ بِأَنْعمِ الله، فَأَذاقها اللَّهُ لباسَ الْجوع وَالْخوْف بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فيا أيها الأحباب الكرام في الله، ثبت في المسند والترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ رضي الله عنه: "والله إني لأحبك، فلا تنسى أن تقول دُبُرَ كلِّ صلاة، اللهم أعني على ذِكرك وشكرك وحسن عبادتك".
أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أَعطَى أربعًا فقد أُعطِيَ أربعًا، وتفسير ذلك في كتابِ الله، من أَعطَى الذكر ذكره الله؛ لأن الله يقول: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: 152]، ومن أَعْطَى الدُّعاء أُعطِيَ الإجابة؛ لأن الله يقول: ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم ﴾ [غافر: 60]، ومن أَعْطَى الشكر
أُعطِيَ
الزيادة؛ لأن
الله يقول: ﴿ لَئِنْ شَكَرْتُمْ
لَأَزِيدَنَّكُمْ ﴾ [إبراهيم: 7]، ومن أَعطَى الاستغفار أُعطِيَ المغفرة؛ لأن الله يقول: ﴿ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ﴾ [نوح: 10].
هذا وصلوا وسلموا على مَن أمرَكم الله بالصلاة والسلام عليه.
الدعاء. ...المزيد
يا شباب الإسلام احفظوا جوارحكم عن الآثام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...
يا شباب الإسلام احفظوا جوارحكم عن الآثام
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين.
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن فترة الشباب من أهم وأخطر الفترات في حياة كل إنسان؛ فهي الفترة التي تتفتح فيها أعين المرء على الحياة بكل ما فيها من شبهات وشهوات ومغريات، والسعيد من عصمه الله تعالى فكان من الذين قال في وصفهم: {إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]. لذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله «وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ» (متفق عليه).
يا شباب الإسلام، استغلوا شبابكم وصحتكم وقوتكم فيما ينفعكم في دنياكم وأخراكم،
يا شباب الإسلام، إن المعاصي تُورِثُ صاحِبَها وحشةً وظلمة في القلب، روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ، عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفََا، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ).
يا شباب الإسلام، احفظوا جوارحكم من المعاصي، فإن المعاصي تكون سببا لِهوانِ العبدِ على ربِّه وهوانه على الناس، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ونقصاً في الرزق، ووهناً في البدن، وبُغضاً في قلوب الخلق". (ابن تيمية، منهاج السُّنة [1/ 269])
يا شباب الإسلام، سخروا جوارحكم في الهدى والخير، فقد يحرم الشاب الطاعة ونقصان الإيمان بسبب العصيان، ففي صحيح البخاري عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَزْنِى الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
ستسألون عن جوارحكم يوم القيامة، فهنيئاً لمن سخر جوارحه في طاعة الله، ويا ندامتاه لمن استعمل جوارحه في معصية الله، قال تعالى: و(َلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا). ]الإسراء: 36[
يا شباب الإسلام، أين من يبحث عن استقامة إيمانه وقلبه؟
اسمعوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام - من حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه- وهو يقول: ((لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)). رواه أحمد، وهو في صحيح الترغيب، وحسنه الألباني.
من أفضل المسلمين عند الله؟
فقد سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أي المسلمين أفضل؟ فقال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)). متفق عليه
يا شباب الإسلام، حافظوا على جوارحكم قبل أن تشهد عليكم عند بارئكم، فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِكَ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟" قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ"
إنها -والله- قاصمة الظهر أن تشهد عليكم جوارحكم، وتنطق أعضاؤكم ضدكم، فكيف الموقف في تلك الساعة الحرجة؟ وماذا يقولون حينئذ؟ اسمعوا إلى الجواب يقول الله -جل وعلا-: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت 20: 24].
يا شباب الإسلام، احفظوا أسماعكم، وألسنتكم عن سماع وقول الغيبة والنميمة والكلام المحرم، واحذروا من سوء الظن بالآخرين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ). ]الحجرات: 12[ احفظوا أبصاركم عن النظر إلى الحرام، امتثالاً لقوله تعالى: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ]النور: 30[، وقال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) ]النور: 31[ ...المزيد
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماما للمتقين.
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن فترة الشباب من أهم وأخطر الفترات في حياة كل إنسان؛ فهي الفترة التي تتفتح فيها أعين المرء على الحياة بكل ما فيها من شبهات وشهوات ومغريات، والسعيد من عصمه الله تعالى فكان من الذين قال في وصفهم: {إنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف:13]. لذا فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم من السبعة الذين يظلهم الله تعالى يوم القيامة في ظله يوم لا ظل إلا ظله «وَشَابٌّ نَشَأَ في عِبَادَةِ رَبِّهِ» (متفق عليه).
يا شباب الإسلام، استغلوا شبابكم وصحتكم وقوتكم فيما ينفعكم في دنياكم وأخراكم،
يا شباب الإسلام، إن المعاصي تُورِثُ صاحِبَها وحشةً وظلمة في القلب، روى مسلم في صحيحه عَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: (تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ، عُودًا عُودًا، فَأَيُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، وَأَيُّ قَلْب أَنْكَرَهَا، نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ، عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفََا، فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ، وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا، كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا، لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا، وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا، إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ).
يا شباب الإسلام، احفظوا جوارحكم من المعاصي، فإن المعاصي تكون سببا لِهوانِ العبدِ على ربِّه وهوانه على الناس، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "إنّ للحسنة ضياءً في الوجه، ونوراً في القلب، وسَعة في الرزق، وقوَّة في البدن، ومحبةً في قلوب الخلق. وإن للسيئة سواداً في الوجه، وظلمة في القلب، ونقصاً في الرزق، ووهناً في البدن، وبُغضاً في قلوب الخلق". (ابن تيمية، منهاج السُّنة [1/ 269])
يا شباب الإسلام، سخروا جوارحكم في الهدى والخير، فقد يحرم الشاب الطاعة ونقصان الإيمان بسبب العصيان، ففي صحيح البخاري عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَزْنِى الْعَبْدُ حِينَ يَزْنِى وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَقْتُلُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ).
ستسألون عن جوارحكم يوم القيامة، فهنيئاً لمن سخر جوارحه في طاعة الله، ويا ندامتاه لمن استعمل جوارحه في معصية الله، قال تعالى: و(َلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌ ۚ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَٰٓئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْـُٔولًا). ]الإسراء: 36[
يا شباب الإسلام، أين من يبحث عن استقامة إيمانه وقلبه؟
اسمعوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام - من حديث أنس بن مالك –رضي الله عنه- وهو يقول: ((لا يستقيمُ إيمان عبد حتى يستقيمَ قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)). رواه أحمد، وهو في صحيح الترغيب، وحسنه الألباني.
من أفضل المسلمين عند الله؟
فقد سئل - صلى الله عليه وسلم - عن أي المسلمين أفضل؟ فقال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)). متفق عليه
يا شباب الإسلام، حافظوا على جوارحكم قبل أن تشهد عليكم عند بارئكم، فقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: " كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- فَضَحِكَ، فَقَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مِمَّ أَضْحَكُ؟" قَالَ قُلْنَا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: "مِنْ مُخَاطَبَةِ الْعَبْدِ رَبَّهُ، يَقُولُ: يَا رَبِّ أَلَمْ تُجِرْنِي مِنَ الظُّلْمِ؟ قَالَ: يَقُولُ: بَلَى، قَالَ: فَيَقُولُ: فَإِنِّي لَا أُجِيزُ عَلَى نَفْسِي إِلَّا شَاهِدًا مِنِّي، قَالَ: فَيَقُولُ: كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ شَهِيدًا، وَبِالْكِرَامِ الْكَاتِبِينَ شُهُودًا، قَالَ: فَيُخْتَمُ عَلَى فِيهِ، فَيُقَالُ لِأَرْكَانِهِ: انْطِقِي، قَالَ: فَتَنْطِقُ بِأَعْمَالِهِ، قَالَ: ثُمَّ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَلَامِ، قَالَ فَيَقُولُ: بُعْدًا لَكُنَّ وَسُحْقًا، فَعَنْكُنَّ كُنْتُ أُنَاضِلُ"
إنها -والله- قاصمة الظهر أن تشهد عليكم جوارحكم، وتنطق أعضاؤكم ضدكم، فكيف الموقف في تلك الساعة الحرجة؟ وماذا يقولون حينئذ؟ اسمعوا إلى الجواب يقول الله -جل وعلا-: (حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) [فصلت 20: 24].
يا شباب الإسلام، احفظوا أسماعكم، وألسنتكم عن سماع وقول الغيبة والنميمة والكلام المحرم، واحذروا من سوء الظن بالآخرين، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ). ]الحجرات: 12[ احفظوا أبصاركم عن النظر إلى الحرام، امتثالاً لقوله تعالى: ( قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) ]النور: 30[، وقال تعالى (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) ]النور: 31[ ...المزيد
إكرام الأخوات من أقرب القربات بسم الله الرحمن الرحيم إخواني أخواتي، إن الأسرة من ...
إكرام الأخوات من أقرب القربات
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني أخواتي، إن الأسرة من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات مِن أعظم النعم التي أنعم الله بها على العبد، ومَن أعطي نعمة وجب عليه أداء حقوقها والقيام بواجباتها، وكثيرا ما يتكلم الناس عن حقوق الآباء والأمهات، ولكنهم يغفلون عن حقوق الأخوات. فعن المقدام بن معدى كَرِب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يوصِيكم بأمهاتكم ثم يوصِيكم بأمهاتكم ثم يوصِيكم بآبائكم ثم يوصِيكم بالأقرب فالأقرب). [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]
تحذير من النبي ﷺ، وإنذار بالعقوبة الأليمة لمن يقصر في صلة أرحامه، ومن أهم هؤلاء الأرحام (الأخوات)، قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخلُ الجنة قاطعُ). [متفق عليه]
ومما يعجل الله عقوبته في الدنيا قبل الآخرة قطع الأرحام، قال ﷺ: (ما مِنْ ذنب أحْرَى أن يُعَجِلَ الله لصاحِبِه العقوبة في الدنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرة من قَطيعة الرحم والبغي). [رواه الترمذي وأبو داود]
إخواني أخواتي: من منا لا يريد الجنة، من أراد الجنة فليتق الله في أخواته، وليحسن صحبتهن، وليقم بتربيتهن على العفة والطهارة؛ ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ» (رواه الترمذي).
أيها المنفقون على أخواتكم أبشروا بالنجاة من النار، فعند الإمام أحمد: «مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ ذَوَاتَيْ قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يُغْنِيَهُمَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ يَكْفِيَهُمَا، كَانَتَا لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» صححه الألباني
مرافقة رسول الله في الجنة تُزف لكل مسلم اهتم برعاية أخواته؛ فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني
إخواني أخواتي: صحابي جليل يضرب لنا أروع الأمثلة في الحفاظ على الأخت وإكرامها، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه، كما في البخاري، قال: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لاَ وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 232] فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فزوجها إياه.
الله أكبر.. جابر بن عبد الله يضحي برغباته من أجل أخواته، من أجل تربيتهن، والقيام برعايتهن، قال جابر رضي الله عنه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «مَا تَزَوَّجْتَ؟ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟»، فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، قَالَ: «أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا؟»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي – أَوِ اسْتُشْهِدَ – وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ.
متفق عليه
أيها الواصل لرحمك، الله جل وعلا لا يخزيك أبداً، يقف معك وقت الأزمات، ويحفظك ويرعاك، لن يتركك للأعداء، اسمع إلى أمنا خديجة وهي تصف حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتقول: - رضي الله عنها – إبان نزول الوحي -: "كَلاَّ والله، ما يُخْزِيكَ الله أبدًا؛ إنك لَتَصِلُ الرحِمَ..."؛ مُتفق عليه. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني أخواتي، إن الأسرة من الآباء والأمهات والإخوة والأخوات مِن أعظم النعم التي أنعم الله بها على العبد، ومَن أعطي نعمة وجب عليه أداء حقوقها والقيام بواجباتها، وكثيرا ما يتكلم الناس عن حقوق الآباء والأمهات، ولكنهم يغفلون عن حقوق الأخوات. فعن المقدام بن معدى كَرِب رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يوصِيكم بأمهاتكم ثم يوصِيكم بأمهاتكم ثم يوصِيكم بآبائكم ثم يوصِيكم بالأقرب فالأقرب). [رواه ابن ماجه، وصححه الألباني]
تحذير من النبي ﷺ، وإنذار بالعقوبة الأليمة لمن يقصر في صلة أرحامه، ومن أهم هؤلاء الأرحام (الأخوات)، قال صلى الله عليه وسلم: ( لا يدخلُ الجنة قاطعُ). [متفق عليه]
ومما يعجل الله عقوبته في الدنيا قبل الآخرة قطع الأرحام، قال ﷺ: (ما مِنْ ذنب أحْرَى أن يُعَجِلَ الله لصاحِبِه العقوبة في الدنيا مع ما يُدَّخرُ له في الآخرة من قَطيعة الرحم والبغي). [رواه الترمذي وأبو داود]
إخواني أخواتي: من منا لا يريد الجنة، من أراد الجنة فليتق الله في أخواته، وليحسن صحبتهن، وليقم بتربيتهن على العفة والطهارة؛ ففي حديث أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ بَنَاتٍ أَوْ ثَلَاثُ أَخَوَاتٍ أَوْ ابْنَتَانِ أَوْ أُخْتَانِ فَأَحْسَنَ صُحْبَتَهُنَّ وَاتَّقَى اللَّهَ فِيهِنَّ فَلَهُ الجَنَّةُ» (رواه الترمذي).
أيها المنفقون على أخواتكم أبشروا بالنجاة من النار، فعند الإمام أحمد: «مَنْ أَنْفَقَ عَلَى ابْنَتَيْنِ، أَوْ أُخْتَيْنِ، أَوْ ذَوَاتَيْ قَرَابَةٍ، يَحْتَسِبُ النَّفَقَةَ عَلَيْهِمَا، حَتَّى يُغْنِيَهُمَا اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ، أَوْ يَكْفِيَهُمَا، كَانَتَا لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ» صححه الألباني
مرافقة رسول الله في الجنة تُزف لكل مسلم اهتم برعاية أخواته؛ فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ – وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني
إخواني أخواتي: صحابي جليل يضرب لنا أروع الأمثلة في الحفاظ على الأخت وإكرامها، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه، كما في البخاري، قال: زَوَّجْتُ أُخْتًا لِي مِنْ رَجُلٍ فَطَلَّقَهَا، حَتَّى إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا جَاءَ يَخْطُبُهَا، فَقُلْتُ لَهُ: زَوَّجْتُكَ وَفَرَشْتُكَ وَأَكْرَمْتُكَ، فَطَلَّقْتَهَا، ثُمَّ جِئْتَ تَخْطُبُهَا، لاَ وَاللَّهِ لاَ تَعُودُ إِلَيْكَ أَبَدًا، وَكَانَ رَجُلًا لاَ بَأْسَ بِهِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تُرِيدُ أَنْ تَرْجِعَ إِلَيْهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ ﴾ [البقرة: 232] فَقُلْتُ: الآنَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فزوجها إياه.
