كَشْفُ الظّنون عن أدونيس المأفون!
حينئذٍ تتحَوّلُ الحياةُ إلى مُسْتنْقَعٍ آسِنٍ، وتَرْتَكِسُ الدَّجَاجِلَةُ ومعهم الغَوْغَاءُ في الحَمْأة الوَبِيئةِ، وفي الدَّرك الهَابطِ، وفي الظّلامِ البَهِيمِ، ويعلُو أهلُ اللهِ بِمَرتعِهم الذكي، ومرتقاهم العالي، ونورِهم الوَضيءِ، فعيشُهم عيشُ المُلُوك بل أحْلَى، ودينُهم دينُ الملائكة.
الحمد لله ربِّ العالمين، وصَلَّى الله وسَلَّم على نبينا محمد وعلى آله وصَحْبِهِ أجمعين. أمَّا بَعد:
فَزَمَانُنَا هذا زمَانٌ تَنْطِقُ فيهِ الرُّوَيْبضَةُ، فعن أبي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: « »، قيلَ: ومَا الرُّويبضة؟ قال: « » (رواه أحمد في المسند، وقال أحمد شاكر: "إسناده حسن، ومتنِه صحيح"، وقال ابنُ كثير: "إسناده جيّد").
حينئذٍ تتحَوّلُ الحياةُ إلى مُسْتنْقَعٍ آسِنٍ، وتَرْتَكِسُ الدَّجَاجِلَةُ ومعهم الغَوْغَاءُ في الحَمْأة الوَبِيئةِ، وفي الدَّرك الهَابطِ، وفي الظّلامِ البَهِيمِ، ويعلُو أهلُ اللهِ بِمَرتعِهم الذكي، ومرتقاهم العالي، ونورِهم الوَضيءِ، فعيشُهم عيشُ المُلُوك بل أحْلَى، ودينُهم دينُ الملائكة.
أَيُّ شَيْطَانٍ لَئِيمٍ قَادَ خُطَا الْجُمُوعِ الشَّارِدَةِ عَنْ مَنْهَجِ اللهِ إِلَى هَذَا الْجَحِيمِ، لَقَدْ فَسَدَتِ الأَرْضُ بِالبُعْدِ عَنِ الإسْلاَمِ، وأَسِنَتِ الْحَيَاةُ، وتَعَفَّنَتْ قِيَادات الفِكْرِ مِنَ الْعَمَالِقَةِ الدَّجَاجِلَةِ، والْقِمَمِ الشَّامِخَةِ الزَّائِفَةِ، وذَاقَتِ الْبَشَرِيَةُ الوَيْلات منْ قِيَادَاتِ الْفِكْرِ الْمُتَعَفِّنةِ وَ{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ والْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاس} [الروم من الآية:41]، وَكَانتِ النَّكبَةُ القَاصِمَةُ لَمَّا نُحِيَّ الإسْلامُ عنِ الْحَيَاةِ، وتَطَاوَلَ عَلَيْهِ الرِّعَاعُ والْغَوْغَاءُ مِمَّن يُسَمُّونهُم "قَادةُ الفِكْرِ وأعلاَمُ الأَدَبِ والصَّحَافَةِ وأهلُ الحَدَاثَةِ" - أعْدَاءُ الإسْلاَمِ الّذِينَ تَطَاوَلُوا عَلَى اللهِ سبحانه وسَخِرُوا مِن دِينِهِ وأَنْكَرُوا وتَنَكَّرُوا لِكُلِّ مَعْلُومٍ منَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، وارْتَفَعَتْ لَهُمْ رَايَةٌ وصَوْتٌ، ونَجَحَتْ عِصَابَةُ الْمُضَلّلِينَ الْخَادِعِينَ أعْدَاءِ الْبَشَريَةِ.
ارتَقَوا -كَمَا يَزْعُمُونَ- فِي الإبْدَاعِ الْمَادّي، وارْتَكَسُوا فِي الْمَعْنَى الإنْسَانِي وَذَاقَ الْغَافِلُونَ عَلَى أيْدِيهِم القَلَقَ وَالْحَيْرَةَ والضَّيَاعَ، والشّكَّ، أَبْنَاءُ جِلْدَتِنَا لَكِنَّهُمْ هَجَرُوا وَأَهْلُ مِلَّتِنَا لَكِنَّهُم مَرَقُوا (أعلام وأقزام؛ ج1، ص: [4-5] بتصرُّف).