الله أكبر.. جابر بن عبد الله يضحي برغباته من أجل أخواته، من أجل تربيتهن، والقيام برعايتهن، قال جابر رضي الله عنه: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «مَا تَزَوَّجْتَ؟ أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا؟»، فَقُلْتُ لَهُ: تَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا، قَالَ: «أَفَلَا تَزَوَّجْتَ بِكْرًا تُلَاعِبُكَ وَتُلَاعِبُهَا؟»، فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، تُوُفِّيَ وَالِدِي – أَوِ اسْتُشْهِدَ – وَلِي أَخَوَاتٌ صِغَارٌ، فَكَرِهْتُ أَنْ أَتَزَوَّجَ إِلَيْهِنَّ مِثْلَهُنَّ فَلَا تُؤَدِّبُهُنَّ، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهِنَّ، فَتَزَوَّجْتُ ثَيِّبًا لِتَقُومَ عَلَيْهِنَّ وَتُؤَدِّبَهُنَّ.
متفق عليه
أيها الواصل لرحمك، الله جل وعلا لا يخزيك أبداً، يقف معك وقت الأزمات، ويحفظك ويرعاك، لن يتركك للأعداء، اسمع إلى أمنا خديجة وهي تصف حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، فتقول: - رضي الله عنها – إبان نزول الوحي -: "كَلاَّ والله، ما يُخْزِيكَ الله أبدًا؛ إنك لَتَصِلُ الرحِمَ..."؛ مُتفق عليه. ...المزيد
الكون كله يغار على توحيد الله الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ والدا، ولم يكن له ...
الكون كله يغار على توحيد الله
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ والدا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأحباب الكرام في الله:
نقف وإياكم في هذه اللحظات الإيمانية مع تعظيم الله جل جلاله، فهو الذي يستحق التعظيم، والتمجيد سبحانه وتعالى.
سبحان من لو سجدنا بالجباه له * على حمى الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العـشر من معاشر نعـمته * ولا العُشير ولا عشراً من العشر
هو الرفيـع فلا الأبصـار تدركه * سبحـانه من مليك نافـذ القدر
سبحان من هو أنسي إذا خلوت به * في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر
أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي *** من لي سواك ومن أرجوه يا ذخر
عباد الله: نعيش دقائق معدودة مع عبودية الكون لله سبحانه، هذا الكون كله من بره وبحره ، من سماواته وأرضه، من جنه وإنسه، من جماده وحيوانه، الكل يذعن بالعبودية لله وحده لا شريك له، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ) الحج: 18
هذا الكون كله يسبح بحمده سبحانه وتعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) الإسراء: 44
معاشر المسلمين الموحدين:
هذا الكون كله يغار على توحيد الله، يغار إذا اتُّخِذ لله ولدا، الكون يفزع كما قال بعض المفسرين، السموات تفزع، الجبال تفزع، الأرض تفزع، كل المخلوقات تفزع إذا اتخذ لله ولدا، إذا اتخذ لله إلها، قال جل وعلا: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) سورة مريم: 88_ 95
أيها المؤمنون الموحدون:
أُمّةُ التثليث يقابلها أُمّة التسبيح، أمة التثليث؛ الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، كما قال الله عنهم، ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73)
قالت النصارى: المقصود بالثلاثة، الله، والمسيح وأمه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ويأتي من المسلمين من يهنئهم بعيدهم كما يدعون، كأنك تقر بما يقولون، وبما يفترون على الله كذبا وزورا، فتهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم – يرحمه الله – في كتاب ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة ، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى كلامه – يرحمه الله - .
إذا إخوة الإيمان، فأمة التثليث يقابلها أمة التسبيح؛ فأمة التوحيد أمة مسبحة لربها، منزهة له عن كل نقص وعيب، اسمعوا ماذا قال الله لنبيه عيسى - عليه السلام- في أواخر سورة المائدة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ...) المائدة: 116
فأمة التوحيد كان جوابهم سبحانك، تنزيه الله من الصاحبة والولد، والشريك.
(وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ) الأنبياء: 26 ...المزيد
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي لم يتخذ والدا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا..
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الأحباب الكرام في الله:
نقف وإياكم في هذه اللحظات الإيمانية مع تعظيم الله جل جلاله، فهو الذي يستحق التعظيم، والتمجيد سبحانه وتعالى.
سبحان من لو سجدنا بالجباه له * على حمى الشوك والمحمى من الإبر
لم نبلغ العـشر من معاشر نعـمته * ولا العُشير ولا عشراً من العشر
هو الرفيـع فلا الأبصـار تدركه * سبحـانه من مليك نافـذ القدر
سبحان من هو أنسي إذا خلوت به * في جوف ليلي وفي الظلماء والسحر
أنت الحبيب وأنت الحب يا أملي *** من لي سواك ومن أرجوه يا ذخر
عباد الله: نعيش دقائق معدودة مع عبودية الكون لله سبحانه، هذا الكون كله من بره وبحره ، من سماواته وأرضه، من جنه وإنسه، من جماده وحيوانه، الكل يذعن بالعبودية لله وحده لا شريك له، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُۥ مَن فِى ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِى ٱلْأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ ۖ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ ۗ وَمَن يُهِنِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُۥ مِن مُّكْرِمٍ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ) الحج: 18
هذا الكون كله يسبح بحمده سبحانه وتعالى: (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ) الإسراء: 44
معاشر المسلمين الموحدين:
هذا الكون كله يغار على توحيد الله، يغار إذا اتُّخِذ لله ولدا، الكون يفزع كما قال بعض المفسرين، السموات تفزع، الجبال تفزع، الأرض تفزع، كل المخلوقات تفزع إذا اتخذ لله ولدا، إذا اتخذ لله إلها، قال جل وعلا: ( وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92) إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا (93) لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا) سورة مريم: 88_ 95
أيها المؤمنون الموحدون:
أُمّةُ التثليث يقابلها أُمّة التسبيح، أمة التثليث؛ الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة، كما قال الله عنهم، ( لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ ۘ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۚ وَإِن لَّمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (73)
قالت النصارى: المقصود بالثلاثة، الله، والمسيح وأمه، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، ويأتي من المسلمين من يهنئهم بعيدهم كما يدعون، كأنك تقر بما يقولون، وبما يفترون على الله كذبا وزورا، فتهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم – يرحمه الله – في كتاب ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة ، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى كلامه – يرحمه الله - .
إذا إخوة الإيمان، فأمة التثليث يقابلها أمة التسبيح؛ فأمة التوحيد أمة مسبحة لربها، منزهة له عن كل نقص وعيب، اسمعوا ماذا قال الله لنبيه عيسى - عليه السلام- في أواخر سورة المائدة، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَٰهَيْنِ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ قَالَ سُبْحَانَكَ...) المائدة: 116
فأمة التوحيد كان جوابهم سبحانك، تنزيه الله من الصاحبة والولد، والشريك.
(وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَٰنَهُۥ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ) الأنبياء: 26 ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم خطبة الجمعة بعنوان: مراقبة الله في حياتنا الحمد ...
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة بعنوان:
مراقبة الله في حياتنا
الحمد لله الذي وَسِعَ كلَّ شَيءٍ عِلمًا، وقهَر كلَّ مخلوقٍ عزَّة وحُكمًا، يعلَمُ ما بين أيديهم وما خلفَهم ولا يُحِيطون به عِلمًا، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، الملك الكبير اللطيف الخبير، الذي ليس كمِثلِه شيء وهو السميع البصير.
معاشر المسلمين الموحدين:
هل سألنا أنفسنا هذا السؤال يوما من الأيام، أين الله في حياتنا؟
عندما نرتكب الذنوب والمعاصي بعيداً عن أعين الخلق، أين الله في حياتنا؟
عندما ننتهك حرمات الله في الظلمات.. في الخلوات.. في الفلوات، أين الله؟
يدخل بعض الناس غابة ملتفة أشجارها لا تكاد ترى الشمس معها، ثم يقول: لو عملت المعصية – الآن - من يراني؟ فيسمع هاتفًا بصوت يملأ الغابة ويقول: ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك:14] بلى والله!.
عندما نضيع أوقاتنا وشبابنا في معصية الله، أين الله؟
عندما نطلق أعيننا، ونفسح لها المجال لأن تنظر إلى ما حرم الله، أين الله؟
عندما نسخر النعم التي أنعمها الله علينا في معصيته، أين الله؟
في الصحيح من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقوامًا من أمتي يوم القيامة يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء ، يجعلها الله هباءً منثورًا، قال ثوبان: صِفْهُم لنا؟! جلِّهم لنا؟! ألاَّ نكون منهم يا رسول الله؟ قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
يا رب لطفك!! يا لله!! أعمال كجبال تهامة بيضاء، يجعلها الله هباء منثوراً!، فالأمر عباد الله جِدُّ خطير إذا لم نراقب الله في السر والعلن، تخيلوا معي معاشر المسلمين الموحدين، بمجرد أن ننتهك حرمات الله تضيع حسناتنا، والطامة الكبرى أن هؤلاء الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث أنهم يأخذون من الليل ما يأخذون، بمعنى يتهجدون ويناجون ربهم،لكن بسبب عدم تعظيمهم لله، واستهتارهم، واستخفافهم بالله ، نالوا الخزي والعار يوم القيامة، أما الذي يذنب نسأل الله السلامة.
أيها المؤمنون:
ما أحوجنا إلى هذه المراقبة! ما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم في حياتنا حين ينطلق المسلم في بيته وسوقه، في حله وسفره، في نهاره وليله، عند وجود الناس أو في الخلوة عنهم، ما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم!.
قال زيد بن أسلم: "مَرّ ابن عمر براعي غنم فقال: يا راعي الغنم هل مِن جَزرة؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر: تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال: فأين الله ؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول فأين الله، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم.
رواها البيهقي في "شُعب الإيمان"، ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن الحارث الحاطبي، وهو ثقة.
أين الله؟ منهج حياة، أين الله في تصرفاتنا؟ أين الله حينما نضغط على أزرار التلفون لنبحث عن حرام؟ أين الله حينما ننشر البلوتوث نوزع الفاحشة في الذين آمنوا؟
أين الله حينما ننظر بأعيننا إلى ما حرم الله؟
أين الله عندما نسمع بآذاننا ما يسخط الله؟ أين الله ونحن نتعامل بالربا إلا من رحم الله؟ أين الله عند أولئك الذين يسرقون المال المعصوم؟ لماذا لا يراقبون الله الذين يقتلون النفس التي حرم الله، وهم يعلمون أنهم سيقفون بين يدي الله، فلا مفر للطغاة والظالمين من لقاء الله عز وجل.
أما استشعرنا معاشر المسلمين أن الله يرانا، قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ﴾ [النساء:108].
فإذا خلوت بريبة في ظلمة
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني
إن الله لا يخفي عليه شيء، فهلا اتقينا الله يا عباد الله!
أيها الأحبة الكرام في الله:
يعسُّ عمر - رضي الله عنه - ليلة من الليالي، ويتتبع أحوال الأمة، وتعب واتكأ على جدار، فإذا بامرأة تقول لابنتها: امذقي اللبن بالماء ليكثر عند البيع، فقالت البنت: إن عمر أمر مناديه أن ينادي: ألا يشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: يا ابنتي قومي إنكِ بموضع لا يراكِ فيه عمر ولا مناديه، فقالت البنت المستشعرة لرقابة الله: يا أماه! أين الله؟ والله ما كنت لأطيعه في الملا وأعصيه في الخلا.
ويمر عمر مرة أخرى بامرأة أخرى تغيب عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله - عز وجل - قد تغيبت في ظلمات ثلاث: في ظلمة الغربة والبعد عن زوجها، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة قعر بيتها، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
تطاول هذا الليل وازورَّ جانبه
وأرَّقني ألا حبيب ألاعبه
فو الله لولا الله لا رب غيره
لحُرِّك من هذا السرير جوانبه
من الذي راقبته في ظلام الليل، وفي بُعْد عن زوجها، وفي هدأة العيون؛ والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. أنْعِم بها من مراقبة، وأنْعِم بها من امرأة!
عباد الله، ما ثمرة مراقبة الله؟
هذا الخلق - أعني خلق المراقبة - خلق عظيم، متى ما تدثّر الإنسان به فاح ذكره وطيبه، ونال من خيري الدنيا والآخرة ما تكون سعادته. قال ذو النون: "علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظّم الله، وتصغير ما صغّر الله"، وقيل: "من راقب الله في خواطره عصمه الله في حركات جوارحه". قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سرّه حفظه الله في علانيته".
اسمعوا لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن، وإنما وقع في زمن مضى؛ لنعرف ثمرة مراقبة الله - عز وجل- واستشعار ذلك الأمر. رجل اسمه نوح بن مريم كان ذا نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له ابنة ذات منصب وجمال، وفوق ذلك صاحبة دين وخلق، وكان معه عبد اسمه مبارك لا يملك من الدنيا قليلاً ولا كثيرًا، ولكنه يملك الدين والخلق - ومن ملكهما فقد ملك كل شيء - أرسله سيده إلى بساتين له، وقال له: اذهب إلى تلك البساتين، واحفظ ثمرها، وقم على خدمتها إلى أن آتيك، فمضى الرجل، وبقي في البساتين لمدة شهرين، وجاءه سيده، ليستجم في بساتينه؛ وليستريح في تلك البساتين.
جلس تحت شجرة وقال: يا مبارك ! ائتني بقطف من عنب، فجاءه بقطف، فإذا هو حامض، فقال: ائتني بقطف آخر إن هذا حامض، فأتاه بآخر فإذا هو حامض، فقال: ائتني بآخر إن هذا حامض، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض، وكاد أن يستولي عليه الغضب، وقال: يا مبارك ! أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتيني بقطف لم ينضج، ألا تعرف حلوه من حامضه؟ قال: والله! ما أرسلتني لآكله، وإنما أرسلتني لأحفظه، وأقوم على خدمته، والذي لا إله إلا هو! ما ذقت منه عنبة واحدة، والذي لا إله إلا هو! ما راقبتك ولا راقبت أحدًا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السَّماء.
فأعجب به، وأُعْجِب بورعه، وقال: الآن أستشيرك - والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششة، والمستشار
مؤتمن - تقدم لابنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت؟
فقال مبارك: لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب، واليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوجون للدين والخلق، وعلى عهدنا هذا للمال والجاه، والمرء مع من أحب، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم.
أي نصيحة وأي مشورة! نظر وقدَّر وفكَّر، وتملى ونظر فما وجد خيرًا من مبارك ، قال: أنت حرُ لوجه الله، فأعتقه أولاً، ثم قال: لقد قلبت النظر، ورأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت، قال: اعرض عليها، فذهب فعرض على البنت، وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك ، قالت: أترضاه لي؟ قال: نعم. قالت: فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فكان الزواج المبارك من مبارك ، فما الثمرة وما النتيجة؟ حملت هذه المرأة وولدت طفلاً أسمياه عبد الله ، لعل الكل يعرف هذا الرجل، إنه عبد الله بن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلَّب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيًا بسيرته وذِكْره الطيب، إن ذلك ثمرة مراقبة الله - عز وجل - في كل شيء.
معاشر المؤمنين الموحدين:
أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة؛ لصلحت الحال واستقامت الأمور.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسع كل شيءٍ علمًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أيها الفضلاء:
فلنحاسب أنفسنا، ونحن هنا في الدنيا، وفي الوقت متسع، وباب التوبة مفتوح، قبل أن يؤتى بالشهود، في يوم عسير، على الكافرين والفاسقين والمنافقين غير يسير.
فلنبادر - أيها الإخوة - بترك المنكرات، وترك ما نهى الله عنه، قبل أن يؤتى بشهود يوم القيامة، الذين لا تنفع معهم واسطة ولا محاباة لأحد.
فالله هو الرقيب، وهو الحسيب، وأن لا ملجأ منه إلا إليه سبحانه، فهو الرقيب سبحانه، وهو الشهيد وكفى به شهيداً، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامة الحجة على الناس، وكفى بالله شهيداً.
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن شهودَ الدنيا قد يكذِبون، وقد يُبالغون في الحقيقة، وقد يمتنعون عن الإدلاء بالشهادة خوفاً من مُهدِّدٍ، أو طمعاً في مُرَغِّب، وقد تكون شهادتُهم غامضةٌ تحتاج إلى توضيح وتفصيل، وقد يحضرون للشهادة وقد يمتنعون عن الحضور لشغل أو عائقٍ، لكن شهودَ يومِ القيامة يختلفون تماماً عن شهود الدنيا، لا تنفع معهم الرشاوي، ولا يعرفون المجاملات، يُؤمرون من ربهم وخالقهم فينطقون، لا يزيدون ولا ينقصُون، لا يكذبون ولا يمتنعون، شهادتهم واضحة، وعباراتهم مفهومة.
فمن هؤلاء الشهود، شهادة النفس، نفس الإنسان تشهد عليه، تكون هذه الشهادة عند الاحتضار، حيث لا ينفع الندم، ولا يجدي الأسف في تلك اللحظات التي يكون الواحد فيها في ذروة الحسرة، وشدة الألم، وتقفل أبواب التوبة ويعترف الإنسان ويشهد على نفسه بالتقصير والتفريط، فأغلى أمانيه أن يقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [ المؤمنون:99-100]. ولكن الله يكذبه، ولكن الله عز وجل يأبى ذلك ويقول: (كَلَّا)، وقد قال سبحانه في تكذيب هذا الإنسان: ﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام: 28]. قال سبحانه وتعالى: ( ﴿ وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِين ﴾ [الأنعام:130].
ومن هؤلاء الشهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [البقرة:143] .. ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ﴾ [النساء:41-42] فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيشهد على الأمم، وعلى هذه الأمة.
والملائكة – أيضًا - سيشهدون، وكفى بالله شهيدًا، قال الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار:10-12].
ويقول جلَّ وعلا: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق:17-18]. فالملائكة أيضًا ستشهد.
والكتاب سيشهد، والسجلات ستفتح بين يدي الله فترى الصغير والكبير، والنقير والقطمير، تنظر في صفحة اليوم الثامن من هذا الشهر، فإذا هي لا تٌغادر صغيرة ولا كبيرة ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [الكهف:49] .. ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾ [الإسراء:13-14].
والأرض التي ذللها الله - عز وجل - لنا ستشهد بما عُمل على ظهرها من خير أو شر ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة:1-4].
والخلق -أيضًا- سيشهدون، وكفى بالله شهيدًا.
في صحيح مسلم: "أن جنازةً مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فيثني عليها الناس خيرًا، فيقول صلى الله عليه وسلم: وجبت. وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوءًا، فيقول صلى الله عليه وسلم: وجبت. فيتساءل الصحابة، فيقول صلى الله عليه وسلم: أثنيتم على الأولى بخير
فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه".
وسيشهد ما هو أقرب من هذا؛ ستشهد الجوارح، لأنه في الأخير يرفض هؤلاء الشهود كلهم، فلا يريد شهادة إلا من جوارحه، ظناً منه أنها ستشهد له بما يريد، ونسي أن الذي خلقها قادر على أن يسيرها كيفما يريد سبحانه، فأيدٍ تشهد، وأرجل تشهد، وألسن تشهد، وجوارح تشهد: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس:65] .. ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ [فصلت:19-24].
فلنتق الله جميعاًيا عباد الله! ولنجعل هؤلاء الشهود جميعهم لنا لا علينا، ولنبادر بالأعمال الصالحات قبل حلول الآجال وبقاء الحسرات.....
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه... ...المزيد
خطبة الجمعة بعنوان:
مراقبة الله في حياتنا
الحمد لله الذي وَسِعَ كلَّ شَيءٍ عِلمًا، وقهَر كلَّ مخلوقٍ عزَّة وحُكمًا، يعلَمُ ما بين أيديهم وما خلفَهم ولا يُحِيطون به عِلمًا، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحدَه لا شريك له، الملك الكبير اللطيف الخبير، الذي ليس كمِثلِه شيء وهو السميع البصير.
معاشر المسلمين الموحدين:
هل سألنا أنفسنا هذا السؤال يوما من الأيام، أين الله في حياتنا؟
عندما نرتكب الذنوب والمعاصي بعيداً عن أعين الخلق، أين الله في حياتنا؟
عندما ننتهك حرمات الله في الظلمات.. في الخلوات.. في الفلوات، أين الله؟
يدخل بعض الناس غابة ملتفة أشجارها لا تكاد ترى الشمس معها، ثم يقول: لو عملت المعصية – الآن - من يراني؟ فيسمع هاتفًا بصوت يملأ الغابة ويقول: ﴿ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك:14] بلى والله!.
عندما نضيع أوقاتنا وشبابنا في معصية الله، أين الله؟
عندما نطلق أعيننا، ونفسح لها المجال لأن تنظر إلى ما حرم الله، أين الله؟
عندما نسخر النعم التي أنعمها الله علينا في معصيته، أين الله؟
في الصحيح من حديث ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لأعلمن أقوامًا من أمتي يوم القيامة يأتون بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء ، يجعلها الله هباءً منثورًا، قال ثوبان: صِفْهُم لنا؟! جلِّهم لنا؟! ألاَّ نكون منهم يا رسول الله؟ قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها". رواه ابن ماجه وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة.
يا رب لطفك!! يا لله!! أعمال كجبال تهامة بيضاء، يجعلها الله هباء منثوراً!، فالأمر عباد الله جِدُّ خطير إذا لم نراقب الله في السر والعلن، تخيلوا معي معاشر المسلمين الموحدين، بمجرد أن ننتهك حرمات الله تضيع حسناتنا، والطامة الكبرى أن هؤلاء الذين وصفهم النبي عليه الصلاة والسلام في الحديث أنهم يأخذون من الليل ما يأخذون، بمعنى يتهجدون ويناجون ربهم،لكن بسبب عدم تعظيمهم لله، واستهتارهم، واستخفافهم بالله ، نالوا الخزي والعار يوم القيامة، أما الذي يذنب نسأل الله السلامة.
أيها المؤمنون:
ما أحوجنا إلى هذه المراقبة! ما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم في حياتنا حين ينطلق المسلم في بيته وسوقه، في حله وسفره، في نهاره وليله، عند وجود الناس أو في الخلوة عنهم، ما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم!.
قال زيد بن أسلم: "مَرّ ابن عمر براعي غنم فقال: يا راعي الغنم هل مِن جَزرة؟ قال الراعي: ليس ها هنا ربها ، فقال ابن عمر: تقول أكلها الذئب ! فرفع الراعي رأسه إلى السماء ثم قال: فأين الله ؟ قال ابن عمر: فأنا والله أحق أن أقول فأين الله، فاشترى ابن عمر الراعي واشترى الغنم فأعتقه وأعطاه الغنم.
رواها البيهقي في "شُعب الإيمان"، ومِن طريقه ابن عساكر في "تاريخ دمشق"، قال الهيثمي: رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح غير عبد الله بن الحارث الحاطبي، وهو ثقة.
أين الله؟ منهج حياة، أين الله في تصرفاتنا؟ أين الله حينما نضغط على أزرار التلفون لنبحث عن حرام؟ أين الله حينما ننشر البلوتوث نوزع الفاحشة في الذين آمنوا؟
أين الله حينما ننظر بأعيننا إلى ما حرم الله؟
أين الله عندما نسمع بآذاننا ما يسخط الله؟ أين الله ونحن نتعامل بالربا إلا من رحم الله؟ أين الله عند أولئك الذين يسرقون المال المعصوم؟ لماذا لا يراقبون الله الذين يقتلون النفس التي حرم الله، وهم يعلمون أنهم سيقفون بين يدي الله، فلا مفر للطغاة والظالمين من لقاء الله عز وجل.
أما استشعرنا معاشر المسلمين أن الله يرانا، قال تعالى: ﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ﴾ [النساء:108].
فإذا خلوت بريبة في ظلمة
والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها
إن الذي خلق الظلام يراني
إن الله لا يخفي عليه شيء، فهلا اتقينا الله يا عباد الله!
أيها الأحبة الكرام في الله:
يعسُّ عمر - رضي الله عنه - ليلة من الليالي، ويتتبع أحوال الأمة، وتعب واتكأ على جدار، فإذا بامرأة تقول لابنتها: امذقي اللبن بالماء ليكثر عند البيع، فقالت البنت: إن عمر أمر مناديه أن ينادي: ألا يشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: يا ابنتي قومي إنكِ بموضع لا يراكِ فيه عمر ولا مناديه، فقالت البنت المستشعرة لرقابة الله: يا أماه! أين الله؟ والله ما كنت لأطيعه في الملا وأعصيه في الخلا.
ويمر عمر مرة أخرى بامرأة أخرى تغيب عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله - عز وجل - قد تغيبت في ظلمات ثلاث: في ظلمة الغربة والبعد عن زوجها، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة قعر بيتها، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
تطاول هذا الليل وازورَّ جانبه
وأرَّقني ألا حبيب ألاعبه
فو الله لولا الله لا رب غيره
لحُرِّك من هذا السرير جوانبه
من الذي راقبته في ظلام الليل، وفي بُعْد عن زوجها، وفي هدأة العيون؛ والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. أنْعِم بها من مراقبة، وأنْعِم بها من امرأة!
عباد الله، ما ثمرة مراقبة الله؟
هذا الخلق - أعني خلق المراقبة - خلق عظيم، متى ما تدثّر الإنسان به فاح ذكره وطيبه، ونال من خيري الدنيا والآخرة ما تكون سعادته. قال ذو النون: "علامة المراقبة إيثار ما أنزل الله، وتعظيم ما عظّم الله، وتصغير ما صغّر الله"، وقيل: "من راقب الله في خواطره عصمه الله في حركات جوارحه". قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "وأرباب الطريق مجمعون على أن مراقبة الله في الخواطر سبب لحفظها في حركات الظواهر، فمن راقب الله في سرّه حفظه الله في علانيته".
اسمعوا لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن، وإنما وقع في زمن مضى؛ لنعرف ثمرة مراقبة الله - عز وجل- واستشعار ذلك الأمر. رجل اسمه نوح بن مريم كان ذا نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له ابنة ذات منصب وجمال، وفوق ذلك صاحبة دين وخلق، وكان معه عبد اسمه مبارك لا يملك من الدنيا قليلاً ولا كثيرًا، ولكنه يملك الدين والخلق - ومن ملكهما فقد ملك كل شيء - أرسله سيده إلى بساتين له، وقال له: اذهب إلى تلك البساتين، واحفظ ثمرها، وقم على خدمتها إلى أن آتيك، فمضى الرجل، وبقي في البساتين لمدة شهرين، وجاءه سيده، ليستجم في بساتينه؛ وليستريح في تلك البساتين.
جلس تحت شجرة وقال: يا مبارك ! ائتني بقطف من عنب، فجاءه بقطف، فإذا هو حامض، فقال: ائتني بقطف آخر إن هذا حامض، فأتاه بآخر فإذا هو حامض، فقال: ائتني بآخر إن هذا حامض، فجاءه بالثالث فإذا هو حامض، وكاد أن يستولي عليه الغضب، وقال: يا مبارك ! أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتيني بقطف لم ينضج، ألا تعرف حلوه من حامضه؟ قال: والله! ما أرسلتني لآكله، وإنما أرسلتني لأحفظه، وأقوم على خدمته، والذي لا إله إلا هو! ما ذقت منه عنبة واحدة، والذي لا إله إلا هو! ما راقبتك ولا راقبت أحدًا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شئ في الأرض ولا في السَّماء.
فأعجب به، وأُعْجِب بورعه، وقال: الآن أستشيرك - والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششة، والمستشار
مؤتمن - تقدم لابنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت؟
فقال مبارك: لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب، واليهود يزوجون للمال، والنصارى للجمال، وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يزوجون للدين والخلق، وعلى عهدنا هذا للمال والجاه، والمرء مع من أحب، ومن تشبَّه بقوم فهو منهم.
أي نصيحة وأي مشورة! نظر وقدَّر وفكَّر، وتملى ونظر فما وجد خيرًا من مبارك ، قال: أنت حرُ لوجه الله، فأعتقه أولاً، ثم قال: لقد قلبت النظر، ورأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت، قال: اعرض عليها، فذهب فعرض على البنت، وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك ، قالت: أترضاه لي؟ قال: نعم. قالت: فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
فكان الزواج المبارك من مبارك ، فما الثمرة وما النتيجة؟ حملت هذه المرأة وولدت طفلاً أسمياه عبد الله ، لعل الكل يعرف هذا الرجل، إنه عبد الله بن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلَّب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيًا بسيرته وذِكْره الطيب، إن ذلك ثمرة مراقبة الله - عز وجل - في كل شيء.
معاشر المؤمنين الموحدين:
أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة؛ لصلحت الحال واستقامت الأمور.
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل
خلوت ولكن قل عليّ رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما تخفيه عنه يغيب
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، أحمده تعالى وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسع كل شيءٍ علمًا، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
أيها الفضلاء:
فلنحاسب أنفسنا، ونحن هنا في الدنيا، وفي الوقت متسع، وباب التوبة مفتوح، قبل أن يؤتى بالشهود، في يوم عسير، على الكافرين والفاسقين والمنافقين غير يسير.
فلنبادر - أيها الإخوة - بترك المنكرات، وترك ما نهى الله عنه، قبل أن يؤتى بشهود يوم القيامة، الذين لا تنفع معهم واسطة ولا محاباة لأحد.