وأنَا هُنَا أرِيدُ أنْ أحَذِّرَ مِنْ شَيْطَانٍ مِنْ أولئِكَ الشَّيَاطِين، كُتُبُهُ مُقَرَّرَةٌ فِي الثَانوياتِ والجَامِعاتِ لأبنَاء المُسْلِمين عِنْدَنَا فِي المَغْرِب، وهَذَا مَا دَفَعَنِي لِكِتابَةِ هذَه المَقَالةِ إبْراءً للْذِمّةِ ونُصْحاً لِشَبَابِ الأمّةِ.
وأنا أعلَمُ علْمَ يَقِين أنَّ مثلَ هذَا الملْحد يَحْتاجُ إلى الحدِّ لا إلى الردّ ولَكِنَّ الذِّرةَ العُمريَةَ لاَ وجودَ لَها بينَنا لذَلكَ وَجبَ التّحْذِيرُ... إنّهُ عَلِي أحْمَد سَعِيد الشَّهير بـ"أَدُونيس" نُصَيْرِي سُورِي، يُعَدُّ الْمُرَوِّجُ الأَولُ لِمَذْهَبِ الْحَداثَةِ فِي الْبِلاَدِ الْعَربيَةِ، وَلِكَي تَفْهمُوا عنّي لا بأسَ بِتَعْرِيفٍ مُوجَزٍ للْحَدَاثَةِ لأنّ كثَيراً منَ النَّاس لا يَعْرفونَ معنى هذَا المُصْطَلَحِ.
فَأقولُ: "الحَدَاثَةُ مَذْهَبٌ فِكْرِي أَدَبِي عَلْمَانِي، بُنِيَ عَلَى أَفْكَارٍ وعَقَائِدَ غَرْبِيَةٍ خَالِصَةٍ مِثل الْمَارْكْسِية والوُجُودية والفرويدية والدّاروينِيةِ... وغَيْرِها، وتَهْدفُ الْحَداثَةُ إِلَى إلْغَاءِ مَصَادِرِ الدّينِ، وما صدرَ عَنْها مِنْ عَقِيدَةٍ وشَريعَةٍ وَتَحْطيمِ كُلِّ الْقِيَّمِ الدّينيَةِ والأخْلاقِية والإنسَانية، بِحُجّة أّنّها قَديمةٌ وَمَوْرُوثَةٌ، لِتَبْنِيَ الْحَيَاةَ عَلَى الإبَاحيَةِ والْفَوْضَى والْغُمُوضِ، وعَدَمِ المَنْطِق، والغَرَائِزِ الْحَيَوانيةِ، وذَلكَ باسمِ الْحُرّيةِ، والنّفَاذ إلَى أعْماقِ الْحَياةِ"
للتّوسع انظر لزَاماً (الموسوعة الميسّرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة؛ ج2، ص: [867] فما بعْدَها).
وأَدُونيس هَذا الخَبيثُ قَدْ هَاجَمَ التَّاريخَ الإسْلاَمِيَ، والدِّينَ والأخْلاقَ فِي رِسَالَتِهِ الْجَامِعيةِ الّتِي قَدّمَها لِنَيْلِ دَرَجَةِ الدّكتوراه منْ جَامِعة القِدّيس يُوسُفَ فِي لُبْنَانَ وَهِيَ بِعُنْوَان "الثّابِتُ والْمُتَحَوِّلُ"، جَهُولٌ جَاهِلٌ جَهْلاً بِجَهْلٍ ولَوْ قَدْ نِلْتَ ألْقَابَ البِلاَدِ وَدَعَا بِصَرَاحَةٍ إِلَى مُحَارَبَة اللهِ عز وجل.
وسَبَبُ شُهْرَتِهِ فَسَادُ الإعْلامِ والصّحَافَة الْمُغْرِضَةِ بِتَسْلِيطِ الأضْواءِ علَى كُلّ زٍِنْدِيق وشَاذ وغَريبٍ وَمَارِقٍ.. أدُونِيس رَائِدُ الْحَدَاثَةِ الّذِي وُضِعَ فِي وَاجِهَةِ سَرَطَان الْحَدَاثَةِ، وَصَارَتْ لَهُ شُهْرَةٌ دَاوِيةٌ فِي الْمَحَافِلِ الأَدَبِيَةِ والفِكْريَةِ عَلَى صَعِيدِ الْعَالَمِ العَرَبِي... وتَولّى هوَ ومَجْمُوعَةٌ منَ الْخَنَازيرِ من أمثالِ بدر شَاكر السّيّاب والبَيَاتِي والمُقَالح وغَيرِهمْ الدّعْوَةَ إِلَى تَمْسِيحِ الشِّعْرِ وَصَعْلَكَتِهِ وابتعَاثِ الأَسَاطِيرِ الْقَدِيمَةِ وَإحْيَاءِهَا فِي عَداءٍ شَدِيدٍ للْفُصْحَى وَمَا وَرَاءَهَا مِنْ قِيَمِ الإسْلاَمِ وَالْقُرْآنِ.