فالله هو الرقيب، وهو الحسيب، وأن لا ملجأ منه إلا إليه سبحانه، فهو الرقيب سبحانه، وهو الشهيد وكفى به شهيداً، ومن حكمته سبحانه وتعالى أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامة الحجة على الناس، وكفى بالله شهيداً.
أيها الأحباب الكرام في الله:
إن شهودَ الدنيا قد يكذِبون، وقد يُبالغون في الحقيقة، وقد يمتنعون عن الإدلاء بالشهادة خوفاً من مُهدِّدٍ، أو طمعاً في مُرَغِّب، وقد تكون شهادتُهم غامضةٌ تحتاج إلى توضيح وتفصيل، وقد يحضرون للشهادة وقد يمتنعون عن الحضور لشغل أو عائقٍ، لكن شهودَ يومِ القيامة يختلفون تماماً عن شهود الدنيا، لا تنفع معهم الرشاوي، ولا يعرفون المجاملات، يُؤمرون من ربهم وخالقهم فينطقون، لا يزيدون ولا ينقصُون، لا يكذبون ولا يمتنعون، شهادتهم واضحة، وعباراتهم مفهومة.
فمن هؤلاء الشهود، شهادة النفس، نفس الإنسان تشهد عليه، تكون هذه الشهادة عند الاحتضار، حيث لا ينفع الندم، ولا يجدي الأسف في تلك اللحظات التي يكون الواحد فيها في ذروة الحسرة، وشدة الألم، وتقفل أبواب التوبة ويعترف الإنسان ويشهد على نفسه بالتقصير والتفريط، فأغلى أمانيه أن يقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ﴾ [ المؤمنون:99-100]. ولكن الله يكذبه، ولكن الله عز وجل يأبى ذلك ويقول: (كَلَّا)، وقد قال سبحانه في تكذيب هذا الإنسان: ﴿ وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ ﴾ [ الأنعام: 28]. قال سبحانه وتعالى: ( ﴿ وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِين ﴾ [الأنعام:130].
ومن هؤلاء الشهود رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول الله عز وجل: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ﴾ [البقرة:143] .. ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً ﴾ [النساء:41-42] فرسول الله صلى الله عليه وسلم سيشهد على الأمم، وعلى هذه الأمة.
والملائكة – أيضًا - سيشهدون، وكفى بالله شهيدًا، قال الله عز وجل: ﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الانفطار:10-12].
ويقول جلَّ وعلا: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق:17-18]. فالملائكة أيضًا ستشهد.
والكتاب سيشهد، والسجلات ستفتح بين يدي الله فترى الصغير والكبير، والنقير والقطمير، تنظر في صفحة اليوم الثامن من هذا الشهر، فإذا هي لا تٌغادر صغيرة ولا كبيرة ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً ﴾ [الكهف:49] .. ﴿ وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ﴾ [الإسراء:13-14].
والأرض التي ذللها الله - عز وجل - لنا ستشهد بما عُمل على ظهرها من خير أو شر ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا * وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا * وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا * يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴾ [الزلزلة:1-4].
والخلق -أيضًا- سيشهدون، وكفى بالله شهيدًا.
في صحيح مسلم: "أن جنازةً مرت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه، فيثني عليها الناس خيرًا، فيقول صلى الله عليه وسلم: وجبت. وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوءًا، فيقول صلى الله عليه وسلم: وجبت. فيتساءل الصحابة، فيقول صلى الله عليه وسلم: أثنيتم على الأولى بخير
فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه".
وسيشهد ما هو أقرب من هذا؛ ستشهد الجوارح، لأنه في الأخير يرفض هؤلاء الشهود كلهم، فلا يريد شهادة إلا من جوارحه، ظناً منه أنها ستشهد له بما يريد، ونسي أن الذي خلقها قادر على أن يسيرها كيفما يريد سبحانه، فأيدٍ تشهد، وأرجل تشهد، وألسن تشهد، وجوارح تشهد: ﴿ الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [يس:65] .. ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ * حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصَارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ * وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ ﴾ [فصلت:19-24].
فلنتق الله جميعاًيا عباد الله! ولنجعل هؤلاء الشهود جميعهم لنا لا علينا، ولنبادر بالأعمال الصالحات قبل حلول الآجال وبقاء الحسرات.....
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه... ...المزيد
الإستقامة وأثرها في حياة المسلم جمع وإعداد/ د. ياسر عبد الله الحوري الحمد لله رب العالمين، ...
الإستقامة وأثرها في حياة المسلم
جمع وإعداد/ د. ياسر عبد الله الحوري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين.
معاشر المسلمين الموحدين:
نعيش وإياكم مع خلق عظيم من أخلاق القرآن، إنه خلق تخلى عنه كثير من الناس الذين آثروا الدنيا عن الآخرة، خلق ما أحوجنا إليه وخاصة الأمة تمر بأمواج من الفتن والمحن، ما أحوج المسلمين اليوم وهم يشاهدون المؤامرة الكبيرة على الإسلام وأبناءه أن يتمسكوا بهذا الخلق العظيم، ويكونوا صفاً واحداً وحصناً منيعاً ضد من يكيد لديننا ويعبث بمقدساتنا، ولن يتأتى ذلك إلا إذا استقمنا على شرع الله، واعتمدنا على خالقنا ورازقنا، إنه خُلق الاستقامة، فالاستقامة عين الكرامة..
فيا ترى ماذا قال سلفنا وهم يصفون معنى الاستقامة؟
تنوعت أقوال السلف في وصف الاستقامة وتعددت، فلقد سُئل صدّيق هذه الأمة وأعظمُها استقامة - أبوبكر الصديق - عن الاستقامة؟ فقال: " ألا تُشرك بالله شيئا".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب".
وقال عثمان رضي الله عنه: " استقاموا: أخلصوا العمل لله".، وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما: " استقاموا: أدوا الفرائض.
ابن رجب رحمه الله جاء بتعريف جامع مانع، فقال رحمه الله: " والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهي الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك".
ومن خلال هذ التعاريف نفهم أن الاستقامة تعني التمسك بالدين كله والثبات عليه، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".
فضائل عظيمة ومنازل رفيعة لمن استقاموا على طاعة الله:
أيها الأحبة الكرام في الله:
تأملوا معي هذه الآية الكريمة، والله سبحانه وتعالى يذكر الفضائل العظيمة، والمنازل الرفيعة لأهل استقامته، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
من خلال هذه الآيات نجد الفضل العظيم، والعطاء الجزيل لمن تخلق بخلق الاستقامة، فمن هذا العطاء والفضل أن ملائكة الرحمن تتنزل عليهم بالبشرى من عند الله سبحانه وتعالى بالسرور والحبور، وذلك في ثلاثة مواطن عصيبة ورهيبة، قال وكيع: "البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وفي البعث". ذكر ذلك الإمام الشوكاني والقرطبي في تفسيرهما.
تحقيق الطمأنينة والسكينة لأهل الاستقامة:
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ [فصلت:30]، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13].
يا لها من منزلة عظيمة ونعمة جسيمة لهم، قال سبحانه: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت:30].
أيها الأحبة الكرام:
من كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة:
قال جل ذكره: ( ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [فصلت:31]، الله أكبر!! إنه نعيم من الكريم سبحانه لأهل طاعته يفوق النعيم السابق، قال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية: "أي نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا والآخرة، ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة".
اسمعوا ماذا قال ربكم في هذا الشأن عن أهل استقامته في سورة الأنعام: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 126-127].
أين من يبحث عن سعة الرزق وهناءة العيش؟
الله الله لو استقام الناس على طريقة الإسلام، واستمروا عليها؛ لوجدوا خيراً كثيراً، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، والمراد بذلك سعة الرزق كما قال عمر رضي الله عنه:" أينما كان الماء كان المال".
وهذا الوعد كقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
آثار الاستقامة في حياة المسلم:
لما كانت الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، متعلقة بالأقوال والفعال والأحوال كان لابد من ظهور آثارها في حياة المسلم المستقيم.
فمن أوضح آثار الاستقامة في حياة المؤمن توحيده لله، توحيداً لا تخالطه شائبة شرك:
المستقيم على توحيد الله تراه سائلاً إياه، لائذاً بحماه، واثقاً به، متوكلاً عليه، لا يخاف إلا الله... يعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فالمستقيم على طاعة الله كذلك يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه وما أخطئه لم يكن ليُصيبه.
ومن آثار الاستقامة في حياة المسلم الدعوة إلى الله عز وجل:
عباد الله:
لقد قرن الله عز وجل الأمر بالدعوة مع الأمر بالاستقامة في آية واحدة فقال جل شأنه:
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [الشورى:15]، وبعد آيات النعيم العظيم من الله لأهل استقامته أتبعها مباشرة بآيات الدعوة إلى الله، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33].
فنفعه لنفسه باستقامته، ولغيره بدعوته، وهذا هو أحسن القول الذي به ينال المؤمن الدرجات العلى.
المستقيم على طاعة الله ما دام عرف طريقه، لا يميل ولا يتلون ولا يتذبذب... ثابت القدم، راسخ اليقين لا تضره فتنة، ولا تغيره محنة.
ولهذا لما قرأ عمر هذه الآية على المنبر ( ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾[الأحقاف:13] فقال: " لم يروغوا روغان الثعلب".
ومن آثار الاستقامة على العبد شعوره بالتقصير:
ولهذا يتطلب منه كثرة الاستغفار قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ.. ﴾ [فصلت:6] قال ابن رجب رحمه الله: " إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها...)). حديث حسن رواه أحمد والترمذي.
صور مشرقة من سير سلفنا الصالح:
الاستقامة في العبادة:
قال عبد الله بن الحسن: كان لي جارية رومية وكنت بها معجباً، فكانت في بعض الليالي نائمة إلى جنبي فانتبهت فالتمستها فلم أجدها، فقمت إليها وهي ساجدة وهي تقول: اللهم بحبك لي إلا ما غفرت لي.
فقلت لها: لا تقولي بحبك لي، ولكن قولي: بحبي لك.
فقالت: يا مولاي بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظني وكثير من خلقه نيام[1].
الاستقامة على العفة:
قال خارجة بن زياد: هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجْت من المسجد، فعرفَت ذلك مني، فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت نعم، قالت وما هي: قلت: مودتك، قالت: دع ذلك ليوم التغابن. قال: فأبكتني فو الله ما عُدتُ لذلك[2].
استقامة اللسان:
إن أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)) حديث حسن.
قال البخاري عن نفسه: ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها[3].
استقامة الهموم:
قال صلى الله عليه وسلم: (( من كانت الآخرة همه، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
فقد كان السلف لا يتحدثون بحديث إلا وللآخرة نصيب منه، فلا يفرحون إلا للآخرة، ولا يحزنون إلا للآخرة.
ومما جاء في ترجمة الصحابي الجليل حممة بن أبي حممة أنه بات ليلة عند التابعي هرم ابن حيان العبدي، فرآه يبكي الليل أجمع، فقال له هرم: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتُها تُبعثر القبور، ثم بات عنده ليلة ثانية فبات يبكي فسأله فقال: ذكرت ليلة صبيحتها تتناثر النجوم[4].
عوائق الاستقامة:
الاستهانة بالمعصية:
يا للهِ ! كم أهلكت المعاصي أناساً كانوا صالحين فأردتهم صرعى الشهوات، وصدتهم عن الطاعات؟!
وربما يستهين المسلم بمعصية حتى تجتمع عليه أخواتها، فالسيئة -كما قيل- تدعوا أختها؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)). رواه أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع.
ومن عوائقها الانشغال بالدنيا عن الآخرة:
قال عليه الصلاة والسلام: ((ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)). متفق عليه.
ومن عوائقها الوسط السيء:
في الوظيفة - في الأسرة - في المجتمع. قال تعالى: ﴿ فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [ هود: 112-113].
طريقنا إلى الاستقامة:
الإخلاص لله رب العالمين:
فالرياء انحراف في النية؛ ولذا لا بد من تهذيب النفس حتى تستقيم فتصدق مع الله في الأقوال والأعمال، قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ.. ﴾ [الأنعام: 162-163].
الالتزام بالسنة طريق الاستقامة:
فمن فارق السنة فقد فارق الدليل وضل عن سواء السبيل، فالزم نفسك بالسنة، وتحرها في كل صغيرة وكبيرة تستقم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52-53].
فعل الطاعات، والاجتهاد فيها، ومجاهدة النفس عليها:
مما يعين على تحقيق الاستقامة الالتزام بالفرائض والمواظبة عليها، والقيام بها كما أمر الله - عز وجل - ؛ ولهذا بعد آية الأمر بالاستقامة بآية جاء الأمر بالمحافظة على الصلوات الخمس؛ لما لها من أثر في استقامة العبد، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].
ولقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة والوضوء بعد أن أمرنا بالاستقامة، فقال عليه الصلاة والسلام: (( استقيموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن...)) رواه أحمد وغيره، وهو في صحيح الجامع.
الدعاء سبيل إلى الاستقامة:
رفع المؤمنون أكف الضراعة إلى الله لما علموا أن الهداية غلى الاستقامة بيد الله سبحانه، بل يرددون في كل ركعة من صلواتهم (اهدنا الصراط المستقيم)، ولقد قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في قوله تعالى (فَاسْتَقم) قيل:" اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك، فتكون السين سين السؤال، كما تقول استغفر الله، أطلب الغفران منه"[5].
الارتباط بالقرآن تلاوة وحفظا، وتدبرا، وعملا دليل صادق يدلك على الاستقامة:
قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9] فالآية تُخبرنا - وهي قول أصدق القائلين - بأن كتاب الله - تعالى - يهدي إلى الحالة التي هي أقوم الحالات، وإلى الطريقة التي هي أعدل الطرق، وهي طريق الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإيمان برسله، والعمل بطاعته.
وقد أكّد الله - تبارك وتعالى - لعباده هذا المعنى حين قال عن كتابه:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 27-28].
وهذا حذيفة رضي الله عنه ينادي فيقول: "يا معشر القراء.. استقيموا فقد سَبقتم سَبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً".
هُجران أهل الكفر والمعاصي طريق إلى الاستقامة:
لقد جاء بعد آية الأمر بالاستقامة - في سورة هود - مباشرة قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113].
قال أهل العلم: أي لا تميلوا إلى العصاة، وقد قال القرطبي-رحمه الله- في دلالة هذه الآية: " أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية؛ إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة، وقد قال حكيم وهو طرفة بن العبد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
ثم قال تعالى: ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113]؛ أي تُحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم"[6].
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ورجاله ثقات.
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. ...المزيد
جمع وإعداد/ د. ياسر عبد الله الحوري
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيوم السموات والأرضين، ومالك يوم الدين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عز إلا في التذلل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، أمينه على وحيه، وخيرته من خلقه، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمة للعالمين، وإماماً للمتقين.