وَهَكَذَا دَافَعَت الصّحَافَةُ عَنْ هَذِه الْمَفَاهِيمِ الْمَسْمُومَةِ وَأفْسَحَتْ لَهَا وَمَكَّنَت لِهَؤُلاَءِ الأوْغَاد والأَوْبَاشِ الزّنادقة الّذِينَ ظَهَرُوا فِي ذَلِكَ الإتّجَاهِ مِنْ أنْ يَتَفَتَّحُوا فِي رِحَابِهَا وَأنْ تَلْمَعَ أَسْمَاؤُهُم، وَالْهَدَفُ هُوَ ضرْبُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَةِ، وضَربُ الْقِيَّمِ والأَخْلاَق مِنْ خِلاَلِ مَا تَحْمِلُ هَذِهِ الْكِتَابَاتِ مِنْ مَفَاهِيمَ مُضَلِّلَةٍ زَائِفَةٍ مُنْحَرِفَةٍ وإحْلاَلِ ظَلاَمِ الوُجُوديَةِ والْمَاديةِ والإِبَاحِيَةِ وَالْمَارْكْسِيَةِ الْمُعَقَّدَةِ وَمَفَاهِيمِهَا الضَّالَّةِ مَحَلَّ رُوحِ الأَصَالَةِ وَالرَّحْمَةِ والْعَدْلِ والتَّوْحِيدِ الْخَالِصِ الّتِي يُمَثِّلُها الأَدَبُ الْعَرَبيُّ الأَصِيلُ.
كما يقولُ الأستاذُ أنور الجُنْدي رحمه الله في كتابه (الصّحافة والأقلام المسمومة؛ ص: [161-162] بتصَرّف).
وَقَدْ حَمَلَ أَدُونِيسُ كُلَّ مفَاهِيم (أنْطُون سعادَة) فِي كَرَاهيَةِ الْعُرُوبَةِ وَالإِسْلاَمِ وَاحْتِقَارِ الْوَاقِعِ الْمُعَاصِرِ، وَالدَّعْوَةِ إِلَى تَغْييرِهِ وَإِحْيَاءِ تُراثِ الْفِينِيقِيَةِ الْقَدِيمِ بِاعْتِبَارِ فِينِيقْيَا هيَ الْفِرْدَوْسُ الْمَفْقُودُعِنْدَ الْقَوْمِيينَ السُّورِيينَ، وَكانَ امْرأً منْ جُنْدِ إبْلِيسَ فَارْتَقَى بهِ الْحَالُ حَتّى صَارَ إبْلِيسُ مِنْ جُنْدِهِ يَقُولُ رَجَاءُ النّقّاشُ: "وقَدْ أَدْرَكَ الاسْتِعْمَارُ قِيمَةَ هَذِه الْفِكْرَةِ فَوَقَفَ وَرَاءَهَا وَسَانَدَهَا فَهيَ فِي حَقِيقَتِهَا جُزْءٌ مِنَ الثَّوْرةِ الْمُضَادّةِ للْعُرُوبَةِ، لأَنَّهَا تُحَاوِلُ أنْ تُثِيرَ الشَّكَّ فِي سَلاَمَةِ الْفِكْرَةِ الْعَرَبيَةِ والإسْلاميةِ".