معاشر المسلمين الموحدين:
نعيش وإياكم مع خلق عظيم من أخلاق القرآن، إنه خلق تخلى عنه كثير من الناس الذين آثروا الدنيا عن الآخرة، خلق ما أحوجنا إليه وخاصة الأمة تمر بأمواج من الفتن والمحن، ما أحوج المسلمين اليوم وهم يشاهدون المؤامرة الكبيرة على الإسلام وأبناءه أن يتمسكوا بهذا الخلق العظيم، ويكونوا صفاً واحداً وحصناً منيعاً ضد من يكيد لديننا ويعبث بمقدساتنا، ولن يتأتى ذلك إلا إذا استقمنا على شرع الله، واعتمدنا على خالقنا ورازقنا، إنه خُلق الاستقامة، فالاستقامة عين الكرامة..
فيا ترى ماذا قال سلفنا وهم يصفون معنى الاستقامة؟
تنوعت أقوال السلف في وصف الاستقامة وتعددت، فلقد سُئل صدّيق هذه الأمة وأعظمُها استقامة - أبوبكر الصديق - عن الاستقامة؟ فقال: " ألا تُشرك بالله شيئا".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: " الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب".
وقال عثمان رضي الله عنه: " استقاموا: أخلصوا العمل لله".، وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما: " استقاموا: أدوا الفرائض.
ابن رجب رحمه الله جاء بتعريف جامع مانع، فقال رحمه الله: " والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم، وهي الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها كذلك".
ومن خلال هذ التعاريف نفهم أن الاستقامة تعني التمسك بالدين كله والثبات عليه، فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " أعظم الكرامة لزوم الاستقامة".
فضائل عظيمة ومنازل رفيعة لمن استقاموا على طاعة الله:
أيها الأحبة الكرام في الله:
تأملوا معي هذه الآية الكريمة، والله سبحانه وتعالى يذكر الفضائل العظيمة، والمنازل الرفيعة لأهل استقامته، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ ﴾ [فصلت: 30 - 32].
من خلال هذه الآيات نجد الفضل العظيم، والعطاء الجزيل لمن تخلق بخلق الاستقامة، فمن هذا العطاء والفضل أن ملائكة الرحمن تتنزل عليهم بالبشرى من عند الله سبحانه وتعالى بالسرور والحبور، وذلك في ثلاثة مواطن عصيبة ورهيبة، قال وكيع: "البشرى في ثلاثة مواطن: عند الموت، وفي القبر، وفي البعث". ذكر ذلك الإمام الشوكاني والقرطبي في تفسيرهما.
تحقيق الطمأنينة والسكينة لأهل الاستقامة:
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾ [فصلت:30]، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [الأحقاف: 13].
يا لها من منزلة عظيمة ونعمة جسيمة لهم، قال سبحانه: ﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت:30].
أيها الأحبة الكرام:
من كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة:
قال جل ذكره: ( ﴿ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾ [فصلت:31]، الله أكبر!! إنه نعيم من الكريم سبحانه لأهل طاعته يفوق النعيم السابق، قال الشوكاني في تفسيره لهذه الآية: "أي نحن المتولون لحفظكم ومعونتكم في أمور الدنيا والآخرة، ومن كان الله وليه فاز بكل مطلب، ونجا من كل مخافة".
اسمعوا ماذا قال ربكم في هذا الشأن عن أهل استقامته في سورة الأنعام: ﴿ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا قَدْ فَصَّلْنَا الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ * لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأنعام: 126-127].
أين من يبحث عن سعة الرزق وهناءة العيش؟
الله الله لو استقام الناس على طريقة الإسلام، واستمروا عليها؛ لوجدوا خيراً كثيراً، قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا ﴾ [الجن: 16]، والمراد بذلك سعة الرزق كما قال عمر رضي الله عنه:" أينما كان الماء كان المال".
وهذا الوعد كقوله تعالى: ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴾ [الأعراف: 96].
آثار الاستقامة في حياة المسلم:
لما كانت الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، متعلقة بالأقوال والفعال والأحوال كان لابد من ظهور آثارها في حياة المسلم المستقيم.
فمن أوضح آثار الاستقامة في حياة المؤمن توحيده لله، توحيداً لا تخالطه شائبة شرك:
المستقيم على توحيد الله تراه سائلاً إياه، لائذاً بحماه، واثقاً به، متوكلاً عليه، لا يخاف إلا الله... يعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوه بشيء لن ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، ولو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لن يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، فالمستقيم على طاعة الله كذلك يعلم أن ما أصابه لم يكن ليُخطئه وما أخطئه لم يكن ليُصيبه.
ومن آثار الاستقامة في حياة المسلم الدعوة إلى الله عز وجل:
عباد الله:
لقد قرن الله عز وجل الأمر بالدعوة مع الأمر بالاستقامة في آية واحدة فقال جل شأنه:
﴿ فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ﴾ [الشورى:15]، وبعد آيات النعيم العظيم من الله لأهل استقامته أتبعها مباشرة بآيات الدعوة إلى الله، فقال سبحانه وتعالى: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت:33].
فنفعه لنفسه باستقامته، ولغيره بدعوته، وهذا هو أحسن القول الذي به ينال المؤمن الدرجات العلى.
المستقيم على طاعة الله ما دام عرف طريقه، لا يميل ولا يتلون ولا يتذبذب... ثابت القدم، راسخ اليقين لا تضره فتنة، ولا تغيره محنة.
ولهذا لما قرأ عمر هذه الآية على المنبر ( ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾[الأحقاف:13] فقال: " لم يروغوا روغان الثعلب".
ومن آثار الاستقامة على العبد شعوره بالتقصير:
ولهذا يتطلب منه كثرة الاستغفار قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ.. ﴾ [فصلت:6] قال ابن رجب رحمه الله: " إشارة إلى أنه لابد من تقصير في الاستقامة المأمور بها، فيجبر ذلك بالاستغفار المقتضي للتوبة والرجوع إلى الاستقامة، فهو كقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها...)). حديث حسن رواه أحمد والترمذي.
صور مشرقة من سير سلفنا الصالح:
الاستقامة في العبادة:
قال عبد الله بن الحسن: كان لي جارية رومية وكنت بها معجباً، فكانت في بعض الليالي نائمة إلى جنبي فانتبهت فالتمستها فلم أجدها، فقمت إليها وهي ساجدة وهي تقول: اللهم بحبك لي إلا ما غفرت لي.
فقلت لها: لا تقولي بحبك لي، ولكن قولي: بحبي لك.
فقالت: يا مولاي بحبه لي أخرجني من الشرك إلى الإسلام، وبحبه لي أيقظني وكثير من خلقه نيام[1].
الاستقامة على العفة:
قال خارجة بن زياد: هويت امرأة من الحي فكنت أتبعها إذا خرجْت من المسجد، فعرفَت ذلك مني، فقالت لي ذات ليلة: ألك حاجة؟ قلت نعم، قالت وما هي: قلت: مودتك، قالت: دع ذلك ليوم التغابن. قال: فأبكتني فو الله ما عُدتُ لذلك[2].
استقامة اللسان:
إن أعظم ما يراعى استقامته بعد القلب من الجوارح اللسان، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)) حديث حسن.
قال البخاري عن نفسه: ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها[3].
استقامة الهموم:
قال صلى الله عليه وسلم: (( من كانت الآخرة همه، جمع الله له شمله، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت همه الدنيا، فرّق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له)) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
فقد كان السلف لا يتحدثون بحديث إلا وللآخرة نصيب منه، فلا يفرحون إلا للآخرة، ولا يحزنون إلا للآخرة.
ومما جاء في ترجمة الصحابي الجليل حممة بن أبي حممة أنه بات ليلة عند التابعي هرم ابن حيان العبدي، فرآه يبكي الليل أجمع، فقال له هرم: ما يبكيك؟ قال: ذكرت ليلة صبيحتُها تُبعثر القبور، ثم بات عنده ليلة ثانية فبات يبكي فسأله فقال: ذكرت ليلة صبيحتها تتناثر النجوم[4].
عوائق الاستقامة:
الاستهانة بالمعصية:
يا للهِ ! كم أهلكت المعاصي أناساً كانوا صالحين فأردتهم صرعى الشهوات، وصدتهم عن الطاعات؟!
وربما يستهين المسلم بمعصية حتى تجتمع عليه أخواتها، فالسيئة -كما قيل- تدعوا أختها؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: ((إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه)). رواه أحمد وغيره وهو في صحيح الجامع.
ومن عوائقها الانشغال بالدنيا عن الآخرة:
قال عليه الصلاة والسلام: ((ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم)). متفق عليه.
ومن عوائقها الوسط السيء:
في الوظيفة - في الأسرة - في المجتمع. قال تعالى: ﴿ فاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ ﴾ [ هود: 112-113].
طريقنا إلى الاستقامة:
الإخلاص لله رب العالمين:
فالرياء انحراف في النية؛ ولذا لا بد من تهذيب النفس حتى تستقيم فتصدق مع الله في الأقوال والأعمال، قال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ.. ﴾ [الأنعام: 162-163].
الالتزام بالسنة طريق الاستقامة:
فمن فارق السنة فقد فارق الدليل وضل عن سواء السبيل، فالزم نفسك بالسنة، وتحرها في كل صغيرة وكبيرة تستقم، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ﴾ [الشورى: 52-53].
فعل الطاعات، والاجتهاد فيها، ومجاهدة النفس عليها:
مما يعين على تحقيق الاستقامة الالتزام بالفرائض والمواظبة عليها، والقيام بها كما أمر الله - عز وجل - ؛ ولهذا بعد آية الأمر بالاستقامة بآية جاء الأمر بالمحافظة على الصلوات الخمس؛ لما لها من أثر في استقامة العبد، قال تعالى: ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ ﴾ [هود: 114].
ولقد أرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة والوضوء بعد أن أمرنا بالاستقامة، فقال عليه الصلاة والسلام: (( استقيموا ولن تُحصوا واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن...)) رواه أحمد وغيره، وهو في صحيح الجامع.
الدعاء سبيل إلى الاستقامة:
رفع المؤمنون أكف الضراعة إلى الله لما علموا أن الهداية غلى الاستقامة بيد الله سبحانه، بل يرددون في كل ركعة من صلواتهم (اهدنا الصراط المستقيم)، ولقد قال الإمام القرطبي - رحمه الله - في قوله تعالى (فَاسْتَقم) قيل:" اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك، فتكون السين سين السؤال، كما تقول استغفر الله، أطلب الغفران منه"[5].
الارتباط بالقرآن تلاوة وحفظا، وتدبرا، وعملا دليل صادق يدلك على الاستقامة:
قال سبحانه: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾ [الإسراء:9] فالآية تُخبرنا - وهي قول أصدق القائلين - بأن كتاب الله - تعالى - يهدي إلى الحالة التي هي أقوم الحالات، وإلى الطريقة التي هي أعدل الطرق، وهي طريق الإيمان بالله، وشهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، والإيمان برسله، والعمل بطاعته.
وقد أكّد الله - تبارك وتعالى - لعباده هذا المعنى حين قال عن كتابه:
﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ ﴾ [التكوير: 27-28].
وهذا حذيفة رضي الله عنه ينادي فيقول: "يا معشر القراء.. استقيموا فقد سَبقتم سَبقاً بعيداً، فإن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيداً".
هُجران أهل الكفر والمعاصي طريق إلى الاستقامة:
لقد جاء بعد آية الأمر بالاستقامة - في سورة هود - مباشرة قوله تعالى: ﴿ وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113].
قال أهل العلم: أي لا تميلوا إلى العصاة، وقد قال القرطبي-رحمه الله- في دلالة هذه الآية: " أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم، فإن صحبتهم كفر أو معصية؛ إذ الصحبة لا تكون إلا عن مودة، وقد قال حكيم وهو طرفة بن العبد:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه *** فكل قرين بالمقارن يقتدي
ثم قال تعالى: ﴿ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ﴾ [هود: 113]؛ أي تُحرقكم بمخالطتهم ومصاحبتهم وممالأتهم على إعراضهم وموافقتهم في أمورهم"[6].
والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (( المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل)) رواه أبو داود والترمذي وغيرهما ورجاله ثقات.
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، وأسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنة أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب. ...المزيد
أثقل شيء في ميزان العبد #خطبة-مقترحة الخطبة الأولى: الحمد لله على إحسانه والشكر له على ...
أثقل شيء في ميزان العبد #خطبة-مقترحة
الخطبة الأولى:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله و سلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد
معاشر المسلمين الموحدين:
الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب، فمن منا لا يريد أن تبلغ درجاته عند الله درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر، فمن أراد هذه الدرجة العظيمة التي يتمناها كل مسلم، فعليه بحسن الخلق؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم)). رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
إن حسن الخلق هو أساس الخيرية والتفاضل بين الناس يوم القيامة، فهنيئاً لصاحب الخلق مرافقة - النبي صلى الله عليه وسلم - في الجنة، ويا سعادة من كان مجلسه في الجنة قريباً من رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
الناس يوم القيامة في وجل وفي خوف وفزع الكل يتمنى حسنة واحدة تنفعه في ذلك اليوم، الكل ينظر إلى ميزانيه هل سيثقل أم سيخف، فالمفلح من ثقلت موازينه، والخاسر من خفت موازينه، قال تعالى: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف:8-9].
من سيفلح ذلك اليوم يا ترى؟!
إنه صاحب الخلق الرفيع، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق)) رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني.
أيها الأحبة الكرام في الله:
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم التفاوت في الإيمان بين المسلمين هو حسن الخلق، فأحسنهم خلقاً هو أكملهم إيماناً، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم)) رواه الترمذي وأحمد.
فالأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان.
إنَّ نيل السّعادة والعيش في أكنافها، لا يُدرك بالمنصِب ولا بالجاه ولا يُنال بالشّهوات ومُتَع الحياة ولا بِجمال المظهَر ورقيق اللّباس، لا يُنال إلا بلباسِ التّقوى ورِداء الخُلُق، عملٌ صالح وقول حسَن، ﴿ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 77-78].
عباد الله:
إن الأخلاق العظيمة سبب في محبة الله للعبد، وإذا أحبك الله وفقك وسددك وأعانك، قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا)) رواه الحاكم والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمَتاعها ومُغرياتها، بزخارفها وشهواتها مِن النساء والبنين...، إنَّ الغلوَّ في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية!
من أجل متاع الدنيا يَبيع الأخ أخاه، ويَقتُل الابن أباه، ومِن أجلها يخون الناسُ الأمانات ويَنكثون العهود، ومن أجلها يَجحد الناس الحقوق ويَنسَوْن الواجبات... إلخ!
وإنَّما الأُممُ الأخلاق ما بقيَتْ ••• فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهم ذهَبُوا
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
أيها الأحبة الكرام في الله:
الكل مشتاق إلى الجنة، بل الكل يطمح إلى أعالي الجنان؛ لأن الجنة درجات، فمن أراد قصراً في أعلى الجنة فليحسن خلقه.
قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) رواه أبو داود والطبراني والبهقي وحسنه الألباني.