إِنَّ أدُونِيس؛ لاَ يَتَوَرَّعُ عَنْ وَصْفِ مَاضِينَا بالضَّيَاعِ فِي مُخْتَلِفِ الْمَجَالاَتِ أوْ مَا يُسَمِّيهِ الأَشْكَال ويَبْدَأُهَا بِالشَّكْلِ الدّينِي أيْ الإسْلاَمِي، ولاَ نَدْرِي مَا الْمَقْصُودُ بِالضّيَاعِ تَمَاماً؟
لَكِنَّهُ حِينَ يَصِفُ مَاضِينَا بِمَمْلَكَةِ الْوَهْمِ وَالْغَيْبِ الّتِي تَتَطَاوَلُ وَتَسْتَمِرُّ، نَدْرِي جَيّداً أَنَّهُ يَرْفُضُ الإِسْلاَمَ جُمْلَةً وتَفْصِيلاً، ويُلْقِي عَلَيْهِ تَبِعَةَ أنْ يَجِدَ العَرَبِيُّ نَفْسَهُ أوْ يَصْنَعَهَا! -كما يَقُولُ الدّكتور سيّد العَفّانِي.
إلَى هَذَا الْحَدِّ وَصَلَتْ أَفْكَارُ الْحَدَاثَةِ عِنْدَ (أَدُونِيس) بِحَيْثُ صَارَ إِلْغَاءُ الْمَاضِي، وَإِلْقَاءُ تَبِعَة الْحَاضِر عَلَيْهِ مَدْخَلاً ضَرُورِيّاً لِتَأْسِيسِ الْعَصْرِ الْجَدِيدِ الّذِي يُرِيدُهُ. إِنَّهُ عَصْرٌ بِلاَ إسْلام، وَلَمْ يَقُلْ لَنَا لِمَاذَا يَرْفُضُ الْمَاضِي، وَلِمَاذَا عَدَّهُ مَمْلَكَة الْوَهْمِ وَالْغَيْبِ الّتِي تَتَطَاوَلُ وَتَسْتَمِرُّ؟!
يَسألُ الدّكْتُورُ سيّد العفّاني ثُمَّ يُجِيب عن هذِه التّسَاؤُلاتِ: "إِنَّهُ مُقْتَنِعٌ تَمَاماً أَنَّ الْحَدَاثَةَ لاَبُدَّ أنْ تُزِيلَ الإسْلاَمَ دُونَ تَقْدِيمِ أَسْبَابٍ مَنْطِقِيةٍ أوْ جَوْهَرِيَّةٍ، وَمَرْجِعُهُ فِي ذَلِكَ ماَ يَقُولُهُ لِينِين، وَهِيغِل.. أيْ إِنَّ مَرْجِعِيتَهُ العَقَدِيَة وَالْفِكْريَة هيَ الْمَارْكْسية كَما يَرَاهَا صُنَّاعُهَا وَعُشَّاقُهَا.
وَلَمَّا كانتِ الْمَارْكْسيةُ نَقْداً لِمَا هُوَ سَائِدٌ وهَدْمٌ لَهُ، فَلاَ بدّ أنْ نُنقدَ -كمَا يُرِيدُ أدُونِيسُ مَا هُوَ سَائِدٌ عنْدَنَا وَنَهْدمهُ لِنَبْنيَ الْعَالَمَ الْجَدِيدَ عَلَى أنْقَاضِ الْعَالَمِ الْقَدِيمِ الّذي يقُومُ فِي جَوْهَرِهِ ثَقَافَةً وَحَياةً عَلَى الدّينِ، وَلِذَا يَسْتَشْهِدُ أَدونيس بِمَقُولَةِ مَارْكس لَعَنَهُ اللهُ: "نَقْدُ الدّينِ شَرْطٌ لِكُلِّ نَقْدٍ" وَهَذا النّقْدُ أَسَاسُ بِنَاءِ الْعَصَرِ الْجَدِيدِ، أي: العَصْر الْمَاركْسِي اهـ بتصرّف (صفحات مطوية من التاريخ؛ ج1، ص: [31]).
قُلْتُ: عِنْدَنا في الْمَغْرب يُدَرِّسُونَ لأبناءِ الْمُسْلِمينَ كِتاباً منَ الوَرق الْمُتَوسّطِ عدد صفحاتهِ [270] صفحة عُنوانهُ: "ظَاهِرَةُ الشِّعرِ الْحَدِيثِ" مُؤلّفه أحمدُ المعدَاوِي المجاطي؛ للسّنة الثّانية من سِلك الباكالوريا..