فأكثر ما يدخل الناس الجنة شيئان اثنان مهمان، تقوى الله وحسن الخلق، فتقوى الله وحسن الخلق سببان رئيسيان لدخول الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج)) رواه الترمذي وأحمد وابن حبان وحسنه الألباني.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ... ...المزيد
الخطبة الأولى:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله و سلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد
معاشر المسلمين الموحدين:
الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب، فمن منا لا يريد أن تبلغ درجاته عند الله درجة الصائم الذي لا يفطر والقائم الذي لا يفتر، فمن أراد هذه الدرجة العظيمة التي يتمناها كل مسلم، فعليه بحسن الخلق؛ كما قال - عليه الصلاة والسلام -: ((إن المؤمنَ لَيُدركُ بحُسن الخُلق درجةَ الصائمِ القائم)). رواه أبو داود وأحمد وصححه الألباني.
إن حسن الخلق هو أساس الخيرية والتفاضل بين الناس يوم القيامة، فهنيئاً لصاحب الخلق مرافقة - النبي صلى الله عليه وسلم - في الجنة، ويا سعادة من كان مجلسه في الجنة قريباً من رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا)) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
الناس يوم القيامة في وجل وفي خوف وفزع الكل يتمنى حسنة واحدة تنفعه في ذلك اليوم، الكل ينظر إلى ميزانيه هل سيثقل أم سيخف، فالمفلح من ثقلت موازينه، والخاسر من خفت موازينه، قال تعالى: ﴿ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَٰئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم بِمَا كَانُوا بِآيَاتِنَا يَظْلِمُونَ ﴾ [الأعراف:8-9].
من سيفلح ذلك اليوم يا ترى؟!
إنه صاحب الخلق الرفيع، قال صلى الله عليه وسلم: ((ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق)) رواه الترمذي وابن حبان وصححه الألباني.
أيها الأحبة الكرام في الله:
فقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم التفاوت في الإيمان بين المسلمين هو حسن الخلق، فأحسنهم خلقاً هو أكملهم إيماناً، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، وخياركم خياركم لنسائهم)) رواه الترمذي وأحمد.
فالأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان.
إنَّ نيل السّعادة والعيش في أكنافها، لا يُدرك بالمنصِب ولا بالجاه ولا يُنال بالشّهوات ومُتَع الحياة ولا بِجمال المظهَر ورقيق اللّباس، لا يُنال إلا بلباسِ التّقوى ورِداء الخُلُق، عملٌ صالح وقول حسَن، ﴿ ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ﴾ [الحج: 77-78].
عباد الله:
إن الأخلاق العظيمة سبب في محبة الله للعبد، وإذا أحبك الله وفقك وسددك وأعانك، قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب عباد الله إلى الله أحسنهم خلقًا)) رواه الحاكم والطبراني وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح.
إن أخطر شيء على أخلاق الناس هو هذه الدنيا بمَتاعها ومُغرياتها، بزخارفها وشهواتها مِن النساء والبنين...، إنَّ الغلوَّ في حب الدنيا هو رأس كل خطيئة، والتنافس عليها أساس كل بلية!
من أجل متاع الدنيا يَبيع الأخ أخاه، ويَقتُل الابن أباه، ومِن أجلها يخون الناسُ الأمانات ويَنكثون العهود، ومن أجلها يَجحد الناس الحقوق ويَنسَوْن الواجبات... إلخ!
وإنَّما الأُممُ الأخلاق ما بقيَتْ ••• فإنْ هُمُ ذهبَتْ أخلاقُهم ذهَبُوا
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
قلت ما سمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحدة والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد
أيها الأحبة الكرام في الله:
الكل مشتاق إلى الجنة، بل الكل يطمح إلى أعالي الجنان؛ لأن الجنة درجات، فمن أراد قصراً في أعلى الجنة فليحسن خلقه.
قال صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه)) رواه أبو داود والطبراني والبهقي وحسنه الألباني.
فأكثر ما يدخل الناس الجنة شيئان اثنان مهمان، تقوى الله وحسن الخلق، فتقوى الله وحسن الخلق سببان رئيسيان لدخول الجنة، عن أبي هريرة رضي الله عنه: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: تقوى الله وحسن الخلق، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: الفم والفرج)) رواه الترمذي وأحمد وابن حبان وحسنه الألباني.
هذا وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه ... ...المزيد
العيد الذي يتمناه كل مسلم الله أكبر (تسعاً) لا إله إلا لله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد... ...
العيد الذي يتمناه كل مسلم
الله أكبر (تسعاً) لا إله إلا لله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد... الله أكبر كلما صام صائم وأفطر... الله أكبر كلما لاح صباح عيد وأسفر ... الله أكبر كلما لمع برق وأمطر ... الله أكبر ما هلل مسلم وكبر، وتاب تائب واستغفر... الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً...
الله أكبر! نعيِّد العيد ويعيدون العيد، نلبس الجديد في العيد ثيابنا البيض رمز البهجة والنظافة والنقاء والفرح والسرور، بينما المستضعفون، والمظلومون يلبسون البيض يلفون فيه لفًّا, ولا جيوب لثياب العيد عندهم, ولا خيوط تخيط ثيابهم.. إنهم يلبسون الأكفان البيض يعيدون بها في الحفر.. في القبور.. في المقابر!
الله أكبر! يكبر بها أئمة المساجد عندنا سبعًا, ويكبر بها الأئمة هناك في بلدان المسلمين أربعًا.. إن التكبيرات السبع هي هيئة صلاة العيد, والتكبيرات الأربع هي هيئة صلاة الجنائز على أرواح شهداء الإسلام في كل مكان.
لكن أبشروا أيها الصابرون؛ أيها المظلومون، فإن الطغاة والمجرمين فرحهم زائل بإذن الله فليفرح هؤلاء فرحًا زائلاً، فرحًا زائفًا، فرحًا غير مشروع؛ لأنَّه فرح بغير الحق؛ ﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [غافر: 75].
فرَحُهم مؤقَّت كفرَح هؤلاء؛ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبعاً) لا إله إلا لله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد...
عباد الله:
أعيادُنا يوم تحرير الأَرض والعِرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم أنْ تتحرَّر النُّفوس من الشَّهوات والملذَّات، ويوم أنْ تتحرَّر القلوب من الكذب والنِّفاق، ويوم أنْ تتحرَّر الصُّدور من الشَّحناء والبَغضاء، ويوم أنْ تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد، فيبذل كلُّ ذي واجبٍ واجِبَه غير مُقصِّر، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه لا يزيد.
أعيادنا يوم يتحرَّر المُحاصِرون من الظُّلم القائم، والحصار الظالم، والعداء المُتَراكِم، من الصَّديق قبل العدوِّ، ومن القَرِيب قبل البعيد، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله تعالى.
أعيادُنا يوم أنْ يتحرَّر الأقصى المبارك من بَراثِن اليهود، ومن بطْش اليهود، ومن ظُلم اليهود وغير اليهود.
معاشر المسلمين:
خلاصة القول، اجعَلُوا هذه الأيَّام أيامَ العيد فرحًا لا ترحًا، أيَّامَ اتِّفاق لا اختلاف، أيَّامَ سعادةٍ لا شَقاء، أيَّام حب وصَفاء، لا بَغضاء ولا شَحناء، تسامَحُوا وتَصافَحُوا، توادُّوا وتحابُّوا، تَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى، لا على الإثم والعُدوان، صِلُوا الأرحام، وارحَمُوا الأيتام، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تكتبنا في عتقائك من النار، اللهم اجعل الجنة مثوانا، وأورثنا الفردوس الأعلى، وأدخلنا الجنة دون حساب ولا عذاب، يا كريم يا وهاب، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، يا منان، يا ذا الفضل العظيم تفضل على هؤلاء الجمع بعتقهم من النار، وإخراجهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، يا ودود يا غفور، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اجعلنا إخوة متحابين، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، اسلل سخائم صدورنا، اسلل سخائم صدورنا، اسلل سخائم صدورنا، واختم بالصالحات أعمالنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ...المزيد
الله أكبر (تسعاً) لا إله إلا لله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد... الله أكبر كلما صام صائم وأفطر... الله أكبر كلما لاح صباح عيد وأسفر ... الله أكبر كلما لمع برق وأمطر ... الله أكبر ما هلل مسلم وكبر، وتاب تائب واستغفر... الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرة وأصيلاً...
الله أكبر! نعيِّد العيد ويعيدون العيد، نلبس الجديد في العيد ثيابنا البيض رمز البهجة والنظافة والنقاء والفرح والسرور، بينما المستضعفون، والمظلومون يلبسون البيض يلفون فيه لفًّا, ولا جيوب لثياب العيد عندهم, ولا خيوط تخيط ثيابهم.. إنهم يلبسون الأكفان البيض يعيدون بها في الحفر.. في القبور.. في المقابر!
الله أكبر! يكبر بها أئمة المساجد عندنا سبعًا, ويكبر بها الأئمة هناك في بلدان المسلمين أربعًا.. إن التكبيرات السبع هي هيئة صلاة العيد, والتكبيرات الأربع هي هيئة صلاة الجنائز على أرواح شهداء الإسلام في كل مكان.
لكن أبشروا أيها الصابرون؛ أيها المظلومون، فإن الطغاة والمجرمين فرحهم زائل بإذن الله فليفرح هؤلاء فرحًا زائلاً، فرحًا زائفًا، فرحًا غير مشروع؛ لأنَّه فرح بغير الحق؛ ﴿ ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ ﴾ [غافر: 75].
فرَحُهم مؤقَّت كفرَح هؤلاء؛ ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ ﴾ [الأنعام: 44].
الخطبة الثانية:
الله أكبر (سبعاً) لا إله إلا لله الله أكبر الله أكبر ولله الحمد...
عباد الله:
أعيادُنا يوم تحرير الأَرض والعِرض، يوم تحرير البلاد والعباد، يوم أنْ تتحرَّر النُّفوس من الشَّهوات والملذَّات، ويوم أنْ تتحرَّر القلوب من الكذب والنِّفاق، ويوم أنْ تتحرَّر الصُّدور من الشَّحناء والبَغضاء، ويوم أنْ تتحرَّر الحقوق من قيود الفَساد والاستِبداد، فيبذل كلُّ ذي واجبٍ واجِبَه غير مُقصِّر، ويأخذ كلُّ ذي حقٍّ حقَّه لا يزيد.
أعيادنا يوم يتحرَّر المُحاصِرون من الظُّلم القائم، والحصار الظالم، والعداء المُتَراكِم، من الصَّديق قبل العدوِّ، ومن القَرِيب قبل البعيد، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله تعالى.
أعيادُنا يوم أنْ يتحرَّر الأقصى المبارك من بَراثِن اليهود، ومن بطْش اليهود، ومن ظُلم اليهود وغير اليهود.
معاشر المسلمين:
خلاصة القول، اجعَلُوا هذه الأيَّام أيامَ العيد فرحًا لا ترحًا، أيَّامَ اتِّفاق لا اختلاف، أيَّامَ سعادةٍ لا شَقاء، أيَّام حب وصَفاء، لا بَغضاء ولا شَحناء، تسامَحُوا وتَصافَحُوا، توادُّوا وتحابُّوا، تَعاوَنُوا على البرِّ والتَّقوى، لا على الإثم والعُدوان، صِلُوا الأرحام، وارحَمُوا الأيتام، تخلَّقوا بأخلاق الإسلام.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا، اللهم إنا نسألك في مقامنا هذا أن تكتبنا في عتقائك من النار، اللهم اجعل الجنة مثوانا، وأورثنا الفردوس الأعلى، وأدخلنا الجنة دون حساب ولا عذاب، يا كريم يا وهاب، يا ذا العرش المجيد، يا فعال لما يريد، يا منان، يا ذا الفضل العظيم تفضل على هؤلاء الجمع بعتقهم من النار، وإخراجهم من ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم، لا تفرق هذا الجمع إلا بذنب مغفور، وعمل مبرور، وسعي متقبل مشكور، يا ودود يا غفور، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، اللهم اغفر لوالدينا وللمؤمنين يوم يقوم الحساب، واجعل بلدنا هذا آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، واحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتال من تحتنا، اجعلنا إخوة متحابين، يا أرحم الراحمين، يا رب العالمين طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، اسلل سخائم صدورنا، اسلل سخائم صدورنا، اسلل سخائم صدورنا، واختم بالصالحات أعمالنا، سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم الحب الصادق للوطن بماذا يكون؟ الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, ...
بسم الله الرحمن الرحيم
الحب الصادق للوطن بماذا يكون؟
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، و هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول, وفوق ما نقول, ومثلما نقول, عزّ جاهك، وجلّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك, ولا إله إلا أنت, والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, هدى الله به البشرية, وأنار به أفكار الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أيها الأحبة الكرام في الله:
لقد فطر الإنسان على أمور عديدة، من تلك الأمور أن يحبّ المرء ماله وولده وأقاربه وأصدقاءه، ومن هذه الأمور كذلك حبّ الإنسان لموطنه الذي عاش فيه وترعرع في أكنافه، وهذا الأمر يجده كل إنسان في نفسه، فحب الوطن غريزة متأصّلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحنّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجِم، ويغضب له إذا انتُقص، وحينَ يولَد إنسانٌ في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءَها ويتنفّس هواءها ويحيا بين أهلها فإنَّ فطرته تربطه بها فيحبّها ويواليها، ويكفي لجَرح مشاعر إنسانٍ أن تشير بأنه لا وطنَ له.
ما أعظمها وما أروعها من كلمات!!
إنها كلمات قالها الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام – وهو يفارق وطنه الذي تربى وترعرع فيه، إنها كلمات تكشف مدى حب النبي -عليه الصلاة والسلام- لوطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميقٍ، وتعلقٍ كبيرٍ بوطنه، بمكة المكرمة، كلمات قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يفارق مكة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.
فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَ إلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: ((والله، إنّكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خرجت)) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان وإسناده صحيح.
قال العينيّ رحمه الله: "ابتلى الله تعالى نبيَّه بفراق الوطن"، أُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه؛ كما قال – تعالى -: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]،
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ
ولأهمية الوطن وترابه، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول كما في الحديث عن عائشة – رضي الله عنها-: ((باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا)) رواه البخاري ومسلم.
واستحقَّ الصحابة - رضِي الله عنهم - المدحَ والثَّناء؛ لأنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل نصرة دين الله،
قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]
وقد حكى الله – سبحانه وتعالى – عن نبيِّه إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله – تعالى -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126].
ودعاء إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.
ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة؛ ولهذا نرى أن الله – سبحانه وتعالى – شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال – تعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!
ولذلك جعل التغريب عن الأوطان في شريعة الرحمن، جُزءًا من العقوبة على بني الإنسان، إذا وقَع في الزنا من غير إحصان، وتوعد قوم شعيب شعيبا-عليه السلام- ومن تبعه بأن يخرجوهم من أرضهم أو يعودوا في ملتهم، ولوط -عليه السلام- توعده قومه بأن يكون من المخرجين إن لم ينته عن نصحهم.
معاشر المسلمين الموحدين:
كم يتلذَّذ الإنسان بالبَقاء في وطنه، وكم يحنُّ إذا غاب عنه، وكم ترخص الأرواح، وتُبذَل المُهَجُ لأجله، فحبُّه ومحبَّته تجري في العُروق، وتخفق بها القلوب، كيف لا وقد قرَن المولى - سبحانه - حبَّ الأرض بحبِّ النفس؟ قال - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [ النساء: 66]
بصلة الأرحام تطيب الإقامة في الديار:
ومما يتجلى فيه حبُّ الأوطان، صلة الأرحام، فهم قرابته وأنسه، وبهم تطيب الإقامة في الديار؛ لذلك جعل الله صلةَ الأرحام من أعظم القُرُبات، وقطيعتَهم قرينَ الإفساد في الأرض.
قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 – 24].
أيها الأحبة الكرام في الله:
من هو المسلم الصادق؟
إن المسلم الصادق أصدقُ الناس حبًا لوطنه، ويعمل كل خير لبلده، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه ؛ لأنه يريد لأهله سعادة الدنيا والآخرة بتطبيق الإسلام، قال تعالى حكايةً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: { يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا} [غافر:29] ؛ قال ذلك محذرًا لقومه وناصحًا لهم ومريدًا لهم الخير والصلاح والنجاة .
وإن المسلم الصادق يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها.
وإن المسلم الحق يقدِّم الأقرب فالأقرب، ولا ينسى من هو بعيد، وكل مسلم على ثغر، فلْيحذر أن يُؤتى وطنُه، أو تؤتى أُمتُه مِن قِبَله.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
أيها المؤمنون الأوفياء:
الحب الصادق للوطن بماذا يكون؟
حب الوطن الصادق لا يكون إلا بالسعي فيما يُصلحها، ولا صلاح لها إلا في دين الله تبارك وتعالى، ولا قَوام لها إلا بشرعه ، وكل ما عارض الشريعة فليس بإصلاح ، بل هو من الإفساد وليس من حب الوطن في شيء .
حب الوطن لمن أراد الخير والأمن لبلده، يكون بالإيمان بالله والعمل الصالح؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [النور:55] .
حب الوطن يكون بتحكيمِ الشريعةِ على أرضه وبين أهلِه وعمارةِ أرجائه بالإيمان وتقوى الرحمن؛ قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } [الأعراف:96] .
حب الوطن يكون بإعلاءِ شأن الدّعوة إلى الله فيه وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال سبحانه وتعالى : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41] .
حب الوطن يكون بالابتعاد عن الذنوب والمعاصي، وإقصاء الفساد والإنحلال والرذيلة، فإنه دمارٌ للديار وهلاك لأهلها؛ قال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] .
حب الوطن - عباد الله - يكون بالبعد عن البطر وكفران النعم، قال جل و علا: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112] .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم
واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فيا عباد الله: -
خلاصة ما نقوله، أين يظهر الحب الحقيقي للوطن؟
حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". صحيح مسلم
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.....
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم يا ربنا يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم أصلح ذات بيننا ، وألِّف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا يا ذا الجلال والإكرام . اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علِمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيرا يا رب العالمين . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
جمع وإعداد/ ياسر عبد الله الحوري ...المزيد
الحب الصادق للوطن بماذا يكون؟
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً, وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، و هو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، اللهم لك الحمد خيراً مما نقول, وفوق ما نقول, ومثلما نقول, عزّ جاهك، وجلّ ثناؤك، وتقدست أسماؤك, ولا إله إلا أنت, والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً, بلّغ الرسالة، وأدّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حتى أتاه اليقين, هدى الله به البشرية, وأنار به أفكار الإنسانية، وزعزع به كيان الوثنية ؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أيها الأحبة الكرام في الله:
لقد فطر الإنسان على أمور عديدة، من تلك الأمور أن يحبّ المرء ماله وولده وأقاربه وأصدقاءه، ومن هذه الأمور كذلك حبّ الإنسان لموطنه الذي عاش فيه وترعرع في أكنافه، وهذا الأمر يجده كل إنسان في نفسه، فحب الوطن غريزة متأصّلة في النفوس، تجعل الإنسان يستريح إلى البقاء فيه، ويحنّ إليه إذا غاب عنه، ويدافع عنه إذا هوجِم، ويغضب له إذا انتُقص، وحينَ يولَد إنسانٌ في أرض وينشأ فيها فيشرب ماءَها ويتنفّس هواءها ويحيا بين أهلها فإنَّ فطرته تربطه بها فيحبّها ويواليها، ويكفي لجَرح مشاعر إنسانٍ أن تشير بأنه لا وطنَ له.
ما أعظمها وما أروعها من كلمات!!
إنها كلمات قالها الحبيب المصطفى - عليه الصلاة والسلام – وهو يفارق وطنه الذي تربى وترعرع فيه، إنها كلمات تكشف مدى حب النبي -عليه الصلاة والسلام- لوطنه، إنها تكشف عن حبٍّ عميقٍ، وتعلقٍ كبيرٍ بوطنه، بمكة المكرمة، كلمات قالها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يفارق مكة، بحلِّها وحَرَمها، بجبالها ووديانها، برملها وصخورها، بمائها وهوائها، هواؤها عليل ولو كان محمَّلًا بالغبار، وماؤها زلال ولو خالطه الأكدار، وتربتُها دواء ولو كانت قفارًا.
فلمَّا وصَل أطرافَ مكة خارجًا منها، التفَتَ إلى أرضه ووطنه فجاشَتْ نفسه وقال: ((والله، إنّكِ لخيرُ أرضِ الله، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منك ما خرجت)) رواه الترمذي وابن ماجه وصححه ابن حبان وإسناده صحيح.
قال العينيّ رحمه الله: "ابتلى الله تعالى نبيَّه بفراق الوطن"، أُخرج من وطنه، أَخرجه قومُه؛ كما قال – تعالى -: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]،
بِلاَدِي وَإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ
ولأهمية الوطن وترابه، فقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول كما في الحديث عن عائشة – رضي الله عنها-: ((باسم الله، تُرْبَةُ أَرْضِنا، ورِيقَةُ بَعْضِنا، يَشْفَى سقيمُنا بإذن ربنا)) رواه البخاري ومسلم.
واستحقَّ الصحابة - رضِي الله عنهم - المدحَ والثَّناء؛ لأنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل نصرة دين الله،
قال تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8]
وقد حكى الله – سبحانه وتعالى – عن نبيِّه إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – أنه دعا لمكة المكرمة بهذا الدعاء، قال الله – تعالى -: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 126].
ودعاء إبراهيمَ – عليه الصلاة والسلام – يُظهِر ما يفيض به قلبُه، مِن حبٍّ لمستقر عبادته، وموطن أهله.
ولقد دعا لمكة بالأمن والرِّزق، وهما أهم عوامل البقاء، وإذا فُقِد أحدُهما أو كلاهما فُقِدت مقوماتُ السعادة، فتُهجَر الأوطانُ، وتَعُود الديارُ خاليةً من مظاهر الحياة؛ ولهذا نرى أن الله – سبحانه وتعالى – شدَّد في عقوبة مَن يُفسِد على الديارِ أمنَها؛ بل جعل عقوبتَه أشدَّ عقوبةً على الإطلاق؛ قال – تعالى -: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]، فهل بعد هذه العقوبة من عقوبة؟!
ولذلك جعل التغريب عن الأوطان في شريعة الرحمن، جُزءًا من العقوبة على بني الإنسان، إذا وقَع في الزنا من غير إحصان، وتوعد قوم شعيب شعيبا-عليه السلام- ومن تبعه بأن يخرجوهم من أرضهم أو يعودوا في ملتهم، ولوط -عليه السلام- توعده قومه بأن يكون من المخرجين إن لم ينته عن نصحهم.
معاشر المسلمين الموحدين:
كم يتلذَّذ الإنسان بالبَقاء في وطنه، وكم يحنُّ إذا غاب عنه، وكم ترخص الأرواح، وتُبذَل المُهَجُ لأجله، فحبُّه ومحبَّته تجري في العُروق، وتخفق بها القلوب، كيف لا وقد قرَن المولى - سبحانه - حبَّ الأرض بحبِّ النفس؟ قال - تعالى -: {وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [ النساء: 66]
بصلة الأرحام تطيب الإقامة في الديار:
ومما يتجلى فيه حبُّ الأوطان، صلة الأرحام، فهم قرابته وأنسه، وبهم تطيب الإقامة في الديار؛ لذلك جعل الله صلةَ الأرحام من أعظم القُرُبات، وقطيعتَهم قرينَ الإفساد في الأرض.
قال تعالى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: 22 – 24].
أيها الأحبة الكرام في الله:
من هو المسلم الصادق؟
إن المسلم الصادق أصدقُ الناس حبًا لوطنه، ويعمل كل خير لبلده، ويتفانى في خدمته، ويضحي للدفاع عنه ؛ لأنه يريد لأهله سعادة الدنيا والآخرة بتطبيق الإسلام، قال تعالى حكايةً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: { يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَن يَنصُرُنَا مِن بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءنَا} [غافر:29] ؛ قال ذلك محذرًا لقومه وناصحًا لهم ومريدًا لهم الخير والصلاح والنجاة .
وإن المسلم الصادق يعمل للأمة، ويحزن لحزنها، ويفرح لفرحها، ويدافع عنها، ويسعى لوحدتها.
وإن المسلم الحق يقدِّم الأقرب فالأقرب، ولا ينسى من هو بعيد، وكل مسلم على ثغر، فلْيحذر أن يُؤتى وطنُه، أو تؤتى أُمتُه مِن قِبَله.
بِلاَدِي هَوَاهَا فِي لِسَانِي وَفِي دَمِي يُمَجِّدُهَا قَلْبِي وَيَدْعُو لَهَا فَمِي
أيها المؤمنون الأوفياء:
الحب الصادق للوطن بماذا يكون؟
حب الوطن الصادق لا يكون إلا بالسعي فيما يُصلحها، ولا صلاح لها إلا في دين الله تبارك وتعالى، ولا قَوام لها إلا بشرعه ، وكل ما عارض الشريعة فليس بإصلاح ، بل هو من الإفساد وليس من حب الوطن في شيء .
حب الوطن لمن أراد الخير والأمن لبلده، يكون بالإيمان بالله والعمل الصالح؛ قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا } [النور:55] .
حب الوطن يكون بتحكيمِ الشريعةِ على أرضه وبين أهلِه وعمارةِ أرجائه بالإيمان وتقوى الرحمن؛ قال تعالى:
{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ } [الأعراف:96] .
حب الوطن يكون بإعلاءِ شأن الدّعوة إلى الله فيه وإقامة شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قال سبحانه وتعالى : { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41] .
حب الوطن يكون بالابتعاد عن الذنوب والمعاصي، وإقصاء الفساد والإنحلال والرذيلة، فإنه دمارٌ للديار وهلاك لأهلها؛ قال تعالى: { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:41] .
حب الوطن - عباد الله - يكون بالبعد عن البطر وكفران النعم، قال جل و علا: { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [النحل:112] .
بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم
واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
أما بعد فيا عباد الله: -
خلاصة ما نقوله، أين يظهر الحب الحقيقي للوطن؟
حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسؤولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نقيم شرع الله في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". صحيح مسلم
عباد الله، صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه.....
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين؛ أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين ، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين، اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين ، وأذل الشرك والمشركين ، ودمِّر أعداء الدين ، واحم حوزة الدين يا رب العالمين . اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم آت نفوسنا تقواها، زكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم يا ربنا يا قوي يا عزيز يا ذا الجلال والإكرام انصر إخواننا المستضعفين في كل مكان ، اللهم انصرهم في أرض الشام وفي كل مكان يا ذا الجلال والإكرام ، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك ، اللهم إنَّا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم، اللهم أصلح ذات بيننا ، وألِّف بين قلوبنا ، واهدنا سبل السلام ، وأخرجنا من الظلمات إلى النور ، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا يا ذا الجلال والإكرام . اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علِمنا منه وما لم نعلم ، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله ما علمنا منه وما لم نعلم ، وأن تجعل كل قضاءٍ قضيته لنا خيرا يا رب العالمين . اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات .
جمع وإعداد/ ياسر عبد الله الحوري ...المزيد
بسم الله الرحمن الرحيم إكرام ذي الشيبة المسلم تعظيم للخالق المنعم الخطبة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
إكرام ذي الشيبة المسلم تعظيم للخالق المنعم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله العلي الكبير، اللطيف الخبير، خلق كل شيء فأحسن
التقدير، رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم، فهذا غني وذاك فقير، وخلق الخلائق فمنهم قوي وضعيف وصغير وكبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يخلق ما يشاء ويختار سبحانه هو العلي الكبير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا ومعلمنا محمدا رسول الله أرشدنا وحثنا على تقدير وإكرام المسلم الكبير، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه
ومن سار على نهجه من يومنا هذا إلى يوم الدين إنك على كل شيء قدير.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.
معاشر المسلمين الموحدين:
من أراد تعظيم الخالق المنعم فليكرم ذا الشيبة المسلم؛ وقد جاء ذلك فيما رواه أبو داود بإسناد لا بأس به وصححه الألباني، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى» أي من تعظيمه الذي يملك به الإنسان خير الدنيا والآخرة، «إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ».
النصر والرزق يناله ويستحقه من أحسن إلى الضعفاء من الرجال والولدان والنساء، حبيبنا ونبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- يوصينا برحمة الضعفاء، ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» أي اطلبوا الضعفاء، فأحسنوا إليهم، وبروهم، وتفقدوا أحوالهم، فمن أراد نصرا أو رزقا من الله، فليرحم الضعفاء.
أيها المسلمون الرحماء:
الجنة والدرجات العلى تُزف لأصحاب القلوب الرقيقة بكل ذي قربى ومسلم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث عياض -رضي الله تعالى عنه-، قال: «أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ» أي صاحب ولاية، عادل، محسن، مسدد في قوله وعمله، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- في بيان أصحاب الجنة الثلاثة قال: «وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ» ثم قال صلى الله عليه وسلم في ثالث أصحاب الجنة: «وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ» أي صاحب حاجة
وصاحب قلة ذات اليد، وله من يعول لكنه عفيف في نفسه عما يكون من المكاسب الرديئة، متعفف عن أن يسأل الناس.
هذا الأجر العظيم يناله من أحسن إلى المسلمين وذي القربى، فكيف بالإحسان إلى الوالدين، لا شك أن الأجور مضاعفة، فالسعادة والفوز في الدنيا والآخرة ينالها من أحسن إلى والديه وبر بهما خاصة عند الكِبر، والخسارة والخزي والعار لمن فرط في حق والديه؛ روى مسلم في صحيحه عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: «رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن أدْرَكَ والديه عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ».