اِقرَأ ماذَا يَقُولُ في الصّفحة: [119] عن هَذَا الخَبيثِ: "مِنْ هُنَا كَانَ مَوْقِفُهُ مِنَ الْواقِعِ الْعَرَبِي، شَبيهاً بِمَوْقِفِ الْمَسِيحِ من جُثّة (لَعازر)، إِنَّ إحْسَاساً خَارِقاً، بِقُدْرَةٍ جَبّارَةٍ، عَلَى إعَادَةِ الْحَيَاةِ لِهَذِه الْجُثَّةِ يَمْلأُ جَوَانحَ أدونِيس، إِنّهُ يَعْلَمُ بِأنّهُ جُزْءٌ منْ هَذَا الواقِع الْمَيّتِ، وَلَكِنّهُ يَحُسُّ بِأَنَّ شَيْئاً مَا يُمَيّزُهُ عَنْهُ... ثُمَّ سَاقَ هَذَا الْمأفُونُ جُمْلَةً مِن أشعَاره النّتِنة وتحليلِها وَفَرْضِها على شبَابِ الإسْلامِ وَعُدّة الْمُسْتَقْبَل الّذين لاَ يعْرِفُونَ مَاذَا يُرادُ بِهِم: قَدْ هَيّؤوكَ لأمْرٍ لَوْ فُطِنْتَ لهُ فَاربأ بِنَفْسِكَ أن تُرْعَى معَ الْهَمَلِ وَالكِتاب مَلِيءٌ بِالحَدثيينَ وأشْعارِهم واللهُ المُسْتَعانُ.
وَخُلاَصَةُ الْقَولِ:
أدُونِيسُ شَيْطَانٌ مِنْ شَيَاطينِ الإنْسِ السُّكَارَى الْغَاوِين الأفّاكِين يَمْضِي فِي عَالَمِ التِّيهِ والسَّرَابِ والظُّلُمَاتِ والْوَادِي السَّحِيقِ يَنْتَقِلُ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَخْطَرِ جَرِيمَةٍ، وأسْوأ كَلِمَةٍ، وأقْبَحِ صُورَةٍ، وأوْقَحِ تَعْبِيرٍ، يَنْتَقِلُ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ سَافِرٍ لِيَهْدِمَ الْعَقِيدَةَ وَالإيمَانَ بِهُجُومٍ سَافِرٍ مُبَاشِرٍ... إنّهُ يَقُولُ: "اللهُ فِي التَّصَوُّرِ الإسْلاَمِي التّقْليدِي نُقْطَةٌ ثَابتةٌ مُتَعاليةٌ، مُنْفَصِلَةٌ عنِ الإنْسَان، التّصَوّفُ ذَوّبَ ثَبَاتَ الألُوهيةِ، جَعَلَ حَرَكة النّفسِ فِي أغْوارِهَا، أَزَالَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الإنْسَانِ، وَبِهَذَا قَتَلَهُ -أيْ الله-، وأعْطَى الإِنْسَانَ طَاقَاتهِ، الْمُتَصَوِّفُ يَحْيَا فِي سُكْرٍ يُسَكِّرُ بِدَوْرِهِ الْعَالم، وَهَذَا السُّكْرُ نَابِعٌ مِنْ قُدْرَتِهِ الْكَامِنَةِ عَلَى أنْ يَكُونَ هُوَ اللهُ وَاحِداً، صَارَتِ الْمُعْجِزَةُ تَتَحَرّكُ بَيْنَ يَدَيْهِ" اهـ (مُقَدّمة في الشِّعر العَرَبِي؛ ص: [131]).
وَيَتَحَدّثُ أَدُونِيسُ في نَفْسِ الْكِتَاب عَنْ أَبِي نُواس الْمَاجِن فِي جُمَلٍ عَائِمَةٍ هَائِمَةٍ، ضَائِعَة الْمَعَالِم والْمَعَانِي، كَلِمَات تَفُوحُ بِرائِحة الْخَمْرَة، وَتَدُورُ دوارَ الثَّمِلِ، وَتَتَرَنّحُ تَرَنُّحَ السّكْرَانِ، وَتَشْتَطُّ فِي أَكْثَر مِن سَبِيلٍ مُعْوجّةٍ تَائِهَةٍ وَيَرَى فِي سُلُوكِ أبي نُواس ثَوْرَةً وَتَجْدِيداً وَحَدَاثَةً، يَقُولُ عَنْ أَبِي نواس إنّهُ بُودْلِيرُ الْعَرَبِ" ص: [47].