فبر الوالدين عند الكِبَر من أوجب الواجبات علينا جميعا، قال تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ ]الإسراء: 23، 24[.
رسولنا –صلى الله عليه وسلم- يضرب لنا أروع المثل في احترامه لكبير السن حين جاءه الرجل مسلما، ففي مسند الإمام أحمد أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاء بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم
الفتح، يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسلم بين يديه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الذي جاء بأبيه وقد كبرت سنه، ووهن عظمه، قال: «لو أقْرَرْتَ الشيخَ في بيتِه لأتَيناه» أي لو تركته في مكانه نحن نأتيه، ثم دعاه -صلى الله عليه وسلم- للإسلام فأسلم.
الله أكبر.. أمير المؤمنين هي لا تعرفه، لكن الله يعرفه.
عمر –رضي الله عنه- أمير المؤمنين يتعهد عجوزا عمياء في سواد الليل والناس نيام، لكن الله لا
ينام، عمر يتعهدها ويقوم بخدمتها وإصلاح الطعام لها ورعايتها، والاهتمام بشؤونها، وهي لا
تعرفه، لكن الله يعرفه.
قمة في إكرام ذي الشيبة المسلم، صاحبها أول المبشرين بالجنة، ففي (كتاب سير السلف لقوام
السنة) أبوبكر الصديق-رضي الله عنه- يتعهد امرأة مع ابنتها فيقوم بحلب شاتهما ليطعمهما، الأم
وابنتها تعرفان أن الذي يحلب شاتهما هو أبوبكر، فلما تولى الخلافة قالا من يحلب لنا الشاة بعد
أن تولى الخلافة، فقال -رضي الله تعالى عنه-: "بل لأحلبنها لكم وأرجو أن لا يغيرني ما دخلت
فيه". أي: لا يغيرني ما توليت من ولاية عظمى عن أن أقوم بشأنكم وأسير على ما كنت عليه من صالح العمل.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر
المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد.. فيا أيها الأحباب الكرام في الله:
فهذا رجل كبير السن -كما في حديث عبد الله بن بسر- يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ! فأخبِرْني بشيء أتشبث به. وفي رواية: ولا تُكْثِرْ. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزالُ لسانك رطباً من ذكر الله تعالى" رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط.
بل جعل الإسلام للشيب الذي يظهر على رأس المسلم ولحيته قيمة عظيمة، وأجراً كبيراً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة، وحَطَّ عنه بها خطيئة" أخرجه الدارمي وصححه الألباني.
فإذا كانت توجيهات هذا الدين نحو الكبار واحترامهم بهذا السمو، فأين هذه القيمة العظيمة في
حياتنا؟ وأين حقوقهم في مجتمعاتنا وفي سلوكنا وتعاملاتنا؟ فكم من أبوين كبيرين عقهما هجرهما
وأساء معاملتهما أبناؤهما! وكم من شيخ أو إنسانٍ كبير تطاول عليه الصغار والشباب وسخروا
من كلامه ورأيه، قد يلمزه بقلة علمه، أو بسبب لونه، أو بعدم نظافة ملبسه، أو بسبب فقره، أو أنه من بلد غير بلده.
ما أعظم هذا الدين يراعي حقوق الكبار والصغار:
أمر الإسلام بتخفيف الصلاة مراعاة لكبر سنهم؛ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء".
بل إذا تساوى الأئمة في حفظهم لكتاب الله، يصلي بهم الأكبر سنا.
حتى في السلام الصغير يبدأ بالسلام على الكبير، روى البخاري من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير".
من لم يعرف حق الكبير فهو على خطر عظيم، قال –عليه الصلاة والسلام: "مَن لم يرحم
صغيرنا ويعرِفْ حقَّ كبيرنا، فليس منا" رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وصححه الألباني
خلاصة القول:
خلاصة القول: من أراد الخير في حياته ومماته، والبركة في رزقه وعمره، والنجاة من عذاب الله
ومقته وغضبه، فليحسن إلى أبيه وأمه، خاصة الأكابر منهم والمسلمين، بالدعاء لهم، وحسن الخطاب معهم، وتقديمهم في الكلام والسؤال، وبدئهم بالسلام...
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، واسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب،
اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتكم ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اجعل لنا وللحاضرين من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر يسراً ومن كل ظالم نجا ارزقنا جميعاً من حيث لا نحتسب، من أرادنا أو أراد بلدنا بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، لا تخرجنا جميعاً من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحة لا تبور.
عباد الله: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين حيث أمركم فقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب: 56 .
إعداد/ ياسر عبد الله محمد الحوري ...المزيد
إكرام ذي الشيبة المسلم تعظيم للخالق المنعم
الخطبة الأولى:
الحمد لله رب العالمين، الحمد لله العلي الكبير، اللطيف الخبير، خلق كل شيء فأحسن
التقدير، رفع الناس بعضهم فوق بعض درجات ليبلوهم، فهذا غني وذاك فقير، وخلق الخلائق فمنهم قوي وضعيف وصغير وكبير، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يخلق ما يشاء ويختار سبحانه هو العلي الكبير، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وعظيمنا ومعلمنا محمدا رسول الله أرشدنا وحثنا على تقدير وإكرام المسلم الكبير، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وصحبه
ومن سار على نهجه من يومنا هذا إلى يوم الدين إنك على كل شيء قدير.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون} [آل عمران:102].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [سورة الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة،
وكل بدعة ضلالة، أجارني الله وإياكم من البدع والضلالات.
معاشر المسلمين الموحدين:
من أراد تعظيم الخالق المنعم فليكرم ذا الشيبة المسلم؛ وقد جاء ذلك فيما رواه أبو داود بإسناد لا بأس به وصححه الألباني، قال -صلى الله عليه وسلم-: «إِنَّ مِنْ إِجْلالِ اللَّهِ تَعَالَى» أي من تعظيمه الذي يملك به الإنسان خير الدنيا والآخرة، «إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبةِ المُسْلِمِ».
النصر والرزق يناله ويستحقه من أحسن إلى الضعفاء من الرجال والولدان والنساء، حبيبنا ونبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- يوصينا برحمة الضعفاء، ففي سنن الترمذي بإسناد صحيح من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ» أي اطلبوا الضعفاء، فأحسنوا إليهم، وبروهم، وتفقدوا أحوالهم، فمن أراد نصرا أو رزقا من الله، فليرحم الضعفاء.
أيها المسلمون الرحماء:
الجنة والدرجات العلى تُزف لأصحاب القلوب الرقيقة بكل ذي قربى ومسلم؛ روى مسلم في صحيحه من حديث عياض -رضي الله تعالى عنه-، قال: «أَهْلُ الْجَنَّةِ ثَلاثَةٌ: ذُو سُلْطَانٍ مُقْسِطٌ مُتَصَدِّقٌ مُوَفَّقٌ» أي صاحب ولاية، عادل، محسن، مسدد في قوله وعمله، ثم قال -صلى الله عليه وسلم- في بيان أصحاب الجنة الثلاثة قال: «وَرَجُلٌ رَحِيمٌ رَقِيقُ الْقَلْبِ بِكُلِّ ذِي قُرْبَى وَمُسْلِمٍ» ثم قال صلى الله عليه وسلم في ثالث أصحاب الجنة: «وَعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذُو عِيَالٍ» أي صاحب حاجة
وصاحب قلة ذات اليد، وله من يعول لكنه عفيف في نفسه عما يكون من المكاسب الرديئة، متعفف عن أن يسأل الناس.
هذا الأجر العظيم يناله من أحسن إلى المسلمين وذي القربى، فكيف بالإحسان إلى الوالدين، لا شك أن الأجور مضاعفة، فالسعادة والفوز في الدنيا والآخرة ينالها من أحسن إلى والديه وبر بهما خاصة عند الكِبر، والخسارة والخزي والعار لمن فرط في حق والديه؛ روى مسلم في صحيحه عن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال: «رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، ثُمَّ رَغِمَ أنْفُ، قيلَ: مَنْ يا رَسولَ اللهِ؟ قالَ: مَن أدْرَكَ والديه عِنْدَ الكِبَرِ، أحَدَهُما، أوْ كِلَيْهِما فَلَمْ يَدْخُلِ الجَنَّةَ».
فبر الوالدين عند الكِبَر من أوجب الواجبات علينا جميعا، قال تعالى: }وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا{ ]الإسراء: 23، 24[.
رسولنا –صلى الله عليه وسلم- يضرب لنا أروع المثل في احترامه لكبير السن حين جاءه الرجل مسلما، ففي مسند الإمام أحمد أن أبا بكر الصديق رضي الله تعالى عنه جاء بأبيه أبي قحافة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم
الفتح، يحمله حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يسلم بين يديه، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر الذي جاء بأبيه وقد كبرت سنه، ووهن عظمه، قال: «لو أقْرَرْتَ الشيخَ في بيتِه لأتَيناه» أي لو تركته في مكانه نحن نأتيه، ثم دعاه -صلى الله عليه وسلم- للإسلام فأسلم.
الله أكبر.. أمير المؤمنين هي لا تعرفه، لكن الله يعرفه.
عمر –رضي الله عنه- أمير المؤمنين يتعهد عجوزا عمياء في سواد الليل والناس نيام، لكن الله لا
ينام، عمر يتعهدها ويقوم بخدمتها وإصلاح الطعام لها ورعايتها، والاهتمام بشؤونها، وهي لا
تعرفه، لكن الله يعرفه.
قمة في إكرام ذي الشيبة المسلم، صاحبها أول المبشرين بالجنة، ففي (كتاب سير السلف لقوام
السنة) أبوبكر الصديق-رضي الله عنه- يتعهد امرأة مع ابنتها فيقوم بحلب شاتهما ليطعمهما، الأم
وابنتها تعرفان أن الذي يحلب شاتهما هو أبوبكر، فلما تولى الخلافة قالا من يحلب لنا الشاة بعد
أن تولى الخلافة، فقال -رضي الله تعالى عنه-: "بل لأحلبنها لكم وأرجو أن لا يغيرني ما دخلت
فيه". أي: لا يغيرني ما توليت من ولاية عظمى عن أن أقوم بشأنكم وأسير على ما كنت عليه من صالح العمل.
نسأل الله أن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضى، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر
المؤمنين من كل ذنب، فاستغفروه فيا فوز المستغفرين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
أما بعد.. فيا أيها الأحباب الكرام في الله:
فهذا رجل كبير السن -كما في حديث عبد الله بن بسر- يأتي للنبي -صلى الله عليه وسلم- فيقول: يا رسول الله، إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ! فأخبِرْني بشيء أتشبث به. وفي رواية: ولا تُكْثِرْ. فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يزالُ لسانك رطباً من ذكر الله تعالى" رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط.
بل جعل الإسلام للشيب الذي يظهر على رأس المسلم ولحيته قيمة عظيمة، وأجراً كبيراً، قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كتب الله له بها حسنة، وحَطَّ عنه بها خطيئة" أخرجه الدارمي وصححه الألباني.
فإذا كانت توجيهات هذا الدين نحو الكبار واحترامهم بهذا السمو، فأين هذه القيمة العظيمة في
حياتنا؟ وأين حقوقهم في مجتمعاتنا وفي سلوكنا وتعاملاتنا؟ فكم من أبوين كبيرين عقهما هجرهما
وأساء معاملتهما أبناؤهما! وكم من شيخ أو إنسانٍ كبير تطاول عليه الصغار والشباب وسخروا
من كلامه ورأيه، قد يلمزه بقلة علمه، أو بسبب لونه، أو بعدم نظافة ملبسه، أو بسبب فقره، أو أنه من بلد غير بلده.
ما أعظم هذا الدين يراعي حقوق الكبار والصغار:
أمر الإسلام بتخفيف الصلاة مراعاة لكبر سنهم؛ روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أن رسول الله قال: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف؛ فإن منهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء".
بل إذا تساوى الأئمة في حفظهم لكتاب الله، يصلي بهم الأكبر سنا.
حتى في السلام الصغير يبدأ بالسلام على الكبير، روى البخاري من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "يسلم الصغير على الكبير، والمار على القاعد، والقليل على الكثير".
من لم يعرف حق الكبير فهو على خطر عظيم، قال –عليه الصلاة والسلام: "مَن لم يرحم
صغيرنا ويعرِفْ حقَّ كبيرنا، فليس منا" رواه البخاري في الأدب المفرد وأبو داود وصححه الألباني
خلاصة القول:
خلاصة القول: من أراد الخير في حياته ومماته، والبركة في رزقه وعمره، والنجاة من عذاب الله
ومقته وغضبه، فليحسن إلى أبيه وأمه، خاصة الأكابر منهم والمسلمين، بالدعاء لهم، وحسن الخطاب معهم، وتقديمهم في الكلام والسؤال، وبدئهم بالسلام...
أسال الله أن يوفقني وإياكم لما يحب ويرضى، واسأله أن يجعلني وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب،
اللهم أصلحنا وأصلح شباب المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح بنات المسلمين اللهم أصلحنا وأصلح نساء المسلمين، اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدى فيه أهل معصيتكم ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر يا رب العالمين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً وسائر بلاد المسلمين من كل سوء ومكروه، اجعل لنا وللحاضرين من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ومن كل عسر يسراً ومن كل ظالم نجا ارزقنا جميعاً من حيث لا نحتسب، من أرادنا أو أراد بلدنا بسوء فاشغله بنفسه واجعل كيده في نحره ، اللهم اجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً واجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً ولا تجعل فينا ولا منا ولا معنا شقياً ولا محروماً، لا تخرجنا جميعاً من هذا المكان إلا بذنب مغفور وسعي مشكور وتجارة رابحة لا تبور.
عباد الله: صلوا وسلموا على المبعوث رحمة للعالمين حيث أمركم فقال ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب: 56 .
إعداد/ ياسر عبد الله محمد الحوري ...المزيد
معلومات
دكتوراه في التفسير وعلوم القرآن. إمام وخطيب. دبلوم الخطيب المتميز
أكمل القراءةالمواد المحفوظة 4
- بسم الله الرحمن الرحيم السيرة الذاتية الاسم: ياسر عبد الله محمد الحوري ...
- يا شباب الإسلام احفظوا جوارحكم عن الآثام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...
- من أراد الفلاح والفوز والنجاح فليتب إلى الله؛ قال تعالى: {وَتُوبُواْ إِلَى اللهِ جَميعا أيُّهَ ...
- #خطبة_مقترحة بسم الله الرحمن الرحيم وقفات مع ...
المواد المفضلة 4
- بسم الله الرحمن الرحيم السيرة الذاتية الاسم: ياسر عبد الله محمد الحوري ...
- يا شباب الإسلام احفظوا جوارحكم عن الآثام الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا ...
- إكرام الأخوات من أقرب القربات بسم الله الرحمن الرحيم إخواني أخواتي، إن الأسرة من ...
- #خطبة_مقترحة بسم الله الرحمن الرحيم وقفات مع ...