يَقُولُ الدّكتورُ عَدْنَانُ النّحْوي: فَمَا بَالُ كَاتِبنا مُغْرَمٌ بِتَشْبِيهِ شُعَرَاءِنا بِالسَّاقِطينَ فِي دِيَارِ الْغَرْبِ، وَلَو بُعِثَ أَبُو نُواس وَسَمِعَ هَذَا التّشْبِيهَ وعَرَفَ منْ هُوَ بُودْلِير لَقَذَفَ الْكَلاَمَ فِي وَجْهِ صَاحِبِهِ ولَتَابَ وَأَنَابَ. اهـ (الحَدَاثَةُ فِي مَنظور إيماني؛ ص: [27]؛ نقلاً عن كتاب: صفحات مَطْوية من التّاريخ؛ للدكتور العفّاني، ج2، ص: [36]).
ويَقُولُ أيضاً: أبُو نُواس شَاعِرُ الْخَطِيئَةِ لأَنّهُ شَاعِرُ الْحُريّةِ" ص: [52]. ويَقُولُ أيضاً: "هَكَذَا أبُو نواس فَصَلَ الشّعْرَ عنِ الأخْلاقِ والدّينِ. إِنّهُ الإنْسُانُ الّذي لاَ يُواجِهُ اللهَ بِدين الْجَمَاعَة، وَإنّمَا يُوَاجِهُهُ بِدِينِهِ هُوَ" ص: [53].
ويُحَاربُ اللّغةَ ويَشْتَدُّ فِي حَرْبِهِ وَفِي غَيّهِ وفي غَيْبُوبَتِهِ فَيَقُولُ -لعنهُ الله-: "إِنَّ تَحْريرَ اللّغَةِ منْ مَقَاييسِ نِظَامِهَا البرانِي، والإسْتِسْلام لِمدّها الجَوانِي، يَتَضَمّنَانِ الإسْتِسْلامَ بِلاَ حُدُودٍ إلَى الْعَالَم" ص: [138].
قَال الدّكتورُ العفّاني: "إنّهُ تَحْطِيمٌ كَامِلٌ للّغَةِ، وإلْغَاءٌ لِقَوَاعِدِهَا كلِّها: نَحْوِهَا وَصَرْفِها وَبَلاَغَتِهَا وَبَيَانِها"... فيَقُولُ -يعني أدونيس-: "وَهَذَا يُؤَدّي إِلَى الْقَضَاء عَلَى عِلمِ الْمَعَاني" ص: [138] اهـ (صفحات مَطْوية من التّاريخ؛ للدكتور العفّاني، ج2، ص: [37]).
ويَقُولُ فِي كتابِهِ (الثابت والْمُتَحَوِّل: [3/ 178-179]):
"كُل نَقْدٍ جذري للدِّينِ والفَلسفة والأخلاق يتضمَّن العدمية ويؤدي إليها -يعني عدم وجود الله-، وهذا ما عَبَّرَ عنه (نيتشه) بعبارة: (موت الله)، وقد رأينا (جبران) -يقصد جبران خليل جبران- قَتَلَ الله هو كذلك -على طريقته- حين قتل النظرية الدينية التقليدية، وحين دعا إلى ابتكار قيم تتجاوز الملاك والشيطان، أو الخير والشر!.."، إلى أنْ قال -لَعَنَه الله-: "الأخلاق التي يدعوا إليها (جبران) هي التي تعيش موت الله، وتنبع ولادة إله جديد، إذَنْ هو يَهْدم الأخلاقَ التي تضعف الإنسان وتستعبده -يعني وجود الله والتديُّن بدِينه-، ويُبَشِّر بالأخلاقِ التي تُنَمِّيه وتُحرِّره -يعني الإنسان، وهي أخلاق الإلحاد والزندقة-!، وهؤلاء الزنادقة يُبارزون الله بالْمُحَارَبَة". وقال أيضاً في: [3/248]) عن الإنسان "أنه خالِق"!
وقال -عليه لعنةُ اللهِ- في كتابه (الصوفية والسوريالية؛ ص: [55]): "ففي النّشْوَة ينعدم كل شيءٍ حتى الله"! {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الزمر:67].
وَأكْتَفِي بَهَذَا القدْر فَفِيهِ الْكِفَاية إن شَاءَ اللهُ، ومنْ أرادَ التّوسّعَ فعَلَيْهِ بِكتاب الدّكتور سيد بن حُسين العفّاني (صفحات مَطْوية من التّاريخ) وله عُنوان آخر (أعلام وأقزام في مِيزان الإسلام) في مُجَلّدينِ.
فقد استَفَدْتُ منهُ كَثيراً فَلْيُعْلَم.
- التصنيف:
- المصدر: